فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66)}.
أنكروا حديثَ البعثِ غاية الإنكار، فأقام الحّجَة عليهم بالنشأة الأولى؛ فقال: إن الذي قدر على خَلْقِ في الابتداء وهم نُطَفٌ ضعفاء، وقَبْلُ كانوا في أصلابِ الآباءِ وأرحامِ الأمهاتِ فَفَطَرَهمُ، وعلى ما صَوَّرَهم، وفي الوقت الذي أراد- عن بطون أمهاتهم أَخْرَجَهُم.
قوله: {وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} فيه دليل على صحة أهل البصائر أَنّ المعدومَ لم يك شيئًا في حال عَدَمِه.
ويقال أبطل لهم كلَّ دعوى حيث ذَكَّرَهم نَسبَهم وكَوْنَهم مِنَ العَدَمِ.
{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)}.
نحشرهم جميعًا فيجتمعون في العَرْصَةِ ثم يختلف مُنْقَلَبُهم؛ فيصير قومٌ إلى النار ثم إلى دَرَكاتٍ بعضها أسفل من بعض- واسمُ جهنم يجمع أماكنهم. ويصير قومٌ إلى الجنة ثم هي دَرَجَاتٌ بعضها أعلى رتبةً ودرجةً من بعض- واسمُ الجنة يشتمل على جميع مساكنهم. ويقال التفاوتُ في الجنةِ بين الدرجاتِ أكثرُ من التفاوت بين أهل الدارين.
{ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)}.
مَنْ تَقدَّمَ عليهم في الإضلال والضلال ضوعف عليه غدًا العذاب والأغلال.
{ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)}.
ينزل في كل دَرَكَةٍ من دركاتها من هو أهل لها، فمن كان عتوُّه اليومَ أشدَّ غلوا كان في النار أبعدَ من الله وأشدَّ عقوبةً وإذلالًا.
{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)}.
كلٌّ يَرِدُ النارَ ولكن لا ضيْرَ منها ولا احتباسَ بها لأحدٍ إلا بمقدار ما عليه من (...) والزلل؛ فأشدُّهم انهماكًا أشدهم بالنار اشتعالًا واحتراقًا. وقوم يردونها- كما في الخبر: «إن للنار عند مرورهم عليها إذوابةً كإذوابةِ اللَّبَن، فيدخلونها ولا يحسون بها، فإذا عبروها قالوا: أو ليس وعدنا جهنم على طريق؟ فيقال لهم. عبرتم وما شعرتم».
{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)}.
يُنَجِّي مَنْ كان مؤمنًا، بعضهم قَبْلَ بعض، وبعضهم بَعْدَ بعض، ولكن لا يبقى من المؤمنين مَنْ لا ينجيهم. ويترك الكفار فيها بنعت الخيبة عن الخروج منها، وعند ذلك يشتدُّ عليهم البلاء، وتُطْبقُ عليهم أبوابُ جهنم، وينقطع منهم الرجاء والأمل. وإنما ينجو القوم بحسب تقواهم؛ فزيادة التقوى توجِب لهم التعجيل في النجاة؛ فمن سابقٍ ومن لاحقٍ، ومن منقطع، ومن محترق... إلى كثيرٍ من الأصناف والألوان. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} الآية.
هذه الآية الكريمة تدل على أن كل الناس لابد لهم من ورود النار وأكد ذلك بقوله: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} وقد جاء في آية أخرى ما يدل على أن بعض الناس مبعد عنها لا يسمع لها حسًا وهي قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} الآية.
والجواب هو ما ذكره الألوسي وغيره من أن معنى قوله: {مُبْعَدُونَ}: أي عن عذاب النار وألمها.
وقيل: المراد إبعادهم عنها بعد أن يكونوا قريبا منها، ويدل للوجه الأول ما أخرجه الإمام أحمد والحكيم الترمذي وابن المنذر والحاكم وصححه وجماعة عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن وقال آخر: يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين اتقوا فلقيت جابر ابن عبد الله رضي الله عنه فذكرت ذلك له، فقال- وأهوى بإصبعيه إلى أذنيه-: صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم عليه السلام حتى أن للنار ضجيجا من بردهم ثم ينجي الله الذين اتقوا». وروى جماعة عن ابن مسعود أن ورود النار هو المرور عليها؛ لأن الناس تمر على الصراط وهو جسر منصوب على متن جهنم.
وأخرج عبد بن عبد حميد وابن الأنباري والبيهقي عن الحسن الورود: المرور عليها من غير دخول. وروى ذلك أيضا عن قتادة قاله الألوسي.
واستدل القائلون بأن الورود نفس الدخول كابن عباس بقوله تعالى: {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} وقوله: {لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا} وقوله: {حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}، فالورود في ذلك كله بمعنى الدخول واستدل القائلون بأن الورود القرب منها من غير دخول بقوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ}، وقول زهير:
فلما وردن الماء زرفًا جمامة ** وضعن عصى الحاضر المتخيم

اهـ.

.قال القرطبي:

.باب كيف الجواز على الصراط وصفته ومن يحبس عليه ويزل عنه:

وفي شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته عند ذلك، وفي ذكر القناطر قبله والسؤال عليها وبيان قوله تعالى: وإن منكم إلا واردها. روي عن بعض أهل العلم أنه قال: لن يجوز أحد الصراط حتى يسأل في سبع قناطر، أما القنطرة الأولى: فيسأل عن الإيمان بالله، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، فإن أجاز بها مخلصًا، والإخلاص قول وعمل جاز، ثم يسأل على القنطرة الثانية عن الصلاة، فإن جاؤ بها تامة جاز، ثم يسأل على القنطرة الثالثة عن صوم شهر رمضان، فإن جاء به تامًا جاز، ثم يسأل على القنطرة الرابعة عن الزكاة فإن جاء بها تامة جاز، ثم يسأل في الخامسة عن الحج والعمرة فإن جاء بهما تامتين جاز، ثم يسأل في القنطرة السادسة عن الغسل والوضوء فإن جاء بهما تأمين جاز، ثم يسأل في السابعة وليس في القناطر أصعب منها فيسأل عن ظلامات الناس.
وذكره أبو حامد في كتاب كشف علم الآخرة: أنه إذا لم يبق في الموقف إلا المؤمنون والمسلمون والمحسنون والعارفون والصديقون والشهداء والصالحون والمرسلون ليس فيهم مرتاب ولا منافق ولا زنديق فيقول الله تعالى: يا أهل الموقف من ربكم؟ فيقولون: الله، فيقول لهم: أتعرفونه؟ فيقولون: نعم. فيتجلى لهم ملك عن يسار العرش، لو جعلت البحار السبع في نقره إبهامه لما ظهرت، فيقول لهم بأمر الله: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك، فيتجلى لهم ملك عن يمين العرش لو جعلت البحار الأربعة عشر في نقرة إبهامه لما ظهرت فيقول لهم أنا ربكم: فيقولون: نعوذ بالله منك، فيتجلى لهم الرب سبحانه في صورة غير صورته التي كانوا يعرفونه، وسمعوا وهو يضحك فيسجدون له جميعهم، فيقول: أهلا بكم ثم ينطلق بهم سبحانه إلى الجنة فيتبعونه فيمر بهم على الصراط. والناس أفواج: المرسلون، ثم النبيون، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ثم المؤمنون، ثم العارفون، ثم المسلمون. منهم المكبوب لوجهه، ومنهم المحبوس في الأعراف، ومنهم قوم قصروا عن تمام الإيمان. فمنهم من يجوز الصراط مائة عام، وآخر يجوز على ألف، ومع ذلك كله لن تحرق النار من رأى ربه عيانًا لا يضام في رؤيته.
فتوهم نفسك يا أخي إذا صرت على الصراط ونظرت إلى جهنم تحتك سوداء مظلمة قد لظى سعيرها وعلا لهيبها وأنت تمشي أحيانًا وتزحف أخرى، قال:
أبت نفسي تتوب فما احتيالي ** إذا برز العباد لذي الجلال

وقاموا من قبورهم سكارى ** بأوزار كأمثال الجبال

وقد نصب الصراط لكي يجوزوا ** فمنهم من يكب على الشمال

ومنهم من يسير لدار عدن ** تلقاه العرائس بالغوالي

يقول له المهمين يا وليي ** غفرت لك الذنوب فلا تبالي

وقال آخر:
إذا مد الصراط على جحيم ** تصول على العصاة وتستطيل

فقوم في الجحيم لهم ثبور ** وقوم في الجنان لهم مقيل

وبان الحق وانكشف الغطاء ** وطال الويل واتصل العويل

وذكر مسلم من حديث أبي هريرة «فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم فيؤذن لهم وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالًا فيمر أولهم كالبرق الخاطف. قال: قلت بأبي أنت وأمي وأي شيء كمر البرق؟ قال: ألم تر إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح، ثم كمر الطير وشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم صلى الله عليه وسلم قائم على الصراط يقول: رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل ولا يستطيع السير إلا زاحفًا. قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أموت بأخذه فمخدوش ناج، ومكردس في النار، والذي نفس محمد بيده: إن قعر جهنم لسبعون خريفًا؟».
وروي من حديث حذيفة أيضًا. وذكر مسلم أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري وفيه: «ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون: اللهم سلم سلم قيل: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسكة تكون بنجد فيها شوكة يقال لها السعدان: فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكردس في نار جهنم...» الحديث وسيأتي بتمامه إن شاء الله تعالى. وفي رواية قال أبو سعيد الخدري: بلغني أن الجسر أدق من الشعر وأحد من السيف وفي رواية أرق من الشعر رواها مسلم.
وخرج ابن ماجه حديث أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يوضع الصراط بينم ظهراني جهنم على حسك كحسك السعدان، ثم يستجيز الناس فناج مسلم ومخدوج به ثم ناج ومحتبس به ومنكوس فيها».
وذكر ابن المبارك قال: حدثنا هشام بن حسان، عن موسى، عن أنس عن عبيد بن عمير أن الصراط مثل السيف على جسر جهنم وأن لجنبتيه كلاليب وحسكا، والذي نفسي بيده إنه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر.
وأخبرنا رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال قال: بلغنا أن الصراط يوم القيامة يكون على بعض الناس أدق من الشعر وعلى بعض الناس مثل الوادي الواسع أعمل.
قال: وأخبرنا عوف عن عبد بن سفيان العقيلي قال: يجوز الناس يوم القيامة على الصراط على قدر إيمانهم وأعمالهم، فيجوز الرجل كالطرف في السرعة وكالسهم المرمى وكالطائر السريع الطيران وكالفرس الجواد المضمر ويجوز الرجل يعدو عدوًا، والرجل يمشي مشيًا حتى سكون آخر من ينجو يحبو حبوًا.
وذكر هناد بن السري، حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا سفيان، حدثنا سلمة بن كهيل عن أبي الزعفراء قال: قال عبد الله يأمر الله بالصراط فيضرب على جهنم. قال: فيمر الناس على قدر أعمالهم. أولهم كلمح البرق، ثم كمر الريح، ثم كأسرع البهائم، ثم كذلك حتى يمر الرجل سعيًا وحتى يمر الرجل ماشيًا، ثم يكون آخرهم يتلبط على بطنه يقول يا رب لم أبطأت بي؟ فيقول: لم أبطئ بك إنما أبطأ بك عملك.
قال: وحدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن مسلم، عن قتادة قال: قال عبد الله ابن مسعود: تجوزون الصراط بعفو الله وتدخلون الجنة برحمة الله وتقتسمون المنازل بأعمالكم.
أبو داود، عن معاذ بن أنس الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حمى مؤمنًا من منافق أراه قال: بعث الله ملكًا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مؤمنًا بشيء شينه حبسه الله عز وجل على جسر جهنم حتى يخرج مما قال».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الزالون على الصراط كثير. وأكثر من يزل عنه النساء» ذكره أبو الفرج بن الجوزي.
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «فإذا صار الناس على طرف الصراط نادى ملك من تحت العرش: يا فطرة الملك الجبار جوزوا على الصراط، وليقف كل عاص منكم وظالم. فيا لها من ساعة ما أعظم خوفها وما أشد حرها، يتقدم فيها من كان في الدينا ضعيفًا مهينًا، ويتأخر عنها من كان في الدنيا عظيمًا مكينًا، ثم يؤذن لجميعهم بعد ذلك بالجواز على الصراط على قدر أعمالهم في ظلمتهم وأنوارهم، فإذا عصف الصراط بأمتي نادوا: وامحمداه فأبادر من شدة إشفاقي عليهم وجبريل آخد بحجزتي، فأنادي رافعًا صوتي رب أمتي أمتي لا أسألك اليوم نفسي، ولا فاطمة ابنتي والملائكة قيام عن يمين الصراط ويساره ينادون: رب سلم سلم. وقد عظمت الأهوال واشتدت الأوجال، والعصاة يتساقطون عن اليمين والشمال والزبانية يتلقونهم بالسلاسل والأغلال وينادونهم: أما نهيتم عن كسب الأوزار؟ أما خوفتم عذاب النار؟ أما أنذرتم كل الإنذار، أما جاءكم النبي المختار؟» ذكره أبو الفرج بن الجوزي أيضًا في كتاب روضة المشتاق والطريق إلى الملك الخلاق.
فتفكر الآن فيما يحل بك من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط ودقته، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته، ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيظها، وقد كلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك، واضطراب قلبك، وتزلزل قدمك وثقل ظهرك بالأوزار، المنعة لك من المشي على بساط الأرض، فضلًا عن حدة الصراط. فكيف بك إذا وضعت عليه إحدى رجليك فأحسست بحدته، واضطررت إلى أن ترفع القدم الثاني، والخلائق بين يديك يزلون ويعثرون، وتتناولهم زبانية النار بالخطاطيف والكلاليب، وأنت إليهم كيف ينكسون فتسفل إلى جهة النار رؤوسهم، وتعلو أرجلهم فيا له من منظر ما أفظعه، ومرتقى ما أصبعه، ومجاز ما أضيقه.
فصل:
ذهب بعض من تكلم على أحاديث هذا الباب في وصف الصراط بأنه أدق من الشعر وأحد من السيف أن ذلك راجع إلى يسره وعسره على قدر الطاعات والمعاصي. ولا يعلم حدود ذلك إلا الله تعالى لخفائها وغموضها. وقد جرت العادة بتسمية الغامض الخفي: دقيق. فضرب المثل له بدقة الشعر. فهذا والله أعلم من هذا الباب.