فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ}.
قرأ الأعرج وابن محيصن وأبو حيوة: {يتلى} بالياء، من تحت، وسبب هذه الآية أن كفار قريش لما كان الرجل منهم يكلم المؤمن في معنى الدين فيقرأ عليه القرآن ويبهره بآيات النبي عليه السلام، كان الكافر منهم يقول إن الله إنما يحسن لأحب الخلق إليه وإنما ينعم على أهل الحق ونحن قد أنعم الله علينا دونكم فنحن أغنياء وأنتم فقراء ونحن أحسن مجلسًا وأجمل شارة فهذا المعنى ونحوه هو المقصود بالتوقيف في قوله: {أي الفريقين}، وقرأ نافع وابن عامر: {مَقامًا} بفتح الميم {ولا مَقام لكم} [الأحزاب: 13] بالفتح أيضًا، وهو المصدر من قام أو الظرف منه أي موضع القيام، وهذا يقتضي لفظ المقام إلا أن المعني في هذه الآية يحرز أنه واقع على الظرف فقط، وقرأ أبيّ {في مُقام أمين} [الدخان: 51] بضم الميم، وقرأ ابن كثير {مُقامًا} بضم الميم وهو ظرف من أقام وكذلك أيضًا يجيء المصدر منه مثل {مجراها ومرساها} [هود: 41] وقرأ {في مَقام أمين} [الدخان: 51] {ولا مَقام لكم} [الأحزاب: 13] بالفتح، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم جميعهن بالفتح، وروى حفص عن عاصم {لا مُقام لكم} بالضم. و(الندي) والنادي المجلس فيه الجماعة ومن قول حاتم الطائي:
فدعيت في أولى الندي ** ولم ينظر إليَّ بأعين خزر

وقوله: {وكم} مخاطبة من الله تعالى لمحمد خبر يتضمن كسر حجتهم واحتقار أمرهم لأن التقدير: هذا الذي افتخروا به لا قدر له عند الله وليس بمنج لهم فكم أهلك الله من الأمم لما كفروا وهو أشد من هؤلاء وأكثر أموالًا وأجمل منظرًا. و(القرن) الأمة يجمعها العصر الواحد، واختلف الناس في قدر المدة التي اذا اجتمعت لأمة سميت تلك الامة قرنًا، فقيل مائة سنة، وقيل ثمانون، وقيل سبعون، وقد تقدم القول في هذا غير مرة، و(الأثاث) المال العين والعرض والحيوان وهو اسم عام واختلف هل هو جمع أو إفراد. فقال الفراء: هو اسم جمع لا واحد له من لفظه كالمتاع، وقال خلف الأحمر: هو جمع واحدة أثاثة كحمامة وحمام ومنه قول الشاعر: الوافر:
أشاقتك الظعائن يوم بانوا ** بذي الزي الجميل من الأثاث

وأنشد أبو العباس: الوافر:
لقد علمت عرينة حيث كانت ** بأنا نحن أكثرهم أثاثًا

وقرأ نافع بخلاف وأهل المدينة {وريًّا} بياء مشددة، وقرأ ابن عباس فيما روي عنه وطلحة {وريا} بياء مخففة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: {ورءيًا} بهمزة بعدها ياء على وزن رعيًا، ورويت عن نافع وابن عامر رواها أشهب عن نافع وقرأ أبو بكر عن عاصم {وريئًا} بياء ساكنة بعدها همزة وهو على القلب وزنه فلعًا وكأنه من راع وقال الشاعر: الطويل:
وكل خليل راءني فهو قائل ** من اجلك هذا هامة اليوم أو غد

فأما القراءتان المهموزتان فهما من رؤية العين الرئي اسم المرئي والظاهر للعين كالطحن والسقي، قال ابن عباس الرئي المنظر قال الحسن {وريًا} معناه صورًا وأما المشددة الياء فقيل هي بمعنى المهموزة إلا أن الهمزة خففت لتستوي رؤوس الآي، وذكر منذر بن سعيد عن بعض أهل العلم أنه من (الري) في السقي كأنه أراد أنهم خير منهم بلادًا وأطيب أرضًا وأكثر نعمًا إذ جملة النعم إنما هي من الري والمطر، وأما القراءة المخففة الياء فضعيفة الوجه، وقد قيل هي لحن، وقرأ سعيد بن جبير ويزيد البربري وابن عباس أيضًا {وزيًا} بالزاي وهو بمعنى الملبس وهيئته تقول زييت بمعنى زينت، وأما قوله: {قل من كان الضلالة} الآية فقول يحتمل معنيين، أحدهما أن يكون بمعنى الدعاء والابتهال كأنه يقول الأضل منا أو منكم (مد) الله له أي أملى له حتى يؤول ذلك إلى عذابه، والمعنى الأخر أن يكون بمعنى الخبر كأنه يقول من كان ضالًا من الأمم فعادة الله فيه أنه (يمد) له ولا يعاجله حتى يفضي ذلك إلى عذابه في الآخرة، فاللام في قوله: {فليمدد} على المعنى الأول لام رغبة في صيغة الأمر، وعلى المعنى الثاني لام أمر دخلت في معنى الخبر ليكون أوكد وأقوى وهذا موجود في كلام العرب وفصاحتها.
{حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا العَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْاْ هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا}.
{حتى} في هذه الآية حرف ابتداء دخلت على جملة وفيها معنى الغاية، و{إذا} شرط، وجوابها في قوله: {فسيعلمون} والرؤية رؤية العين، و{العذاب} و{الساعة} بدل من {ما} التي وقعت عليها {رأوا} و{إما} هي المدخلة للشك في أول الكلام والثانية عطف عليها، و{العذاب} يريد به عذاب الدنيا ونصرة المؤمنين عليهم، و(الجند) النصرة والقائمون بأمر الحرب، و{شر مكانًا} بإزاء قولهم {خير مقامًا} [مريم: 73] {وأضعف جندًا} بإزاء قولهم {أحسن نديًا} [مريم: 72] ولما ذكر ضلالة الكفرة وارتباكهم في الافتخار بنعم الدنيا وعماهم عن الطريق المستقيم عقب ذلك بذكر نعمته على المؤمنين في أنهم يزيدهم {هدى} في الارتباط إلى الأعمال الصالحة والمعرفة بالدلائل الواضحة وزيادة العلم دأبًا.
قال الطبري عن بعضهم المعنى بناسخ القرآن ومنسوخه ع: وهذا مثال وقوله: {والباقيات الصالحات} إشارة الى ذلك الهدى الذي يزيدهم الله تعالى أي وهذه النعم على هؤلاء {خير} عند الله {ثوابًا} وخير مرجعًا. والقول في زيادة الهدى سهل بين الوجوه، وأما {الباقيات الصالحات} فقال بعض العلماء هو كل عمل صالح يرفع الله به درجة عامله، وقال الحسن هي (الفرائض)، وقال ابن عباس هي (الصلوات الخمس) وروي عن النبي عليه السلام «أنها الكلمات المشهورات سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» وقد قال رسول الله عليه السلام لأبي الدرداء «خذهن يا أبا الدرداء، قبل أن يحال بينك وبينهن فهن الباقيات الصالحات وهن من كنوز الجنة» وروي عنه عليه السلام أنه قال يومًا «خذوا جنتكم، قالوا يا رسول الله أمن عدو حضر قال: من النار، قالوا ما هي يا رسول الله، قال: سبحان الله، ولا إله الا الله، والله أكبر، وهن الباقيات الصالحات» وكان أبو الدرداء يقول إذا ذكر هذا الحديث: لأهللن، ولأكبرن الله، ولأسبحنه حتى إذا رآني الجاهل ظنني مجنونًا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإِذا تُتْلى عليهم}.
يعني: المشركين {آياتنا} يعني: القرآن {قال الذين كفروا} يعني: مشركي قريش {للذين آمنوا} أي: لفقراء المؤمنين {أيُّ الفريقين خيرٌ مَقامًا} قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر، وحفص عن عاصم {مَقامًا} بفتح الميم. وقرأ ابن كثير بضم الميم. قال أبو علي الفارسي: المقام: اسم المثوى، إِن فُتحت الميم أو ضُمَّتْ.
قوله تعالى: {وأحسن نديًَّا} والنديُّ والنادي: مجلس القوم ومجتمَعهم. وقال الفراء: النديُّ والنادي، لغتان. ومعنى الكلام: أنحن خير، أم أنتم؟ فافتخروا عليهم بالمساكن والمجالس، فأجابهم الله تعالى فقال: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن} وقد بينا معنى القرن في [الأنعام: 6] وشرحنا الاثاث في [النحل: 80]. فأما قوله تعالى: {وَرِئْيًَا} فقرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {ورئيًا} بهمزة بين الراء والياء في وزن: (رِعيا)؛ قال الزجاج: ومعناها: منظرًا، من (رأيت).
وقرأ نافع، وابن عامر: {رِيًّا} بياء مشددة من غير همز، قال الزجاج: لها تفسيران.
أحدهما: أنها بمعنى الأولى.
والثاني: أنها من الرِّيّ، فالمعنى: منظرهم مرتوٍ من النعمة، كأن النعيم بَيِّنٌ فيهم.
وقرأ ابن عباس، وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن أبي سريج عن الكسائي: {زيًّا} بالزاي المعجمة مع تشديد الياء من غير همز. قال الزجاج: ومعناها: حسن هيئتهم.
قوله تعالى: {قل من كان في الضلالة}.
أي: في الكفر والعمى عن التوحيد {فليمدد له الرحمن} قال الزجاج: وهذا لفظ أمر، ومعناه الخبر، والمعنى: أن الله تعالى جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها، قال ابن الأنباري: خاطب الله العرب بلسانها، وهي تقصد التوكيد للخبر بذكر الأمر، يقول أحدهم: إِن زارنا عبد الله فلنُكْرِمْه، يقصد التوكيد، وينبِّه على أني أُلزم نفسي إِكرامه؛ ويجوز أن تكون اللام لام الدعاء على معنى: قل يا محمد: مَنْ كان في الضلالة فاللَّهم مُدَّ له في النِّعَم مَدًّا. قال المفسرون: ومعنى مدِّ اللهِ تعالى له: إِمهالُه في الغَيِّ.
{حتى إِذا رأوا} يعني الذين مَدَّهم في الضلالة.
وإِنما أخبر عن الجماعة، لأن لفظ {مَن} يصلح للجماعة.
ثم ذكر ما يوعدون فقال: {إِمَّا العذاب} يعني: القتل، والأسر {وإِمَّا الساعة} يعني: القيامة وما وُعدوا فيها من الخلود في النار {فسيعلمون من هو شرٌّ مكانًا} في الآخرة، أهم، أم المؤمنون؟ لأن مكان هؤلاء الجنة، ومكان هؤلاء النار، {و} يعلمون بالنصر والقتل من {أضعف جندًا} جندهم، أم جند رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا ردٌّ عليهم في قولهم: {أيُّ الفريقين خيرٌ مقامًا وأحسنُ نَدِيًّا}.
قوله تعالى: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} فيه خمسة أقوال.
أحدها: ويزيد الله الذين اهتدَوا بالتوحيد إِيمانًا.
والثاني: يزيدهم بصيرةً في دينهم.
والثالث: يزيدهم بزيادة الوحي إِيمانًا، فكلما نزلت سورة زاد إِيمانهم.
والرابع: يزيدهم إِيمانًا بالناسخ والمنسوخ.
والخامس: يزيد الذين اهتدوا بالمنسوخ هدى بالناسخ.
قال الزجاج: المعنى: إِن الله تعالى يجعل جزاءهم أن يزيدهم يقينًا، كما جعل جزاء الكافر أن يمدَّه في ضلالته.
قوله تعالى: {والباقيات الصالحات} قد ذكرناها في سورة [الكهف: 46].
قوله تعالى: {وخير مردًّا} المردُّ هاهنا مصدر مثل الردّ، والمعنى: وخيرٌ ردًّا للثواب على عامليها، فليست كأعمال الكفار التي خسروها فبطلت. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بِيِّنَاتٍ}.
أي على الكفار الذين سبق ذكرهم في قوله تعالى: {أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} [مريم: 66]. وقال فيهم: {وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيًّا} أي هؤلاء إذا قرىء عليهم القرآن تَعزَّزوا بالدنيا، وقالوا: فما بالنا إن كنا على باطل أكثر أموالًا وأعز نفرًا. وغرضهم إدخال الشبهة على المستضعفين وإيهامهم أن من كثر ماله دل ذلك على أنه المحقّ في دينه، وكأنهم لم يروا في الكفار فقيرًا ولا في المسلمين غنيًا، ولم يعلموا أن الله تعالى نَحَّى أولياءه عن الاغترار بالدنيا، وفرط الميل إليها.
و{بيناتٍ} معناه مرتَّلات الألفاظ، ملخصة المعاني، مبينات المقاصد؛ إما محكمات، أو متشابهات قد تبعها البيان بالمحكمات، أو تبيين الرسول صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعلًا. أو ظاهرات الإعجاز تُحدّي بها فلم يقدر على معارضتها. أو حججًا وبراهين. والوجه أن تكون حالًا مؤكدة؛ كقوله تعالى: {وَهُوَ الحق مُصَدِّقًا} [البقرة: 91] لأن آيات الله تعالى لا تكون إلا واضحة وحججًا. {قَالَ الذين كَفَرُواْ} يريد مشركي قريش النضر بن الحارث وأصحابه. {لِلَّذِينَ آمنوا} يعني فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت فيهم قشافة، وفي عيشهم خشونة، وفي ثيابهم رثاثة؛ وكان المشركون يرجلون شعورهم، ويدهنون رؤوسهم، ويلبسون خير ثيابهم، فقالوا: للمؤمنين: {أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}.
قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وشبل بن عباد {مُقَامًا} بضم الميم وهو موضع الإقامة. ويجوز أن يكون مصدرًا بمعنى الإقامة. الباقون {مَقَامًا} بالفتح، أي منزلًا ومسكنًا وقيل: المقام الموضع الذي يقام فيه بالأمور الجليلة؛ أي أيّ الفريقين أكثر جاهًا وأنصارًا. {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} أي مجلسًا؛ عن ابن عباس. وعنه أيضًا المنظر وهو المجلس في اللغة وهو النادي. ومنه دار الندوة لأن المشركين كانوا يتشاورون فيها في أمورهم. وناداه جالسه في النادي قال:
أنادي به آل الوليد وجعفرَا

والنديّ على فعيل مجلس القوم ومتحدَّثهم، وكذلك الندوة والنادي (والمُنْتَدى) والمُنَتَدَّى، فإن تفرق القوم فليس بنديّ؛ قاله الجوهري.
قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ} أي من أمة وجماعة.
{هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا} أي متاعًا كثيرًا؛ قال:
وفَرْعٍ يَزينُ المَتْنَ أسودَ فاحِمٍ ** أَثِيثٍ كقِنْوِ النَّخلَةِ المُتَعَثْكِلِ

والأثاث متاع البيت. وقيل: هو ما جدّ من الفَرْش والخُرْثيّ ما لُبس منها، وأنشد الحسن بن عليّ الطوسي فقال:
تقادم العهد من أم الوليد بنا ** دهرًا وصار أثاث البيت خُرْثِيّا

وقال ابن عباس: هيئة. مقاتل: ثيابا. {وَرِءْيًا} أي منظَرًا حسنًا. وفيه خمس قراءات: قرأ أهل المدينة {ورِيًّا} بغير همز. وقرأ أهل الكوفة {ورِئيا} بالهمز. وحكى يعقوب أن طلحة قرأ {وَرِيًا} بياء واحدة مخففة. وروى سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وزِيًّا} بالزاي؛ فهذه أربع قراءات. قال أبو إسحاق: ويجوز {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وريْئا} بياء بعدها همزة.
النحاس: وقراءة أهل المدينة في هذا حسنة وفيها تقريران: أحدهما: أن تكون من رأيت ثم خففت الهمزة فأبدل منها ياء، وأدغمت الياء في الياء. وكان هذا حسنًا لتتفق رؤوس الآيات لأنها غير مهموزات. وعلى هذا قال ابن عباس: الرئي المنظر؛ فالمعنى: هم أحسن أثاثًا ولباسًا. والوجه الثاني: أن جلودهم مرتوية من النعمة؛ فلا يجوز الهمز على هذا. وفي رواية ورش عن نافع وابن ذكوان عن ابن عامر {ورئيا} بالهمز تكون على الوجه الأوّل. وهي قراءة أهل الكوفة وأبي عمرو من رأيت على الأصل. وقراءة طلحة بن مُصَرِّف {ورِيًا} بياء واحدة مخففة أحسبها غلطًا. وقد زعم بعض النحويين أنه كان أصلها الهمز فقلبت الهمزة ياء، ثم حذفت إحدى اليائين.
المهدوي: ويجوز أن يكون {رِيْئًا} فقلبت ياء فصارت رييا ثم نقلت حركة الهمزة على الياء وحذفت. وقد قرأ بعضهم {ورِيًا} على القلب وهي القراءة الخامسة. وحكى سيبويه رَاءَ بمعنى رأى.
الجوهري: من همزه جعله من المنظر من رأيت، وهو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة. وأنشد أبو عبيدة لمحمد بن نمير الثقفي فقال:
أشاقتك الظعائن يوم بانوا ** بذِي الرِّئي الجميلِ من الأثاث

ومن لم يهمز إما أن يكون على تخفيف الهمزة أو يكون من رَوِيت ألوانهم وجلودهم رِيًّا؛ أي امتلأت وحسنت. وأما قراءة ابن عباس وأبيّ بن كعب وسعيد بن جبير والأعسم المكي ويزيد البربري {وزِيا} بالزاي فهو الهيئة والحسن. ويجوز أن يكون من زَوَيتُ أي جمعت، فيكون أصلها زِويا فقلبت الواو ياء. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «زُويت لي الأرض» أي جمعت؛ أي فلم يغن ذلك عنهم شيئا من عذاب الله تعالى؛ فليعش هؤلاء ما شاؤوا فمصيرهم إلى الموت والعذاب وإن عُمِّروا؛ أو العذاب العاجل يأخذهم الله تعالى به.
قوله تعالى: {قُلْ مَن كَانَ فِي الضلالة} أي في الكفر {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدًّا} أي فليدعه في طغيان جهله وكفره؛ فلفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر؛ أي من كان في الضلالة مدّه الرحمن مدًا حتى يطول اغتراره فيكون ذلك أشدّ لعقابه. نظيره: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمًَا} [آل عمران: 178] وقوله: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110] ومثله كثير؛ أي فليعش ما شاء، وليوسع لنفسه في العمر؛ فمصيره إلى الموت والعقاب. وهذا غاية في التهديد والوعيد. وقيل: هذا دعاء أمر به النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ تقول: من سرق مالي فليقطع الله تعالى يده؛ فهو دعاء على السارق. وهو جواب الشرط. وعلى هذا فليس قوله: {فليمدد} خبرًا.
قوله تعالى: {حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} قال: {رأوا} لأن لفظ {من} يصلح للواحد والجمع. و {إذا} مع الماضي بمعنى المستقبل؛ أي حتى يروا ما يوعدون. والعذاب هنا إما أن يكون بنصر المؤمنين عليهم فيعذبونهم بالسيف والأسر؛ وإما أن تقوم الساعة فيصيرون إلى النار.
{فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا} أي تنكشف حينئذٍ الحقائق. وهذا رد لقولهم: {أي الفريقين خير مقامًا وأحسن نديا}. قوله تعالى: {وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى} أي ويثبت الله المؤمنين على الهدى، ويزيدهم في النّصرة، وينزل من الآيات ما يكون سبب زيادة اليقين مجازاة لهم. وقيل: يزيدهم هدى بتصديقهم بالناسخ والمنسوخ الذي كفر به غيرهم؛ قال معناه الكلبي ومقاتل. ويحتمل ثالثًا: أي {ويزيد الله الذين اهتدوا} إلى الطاعة {هدى} إلى الجنة؛ والمعنى متقارب. وقد تقدّم القول في معنى زيادة الأعمال وزيادة الإيمان والهدى في (آل عمران) وغيرها.
{والباقيات الصالحات} تقدّم في (الكهف) القول فيها.
{خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا} أي جزاء: {وَخَيْرٌ مَّرَدًّا} أي في الآخرة مما افتخر به الكفار في الدنيا.
و(المَرَدّ) مصدر كالرد؛ أي وخير ردًا على عاملها بالثواب؛ يقال: هذا أَرَدُّ عليك، أي أنفع لك. وقيل: {خير مردًا} أي مرجعًا فكل أحد يردّ إلى عمله الذي عمله. اهـ.