فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بآياتنا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} ثم.............
وبضم الواو وسكون اللام في أربعة مواضع هاهنا وفي الزخرف ونوح حمزة وعلي جمع ولد كأسد في أسد، أو بمعنى الولد كالعرب في العرب.
ولما كانت رؤية الأشياء طريقًا إلى العلم بها وصحة الخبر عنها استعملوا أرأيت في معنى أخبر والفاء أفادت التعقيب كأنه قال: أخبر أيضًا بقصة هذا الكافر واذكر حديثه عقيب حديث أولئك.
وقوله: {لأوتين} جواب قسم مضمر {أَطَّلَعَ الغيب} من قولهم (اطلع الجبل) إذا ارتقى إلى أعلاه، الهمزه للاستفهام وهمزة الوصل محذوفة أي انظر في اللوح المحفوظ فرأى منيته {أَمِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْدًا} مؤثقًا أن يؤتيه ذلك أو العهد كلمة الشهادة.
وعن الحسن: نزلت في الوليد بن المغيرة، والمشهور أنها في العاص بن وائل، فقد رُوي أن خباب بن الأرت صاغ للعاص بن وائل حليًا فاقتضاه الأجر فقال: إنكم تزعمون أنكم تبعثون وأن في الجنة ذهبًا وفضة فأنا أقضيك ثُم فإني أوتي مالًا وولدًا حينئذ {كَلاَّ} ردع وتنبيه على الخطأ أي هو مخطىء فيما تصوره لنفسه فليرتدع عنه {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} أي قوله والمراد سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله لأنه كما قال: كتب من غير تأخير قال الله تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وهو كقوله:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة

أي علم وتبين بالانتساب أني لست بابن لئيمة {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب} نزيده من العذاب كما يزيد في الافتراء والاجتراء من المدد، يقال مده وأمده {مَدًّا} أكد بالمصدر لفرط غضبه تعالى.
{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي نزوي عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة والمعنى مسمى ما يقول وهو المال والولد {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} حال أي بلا مال ولا ولد كقوله: {ولقد جئتمونا فرادى} [الأنعام: 94] فما يجدي عليه تمينه وتألبه.
{واتخذوا مِن دُونِ الله ءالِهَةً} أي اتخذ هؤلاء المشركون أصنامًا يعبدونها {لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزًّا} أي ليعتزوا بآلهتهمِ ويكونوا لهم شفعاء وأنصارًا ينقذونهم من العذاب {كَلاَّ} ردع لهم عما ظنوا {سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم} الضمير للآلهة أي سيجحدون عبادتهم وينكرونها ويقولون والله ما عبدتمونا وأنتم كاذبون، أو للمشركين أي ينكرون أن يكونوا قد عبدوها كقوله: {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23] {وَيَكُونُونَ} أي المعبودون {عَلَيْهِمْ} على المشركين {ضِدًّا} خصمًا لأن الله تعالى ينطقهم فيقولون: يا رب عذب هؤلاء الذين عبدونا من دونك.
والضد يقع على الواحد والجمع وهو في مقابلة {لهم عزًا} والمراد ضد العز وهو الذل والهوان أي يكونون عليهم ضدًا لما قصدوه أي يكونون عليهم ذلًا لا لهم عزًا، وإن رجع الضمير في {سيكفرون} {ويكونون} إلى المشركين فالمعنى ويكونون عليهم أي أعداءهم ضدًا أي كفرة بهم بعد أن كانوا يعبدونها ثم عجب نبيه عليه السلام بقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين} أي خليناهم وإياهم من أرسلت البعير أطلقته أو سلطانهم عليهم بالإغواء {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} تغريهم على المعاصي إغراء والأز والهز إخوان ومعناهما التهييج وشدة الإزعاج.
{فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} بالعذاب {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} أي أعمالهم للجزاء وأنفاسهم للفناء، وقرأها ابن السماك عند المأمون فقال: إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما أسرع ما تنفد.
{يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْدًا} ركبانا على نوق رحالها ذهب وعلى نجائب سروجها ياقوت {وَنَسُوقُ المجرمين} الكافرين سوق الأنعام لأنهم كانوا أضل من الأنعام {إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا} عطاشًا لأن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش وحقيقة الورد المسير إلى الماء فيسمى به الواردون، فالوفد جمع وافد كركب وراكب والورد جمع وارد.
ونصب {يوم} بمضمر أو يوم نحشر ونسوق نفعل بالفريقين ما لا يوصف أي اذكر يوم نحشر.
ذكر المتقون بأنهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته كما يفد الوفود على الملوك تبجيلًا لهم، والكافرون بأنهم يساقون إلى النار كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء استخفافًا بهم {لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة} حال.
والواو إن جعل ضميرًا فهو للعباد ودل عليه ذكر المتقين والمجرمين لأنهم على هذه القسمة، ويجوز أن يكون علامة للجمع كالتي في (أكلوني البراغيث) والفاعل من {اتخذ} لأنه في معنى الجمع ومحل {من اتخذ} رفع على البدل من واو {يملكون} أو على الفاعلية، أو نصب على تقدير حذف المضاف أي إلا شفاعة من اتخذ والمراد لا يمكلون أن يشفع لهم {إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْدًا} بأن آمن.
في الحديث «من قال: لا إله إلا الله كان له عند الله عهد» وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم: «أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدًا» قالوا: وكيف ذلك؟ قال: «يقول كل صباح ومساء اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدًا عبدك ورسولك وإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عهدًا توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد، فإذا قال ذلك طبع عليه بطابع ووضع تحت العرش فإذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الذين كان لهم عند الله عهد فيدخلون الجنة» أو يكون من عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به أي لا يشفع إلا المأمور بالشفاعة المأذون له فيها.
{وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَدًا} أي النصارى واليهود ومن زعم أن الملائكة بنات الله {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} خاطبهم بهذا الكلام بعد الغيبة وهو التفات، أو أمر نبيه عليه السلام بأن يقول لهم ذلك؛ والإد العجب أو العظيم المنكر والإدة الشدة وأدّني الأمر أثقلني وعظم عليّ أدًّا {تَكَادُ السماوات} تقرب وبالياء نافع وعليّ {يَتَفَطَّرْنَ} وبالنون بصري وشامي وحمزة وخلف وأبو بكر.
الانفطار من فطره إذا شقه والتفطر من فطره إذا شققه {مِنْهُ} من عظم هذا القول {وَتَنشَقُّ الأرض} تنخسف وتنفصل أجزاؤها {وَتَخِرُّ الجبال} تسقط {هَدًّا} كسرًا أو قطعًا أو هدمًا، والهدة صوت الصاعقة من السماء وهو مصدر أي تهد هدّا من سماع قولهم أو مفعول له أو حال أي مهدودة {أَن دَعَوْا} لأن سموا ومحله جر بدل من الهاء في {منه} أو نصب مفعول له، علل الخرور بالهد والهد بدعاء الولد للرحمن، أو رفع فاعل {هدًا} أي هدها دعاؤهم {للرحمن وَلَدًا وَمَا يَنبَغِى للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا} (انبغى) مطاوع بغى إذ طلب أي ما يتأتي له اتخاذ الولد وما يتطلب لو طلب مثلًا لأنه محال غير داخل تحت الصحة، وهذا لأن اتخاذ الولد لحاجة ومجانسة وهو منزه عنهما.
وفي اختصاص الرحمن وتكريره مرات بيان أنه الرحمن وحده لا يستحق هذا الاسم غيره، لأن أصول النعم وفروعها منه فلينكشف عن بصرك غطاؤه، فأنت وجميع ما عندك غطاؤه فمن أضاف إليه ولدًا فقد جعله كبعض خلقه وأخرجه بذلك عن استحقاق اسم الرحمن.
{إِن كُلُّ مَن} نكرة موصوفة صفتها {في السماوات والأرض} وخبر {كل} {إِلاَّ ءَاتِي الرحمن} ووحد {آتى} و{آتيه} حملًا على لفظ {كل} وهو اسم فاعل من أتى وهو مستقبل أي يأتيه {عَبْدًا} حال أي خاضعًا ذليلًا منقادًا، والمعنى ما كل من في السموات والأرض من الملائكة والناس إلا هو يأتي الله يوم القيامة مقرًا بالعبودية، والعبودية والبنوة تتنافيان حتى لو ملك الأب ابنه يعتق عليه ونسبة الجميع إليه نسبة العبد إلى المولى فكيف يكون البعض ولدًا والبعض عبدًا! وقرأ ابن مسعود {آت الرحمن} على أصله قبل الإضافة {لَّقَدْ أحصاهم وَعَدَّهُمْ عَدًّا} أي حصرهم بعلمه وأحاط بهم {وَكُلُّهُمْ ءاتِيهِ يَوْمَ القيامة فَرْدًا} أي كل واحد منهم يأتيه يوم القيامة منفردًا بلا مال ولا ولد أو بلا معين ولا ناصر.
{إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدًّا} مودة في قلوب العباد قال الربيع يحبهم ويحببهم إلى الناس وفي الحديث يعطى المؤمن مِقَةً في قلوب الأبرار ومهابة في قلوب الفجار.
وعن قتادة وهرم: ما أقبل العبد إلى الله إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه.
وعن كعب: ما يستقر لعبد ثناء في الأرض حتى يستقر له في السماء.
{فَإِنَّمَا يسرناه} سهلنا القرآن {بِلَسَانِكَ} بلغتك حال {لِتُبَشّرَ بِهِ المتقين} المؤمنين {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} شدادًا في الخصومة بالباطل أي الذين يأخذون في كل لديد أي شق من المراء والجدال جمْع ألدّ يَراد به أهل مكْة {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ} تخويف لهم وإنذار {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ} أي هل تجد أو ترى أو تعلم والإحساس الإدراك بالحاسة {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} صوتًا خفيًا ومنه الركاز أي لما أتاهم عذابنا لم يبق شخص يرى ولا صوت يسمع يعني هلكوا كلهم فكذا هؤلاء إن أعرضوا عن تدبر ما أنزل عليك فعاقبتهم الهلاك فليهن عليك أمرهم، والله أعلم. اهـ.

.قال البيضاوي:

{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ}.
فعقبهم وجاء بعدهم عقب سوء يقال خلف صدق بالفتح، وخلف سوء بالسكون. {أَضَاعُواْ الصلاة} تركوها أو أخروها عن وقتها. {واتبعوا الشهوات} كشرب الخمر واستحلال نكاح الأخت من الأب والانهماك في المعاصي. وعن علي رضي الله تعالى عنه في قوله: {واتبعوا الشهوات}. من بنى الشديد، وركب المنظور، ولبس المشهور. {فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيًّا} شرًا كقوله:
فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمِد النَاس أَمْرَه ** وَمَنْ يَغْو لاَ يعْدَمْ عَلَى الغَيِّ لاَئِمًا

أو جزاء غي كقوله تعالى: {يَلْقَ أَثَامًا} أو غيًا عن طريق الجنة، وقيل هو واد في جهنم يستعيذ منه أوديتها.
{إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صالحا} يدل على أن الآي في الكفرة. {فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجنة} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر ويعقوب على البناء للمفعول من أدخل. {وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئًا} ولا ينقصون شيئًا من جزاء أعمالهم، ويجوز أن ينتصب {شَيْئًا} على المصدر، وفيه تنبيه على أن كفرهم السابق لا يضرهم ولا ينقص أجورهم.
{جنات عَدْنٍ} بدل من الجنة بدل البعض لاشتمالها عليها، أو منصوب على المدح، وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وعدن لأنه المضاف إليه في العلم أو علم للعدن بمعنى الإِقامة كبرة ولذلك صح وصف ما أضيف إليه بقوله: {التى وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ بالغيب} أي وعدها إياهم وهي غائبة عنهم، أو وهم غائبون عنها، أو وعدهم بإيمانهم بالغيب. {إِنَّهُ} إن الله. {كَانَ وَعْدُهُ} الذي هو الجنة. {مَأْتِيًّا} يأتيها أهلها الموعود لهم لا محالة، وقيل هو من أتى إليه إحسانًا أي مفعولًا منجزًا.
{لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} فضول كلام. {إِلاَّ سلاما} ولكن يسمعون قولًا يسلمون فيه من العيب والنقيصة، أو تسليم الملائكة عليهم أو تسليم بعضهم على بعض على الاستثناء المنقطع، أو على أن معنى التسليم إن كان لغوًا فلا يسمعون لغوًا سواه كقوله:
وَلاَ عَيْبَ فِيهِم غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُم ** بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الكتَائِبِ

أو على أن معناه الدعاء بالسلامة وأهلها أغنياء عنه فهو من باب اللغو ظاهرًا وإنما فائدته الإِكرام. {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} على عادة المتنعمين والتوسط بين الزهادة والرغابة، وقيل المراد دوام الرزق ودروره.
{تِلْكَ الجنة التي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} نبقيها عليهم من ثمرة تقواهم كما يبقى على الوارث مال مورثه، والوراثة أقوى لفظ يستعمل في التملك والاستحقاق من حيث إنها لا تعقب بفسخ ولا استرجاع، ولا تبطل برد ولا إسقاط. وقيل يورث المتقون من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار لو أطاعوا زيادة في كرامتهم، وعن يعقوب {نورث} بالتشديد.
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ} حكاية قول جبريل عليه الصلاة والسلام حين استبطأه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ولم يدر ما يجيب، ورجا أن يوحى إليه فيه بأبطأ عليه خمسة عشر يومًا، وقيل أربعين يومًا حتى قال المشركون ودعه ربه وقلاه، ثم نزل ببيان ذلك. والتنزل النزول على مهل لأنه مطاوع نزل وقد يطلق بمعنى النزول مطلقًا كما يطلق نزل بمعنى أنزل، والمعنى وما ننزل وقتًا غب وقت إلا بأمر الله على ما تقتضيه حكمته، وقرئ {وما يتنزل} بالياء والضمير للوحي. {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلك} وهو ما نحن فيه من الأماكن والأحايين لا ننتقل من مكان إلى مكان، ولا ننزل في زمان دون زمان إلا بأمره ومشيئته. {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} تاركًا لك أي ما كان عدم النزول إلا لعدم الأمر به، ولم يكن ذلك عن ترك الله لك وتوديعه إياك كما زعمت الكفرة وإنما كان لحكمة رآها فيه.
وقيل أول الآية حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة، والمعنى وما ننزل الجنة إلا بأمر الله ولطفه، وهو مالك الأمور كلها السالفة والمترقبة والحاضرة فما وجدناه وما نجده من لطفه وفضله وقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} تقرير من الله لقولهم أي وما كان ربك نسيًا لأعمال العاملين وما وعد لهم من الثواب عليها وقوله: {رَبُّ السموات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا} بيان لامتناع النسيان عليه، وهو خبر محذوف أو بدل من {ربك} {فاعبده واصطبر لِعِبَادَتِهِ} خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم مرتب عليه، أي لما عرفت ربك لأنه لا ينبغي له أن ينساك، أو أعمال العمال فأقبل على عبادته واصطبر عليها ولا تتشوش بإبطاء الوحي وهزء الكفر، وإنما عدي باللام لتضمنه معنى الثبات للعبادة فيما يورد عليه من الشدائد والمشاق كقولك للمحارب: اصطبر لقرنك. {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} مثلًا يستحق أن يسمى إلهًا أو أحدًا سمي الله فإن المشتركين وإن سموا الصنم إلهًا لم يسموه الله قط، وذلك لظهور أحديته تعالى، وتعالى ذاته عن المماثلة بحيث لم يقبل اللبس والمكابرة، وهو تقرير للأمر أي إذا صح أن لا أحد مثله ولا يستحق العبادة غيره لم يكن بد من التسليم لأمره والاشتغال بعبادته والاصطبار على مشاقها.
{وَيَقُولُ الإنسان} المراد به الجنس بأسره فإن المقول مقول فيما بينهم وإن لم يقله كلهم كقولك: بنو فلان قتلوا فلانًا والقاتل واحد منهم، أو بعضهم المعهود وهم الكفرة أو أبي بن خلف فإنه أخذ عظامًا بالية ففتها وقال: يزعم محمد أننا نبعث بعدما نموت. {أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} من الأرض أو من حال الموت، وتقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإِنكار لأن المنكر كون ما بعد الموت وقت الحياة، وانتصابه بفعل دل عليه أخرج لا به فإن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها، وهي هاهنا مخلصة للتوكيد مجردة عن معنى الحال كما خلصت الهمزة واللام في يا ألله للتعويض فساغ اقترانها بحرف الاستقبال. وروي عن ابن ذكوان إذا ما مت بهمزة واحدة مكسورة على الخبر.
{أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإنسان} عطف على {يقول}، وتوسيط همزة الإِنكار بينه وبين العاطف مع أن الأصل أن يتقدمهما للدلالة على أن المنكر بالذات هو المعطوف وأن المعطوف عليه إنما نشأ منه فإنه لو تذكر وتأمل: {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} بل كان عَدَمًا صرفًا، لم يقل ذلك فإن أعجب من جمع المواد بعد التفريق وإيجاد مثل ما كان فيها من الأعراض. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وقالون عن يعقوب {يذكر} من الذكر الذي يراد به التفكر، وقرئ {يتذكر} على الأصل.
{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} أقسم باسمه تعالى مضافًا إلى نبيه تحقيقًا للأمر وتفخيمًا لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم. {والشياطين} عطف أو مفعول معه لما روي أن الكفرة يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم كل مع شيطانه في سلسلة، وهذا وإن كان مخصوصًا بهم ساغ نسبته إلى الجنس بأسره، فإنهم إذا حشروا وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين فقد حشروا جميعًا معهم. {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ} ليرى السعداء ما نجاهم الله منه فيزدادوا غبطة وسرورًا، وينال الأشقياء ما ادخروا لمعادهم عدة ويزدادوا غيظًا من رجوع السعداء عنهم إلى دار الثواب وشماتتهم عليهم {جِثِيًّا} على ركبهم لما يدهمهم من هول المطلع، أو لأنه من توابع التواقف للحساب قبل التواصل إلى الثواب والعقاب، وأهل الموقف جاثون لقوله تعالى: {وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} على المعتاد في مواقف التقاول، وإن كان المراد بالإِنسان الكفرة فلعلهم يساقون جثاة من الموقف إلى شاطىء جهنم إهانة بهم، أو لعجزهم عن القيام لما عراهم من الشدة. وقرأ حمزة والكسائي وحفص {جِثِيًّا} بكسر الجيم.