فصل: قال سيد قطب في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال سيد قطب في الآيات السابقة:

{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)} إلى قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)}.
في القطاعات التي مضت من هذه السورة كان الجدل مع أهل الكتاب، دائرًا كله حول سيرة بني إسرائيل، ومواقفهم من أنبيائهم وشرائعهم، ومن مواثيقهم وعهودهم، ابتداء من عهد موسى عليه السلام إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم أكثره عن اليهود، وأقله عن النصارى، مع إشارات إلى المشركين، عند السمات التي يلتقون فيها مع أهل الكتاب، أو يلتقي معهم فيها أهل الكتاب.
فالآن يرجع السياق إلى مرحلة تاريخية أسبق من عهد موسى.. يرجع إلى إبراهيم.. وقصة إبراهيم- على النحو الذي تساق به في موضعها هذا- تؤدي دورها في السياق، كما أنها تؤدي دورًا هامًا فيما شجر بين اليهود والجماعة المسلمة في المدينة من نزاع حاد متشعب الأطراف.
إن أهل الكتاب ليرجعون بأصولهم إلى إبراهيم عن طريق إسحاق- عليهما السلام- ويعتزون بنسبتهم إليه، وبوعد الله له ولذريته بالنمو والبركة، وعهده معه ومع ذريته من بعده. ومن ثم يحتكرون لأنفسهم الهدى والقوامة على الدين، كما يحتكرون لأنفسهم الجنة أيا كان ما يعملون!
وإن قريشًا لترجع بأصولها كذلك إلى إبراهيم عن طريق إسماعيل- عليهما السلام- وتعتز بنسبتها إليه؛ وتستمد منها القوامة على البيت، وعمارة المسجد الحرام؛ وتستمد كذلك سلطانها الديني على العرب، وفضلها وشرفها ومكانتها.
وقد وصل السياق فيما مضى إلى الحديث عن دعاوى اليهود والنصارى العريضة في الجنة: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى}.. وعن محاولتهم أن يجعلوا المسلمين يهودًا أو نصارى.. ليهتدوا.
{وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا}.. كذلك وصل إلى الحديث عن الذين يمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ويسعون في خرابها. وقلنا هناك: إنها قد تكون خاصة بموقف اليهود من قضية تحويل القبلة، وبالدعاية المسمومة التي أثاروها في الصف الإسلامي بهذه المناسبة.
فالآن يجيء الحديث عن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق؛ والحديث عن البيت الحرام وبنائه وعمارته وشعائره.. في جوه المناسب، لتقرير الحقائق الخالصة في ادعاءات اليهود والنصارى والمشركين جميعًا حول هذه النسب وهذه الصلات. ولتقرير قضية القبلة التي ينبغي أن يتجه إليها المسلمون.. كذلك تجيء المناسبة لتقرير حقيقة دين إبراهيم- وهي التوحيد الخالص- وبعد ما بينها وبين العقائد المشوهة المنحرفة التي عليها أهل الكتاب والمشركون سواء؛ وقرب ما بين عقيدة إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب- وهو إسرائيل الذي ينتسبون إليه- وعقيدة الجماعة المسلمة بآخر دين. ولتقرير وحدة دين الله، واطراده على أيدي رسله جميعًا، ونفي فكرة احتكاره في أيدي أمة أو جنس. وبيان أن العقيدة تراث القلب المؤمن لا تراث العصبية العمياء. وأن وراثة هذا التراث لا تقوم على قرابة الدم والجنس ولكن على قرابة الإيمان والعقيدة.
فمن آمن بهذه العقيدة ورعاها في أي جيل ومن أي قبيل فهو أحق بها من أبناء الصلب وأقرباء العصب! فالدين دين الله. وليس بين الله وبين أحد من عباده نسب ولا صهر!!!
هذه الحقائق التي تمثل شطرًا من الخطوط الأساسية في التصور الإسلامي، يجلوها القرآن الكريم هنا في نسق من الأداء عجيب، وفي عرض من الترتيب والتعبير بديع.. يسير بنا خطوة خطوة من لدن إبراهيم عليه السلام منذ أن ابتلاه ربه واختبره فاستحق اختياره واصطفاءه، وتنصيبه للناس إمامًا.. إلى أن نشأت الأمة المسلمة المؤمنة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم استجابة من الله لدعوة إبراهيم وإسماعيل وهما يرفعان القواعد من البيت الحرام؛ فاستحقت وراثة هذه الأمانة دون ذرية إبراهيم جميعًا، بذلك السبب الوحيد الذي تقوم عليه وراثة العقيدة. سبب الإيمان بالرسالة، وحسن القيام عليها، والاستقامة على تصورها الصحيح.
وفي ثنايا هذا العرض التاريخي يبرز السياق: أن الإسلام- بمعنى إسلام الوجه لله وحده- كان هو الرسالة الأولى، وكان هو الرسالة الأخيرة.. هكذا اعتقد إبراهيم، وهكذا اعتقد من بعده إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، حتى أسلموا هذه العقيدة ذاتها إلى موسى وعيسى.. ثم آلت أخيرًا إلى ورثة إبراهيم من المسلمين.. فمن استقام على هذه العقيدة الواحدة فهو وريثها، ووريث عهودها وبشاراتها. ومن فسق عنها، ورغب بنفسه عن ملة إبراهيم، فقد فسق عن عهد الله، وقد فقد وراثته لهذا العهد وبشاراته.
عندئذ تسقط كل دعاوى اليهود والنصارى في اصطفائهم واجتبائهم، لمجرد أنهم أبناء إبراهيم وحفدته، وهم ورثته وخلفاؤه! لقد سقطت عنهم الوراثة منذ ما انحرفوا عن هذه العقيدة.. وعندئذ تسقط كذلك كل دعاوى قريش في الاستئثار بالبيت الحرام وشرف القيام عليه وعمارته، لأنهم قد فقدوا حقهم في وراثة باني هذا البيت ورافع قواعده بانحرافهم عن عقيدته.. ثم تسقط كل دعاوى اليهود فيما يختص بالقبلة التي ينبغي أن يتجه إليها المسلمون. فالكعبة هي قبلتهم وقبلة أبيهم إبراهيم.
كل ذلك في نسق من العرض والأداء والتعبير عجيب؛ حافل بالإشارات الموحية، والوقفات العميقة الدلالة، والإيضاح القوي التأثير. فلنأخذ في استعراض هذا النسق العالي في ظل هذا البيان المنير:
{وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إمامًا قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}.
يقول للنبي صلى الله عليه وسلم اذكر ما كان من ابتلاء الله لإبراهيم بكلمات من الأوامر والتكاليف، فأتمهن وفاء وقضاء.. وقد شهد الله لإبراهيم في موضع آخر بالوفاء بالتزاماته على النحو الذي يرضى الله عنه فيستحق شهادته الجليلة: {وإبراهيم الذي وفى}. وهو مقام عظيم ذلك المقام الذي بلغه إبراهيم. مقام الوفاء والتوفية بشهادة الله عز وجل.
والإنسان بضعفه وقصوره لا يوفي ولا يستقيم!
عندئذ استحق إبراهيم تلك البشرى. أو تلك الثقة:
{قال إني جاعلك للناس إمامًا}.
إمامًا يتخذونه قدوة، ويقودهم إلى الله، ويقدمهم إلى الخير، ويكونون له تبعًا، وتكون له فيهم قيادة.
عندئذ تدرك إبراهيم فطرة البشر: الرغبة في الامتداد عن طريق الذراري والأحفاد. ذلك الشعور الفطري العميق، الذي أودعه الله فطرة البشر لتنمو الحياة وتمضي في طريقها المرسوم، ويكمل اللاحق ما بدأه السابق، وتتعاون الأجيال كلها وتتساوق.. ذلك الشعور الذي يحاول بعضهم تحطيمه أو تعويقه وتكبيله؛ وهو مركوز في أصل الفطرة لتحقيق تلك الغاية البعيدة المدى. وعلى أساسه يقرر الإسلام شريعة الميراث، تلبية لتلك الفطرة، وتنشيطًا لها لتعمل، ولتبذل أقصى ما في طوقها من جهد. وما المحاولات التي تبذل لتحطيم هذه القاعدة إلا محاولة لتحطيم الفطرة البشرية في أساسها؛ وإلا تكلف وقصر نظر واعتساف في معالجة بعض عيوب الأوضاع الاجتماعية المنحرفة. وكل علاج يصادم الفطرة لا يفلح ولا يصلح ولا يبقى. وهناك غيره من العلاج الذي يصلح الانحراف ولا يحطم الفطرة. ولكنه يحتاج إلى هدى وإيمان، وإلى خبرة بالنفس البشرية أعمق، وفكرة عن تكوينها أدق، وإلى نظرة خالية من الأحقاد الوبيلة التي تنزع إلى التحطيم والتنكيل، أكثر مما ترمي إلى البناء والإصلاح:
{قال ومن ذريتي}.
وجاءه الرد من ربه الذي ابتلاه واصطفاه، يقرر القاعدة الكبرى التي أسلفنا.. إن الإمامة لمن يستحقونها بالعمل والشعور، وبالصلاح والإيمان، وليست وراثة أصلاب وأنساب. فالقربى ليست وشيجة لحم ودم، إنما هي وشيجة دين وعقيدة. ودعوى القرابة والدم والجنس والقوم إن هي إلا دعوى الجاهلية، التي تصطدم اصطدامًا أساسيًا بالتصور الإيماني الصحيح:
{قال لا ينال عهدي الظالمين}.
والظلم أنواع وألوان: ظلم النفس بالشرك، وظلم الناس بالبغي.. والإمامة الممنوعة على الظالمين تشمل كل معاني الإمامة: إمامة الرسالة، وإمامة الخلافة، وإمامة الصلاة.. وكل معنى من معاني الإمامة والقيادة. فالعدل بكل معانيه هو أساس استحقاق هذه الإمامة في أية صورة من صورها. ومن ظلم- أي لون من الظلم- فقد جرد نفسه من حق الإمامة وأسقط حقه فيها؛ بكل معنى من معانيها.
وهذا الذي قيل لإبراهيم عليه السلام وهذا العهد بصيغته التي لا التواء فيها ولا غموض قاطع في تنحية اليهود عن القيادة والإمامة، بما ظلموا، وبما فسقوا، وبما عتوا عن أمر الله، وبما انحرفوا عن عقيدة جدهم إبراهيم.
وهذا الذي قيل لإبراهيم عليه السلام وهذا العهد بصيغته التي لا التواء فيها ولا غموض قاطع كذلك في تنحية من يسمون أنفسهم المسلمين اليوم. بما ظلموا، وبما فسقوا وبما بعدوا عن طريق الله، وبما نبذوا من شريعته وراء ظهورهم.. ودعواهم الإسلام، وهم ينحون شريعة الله ومنهجه عن الحياة، دعوى كاذبة لا تقوم على أساس من عهد الله.
إن التصور الإسلامي يقطع الوشائج والصلات التي لا تقوم على أساس العقيدة والعمل. ولا يعترف بقربى ولا رحم إذا أنبتّت وشيجة العقيدة والعمل ويسقط جميع الروابط والاعتبارات ما لم تتصل بعروة العقيدة والعمل.. وهو يفصل بين جيل من الأمة الواحدة وجيل إذا خالف أحد الجيلين الآخر في عقيدته، بل يفصل بين الوالد والولد، والزوج والزوج إذا انقطع بينهما حبل العقيدة. فعرب الشرك شيء وعرب الإسلام شيء آخر. ولا صلة بينهما ولا قربى ولا وشيجة. والذين آمنوا من أهل الكتاب شيء، والذين انحرفوا عن دين إبراهيم وموسى وعيسى شيء آخر، ولا صلة بينهما ولا قربى ولا وشيجة.. إن الأسرة ليست آباء وأبناء وأحفادًا.. إنما هي هؤلاء حين تجمعهم عقيدة واحدة. وإن الأمة ليست مجموعة أجيال متتابعة من جنس معين.. إنما هي مجموعة من المؤمنين مهما اختلفت أجناسهم وأوطانهم وألوانهم.. وهذا هو التصور الإيماني، الذي ينبثق من خلال هذا البيان الرباني، في كتاب الله الكريم.
{وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنًا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود}.
هذا البيت الحرام الذي قام سدنته من قريش فروعوا المؤمنين وآذوهم وفتنوهم عن دينهم حتى هاجروا من جواره.. لقد أراده الله مثابة يثوب إليها الناس جميعًا، فلا يروعهم أحد؛ بل يأمنون فيه على أرواحهم وأموالهم. فهو ذاته أمن وطمأنينة وسلام.
ولقد أمروا أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى- ومقام إبراهيم يشير هنا إلى البيت كله وهذا ما نختاره في تفسيره- فاتخاذ البيت قبلة للمسلمين هو الأمر الطبيعي، الذي لا يثير اعتراضًا. وهو أولى قبلة يتوجه إليها المسلمون، ورثة إبراهيم بالإيمان والتوحيد الصحيح، بما أنه بيت الله، لا بيت أحد من الناس. وقد عهد الله- صاحب البيت- إلى عبدين من عباده صالحين أن يقوما بتطهيره وإعداده للطائفين والعاكفين والركع السجود- أي للحجاج الوافدين عليه، وأهله العاكفين فيه، والذين يصلون فيه ويركعون ويسجدون فحتى إبراهيم وإسماعيل لم يكن البيت ملكًا لهما، فيورث بالنسب عنهما، إنما كانا سادنين له بأمر ربهما، لإعداده لقصاده وعباده من المؤمنين.
{وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدًا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلًا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير}.
ومرة أخرى يؤكد دعاء إبراهيم صفة الأمن للبيت. ومرة أخرى يؤكد معنى الوراثة للفضل والخير.. إن إبراهيم قد أفاد من عظة ربه له في الأولى. لقد وعى منذ أن قال له ربه: {لا ينال عهدي الظالمين}.. وعى هذا الدرس.. فهو هنا، في دعائه أن يرزق الله أهل هذا البلد من الثمرات، يحترس ويستثني ويحدد من يعني:
{من آمن منهم بالله واليوم الآخر}.
إنه إبراهيم الأواه الحليم القانت المستقيم، يتأدب بالأدب الذي علمه ربه، فيراعيه في طلبه ودعائه.. وعندئذ يجيئه رد ربه مكملًا ومبينًا عن الشطر الآخر الذي سكت عنه. شطر الذين لا يؤمنون، ومصيرهم الأليم:
{قال ومن كفر فأمتعه قليلًا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير}.
ثم يرسم مشهد تنفيذ إبراهيم وإسماعيل للأمر الذي تلقياه من ربهما بإعداد البيت وتطهيره للطائفين والعاكفين والركع السجود.. يرسمه مشهودًا كما لو كانت الأعين تراهما اللحظة وتسمعهما في آن:
{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم}.
إن التعبير يبدأ بصيغة الخبر.. حكاية تحكى:
{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل}.
وبينما نحن في انتظار بقية الخبر، إذا بالسياق يكشف لنا عنهما، ويرينا إياهما، كما لو كانت رؤية العين لا رؤيا الخيال. إنهما أمامنا حاضران، نكاد نسمع صوتيهما يبتهلان:
{ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ربنا}.
فنغمة الدعاء، وموسيقى الدعاء، وجو الدعاء.. كلها حاضرة كأنها تقع اللحظة حية شاخصة متحركة.. وتلك إحدى خصائص التعبير القرآني الجميل. رد المشهد الغائب الذاهب، حاضرًا يسمع ويرى، ويتحرك ويشخص، وتفيض منه الحياة.. إنها خصيصة التصوير الفني بمعناه الصادق، اللائق بالكتاب الخالد.
وماذا في ثنايا الدعاء؟ إنه أدب النبوة، وإيمان النبوة، وشعور النبوة بقيمة العقيدة في هذا الوجود. وهو الأدب والإيمان والشعور الذي يريد القرآن أن يعلمه لورثة الأنبياء، وأن يعمقه في قلوبهم ومشاعرهم بهذا الإيحاء:
{ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}.
إنه طلب القبول.. هذه هي الغاية.. فهو عمل خالص لله. الاتجاه به في قنوت وخشوع إلى الله. والغاية المرتجاة من ورائه هي الرضى والقبول.. والرجاء في قبوله متعلق بأن الله سميع للدعاء. عليهم بما وراءه من النية والشعور.
{ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم}.
إنه رجاء العون من ربهما في الهداية إلى الإسلام؛ والشعور بأن قلبيهما بين أصبعين من أصابع الرحمن؛ وأن الهدى هداه، وأنه لا حول لهما ولا قوة إلا بالله، فهما يتجهان ويرغبان، والله المستعان.
ثم هو طابع الأمة المسلمة.. التضامن.. تضامن الأجيال في العقيدة: {ومن ذريتنا أمة مسلمة لك}.. وهي دعوة تكشف عن اهتمامات القلب المؤمن.
إن أمر العقيدة هو شغله الشاغل، وهو همه الأول. وشعور إبراهيم وإسماعيل- عليهما السلام- بقيمة النعمة التي أسبغها الله عليهما.. نعمة الإيمان.. تدفعهما إلى الحرص عليها في عقبهما، وإلى دعاء الله ربهما ألا يحرم ذريتهما هذا الإنعام الذي لا يكافئه إنعام.. لقد دعوا الله ربهما أن يرزق ذريتهما من الثمرات ولم ينسيا أن يدعواه ليرزقهم من الإيمان؛ وأن يريهم جميعًا مناسكهم، ويبين لهم عباداتهم، وأن يتوب عليهم. بما أنه هو التواب الرحيم.
ثم ألا يتركهم بلا هداية في أجيالهم البعيدة:
{ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم}.
وكانت الاستجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل هي بعثة هذا الرسول الكريم بعد قرون وقرون. بعثة رسول من ذرية إبراهيم وإسماعيل، يتلو عليهم آيات الله، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويطهرهم من الأرجاس والأدناس. إن الدعوة المستجابة تستجاب، ولكنها تتحقق في أوانها الذي يقدره الله بحكمته. غير أن الناس يستعجلون! وغير الواصلين يملون ويقنطون!
وبعد فإن لهذا الدعاء دلالته ووزنه فيما كان يشجر بين اليهود والجماعة المسلمة من نزاع عنيف متعدد الأطراف. إن إبراهيم وإسماعيل اللذين عهد الله إليهما برفع قواعد البيت وتطهيره للطائفين والعاكفين والمصلين، وهما أصل سادني البيت من قريش.. إنهما يقولان باللسان الصريح: {ربنا واجعلنا مسلمين لك}.
{ومن ذريتنا أمة مسلمة لك}.. كما يقولان باللسان الصريح: {ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم}.. وهما بهذا وذاك يقرران وراثة الأمة المسلمة لإمامة إبراهيم، ووراثتها للبيت الحرام سواء. وإذن فهو بيتها الذي تتجه إليه، وهي أولى به من المشركين. وهو أولى بها من قبلة اليهود والمسيحيين!
وإذن فمن كان يربط ديانته بإبراهيم من اليهود والنصارى، ويدعي دعاواه العريضة في الهدى والجنة بسبب تلك الوراثة، ومن كان يربط نسبه بإسماعيل من قريش.. فليسمع: إن إبراهيم حين طلب الوراثة لبنيه والإمامة، قال له ربه: {لا ينال عهدي الظالمين}.. ولما أن دعا هو لأهل البلد بالرزق والبركة خص بدعوته: {من آمن بالله واليوم الآخر}.. وحين قام هو وإسماعيل بأمر ربهما في بناء البيت وتطهيره كانت دعوتهما: أن يكونا مسلمين لله، وأن يجعل الله من ذريتهما أمة مسلمة، وأن يبعث في أهل بيته رسولًا منهم.. فاستجاب الله لهما، وأرسل من أهل البيت محمد بن عبد الله، وحقق على يديه الأمة المسلمة القائمة بأمر الله. الوارثة لدين الله.
وعند هذا المقطع من قصة إبراهيم، يلتقط السياق دلالته وإيحاءه، ليواجه بهما الذين ينازعون الأمة المسلمة الإمامة؛ وينازعون الرسول صلى الله عليه وسلم النبوة والرسالة؛ ويجادلون في حقيقة دين الله الأصيلة الصحيحة:
{ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
هذه هي ملة إبراهيم.. الإسلام الخالص الصريح.. لا يرغب عنها وينصرف إلا ظالم لنفسه، سفيه عليها، مستهتر بها.. إبراهيم الذي اصطفاه ربه في الدنيا إمامًا، وشهد له في الآخرة بالصلاح.. اصطفاه {إذ قال له ربه أسلم}.. فلم يتلكأ، ولم يرتب، ولم ينحرف، واستجاب فور تلقي الأمر.
{قال أسلمت لرب العالمين}.
هذه هي ملة إبراهيم.. الإسلام الخالص الصريح.. ولم يكتف إبراهيم بنفسه إنما تركها في عقبه، وجعلها وصيته في ذريته، ووصى بها إبراهيم بنيه كما وصى بها يعقوب بنيه. ويعقوب هو إسرائيل الذي ينتسبون إليه، ثم لا يلبون وصيته، ووصية جده وجدهم إبراهيم!
ولقد ذكر كل من إبراهيم ويعقوب بنيه بنعمة الله عليهم في اختياره الدين لهم:
{يا بني إن الله اصطفى لكم الدين}.
فهو من اختيار الله. فلا اختيار لهم بعده ولا اتجاه. وأقل ما توجبه رعاية الله لهم، وفضل الله عليهم، هو الشكر على نعمة اختياره واصطفائه، والحرص على ما اختاره لهم، والاجتهاد في ألا يتركوا هذه الأرض إلا وهذه الأمانة محفوظة فيهم:
{فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
وها هي ذي الفرصة سانحة، فقد جاءهم الرسول الذي يدعوهم إلى الإسلام، وهو ثمرة الدعوة التي دعاها أبوهم إبراهيم.
تلك كانت وصية إبراهيم لبنيه ووصية يعقوب لبنيه.. الوصية التي كررها يعقوب في آخر لحظة من لحظات حياته؛ والتي كانت شغله الشاغل الذي لم يصرفه عنه الموت وسكراته، فليسمعها بنو إسرائيل:
{أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون}.
إن هذا المشهد بين يعقوب وبنيه في لحظة الموت والاحتضار لمشهد عظيم الدلالة، قوي الإيحاء، عميق التأثير.. ميت يحتضر. فما هي القضية التي تشغل باله في ساعة الاحتضار؟ ما هو الشاغل الذي يعني خاطره وهو في سكرات الموت؟ ما هو الأمر الجلل الذي يريد أن يطمئن عليه ويستوثق منه؟ ما هي التركة التي يريد أن يخلفها لأبنائه ويحرص على سلامة وصولها إليهم فيسلمها لهم في محضر، يسجل فيه كل التفصيلات؟.. إنها العقيدة.. هي التركة. وهي الذخر. وهي القضية الكبرى، وهي الشغل الشاغل، وهي الأمر الجلل، الذي لا تشغل عنه سكرات الموت وصرعاته:
{ما تعبدون من بعدي}.
هذا هو الأمر الذي جمعتكم من أجله. وهذه هي القضية التي أردت الاطمئنان عليها. وهذه هي الأمانة والذخر والتراث.
{قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون}.
إنهم يعرفون دينهم ويذكرونه. إنهم يتسلمون التراث ويصونونه.
إنهم يطمئنون الوالد المحتضر ويريحونه.
وكذلك ظلت وصية إبراهيم لبنيه مرعية في أبناء يعقوب. وكذلك هم ينصون نصًا صريحًا على أنهم {مسلمون}.
والقرآن يسأل بني إسرائيل: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت}.. فهذا هو الذي كان، يشهد به الله، ويقرره، ويقطع به كل حجة لهم في التمويه والتضليل؛ ويقطع به كل صلة حقيقية بينهم وبين أبيهم إسرائيل!
وفي ضوء هذا التقرير يظهر الفارق الحاسم بين تلك الأمة التي خلت، والجيل الذي كانت تواجهه الدعوة.. حيث لا مجال لصلة، ولا مجال لوراثة، ولا مجال لنسب بين السابقين واللاحقين:
{تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون}.
فلكل حساب؛ ولكل طريق؛ ولكل عنوان؛ ولكل صفة.. أولئك أمة من المؤمنين فلا علاقة لها بأعقابها من الفاسقين. إن هذه الأعقاب ليست امتدادًا لتلك الأسلاف. هؤلاء حزب وأولئك حزب. لهؤلاء راية ولأولئك راية.. والتصور الإيماني في هذا غير التصور الجاهلي.. فالتصور الجاهلي لا يفرق بين جيل من الأمة وجيل، لأن الصلة هي صلة الجنس والنسب. أما التصور الإيماني فيفرق بين جيل مؤمن وجيل فاسق؛ فليسا أمة واحدة، وليس بينهما صلة ولا قرابة.. إنهما أمتان مختلفتان في ميزان الله، فهما مختلفتان في ميزان المؤمنين. إن الأمة في التصور الإيماني هي الجماعة التي تنتسب إلى عقيدة واحدة من كل جنس ومن كل أرض؛ وليست هي الجماعة التي تنتسب إلى جنس واحد أو أرض واحدة. وهذا هو التصور اللائق بالإنسان، الذي يستمد إنسانيته من نفخة الروح العلوية، لا من التصاقات الطين الأرضية!
في ظل هذا البيان التاريخي الحاسم، لقصة العهد مع إبراهيم: وقصة البيت الحرام كعبة المسلمين؛ ولحقيقة الوراثة وحقيقة الدين؛ يناقش ادعاءات أهل الكتاب المعاصرين، ويعرض لحججهم وجدلهم ومحالهم، فيبدو هذا كله ضعيفًا شاحبًا، كما يبدو فيه العنت والادعاء بلا دليل: كذلك تبدو العقيدة الإسلامية عقيدة طبيعية شاملة لا ينحرف عنها إلا المتعنتون:
{وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودًا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون}.
وإنما كان قول اليهود: كونوا يهودًا تهتدوا؛ وكان قول النصارى: كونوا نصارى تهتدوا. فجمع الله قوليهم ليوجه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يواجههم جميعًا بكلمة واحدة:
{قل بل ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين}.
قل: بل نرجع جميعًا، نحن وأنتم، إلى ملة إبراهيم، أبينا وأبيكم، وأصل ملة الإسلام، وصاحب العهد مع ربه عليه.
{وما كان من المشركين}.. بينما أنتم تشركون.
ثم يدعو المسلمين لإعلان الوحدة الكبرى للدين، من لدن إبراهيم أبي الأنبياء إلى عيسى بن مريم، إلى الإسلام الأخير. ودعوة أهل الكتاب إلى الإيمان بهذا الدين الواحد:
{قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون}.
تلك الوحدة الكبرى بين الرسالات جميعًا، وبين الرسل جميعًا، هي قاعدة التصور الإسلامي وهي التي تجعل من الأمة المسلمة، الأمة الوارثة لتراث العقيدة القائمة على دين الله في الأرض، الموصولة بهذا الأصل العريق، السائرة في الدرب على هدى ونور. والتي تجعل من النظام الإسلامي النظام العالمي الذي يملك الجميع الحياة في ظله دون تعصب ولا اضطهاد. والتي تجعل من المجتمع الإسلامي مجتمعًا مفتوحًا للناس جميعًا في مودة وسلام.
ومن ثم يقرر السياق الحقيقة الكبيرة، ويثبت عليها المؤمنين بهذه العقيدة. حقيقة أن هذه العقيدة هي الهدى. من اتبعها فقد اهتدى. ومن أعرض عنها فلن يستقر على أصل ثابت؛ ومن ثم يظل في شقاق مع الشيع المختلفة التي لا تلتقي على قرار:
{فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق}.
وهذه الكلمة من الله، وهذه الشهادة منه سبحانه، تسكب في قلب المؤمن الاعتزاز بما هو عليه. فهو وحده المهتدي. ومن لا يؤمن بما يؤمن به فهو المشاق للحق المعادي للهدى. ولا على المؤمن من شقاق من لا يهتدي ولا يؤمن، ولا عليه من كيده ومكره. ولا عليه من جداله ومعارضته. فالله سيتولاهم عنه، وهو كافيه وحسبه:
{فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم}.
إنه ليس على المؤمن إلا أن يستقيم على طريقته، وأن يعتز بالحق المستمد مباشرة من ربه، وبالعلامة التي يضعها الله على أوليائه، فيعرفون بها في الأرض:
{صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون}.
صبغة الله التي شاء لها أن تكون آخر رسالاته إلى البشر. لتقوم عليها وحدة إنسانية واسعة الآفاق، لا تعصب فيها ولا حقد، ولا أجناس فيها ولا ألوان.
ونقف هنا عند سمة من سمات التعبير القرآني ذات الدلالة العميقة.. إن صدر هذه الآية من كلام الله التقريري: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة}.. أما باقيها فهو من كلام المؤمنين.
يلحقه السياق- بلا فاصل- بكلام الباريء سبحانه في السياق. وكله قرآن منزل. ولكن الشطر الأول حكاية عن قول الله، والشطر الثاني حكاية عن قول المؤمنين. وهو تشريف عظيم أن يلحق كلام المؤمنين بكلام الله في سياق واحد، بحكم الصلة الوثيقة بينهم وبين ربهم، وبحكم الاستقامة الواصلة بينه وبينهم. وأمثال هذا في القرآن كثير. وهو ذو مغزى كبير.
ثم تمضي الحجة الدامغة إلى نهايتها الحاسمة:
{قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون}.
ولا مجال للجدل في وحدانية الله وربوبيته. فهو ربنا وربكم، ونحن محاسبون بأعمالنا، وعليكم وزر أعمالكم. ونحن متجردون له مخلصون لا نشرك به شيئًا، ولا نرجو معه أحدًا.. وهذا الكلام تقرير لموقف المسلمين واعتقادهم؛ وهو غير قابل للجدل والمحاجة واللجاج.
ومن ثم يضرب السياق عنه، وينتقل إلى مجال آخر من مجالات الجدل. يظهر أنه هو الآخر غير قابل للجاجة والمحال:
{أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودًا أو نصارى}.
وهم كانوا أسبق من موسى، وأسبق من اليهودية والنصرانية. والله يشهد بحقيقة دينهم- وهو الإسلام كما سبق البيان:
{قل أأنتم أعلم أم الله}.
وهو سؤال لا جواب عليه! وفيه من الاستنكار ما يقطع الألسنة دون الجواب عليه!
ثم إنكم لتعلمون أنهم كانوا قبل أن تكون اليهودية والنصرانية. وكانوا على الحنيفية الأولى التي لا تشرك بالله شيئًا. ولديكم كذلك شهادة في كتبكم أن سيبعث نبي في آخر الزمان دينه الحنيفية، دين إبراهيم. ولكنكم تكتمون هذه الشهادة:
{ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله}.
والله مطلع على ما تخفون من الشهادة التي ائتمنتم عليها، وما تقومون به من الجدال فيها لتعميتها وتلبيسها:
{وما الله بغافل عما تعملون}.
وحين يصل السياق إلى هذه القمة في الإفحام، وإلى هذا الفصل في القضية، وإلى بيان ما بين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وبين اليهود المعاصرين من مفارقة تامة في كل اتجاه.. عندئذ يعيد الفاصلة التي ختم بها الحديث من قبل عن إبراهيم وذريته المسلمين:
{تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون}.
وفيها فصل الخطاب، ونهاية الجدل، والكلمة الأخيرة في تلك الدعاوى الطويلة العريضة. اهـ.