فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88)}.
هذا الكلام منهم عبث وافتراء؛ لأنه متى كان اتخاذ هذا الولد؟ في أيِّ قَرْن من القرون من ميلاد المسيح عليه السلام؟ إن هذه المقولة لم تأْتِ إلا بعد ثلاثمائة سنة من ميلاد المسيح، فما الموقف قبلها؟ وما الذي زاد في مُلْك الله بعد أنْ جاء هذا الولد؟
الشمس هي الشمس، والنجوم هي النجوم، والهواء هو الهواء، إذن: موضوعية اتخاذ الولد هذه عبث؛ لأنه لم يَزِدْ شيء في المْلك على يد هذا الولد، ولم تكن عند الله تعالى صفة مُعطلة اكتملتْ بمجىء الولد؛ لأن الصفات الكمالية لله تعالى موجودة قبل أنْ يخلق أيَّ شيء.
فهو سبحانه وتعالى خالق قبل أن يَخْلق، ورازق قبل أنْ يَرزُق، ومُحْيٍ قبل أنْ يحيى، ومميت قبل أن يميت. فالبصفات أوجد هذه الأشياء، فصفات الكمال فيه سبحانه موجودة قبل متعلقاتها.
وضربنا لذلك مثلًا ولله المثل الأعلى بالشاعر الذي قال قصيدة. وقلنا: إنه قال القصيدة لأنه شاعر بدايةً، ولولا أنه شاعر ما قالها.
لذلك يرد الحق سبحانه على هذا الافتراء بقوله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا} [الكهف: 5].
وهنا يرد عليهم بقوله: {لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا} والإدّ: المتناهي في النكْر والفظاعة، وهو الأمر المستبشع، من: آده الأمر. أي: أثقله ولم يَقْو عليه، ومنه قوله تعالى في آية الكرسي: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} [البقرة: 255] أي: لا يثقل عليه.
لكن، لماذا جعل هذا الأمر إدًّا ومنكرًا فظيعا؟
قالوا: لأن اتخاذ الولد له مقاصد، فالولد يُتخذ ليكون لك عِزْوة وقوة؛ أو ليكون امتدادًا لكل بعد موتك، والحق سبحانه وتعالى هو العزيز، الذي لا يحتاج إلى أحد، وهو الباقي الدائم الذي لا يحتاج إلى امتداد.
إذن: فاتخاذ الولد بالنسبة لله تعالى لا عِلةَ له، كما أن اتخاذ الولد لله تعالى ينفي سواسية العبودية له سبحانه.
ولذلك يقول الحق سبحانه: {تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ} أي: فلسنا نحن فحسْب الذين ننكر هذا الأمر، بل الجماد غير المكلف أيضًا ينكره، فالسموات بقوتها وعظمها تتفطر أي: تتشقق، وتكاد تكون مِزَعًا لهوْلِ ما قيل، تقرب أن تنفطر لكن لماذا لم تنفطر بالفعل؟ لم تنفطر؛ لأن الله يمسكها: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ} [فاطر: 41].
وفي الحديث القدسي: «قالت السماء يا رب ائذن لي أنْ أسقط كِسَفًا على ابن آدم، فقد طَعِم خيرك ومنع شكرك، وقالت الأرض: يارب ائذن لي أن أخسف بابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك، وقالت الجبال: يا رب ائذن لي أن أخِرَّ على ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك. وقالت البحار: يا ربّ ائذن لي أن أُغرق ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك. فقال لهم: دعوني وخلقي لو خلقتموهم لرحمتموهم، فإن تابوا إليَّ فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم».
فما العِلَّة في أن السماء تقرب أن تنفطر، والأرض تقرب أن تنشق، والجبال تقرب أن تخِرَّ؟
{أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)}.
هذه هي العلة والحيثية التي من أجلها يكاد الكونُ كلُّه أن يتزلزل، ويثور غاضبًا لهذه المقولة الشنيعة.
ثم يعقب الحق سبحانه فيقول: {وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ}.
وعلينا هنا أنْ نُفرق بين نَفْي الحدث ونفي انبغاء الحدث، فمثلًا في قول الحق تبارك وتعالى في شأن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ} [يس: 69] فنفى عنه قَوْل الشعر، ونفي عنه انبغاء ذلك له، فقد يظن ظانٌّ أن النبي لا يستطيع أن يقول شعرًا، أو أن أدوات الشعر من اللغة ورِقَّة الإحساس غير متوافرة لديه صلى الله عليه وسلم، لكن رسول الله قادر على قَوْل الشعر إنْ أراد، فهو قادر على الحدث، إلا أنه لا ينبغي له.
كذلك في قوله تعالى: {وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] فإنْ أراد سبحانه وتعالى أن يكون له ولد لَكانَ ذلك، كما جاء في قوله تبارك وتعالى: {قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} [الزخرف: 81]. أي: إن كان له سبحانه ولد فعلى العَيْن والرأس، إنما هذه مسألة ما أرادها الحق سبحانه، وما تنبغي له، فكيف أدَّعي أنا أن لله ولدًا هكذا من عندي؟ وما حاجته تعالى للولد، وقد قال في الآية بعدها: {إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض}.
ذلك لأن الخالق تبارك وتعالى خلق الإنسان، وجعل له منطقة اختيار يفعل أو لا يفعل، يؤمن أو لا يؤمن، وكذلك جعل فيه منطقة قَهْر، فالكافر الذي أَلِف الكفر، وتعوَّد عليه، وتمرد على الطاعة والإيمان، هل يستطيع أنْ يتمرّد مثلًا على المرض أو يتمرَّد على الموت، أو على الفقر؟
إذن: فأنت مُختار في شيء وعَبْد في أشياء، كما أن منطقة الاختيار هذه لك في الدنيا، وليست لك في الآخرة. وسبق أنْ فرَّقنا بين العباد والعبيد، فالجميع: المؤمن والكافر عبيد لله تعالى، أما العباد فهم الذين تنازلوا عن اختيارهم ومرادهم لمراد ربهم، فجاءت كُلُّ تصرفاتهم وفقًا لما يريده الله.
وهؤلاء الذين قال الله فيهم: {وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْنًا} [الفرقان: 63].
ومعنى: {إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْدًا} [مريم: 93] أي: في الآخرة، حيث تُلْغَى منطقة الاختيار، ولا يستطيع أحد الخروج عن مراد الله تعالى، ويسلب الملك من الجميع، فيقول تعالى: {لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16].
وهو سبحانه القادر على العطاء، القادر على السلب: {تُؤْتِي الملك مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ} [آل عمران: 26].
ثم يقول الحق سبحانه: {لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ}.
الإحصاء: هو العَدُّ، وكانوا قديمًا يستخدمون الحصَى أو النوى في العَدِّ، لكن النوى فرع ملكية النخل، فقد لا يتوفر للجميع؛ لذلك كانوا يستخدمون الحصَى، ومنه كلمة الإحصاء.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القيامة}.
أي. وحده، ليس معه أهل أو أولاد أو عِزْوة، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 3437].
فكل مشغول بحاله، ذاهل عن أقرب الناس إليه: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ} [الحج: 2].
وتأمَّل قوله: {آتِيهِ} [مريم: 95] فالعبد هو الذي يأتي بنفسه مُخْتارًا لا يُؤْتَى به، فكأن الجميع منضبط على وقت معلوم، إذا جاء يُهْرَع الجميع طواعيةً إلى الله عز وجل. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81)}.
حكى سبحانه ما كان عليه هؤلاء الكفار الذين تمنوا ما لا يستحقونه، وتألوا على الله سبحانه من اتخاذهم الآلهة من دون الله لأجل يتعززون بذلك.
قال الهروّي: معنى {لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزًّا}: ليكونوا لهم أعوانًا.
قال الفراء: معناه: ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة.
وقيل: معناه ليتعززوا بهم من عذاب الله ويمتنعوا بها.
{كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم} أي ليس الأمر كما ظنوا وتوهموا، والضمير في الفعل إما للآلهة أي ستجحد هذه الأصنام عبادة الكفار لها يوم ينطقها الله سبحانه، لأنها عند أن عبدوها جمادات لا تعقل ذلك، وإما للمشركين، أي سيجحد المشركون أنهم عبدوا الأصنام، ويدل على الوجه الأوّل قوله تعالى: {مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} [القصص: 63] وقوله: {فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لكاذبون} [النحل: 86] ويدلّ على الوجه الثاني قوله تعالى: {والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] وقرأ ابن أبي نهيك: {كلا} بالتنوين، وروي عنه مع ذلك ضمّ الكاف وفتحها، فعلى الضم هي بمعنى جميعًا، وانتصابها بفعل مضمر، كأنه قال: سيكفرون كلا سيكفرون بعبادهم، وعلى الفتح يكون مصدرًا لفعل محذوف تقديره: كل هذا الرأي كلا، وقراءة الجمهور هي الصواب، وهي حرف ردع وزجر {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} أي تكون هذه الآلهة التي ظنوها عزًّا لهم ضدًّا عليهم، أي ضدًّا للعزّ وضدّ العزّ: الذلّ، هذا على الوجه الأوّل، وأما على الوجه الثاني فيكون المشركون للآلهة ضدًّا وأعداء يكفرون بها بعد أن كانوا يحبونها ويؤمنون بها.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين} ذكر الزجاج في معنى هذا وجهين: أحدهما: أن معناه: خلينا بين الكافرين وبين الشياطين فلم نعصمهم منهم ولم نعذهم، بخلاف المؤمنين الذين قيل فيهم: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان} [الإسراء: 65].
الوجه الثاني: أنهم أرسلوا عليهم وقيضوا لهم بكفرهم قال: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَانًا} [الزخرف: 36] فمعنى الإرسال ها هنا: التسليط ومن ذلك قوله سبحانه لإبليس {واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64] ويؤيد الوجه الثاني تمام الآية، وهو {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} فإن الأزّ والهزّ والاستفزاز معناها: التحريك والتهييج والإزعاج، فأخبر الله سبحانه أن الشياطين تحرّك الكافرين وتهيجهم وتغويهم، وذلك هو التسليط لها عليهم، وقيل: معنى الأزّ: الاستعجال، وهو مقارب لما ذكرنا لأن الاستعجال تحريك وتهييج واستفزاز وإزعاج، وسياق هذه الآية لتعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم من حالهم، وللتنبيه له على أن جميع ذلك بإضلال الشياطين وإغوائهم، وجملة: {تؤزهم أزًّا} في محل نصب على الحال، أو مستأنفة على تقدير سؤال يدل عليه المقام، كأنه قيل: ماذا تفعل الشياطين بهم؟
{فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} بأن تطلب من الله إهلاكهم بسبب تصميمهم على الكفر، وعنادهم للحق، وتمرّدهم عن داعي الله سبحانه.
ثم علل سبحانه هذا النهي بقوله: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} يعني نعدّ الأيام والليالي والشهور والسنين من أعمارهم إلى انتهاء آجالهم. وقيل: نعدّ أنفاسهم. وقيل خطواتهم. وقيل: لحظاتهم. وقيل: الساعات. وقال قطرب: نعدّ أعمالهم. وقيل: المعنى: لا تعجل عليهم فإنما نؤخرهم ليزدادوا إثمًا.
ثم لما قرّر سبحانه أمر الحشر وأجاب عن شبهة منكريه أراد أن يشرح حال المكلفين حينئذٍ، فقال: {يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْدًا} الظرف منصوب بفعل مقدّر، أي اذكر يا محمد يوم الحشر. وقيل: منصوب بالفعل الذي بعده، ومعنى حشرهم إلى الرحمن: حشرهم إلى جنته ودار كرامته، كقوله: {إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبّى} [الصافات: 99] والوفد جمع وافد، كالركب جمع راكب، وصحب جمع صاحب، يقال: وفد يفد وفدًا إذا خرج إلى ملك أو أمر خطير كذا قال الجوهري.
{وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا} السوق: الحثّ على السير، والورد: العطاش قاله الأخفش وغيره. وقال الفراء وابن الأعرابي: هم المشاة، وقال الأزهري: هم المشاة العطاش، كالإبل ترد الماء. وقيل: {وردا} أي: للورد، كقولك: جئتك إكرامًا، أي للإكرام، وقيل: أفرادًا.
قيل: ولا تناقض بين هذه الأقوال فهم يساقون مشاة عطاشًا أفرادًا، وأصل الورد: الجماعة التي ترد الماء من طير أو إبل أو قوم أو غير ذلك. والورد الماء الذي يورد.
وجملة: {لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة} مستأنفة لبيان بعض ما يكون في ذلك اليوم من الأمور، والضمير في {يملكون} راجع إلى الفريقين. وقيل: للمتقين خاصة. وقيل: للمجرمين خاصة، والأوّل أولى. ومعنى {لا يملكون الشفاعة}: أنهم لا يملكون أن يشفعوا لغيرهم. وقيل: لا يملك غيرهم أن يشفع لهم، والأوّل أولى {إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْدًا} هذا الاستثناء متصل على الوجه الأوّل أي لا يملك الفريقان المذكوران الشفاعة إلا من استعدّ لذلك بما يصير به من جملة الشافعين لغيرهم بأن يكون مؤمنًا متقيًا، فهذا معنى اتخاذ العهد عند الله. وقيل: معنى اتخاذ العهد أن الله أمره بذلك كقولهم: عهد الأمير إلى فلان إذا أمره به. وقيل: معنى اتخاذ العهد: شهادة أن لا إله إلا الله. وقيل: غير ذلك.
وعلى الاتصال في هذا الاستثناء يكون محل {من} في {من اتخذ} الرفع على البدل، أو النصب على أصل الاستثناء. وأما على الوجه الثاني فالاستثناء منقطع؛ لأن التقدير: لا يملك المجرمون الشفاعة {إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْدًا} وهم المسلمون. وقيل: هو متصل على هذا الوجه أيضًا، والتقدير: لا يملك المجرمون الشفاعة إلا من كان منهم مسلمًا.
{وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَدًا} قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي: {ولدًا} بضم الواو وإسكان اللام، وقرأ الباقون في الأربعة المواضع الأربعة في هذه السورة بفتح الواو واللام، وقد قدّمنا الفرق بين القراءتين.
والجملة مستأنفة لبيان قول اليهود والنصارى ومن يزعم من العرب أن الملائكة بنات الله، وفي قوله: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} التفات من الغيبة إلى الخطاب، وفيه ردّ لهذه المقالة الشنعاء، والإدّ كما قال الجوهري: الداهية والأمر الفظيع، وكذلك الأدّة، وجمع الأدّة أدد، يقال: أدّت فلانًا الداهية تؤدّه أدا بالفتح.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: {أدًّا} بفتح الهمزة، وقرأ الجمهور بالكسر، وقرأ ابن عباس وأبو العالية {آدًّا} مثل مادًّا، وهي مأخوذة من الثقل، يقال: أدّه الحمل يؤده: إذا أثقله. قال الواحدي: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} أي عظيمًا في قول الجميع، ومعنى الآية: قلتم قولًا عظيمًا. وقيل: الإدّ: العجب، والإدّة: الشدّة، والمعنى متقارب، والتركيب يدور على الشدّة والثقل.
{يَكَادُ السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} قرأ نافع والكسائي وحفص ويحيى بن وثاب {يكاد} بالتحتية، وقرأ الباقون بالفوقية وقرأ نافع وابن كثير وحفص {يتفطرن} بالتاء الفوقية، وقرأ حمزة وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر والمفضل {يتفطرن} بالتحتية من الانفطار، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله: {إِذَا السماء انفطرت} [الإنفطار: 1]، وقوله: {السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 18] وقرأ ابن مسعود: {يتصدّعن} والانفطار والتفطر: التشقق {وَتَنشَقُّ الأرض} أي وتكاد أن تنشق الأرض، وكرر الفعل للتأكيد لأن تتفطرن وتنشق معناهما واحد {وَتَخِرُّ الجبال} أي تسقط وتنهدم، وانتصاب {هَدًّا} على أنه مصدر مؤكد؛ لأن الخرور في معناه، أو هو مصدر لفعل مقدّر، أي وتنهد هدًّا، أو على الحال أي مهدودة، أو على أنه مفعول له، أي لأنها تنهد. قال الهروي: يقال هدني الأمر وهدّ ركني، أي كسرني وبلغ مني. قال الجوهري: هدّ البناء يهدّه هدًّا كسره وضعضعه، وهدّته المصيبة أوهنت ركنه، وانهدّ الجبل، أي انكسر، والهدّة: صوت وقع الحائط، كما قال ابن الأعرابي، ومحل {أَن دَعَوْا للرحمن وَلَدًا} الجرّ بدلًا من الضمير في {منه}. وقال الفراء: في محل نصب بمعنى لأن دعوا. وقال الكسائي: هو في محل خفض بتقدير الخافض. وقيل: في محل رفع على أنه فاعل {هدًّا}. والدعاء بمعنى التسمية، أي سموا للرحمن ولدًا، أو بمعنى النسبة أي نسبوا له ولدًا.
{وَمَا يَنبَغِى للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا} أي لا يصلح له ولا يليق به لاستحالة ذلك عليه؛ لأن الولد يقتضي الجنسية والحدوث، والجملة في محل نصب على الحال، أي قالوا اتخذ الرحمن ولدًا، أو أن دعوا للرحمن ولدًا، والحال أنه ما يليق به سبحانه ذلك.
{إِن كُلُّ مَن فِي السموات والأرض} أي ما كل من في السموات والأرض {إِلا} وهو {آتِي} الله يوم القيامة مقرًّا بالعبودية خاضعًا ذليلًا كما قال: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخرين} [النمل: 87] أي صاغرين. والمعنى: أن الخلق كلهم عبيده فكيف يكون واحد منهم ولدًا له؟ وقرى {آتٍ} على الأصل.
{لَّقَدْ أحصاهم} أي حصرهم وعلم عددهم {وَعَدَّهُمْ عَدًّا} أي عدّ أشخاصهم بعد أن حصرهم فلا يخفى عليه أحد منهم.