فصل: قال المظهري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واحتج من قال: بأن ورود النار في الآية بالنسبة للمؤمنين- حر الحمى في دار الدنيا- بحديث «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء» وهو حديث متفق عليه من حديث عائشة وأسماء ابنيت أبي بكر، وابن عمر ورافع بن خديج رضي الله عنهم. ورواه البخاري أيضًا مرفوعًا عن ابن عباس.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: قد دلت على أن الورود في الآية معناه الدخول- أدلة: الأول- هو ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما من أن جميع ما في القرآن من ورود النار معناه دخولها غير محل النزاع، فدل ذلك على أن محل النزاع كلك، وخير ما يفس به القرآن القرآن. الدليل الثاني- هو أن في نفس الآية قرينة دالة على ذلك، وهي أنه تعالى لما خاطب جميع الناس بأنهم سيردون النار برهم وفاجرهم بقول: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ على رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا} بين مصيرهم ومآلهم بعد ذلك الورود المذكور بقوله: {ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا} اي نترك الظالمين فيهأ- دليل على أن ورودهم لها دخولها فيها، إذ لو لم يدخلوها لم يقل: ونذر الظالمين فيها. بل يقول: ونُدخل الظالمين، وهذا واضح كما ترى وكذلك قوله: {ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا} دليل على أنهم وقعوا فيما من شأه أنه هلكة، ولذا عطف على قوله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} قوله: {ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا}.
الدليل الثالث- ما روي من ذلك عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال صاحب الدر المنثور في الكلام على هذه الآية الكريمة: أخرج أحمد وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي، وابن المنذر، وابن ابي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردوية، والبيهقي في البعث، عن ابي سمية قال: اختلفنا في الورود فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن. وقال بعضهم: يدخلونها جميعًا ثم ينجي الله الذي اتقوا. فلقيت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فذكرت له ذلك فقال وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه: صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها: فتكون على المؤمنين بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم، حتى إن للنار ضجيجًا من بردهم، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فِيها جثيًا» اهـ. وقال ابن حجر في (الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف) في هذا الحديث: رواه أحمد وابن أبي شيبى، وعبد بن حميد قالوا: حدثنا سليمان بن حرب، وأخرجه أبو يعلى والنسائي في الكنى، والبيهقي في الشعب في باب النار، والحكيم في النوادر، كلهم من طريق سليمان قال: حدثنا أبو صالح غالب بن سليمان، عن كثير بن زياد عن ابي سمية قال: اختلفنا في الورود فسألنا جابرًا فذكر الحديث أم من اللفظ الذي ذكره الزمخشري. وخالفهم كلهم الحاكم فرواه من طريق سليمان بهذا الإسناد فقال عن سمية الأزدية عن عبد الرحمن بن شيبة بدل أبي سمية عن جابر اهـ. وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: قال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا غالب بن سليمان، عن كثير بن زياد البرساني، عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن.
وقال بعضهم: يدخولونها جميعًا ثم ينجي الله الذي اتقوا، فلقيت جابر بن عبد الله فقلت: إنا اختلفنا في الورود فقال: يدخلونها جيمعًا. ثم ذكر الحديث المتقدم. ثم قال ابن كثير رحمه الله: غريب ولم يخرجوه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الظاهر أن الإسناد المذكور لا يقل عن درجة الحسن لأن طبقته الأولى سليمان بن حرب، وهو ثقة إمام حافظ مشهور. وطبقته الثانية: أبو صالح أو أبو سلمة غالب بن سليمان العتكي الجهضمي الخراساني أصله من البصرة، وهو ثقة. وطبقته الثالثة: كثر بن زياد أبو سهل البرسانس بصري نزل بلخ، وهو ثقة. وطبقته الرابعة: أبو سمية وقد ذكره ابن حبان في الثقات، قاله ابن حجر في تهذيب التهذيب: وبتوثيق أبي سمية المذكور تتضح صحة الحديث، لأن غيره من رجال هذا الإسناد ثقات معرفون، مع أن حديث جابر المذكور يعتضد بظاهر القرآن وبالآيات الأخى التي استدل بها ابن عباس- وآثار جاءت عن علماء السلف رضي الله عنهم كما ذكره ابن كثير عن خالد بن معدان، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه، وذكره هو وابن جرير عن أبي ميسرة، وذكره ابن كثير عن عبد الله بن المبارك عن الحسن البصري، كلهم يقولون: إنه ورود رخول. وأجاب من قال: بأن الورود في الآية الدخول عن قوله تعالى: {أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] بأنهم مبعدون عن عذابها وألمها. فلا ينافي ذلك وردوهم إياها من غير شعورهم بألم ولا حر منها كما أوضحناه في كتابنا: (دفع الاضطراب عن آيات الكتاب) في الكلام على هذه الآية الكريمة.
وأجابوا عن الاستدلال بحديث «الحمى من فيح جهنم» بالقول بموجبه، قالوا: الحديث حق صحيح ولكنه لا دليل فيه لمحل النزاع، لأن السياق صريح في أن الكلام في النار في الآخرة وليس في حرارة منها في الدنيا، لأن أول الكلام قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ والشياطين ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم: 68] - إلى أن قال- {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} فدل على أن كل ذلك في الآخرة لا في الدنيا كما ترى. والقراءة في قوله: {جثيا} كما قدمنا في قوله: {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا}. وقوله: {ثم ننجي} قراءة الكسائي بإسكان النون الثانية وتخفيف الجيم، وقرأه الباقون بفتح النون الثانية وتشديد الجيم. وقد ذكرنا في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) أن جماعة رووا عن ابن مسعود: (أن ورود النار- المذكور في الآية- هو المرور عليها، لأن الناس تمر على الصراط وهو جسر منصوب على متن جهنم) وأن الحسن وقتادة روي عنهما نحو ذلك ايضًا. وروي عن ابن مسعود أيضًا مرفوعًا: (أنهم يردونها جيمعًا ويصدرون عنها بحسب أعمالهم). وعنه أيضًا تفسير (الورود بالوقوف عليها). والعلم عند الله تعالى.
وقوله تعالى في الآية الكريمة: {كَانَ على رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا} يعني أن ورودهم النار المذكور كان حتمًا على ربك مقضيًا، أي أمرًا واجبًا مفعولًا لا محالة، والحتمك الوجب الذي لا محيد عنه، ومنه قوله أمية بن ابي الصلت الثقفي:
عبادك يخطؤون وأنت رب ** يكفيك المنايا والحتوم

فقوله: (والحتوم) جمع حتم، يعنى الأمور الواجبة التب لابد من وقوعها. وما ذكره جماعة من أهل العلم من أن المراد بقوله: {حتمًا مقضيًا} قسمًا واجبًا، كما روي عن عكرمة وابن مسعود ومجاهد وقتادة وغيرهم- لا يظهر كل الظهور.
واستدل من قال: إن في الآية قسمًا بحديث ابي هريرة الثابت في الصحيحين. قال ابخاري في صحيحه: حدثنا علي، حدثنا سفيان قال: سمعت الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يموت لمسلم ثلاثة من الولدِ فيلج النار إلا تلحة القسم» قال أبو عبد الله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} اهـ. وقال مسلم في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يموت لأحدٍ من المسلمين ثلاثةُ من الولدِ فتمسه النار إلا تحلة القسم». حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وزهيير بن حرب قالوا. حدثنا سفيان بن عيينة (ح) وحدثنا عبد بن حميد، وابو رافع، عن عبد الرزاق، أخبرنا معمر كلاهما عن الزهري بإسناد مالك، وبمعنى حديثه إلا أن في حديث سفيان «فيلج النار إلا تحلة القسم». اهـ. قالوا: المراد بالقسم المذكور في هذا الحديث الصحيح هو قوله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ على رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا} وهو معنى ما ذكرنا عن البخاري في قوله: قال ابو عبد الله {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا}. واللذين استدلوا بالحديث المذكور على أن الآية الكريمة قسمًا اختلفوا في موضع القسم من الآية، فقال بعضهم: هو مقدر دل عليه الحديث المذكور على أن الآية الكريمة قسمًا اختلفوا في موضع القسم من الآية، فقال بعضهم: هو مقدر دل عليه الحديث المذكور، اي والله وإن منكم إلا وادها. وقال بعضهم: هو معطوف على القسم قبله، والمعطوف على القسم قسم، والمعنى: فوربِّك لنحشرنهم والشياطين وربك إن منكم إلا واردها، وقال بعضهم: القسم المذكور مستفاد من قوله: {كَانَ على رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا} أي قسمًا واجبًا كما قدمناه عن ابن مسعود ومجاهد، وعكرمة، وقتادة.
وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد بالقسم ما دل على القطع والبت من السياق. فإن قوله تعالى: {كَانَ على رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا} تذييل وتقرير لقوله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} وهذا بمنزلة القسم في تأكيد الإخبار. بل هذا أبلغ للحصر في الآية بالنفي والإثبات.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي والله تعالى أعلم أن الآية ليس يتعيم فيها قسم. لأنها لم تقترن بأداة من أدوات القسم، ولا قرينة واضحة دالة على القسم، ولم يتعين عطفها على القسم. والحكم بتقدير قسم في كتاب الله دون قرينة ظاهرة فيه زيادة على معنى كلام الله بغير دليل يجب الرجوع إليه. وحديث أبي هريرة المذكور المتفق عليه لا يتعين منه أن في الآية قسمًا. لأن من أساليب اللغة العربية التعبير بتحلة القسم عن القلة الشديدة وإن لن يكن هناك قسم أصلًا. يقولون: ما فعلت كذا إلا تحلة القسم، يعنون إلا فعلًا قليلًا جدًا قدر ما يحلل به الحالف قسمه. وهو أسلوب معروف في كلام العرب، ومنه قول كعب بن زهير في وصف ناقته:
تخذي على يسرات وهي لاصقة ** ذوابل مسهن الأرض تحليل

يعني: أن قوائم ناقته لا تمس الأرض لشدة خفتها إلا قدر تحليل القسم، ومعلوم أنه لا يمين من ناقته أنها تمس الأرض حتى يكون ذلك المس تحليلًا لها كما ترى. وعلى هذا املعنى المعروف: فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم «إلا تحلة» أي لا يلج النار إلا ولوجًا قليلًا جدًا لا ألم فيه ولا حر، كما قدمنا في حديث جابر المرفوع. وأقرب أقوال من قالوا: إن في الآية قسمًا قوله من قال إنه معطوف على قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} [مريم: 68] لأن الجمل المذكورة بعده معطوفة عليه، كقوله: {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ}، وقوله: {ثُمَّ لَنَنزِعَنّ} [مريم: 96] وقوله: {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ} [مريم: 70] لدلالة قرينة لام القسم في الجمل المذكورة على ذلك. أما قوله: {كَانَ على رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا} فهو محتمل للعطف أيضًا، ومحتمل للاستئناف. والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.قال المظهري:

{وَيَقُولُ الْإِنْسانُ}.
المراد به الجنس فإن قول بعضهم يسند إلى الجنس أو بعضهم المعهود قال البغوي المراد به أبى ابن خلف الجمحي كان منكرا للبعث روى أنه أخذ عظما باليا ففتتها وقال يزعم محمد أنا نبعث. بعد ما نموت- فحكى اللّه تعالى قوله حيث قال: {أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ} من الأرض أو من حالة الموت حَيًّا (66) تقديم الظرف وايلاؤه حرف الإنكار لكون المنكر كون ما بعد الموت الحيوة- والظرف متعلق بفعل- دل عليه أخرج لابه لأن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبله- واللام هاهنا لمجرد التأكيد من غير ارادة معنى الحال- قرأ ابن ذكوان بهمزة واحدة مكسورة على صورة الخبر يحذف همزة الاستفهام في اللفظ والمراد معنى الإنكار والباقون بهمزتين.
{أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ} قرأ نافع وعاصم وابن عامر بإسكان الذال وضم الكاف مخففك على وزن ينصر والباقون بفتح الكاف والذال مشددا أصله بتذكّر أدغمت التاء في الذال ومعناه يتفكر عطف على يقول أورد همزة الاستفهام بين المعطوف والمعطوف عليه لانكار الجمع بينهما وكان الأصل إدخالها على المعطوف عليه لكن أريد الدلالة على أن المنكر بالذات هو المعطوف وانكار المعطوف عليه انما نشأ منه {أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)} أصلا مع أن إيجاز المعدوم الصرف اعجب من جمع المواد بعد التفريق وإيجاد مثل ما كان فيها من الاعراض.
{فَوَرَبِّكَ} أقسم بنفسه مضافا إلى نبيه تفخيما لشان النبي صلى اللّه عليه وسلم والفاء للسببية فإن إنكارهم البعث سبب لحشرهم مع الشياطين إلى جهنم {لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ} مفعول معه وجاز كونه معطوفا قال البغوي يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} (68) حال من الضمير المنصوب قال ابن عباس يعنى جماعات جمع جثوة- وقال الحسن والضحاك جمع جاث أى جاتين على الركب- وقال السدىّ قائمين على الركب بضيق المقام قلت يحضر اللّه حول جهنم جميع الناس السعداء والأشقياء ليزداد السعداء غبطة وسرورا حين يرون ما نجاهم اللّه منه ويزداد الأشقياء وحسرة وغيظا من رجوع السعداء عنهم إلى دار الثواب أخرج عبد اللّه بن أحمد في زوائد الزهد والبيهقي عن عبد اللّه ابن نابتة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «كانى أراكم بالكرم دون جهنّم جاثين»- ثم قرأ سفيان راوى الحديث {وترى كلّ امّة جاثية} الآية- قال ابن حجر المراد بالكرم المكان العالي الّذي يكون عليه أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم وكلمة ثم تدل على تراخى حضورهم حول جهنم من الحشر وذلك لاحتباسهم دهرا طويلا في الموقف قبل أن يفصل بينهم.
{ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} أى من كل أمة واهل دين وأصله من شاع يشيع شيعا وشيوعا ومشاعا وشيوعة كديمومة وشيعانا محركة ذاع وفشا وشيعة الرجل بالكسر اتباعه والضارة والفرقة علحدة- ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث كذا في القاموس قلت وانما يطلق الشيعة على اتباع الرجل وأنصاره لأن الشيوع والانتشار يستلزم التقوية والاتباع والأنصار ينتشرون ويتقوى بهم امر المتبوع قال الجوهري الشياع الانتشار والتقوية يقال شاع الحديث أى كثر وقوى وشاع القوم انتشروا وكثروا وشيعت النار بالحطب قوت بها والشيعة من يتقوى بهم الإنسان وينتشرون عنه- ولما كان كل أمة أهل دين ينتشرون بدينهم ويتقوى بهم أمرهم اطلق هاهنا عليه {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} أى هو أشد {عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69)} أى استكبارا أو تجاوزا عن الحد في العصيان كذا في القاموس- أو نبوا عن الطاعة قال البغوي قال ابن عباس يعنى جرأة وقال مجاهد فجورا- وكلمة عنيّا تميز من نسبة أشد يعنى أبهم أشد عتوة على الرّحمن وكلمة اىّ هاهنا في محل النصب على المفعولية لننزعنّ عند سيبويه- قال البيضاوي كان حقه أن يبنى كسائر الموصولات لشبهها بالحروف كسائر الموصولات لكنه أعرب حملا على كل وبعض الملزوم الاضافة وإذا حذف صدر صلته زاد نقصه فعاد إلى أصله- وعند الخليل مرفوع إما بالابتداء على أنه استفهامى وخبره أشد والجملة محكية وتقديره لننزعنّ من كلّ شيعة الذين يقال فيهم ايّهم أشدّ- أو معلق عنها لننزعنّ لتضمّنه معنى التميز اللازم للعلم أو مستانفة وكلمة من للتبعيض أى لننزعنّ بعض كل شيعة أو زائدة والفعل واقع على كل شيعة واما لشيعة لانها بمعنى يشيع وعلى للبيان- {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70)} أى لنحن اعلم بالّذين هم اولى بالصلي اوصليهم بالنار اولى- وكلمة ثم هاهنا للتراخى في الرتبة كما في قوله تعالى: {ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}- أو يقال هذا الكلام كناية عن قولهم ثم لنعذبنهم فلا إشكال إذا التعذيب متاخر من الإحضار قيل اعلم هاهنا بمعنى العليم لاختصاص هذا العلم به تعالى وجاز أن يقال أن الكرام الكاتبين وغيرهم من الملائكة أيضا يعلمون الفاجر من التقى والسعيد من الشقي واللّه تعالى أعلم بذلك- قرأ حمزة والكسائي وحفص جتيّا وعتيّا وصليّا بكسر اوائلها كما ذكرنا في قوله تعالى وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا- والجمهور بضمها وهى على وزن فعول كما ذكرنا وقوله من كلّ شيعة أن كان يعمم الكفار والعصاة من المؤمنين ففى ذكر أشد تنبيه على أنه تعالى يعفو كثيرا من أهل العصيان- ولو خص ذلك بالكفار على ما يقتضيه السياق كما اختاره البغوي واكثر المفسرين فالمراد أنه يميّز طوائفهم أعتاهم فاعتاهم ويطرحهم في النار على الترتيب- أو يدخل كلّا طبقتها الّتي أعدت لهم أخرج ابن أبى حاتم والبيهقي عن ابن مسعود رضى اللّه عنه في الآية قال يحشر الأول على الاخر حتى إذا تكاملت العدة اثارهم ثم يبدا بالاكابر فالاكابر جرما ثم قرأ {فو ربّك لنحشرنّهم} إلى قوله: {عتيّا}- وأخرج هناد عن أبى الأحوص في الآية قال يبدء الأكابر فالاكابر جرما-.
{وَإِنْ مِنْكُمْ} إن نافية ومنكم صفة لمحذوف أى أن أحد منكم إِلَّا وارِدُها أى جهنم قيل القسم مضمر أى واللّه ما منكم الّا واردها بدليل ما ورد في الأحاديث الا تحلة القسم وسنذكرها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْمًا الحتم مصدر حتم الأمر إذا وجب يعنى واجبا أوجبه اللّه على نفسه {مَقْضِيًّا} (71) قضاه اللّه عليكم بان وعده وعدا لا يمكن خلفه................