فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أي الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا}.
أي: موضعًا ومكانًا: {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} أي: مجتمعًا للقوم، والمعنى أن هؤلاء الكفرة إذا تليت عليهم آياته تعالى بينة الحجة واضحة البرهان على مقاصدها، أعرضوا وأخذوا يحتجون على فضل ما هم عليه بكونهم أوفر حظًا من الدنيا، لكونهم أحسن منازل وأرفع دورًا وأعمر ناديًا وأكثر طارقًا وواردًا، أي: فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطل، وأولئك الذين هم مختفون في دار الأرقم بن أبي الأرقم على الحق؟ كما قال تعالى مخبرًا عنهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11]، وقال قوم نوح: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111]، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53]. وكذلك رد عليهم شبهتهم بقوله سبحانه: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا} أي: متاعًا: {وَرِئْيًا} أي: منظرًا وهيئة من عظم الجاه، فما أغنى عنهم من عذاب الله شيئًا. كما قال تعالى عن قوم فرعون المغرَقين: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الدخان: 25- 26]، و: {وَرِئْيًا} فعل بمعنى مفعول كالطّحن.
{قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} أي: من كان مغمورًا بالجهل والغفلة عن عواقب الأمور. وهم المذكورون قبل، ومن شاكلهم {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ} أي: يمدّ له ويمهله بطول العمر وإعطاء المال. وإخراجه على صيغة الأمر للإيذان بأن ذلك مما ينبغي أن يفعل بموجب الحكمة، لقطع المعاذير. كما ينبىء عنه قوله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر: 37]، أو للاستدراج كما ينطق به قوله تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عِمْرَان: 178]، وقيل المراد به الدعاء بالمد والتنفيس والإمهال. أي: فأمهله الله فيما هو فيه حتى يلقى ربه وينقضي أجله، إما بعذاب يصيبه، وإما الساعة بغتة. وقد بين سبحانه غاية المد بقوله: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا} أي: فئة وأنصارًا.
{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَات} أي: الأعمال التي تبقى فوائدها: {خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا} أي: مرجعًا. وتكرير الخير لمزيد الاعتناء ببيانه. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)}.
قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {خير مقامًا} قرأه ابن كثير بضم الميم. والباقون بفتحها. وقوله: {ورئْيا} قرأه قالون وابن ذكوان (وريًا) بتشديد الياء من غير همز. وقرأه الباقون بهمزوة ساكنة بعد الراء وبعدها ياء مخففة.
ومعنى الآية الكريمة: أن كفار قريش كانوا إذا يتلوا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه آيات هذا القرآن، في حال كونها بينات اي مرتلات الألفاظ، واضحات المعاني، بينات المقاصد، إما محكمات جاءت واضحة، أو متشابهات قد تبعها البيان بالمحكمات، أو تبيين الرسول صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعلًا، او ظاهرات الإعجاز تحدي بها فلم يقدر على معارضتها- أو حججا وبراهين.
والظاهر أن قوله: {بيِّناتٍ} حال مؤكدة. لأن آيات الله لا تكون إلا كذلك. ونظير ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الحق مُصَدِّقًا} [البقرة: 91] أي إذا تتلى عليهم آيات الله في حال كونها متصفة بما ذكرنا عارضوها واحتجوا على بطلانهان وأن الحق معهم لا معمن يتلوها بشبهة ساقطة لا يحتج بها إلا من لا عقل له. ومضمون شبهتهم المذكورة: أنهم يقولون لهم: نحن أوفر منكم حظًا في الدنيا، فنحن أحسن منكم منازل، وأحسنن منكم متاعًا، وأحسن منكم منظرًا، فلولا أننا أفضل عند الله منكم لما آثرنا عليكم في الحياة الدنيا، وأعطانا من نعيمها وزينتها ما لم يعطكم.
فقوله: {أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَامًا} أي نحن وأنتم أينا خير مقامًا. والمقام على قراءة ابن كثير بضم محل الإقامة، وهو المنازل والأمكنة التي يسكنونها. وعلى قراءة الجمهور فالمقام بفتح الميم مطان القيام وهو موضع قيامهم وهو مساكنهم ومنازلهم. وقيل: وهو موضع القيام بالأمور الجليلة، والأول هو الصواب.
وقوله: {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} اي مجلسًا ومجتمعًا. والاستفهام في قوله: {أَيُّ الفريقين} الظاهر أنه استفهام تقرير. ليحملوا به ضغفاء المسلمين الذين هم في تقشف ورثاثة هيئة على أن يقولوا أنتم خير مقامًا وأحسن نديًا منا. وعلى كل خال فلا خلاف أن مقصودهم بالاستفهام المذكور أنهم- أي كفار قريش- خير مقامًا وأحسن نديًا من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك هو دليلهم على أنه على الحق، وأنهم على أكرم على الله من المسلمين. وما في التلخيص وشروحه من أن السؤال ب أي في الآية التي نحن بصددها سؤال بها عما يميز أحد المشتركين في أمر يعمُّها كالعادة في أي غلط منهم. لأنهم فسروا الآية الكريمة بغير معناها الصحيح. والصواب ما ذكرناه إن شاء الله تعالى. واستدلالهم هذا بحظهم في الحياة الدينا على حظهم يوم القيامة، وأن الله ما أعكاهم في الدنيا إلا لمكانتهم عنده، واستحقاقهم لذلك لسخافة عقولهم- ذكره الله تعالى في مواضع من كتابه.
كقوله تعالى عنهم: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هاذآ إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف: 11]، وقوله تعالى: {وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ليقولوا أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين} [الأنعام: 53]، وقوله تعالى: {وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلاَدًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ: 35]، وقوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 55-56]، وقوله: {أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77]، وقوله: {قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَدًا وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنْقَلَبًا} [الكهف: 35-36]، وقوله: {وَلَئِن رُّجِّعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى} [فصلت: 50]، إلى غير ذلك من الآيات. فكل هذه الآيات دالة على أنهم لجهلهم يظنون أن الله لم يعطهم نصيبًا من الدنيا إلا لرضاه عنهم، ومكانتهم عنده، وأن الأمر في الآخرة سيكون كذلك.
وقد ابطل الله تعالى دعواهم هذه في آيات كثيرة من كتابه كقوله تعالى في هذه السورة الكريمة: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِءْيًا} والمعنى: أهلكنا قرونا كثيرة، أي أممًا كانت قبلهم وهو أكث نصيبًا في الدنيا منهم، فما معهم ما كان عندهم من زينة ومتاعها من إهلاك الله إياهم لما عصوا وكذبوا رسله، فلو كان الحظ والنصيب في الدنيا يدل على رضا الله والمكانة عنده لما أهلك الذين من قبلكم، الذين هم أحسن أثاثًا ورئيًا منكم.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {وكم} هي الخبرية، ومعناها الإخبار بعدد كثير، وهي في حمل نصب على المفعول به لأهلكنا، أي أهلكنا كثيرًا. {ومن} مبينة ل {كم} وكل أهل عصر قرن لمن بعدهم لأنهم يتقدمونهم. قيل: سموا قرنًا لاقترانهم في الوجود. والأثاث: متاع البيت. وقيل هو الجديد من الفرس. وغير الجديد منها يسمى (الخرثي) بضم الخاء وسكون الراء والثاء المثلثة بعدها ياء مشددة. وأنشد لهذا التفصيل الحسن بن علي الطُّوسي قول الشاعر:
تقادم العهد من أم الوليد بنا ** دهرًا وصار أثاث البيت خرثيا

والإطلاق المشهور في العربية هو إطلاق الأثاث على متاع البيت مطلقًا. قال الفراء: لا واحد له. ويطلق الأثاث على المال أجمع: الإبل، والغنم، والعبيد، والمتاع. والواحد أثاثة. وتاثث فلان: إذا أصال رياشًا، قاله الجوهري عن أبي زيد. وقوله: {ورئْيا} على قراؤة الجمهور مهموزًا، أي أحسن منظرًا وهييئة، وهو فعل بمعنى مفعول من رأى البصرية. والمراد به الذي تراه العين من هيأتهم الحسنة ومتاعهم الحسن. وأنشد أبو عبيدة لمحمد بن نمير الثقفي في هذا المعنى قوله:
أشافتك الظغائن يوم بانوا ** بذي الرئي الجميل من الأثاث

وعلى قراءة قالون وابن ذكوان بتشديد الياء من غير هكز. فقال بعض العلماء: معناه معنى القراءة الأوى، إلا أن الهمزة أبدلت ياءً فأدغمت في الياء.
وقال بعضهم: لا همز على قراءتهما أصلًا بل عليها فهو من الري الذي هو النعمة والرتفه، من قولهم: هو ريان من النعيم، وهي ريًا منه. وعلى هذا فالمعنى أحين نعمة وترفها. والأول أظهر عندي. والله تعالى أعلم.
والآيات التي ابطل الله بها دعواهم هذه كثيرة. كقوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمًَا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [آل عمران: 178]، وقوله: {وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بالتي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فأولئك لَهُمْ جَزَاءُ الضعف بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ} [سبأ: 37]. وقوله: {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بهذا الحديث سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم: 44-45]، وقوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ} [الأنعام: 44]. والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًا. وقد قدمنا شيئًا من ذلك.
وقوله الكفار الذي حكاه الله عنهم في هذه الآية الكريمة {أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} الظاهر فيه أن وجه ذكرهم للمقام والندي: أن المقام هو محل السكنى الخاص لكل واحد منهم. والندي محل اجتماع بعضهم ببعض، فإذا كان كل منهم للكفار أحسن من نظيره عند المسلمين دل ذلك على أن نصيبهم في الدنيا أوفر من نصيب أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت. ونظير ذلك من كلام العرب قول الشاعر:
يومان يوم مقاماتٍ وأنديةٍ ** ويوم سيرٍ إلى الأعداء تأويب

والمقامات: جمع مقامة بمعنى المقام. والأندية: جمع نادٍ بمعنى الندى وهو مجلس القوم، ومنه قوله تعالى: {وتأْتون في نادِيكم المنكر} فالنادي والندي يطلقان على المجلي، وعلى القوم الجالسين فيه. وكذلك المجلس يطلق على القوم الجالسين، ومن إطلاق الندي على المكان قول الفرزدق:
وما قام منا قائم في ندينا ** فينطلق إلا بالتي هي أعرفُ

وقوله تعالى هنا: {وأحسن نديًا}. ومن إطلاقه على القوم قوله: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزبانية} [العلق: 17-18]. ومن إطلاق المجلس على القوم الجالسين فيه قول ذي الرمة:
لهم مجلس صهب السبال أذلة ** سواسية أحرارها وعبيدها

والجملة في قوله: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِءْيًا}: قال الزمخشري: هي في محل نصب صفة لقوله: {كم} ألا ترى أنك لو تركت لفظة {هم} لم يكن لك بد من نصب {أحسن} على الوصفية اه- وتابع الزمخشري أبو البقاء على ذلك. وتعقبه أبو حيان في البحر بأن بعض علماء النحو نصوا على أن «كم» سواءً كانت استفهامية أو خبريه لا توصف ولا يوصف لها. قال: وعلى هذا يكون {هم أحسن} في موضع الصفة ل {قرن} وجمع نعت القرن اعتبارًا لمعنى القرن، وهذا هو الصواب عندب لا ما ذكره الزمخشري وأبو البقاء. وصيغة التفضيل في قوله: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِءْيًا} تلزمها من لتجردها من الإضافة والتعريف، إلا أنها محذوفة لدلالة المقام عليها. والتقدير: هم أحسن أثاثًا ورئِيًا منهم، على حد قوله في الخلاصة:
وأفعل التفضيل صِله أبدًا ** تقديرًا أو لفظًا بِمن إن جردا

فإن قيل: أين مرجع الضمير في هذه الآية الكريمة في قوله: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بِيِّنَاتٍ قَالَ الذين كَفَرُواْ} الآية؟ فالجواب- أنه راجع إلى الكفار المذكورين في قوله: {وَيَقُولُ الإنسان أَإِذَا مَا مِتُّ} [مريم: 66] الآية، وقوله: {وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72] قاله القرطبي. والله تعالى أعلم.
{قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75)}.
في معنى هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير معروفان عند العلماء، وكلاهما يشهد له قرآن:
الأول- أن الله جل وعلا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول هذه الكلمات كدعاي المباهلة بينه وبين المشركين. وإيضاح معناه: قل يا نبي الله صلى الله عليه وسلم لهؤلاء المشركين الذين ادعوا أنهم خير منكم، وأن الدليل على ذلك أنهم خير منكم مقامًا أحسن منكم نديًا- من كان منا ومنكم في الضلالة أي كفر والضلال عن طرق الحق فليمدد له الرحمن مدًا، أي فأملها الرحمن إمهالًا فيما هو فيه حتى يستدرجه بالإمهال ويموت على ذلك ولا يرجع عنه، بل يستمر على ذلك حتى يرى ما يوعده الله، وهو: إما عذاب في الدنيا بأيدي المسلمين، كقوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14] أبو بغير ذلك. وإما عذاب الآخرة إن ماتوا وهم على الكفر. وعلى ذلك التفسير فصيغة الطلب المدلول عليها باللام في قوله: {فليمدد} على بابها. وعليه فهي لا م الدعاء بالإمهال في الضلال على الضال من الفريقين، حتى يرى ما يوعده من الشر وهو على أقبح حال من الكفر والضلال. واقتصر على هذا التفسير ابن كثير وابن جرير، وهو الظاهر من صيغة الطلب في قوله: {فليمدد} ونظير هذا المعنى في القرآن قوله تعالى: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العلم فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ الله عَلَى الكاذبين} [آل عمران: 61] لأنه على ذلك التفسير يكون في كلتا الآيتين دعاء بالشر على الضال من الطائفتين. وكذلك قوله تعالى في اليهود: {فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 94] في (البقرة والجمعة) عند من يقول: إن المراد بالتمني الدعاء بالموت على الكاذبين من الطائفتين، وهو اختيار ابن كثير. وظاهر الآية لا يساعد عليه.