فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} الآية، (ق) عن خباب بن الأرت قال كنت رجلًا قينًا في الجاهلية، وكان لي على العاص بن وائل السهمي دين فأتيته أتقاضاه، وفي رواية فعملت للعاص بن وائل السهمي سيفًا فجئته أتقاضاه، فقال لا أعطيك حتى تكفر بمحمد. فقلت لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث، قال وإني لميت ثم مبعوث، قلت بلى دعني حتى أموت وأبعث فسأوتي مالًا وولدًا فأقضيك، فنزلت {أفرأيت الذي كفر بآياتنا}.
{أم اتخذ عند الرحمن عهدًا} يعني قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وقيل يعني عمل عملًا صالحًا قدمه، وقيل عهد إليه أنه يدخله الجنة {كلا} رد عليه يعني لم يفعل ذلك {سنكتب} سنحفظ عليه ما يقول فنجازيه به في الآخرة، وقيل يأمر الملائكة حتى يكتبوا {ما يقول ونمد له من العذاب مدًا} أي نزيده عذابًا فوق العذاب، وقيل نطيل مدة عذابه {ونرثه ما يقول} معناه أي ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه، وقيل يزول عنه ما عنده من مال وولد فيعود الإرث إلى من خلفه وإذا سلب ذلك بقي فردًا فذلك قوله: {ويأتينا} يعني يوم القيامة {فردًا} بلا مال ولا ولد فلا يصح أن يبعث في الآخرة بمال وولد.
قوله تعالى: {واتخذوا من دون الله آلهة} يعني مشركي قريش اتخذوا الأصنام آلهة يعبدونها {ليكونوا لهم عزًا} أي منعة يعني يكونوا شفعاء يمنعوهم من العذاب {كلا} أي ليس الأمر كما زعموا {سيكفرون بعبادتهم} يعني تحجد الأصنام والآلهة التي كانوا يعبدونها عبادة المشركين ويتبرؤون منهم {ويكونون عليهم ضدًا} أي أعوانًا عليهم يكذبونهم ويلعنونهم وقيل أعداء لهم وكانوا أولياءهم في الدنيا.
قوله: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين} أي سلطانهم عليهم {تؤزهم أزًا} أي تزعجهم إزعاجًا من الطاعة إلى المعصية والمعنى تحثهم وتحرضهم على المعاصي تحريضًا شديدًا وفي الآية دليل على أن الله تعالى مدبر لجميع الكائنات {فلا يتعجل عليهم} أي لا تعجل بطلب عقوبتهم {إنا نعد لهم عدًا} يعني الليالي والأيام والشهور والأعوام، وقيل الأنفاس التي يتنفسونها في الدنيا إلى الأجل الذي أجل لعذابهم.
قوله تعالى: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدًا} أي اذكر لهم يا محمد اليوم الذي يجتمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته إلى جنته وفدًا أي جماعات.
قال ابن عباس: ركبانًا قال أبو هريرة: على الإبل.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: ما يحشرون والله على أرجلهم ولكن على نوق رحالها من الذهب ونجائب سروجها يواقيت إن هموا بها سارت وإن هموا بها طارت.
{ونسوق المجرمين} أي الكافرين {إلى جهنم وردًا} أي مشاة عطاشًا قد تقطعت أعناقهم من العطش، والورد جماعة يردون الماء ولا يرد أحد إلا بعد العطش وقيل يساقون إلى النار بإهانة واستخفاف كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء (ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير وتحشر معهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمضي معهم حيث أمسوا».
قول تقيل معهم حيث قالوا من القيلولة وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف صنفًا مشاة وصنفًا ركبانًا وصنفًا على وجوههم. قيل يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم أما أنهم يتقون بوجوههم كل حدث وشوك» أخرجه الترمذي.
قوله: {لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدًا} يعني لا إله إلا الله وقيل لا يشفع الشافعون إلا للمؤمنين، وقيل لا يشفع إلا لمن قال لا إله إلا الله، أي لا يشفع إلا للمؤمنين {وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا} يعني اليهود والنصارى، ومن زعم أن الملائكة بنات الله من العرب {لقد جئتم شيئًا إدًا} قال ابن عباس منكرًا، وقيل معناه لقد قلتم قولًا عظيمًا {تكاد السموات يتفطرن منه} من الانفطار وهو الشق {وتنشق الأرض} أي تخسف بهم {وتخر الجبال هدًا} أي تسقط وتنطبق عليهم {أن دعوا} أي من أجل أن جعلوا {للرحمن ولدًا} فإن قلت ما معنى انفطار السموات وانشقاق الأرض وخرور الجبال ومن أين تؤثر هذه الكلمة في هذه الجمادات.
قلت فيه وجهان أحدهما: أن الله تعالى يقول كدت أن أفعل هذا بالسموات والأرض والجبال عند وجود هذه الكلمة غضبًا مني على من تفوه بها لولا حلمي وإني لا أعجل بالعقوبة.
الثاني: أن يكون استعظامًا للكلمة وتهويلًا من فظاعتها وتصويرًا لأثرها في الدين وهدمها لأركانه وقواعده.
قال ابن عباس فزعت السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين وكادت أن تزول وغضبت الملائكة واستعرت جهنم حين قالوا اتخذ الله ولدًا ثم نزه الله نفسه عن اتخاذ الولد ونفاه عنه.
فقال تعالى: {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدًا} أي ما يليق به اتخاذ الولد ولا يوصف به لأن الولد لابد أن يكون شبيهًا بالوالد، ولا شبيه لله تعالى ولأن اتخاذ الولد إنما يكون لأغراض لا تصح في الله تعالى من سرور به واستعانة وذكر جميل بعده وكل ذلك لا يليق بالله تعالى {إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدًا} أي آتيه يوم القيامة عبدًا ذليلًا خاضعًا، والمعنى أن الخلائق كلهم عبيده {لقد أحصاهم وعدهم عدًا} أي عد أنفاسهم وأيامهم وآثارهم فلا يخفى عليه شيء من أمورهم وكلهم تحت تدبيره وقهره وقدرته {وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا} أي وحيدًا ليس معه من أحوال الدنيا شيء.
قوله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًا} أي محبة قيل يحبهم الله تعالى ويحببهم إلى عباده المؤمنين (ق) عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال «إذا أحب الله سبحانه وتعالى عبدًا دعا جبريل عليه السلام إن الله تعالى يحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» وفي رواية لمسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال إني أحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض الله عبدًا دعا جبريل عليه السلام فيقول إني أبغض فلانًا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه، ثم يوضع له البغضاء في الأرض» قال هرم بن حيان: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم.
وقال: كعب مكتوب في التوراة لا محبة لأحد في الأرض حتى يكون ابتداؤها من الله ينزلها على أهل السماء ثم على أهل الأرض وتصديق ذلك في القرآن {سيجعل لهم الرحمن ودًا}.
قوله تعالى: {فإنما يسرناه} أي سهلنا القرآن {بلسانك} يا محمد {لتبشر به المتقين} يعني المؤمنين {وتنذر به} أي القرآن {قومًا لدًا} أي شدادًا في الخصومة.
وقيل صمًا عن الحق، وقيل الألد الظالم الذي لا يستقيم ولا يقبل الحق ويدعي الباطل {وكم أهلكنا قبلهم من قرن} ختم الله تعالى هذه السورة بموعظة بليغة لأنهم إذا علموا وأيقنوا أنه لابد من زوال الدنيا بالموت خافوا ذلك وخافوا سوء العاقبة في الآية فكانوا إلى الحذر من المعاصي أقرب.
ثم أكد ذلك فقال تعالى: {هل تحس منهم} أي هل ترى، تجد منهم أي من القرون {من أحد أو تسمع لهم ركزًا} أي صوتًا خفيًا قال الحسن: بادوا جميعًا لم يبق منهم عين ولا أثر والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.

.قال ابن جزي:

{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ}.
يقال في عقب الخير خلف بفتح اللام وفي عقب الشر خلف بالسكون وهو المعني هنا. واختلف فيمن المراد بذلك، فقيل: النصارى لأنهم خلفوا اليهود، وقيل: كل من كفر وعصى من بعد بني إسرائيل {أَضَاعُواْ الصلاة} قيل: تركوها، وقيل أخرجوها عن أوقاتها {يَلْقَونَ غَيًّا} الغي: الخسران، وقد يكون بمعنى الضلال فيكون على حذف مضاف تقديره: يلقون جزاء غيّ {إِلاَّ مَن تَابَ} استثناء يحتمل الاتصال والانقطاع.
{بالغيب} أي أخبرهم من ذلك بما غاب عنهم {مَأْتِيًّا} وزنه مفعول، فقيل: إنه بمعنى فاعل، لأن الوعد هو الذي يأتي وقيل إنه على بابه لأن الوعد هو الجنة، وهم يأتونها {لَغْوًا} يعني ساقط الكلام {إِلاَّ سلاما} استثناء منقطع {بُكْرَةً وَعَشِيًّا} قيل: المعنى أن زمانهم يقدر بالأيام والليالي، إذ ليس في الجنة نهار ولا ليل، وقيل: المعنى أن الرزق يأتيهم في كل حين يحتاجون إليه، وعبر عن ذلك بالبُكرة والعشي على عادة الناس في أكلهم.
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ} حكاية قول جبريل حين غاب عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أبطأت عني واشتقت إليك فقال: إني كنت أشْوَق، ولكني عبد مأمور؛ إذا بُعثت نزلت وإذا حُبست احتسبت. ونزلت هذه الآية {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلك} أي له ما قدامنا وما خلفنا، وما نحن فيه من الجهات والأماكن، فليس لنا الانتقال من مكان إلى مكان إلا بأمر الله، وقيل ما بين أيدينا: الدنيا إلى النفخة الأولى في الصور، وما خلفنا: الآخرة، وما بين ذلك: ما بين النفختين وقيل: ما مضى من أعمالنا وما بقي منها، والحال التي نحن فيها، والأول أكثر مناسبة لسياق الآية {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} هو فعيل من النسيان بمعنى الذهول وقيل بمعنى الترك، والأول أظهر.
{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} أي مثيلًا ونظيرًا فهم من المسامي والمضاهي، وقيل: من تسمى باسمه، لأنه لم يتسم باسم الله غير الله تعالى {وَيَقُولُ الإنسان أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} هذه حكاية قول من أنكر البعث من القبور، والإنسان هنا جنس يراد به الكفار، وقيل: إن القائل لذلك أبي بن خلف، وقيل أمية بن خلف، والهمزة التي دخلت على أئذا ما مت للإنكار والاستبعاد، واللام في قوله لسوف: سيقت على الحكاية لقول من قال بهذا المعنى، والإخراج يراد به البعث.
{أَوَلاَ يَذْكُرُ الإنسان أَنَّا خلقناه مِن قَبْلُ} احتجاج على صحة البعث وردّ على من أنكره، لأن النشأة الأولى دليل على الثانية {لَنَحْشُرَنَّهُمْ والشياطين} يعني قرناءهم من الشياطين الذين أضلوهم، والواو للعطف أو بمعنى مع فيكون الشياطين مفعول معه {جِثِيًّا} جمع جاث، ووزنه مفعول من قولك: جثا الرجل إذا جلس جلسة الذليل الخائف {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ} الشيعة: الطائفة من الناس التي تتفق على مذهب أو اتباع إنسان، ومعنى الآية أن ينزع من كل طائفة أعتاها فيقدمه إلى النار، وقال بعضهم: المعنى نبدأ بالأكبر جرمًا فالأكبر جرمًا {أَيُّهُمْ} اختلف في إعرابه، فقال سيبويه: هو مبني على الضم؛ لأنه حذف العائد عليه من الصلة، وكأن التقدير: أيهم أشدّ فوجب البناء، وقال الخليل: هو مرفوع على الحكاية تقديره: الذي قال له أشدّ، وقال يونس: علق عنها الفعل وارتفعت بالابتداء {أولى بِهَا صِلِيًّا} الصلي: مصدر صلى النار، ومعنى الآية: أن الله يعلم من هو أولى بأن يصلى العذاب.
{وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} خطاب لجميع الناس عند الجمهور، فأما المؤمنون فيدخلونها، ولكنها تخمد فلا تضرهم، فالورود على هذا بمعنى الدخول كقوله: {حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا واردون} [الأنبياء: 89]، {أَوْرَدَهُمُ النار} [هود: 98]، بمعنى القدوم عليها كقوله: {وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} [القصص: 33]، والمراد بذلك جواز الصراط وقيل: الخطاب للكفار، فلا إشكال {حَتْمًا} أي أمرًا لابد منه {ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا} إن كان الورود بمعنى الدخول، فنجاة الذين اتقوا بكون النار عليهم بردًا وسلامًا، ثم بالخروج منها، وإن كان بمعنى المرور على الصراط فنجاتهم بالجواز والسلامة من الوقوع فيها {أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} الفريقان هم المؤمنون والكفار، والمقام اسم مكان من قام، وقرئ بالضم من أقام، والنديّ المجلس، ومعنى الآية: أن الكفار قالوا للمؤمنين: نحن خير منكم مقامًا: أي أحسن حالًا في الدنيا، وأجمل مجلسًا فنحن أكرم على الله منكم.
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ} كم مفعول بأهلكنا، ومعنى الآية: رد على الكفار في قولهم المذكور: أي ليس حسن الحال في الدنيا دليلًا على الكرامة عند الله، لأن الله قد أهلك من كان أحسن حالًا منكم في الدنيا {هُمْ أَحْسَنُ} قال الزمخشري: هذه الجملة في موضع نصب صفة لكم {أثاثا} أي متاع البيت، وقال ابن عطية: هو اسم عام، في المال العين والعروض والحيوان، وهو اسم جمع، وقيل هو جمع، واحده أثاثه {وَرِءْيًا} بهمزة ساكنة قبل الياء: معناه منظر حسن، وهو من الرؤية، والرئي اسم المرئي، وقرئ بتشديد الياء من غير همز، وهو تخفيف من الهمز، فالمعنى متفق، وقيل هو من ريِّ الشارب أي التنعم بالمشارب والمآكل، وقرأ ابن عباس {زيا} بالزاي.
{فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدًّا} أي يمهله ويملي له، واختلف هل هذا الفعل دعاء أو خبر سيق بلفظ الأمر تأكيدًا {حتى} هنا غاية للمدّ في الإضلال {إِمَّا العذاب} يعني عذاب الدنيا {شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا} في مقابلة قولهم خير مقامًا وأحسن نديًا.
{والباقيات الصالحات} ذكر في [الكهف: 47] {وَخَيْرٌ مَّرَدًّا} أي مرجعًا وعاقبة {أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ} هو العاصي بن وائل {لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} كان قد قال: لئن بعثت كما يزعم محمد ليكونن لي هناك مال وولد {أَطَّلَعَ الغيب} الهمزة للإنكار، والرد على العاصي في قوله: {كَلاَّ} ردّ له عن كلامه {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} إنما جعله مستقبلًا لأنه إنما يظهر الجزاء والعقاب في المستقبل {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدًّا} أي نزيد له فيه {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي نرث الأشياء التي قال إنه يؤتاها في الآخرة، وهي المال والولد، ووراثتها هي بأن يهلك العاصي ويتركها، وقد أسلم ولداه هشام وعمرو رضي الله عنهما {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} أي بلا مال ولا ولد ولا ولي ولا نصير.
{سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} قيل: إن الضمير في يكفرون للكفار وفي عبادتهم للمعبودين، فالمعنى كقولهم: ما كنا مشركين، وقيل: إن الضمير في يكفرون للمعبودين، وفي عبادتهم للكفار، فالمعنى كقولهم: {مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} [يونس: 28] {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} معناه يكون لهم خلاف ما أمّلوه منهم فيصير العز الذي أمّلوه ذلة، وقيل: معناه: أعداء {أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين} تضمن معنى سلطانًا له ولذلك تعدّى بعلى {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} أي تزجهم إلى الكفر والمعاصي {فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} أي لا تستبطئ عذابهم وتطلب تعجيله إنما {نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} أي نعد مدّة بقائهم في الدنيا، وقيل: نعدّ أنفاسهم.
{وَفْدًا} قيل: معناه ركبانًا، ومعنى الوفد لغة: القادمون وعادتهم الركوب فلذلك قيل ذلك، وقيل مكرمون، لأن العادة إكرام الوفود {وِرْدًا} معناه عطاشًا لأن من يرد الماء لا يرده إلا للعطش {لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة} الضمير يحتمل أن يكون للكفار، والمعنى لا يملكون أن يشفعوا إلا لمن أتخذ عهدًا أو لا يملكون أن يشفع منهم إلا من اتخذ عهدًا، أو يكون الضمير للفريقين إذ قد ذكروا قبل ذلك؛ فالاستثناء أيضًا متصل، ومن اتخذ: يحتمل أن يراد به الشافع أو المشفوع له {عَهْدًا} يريد به الإيمان والأعمال الصالحة، ويحتمل أن يريد به الإذن في الشفاعة. وهذا أرجح لقوله: {لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن} والظاهر أن ذلك إشارة إلى شفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الموقف حين ينفرد بها، ويقول غيره من الأنبياء: نفسي نفسي.
{شَيْئًا إِدًّا} أي شيئًا صعبًا {يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} أي يتشققن من قول الكفار: اتخذ الله ولدًا {هَدًّا} أي انهدامًا {أَن دَعَوْا} أي من أجل أن دعوا {للرحمن وَلَدًا} وقرئ {وُلْدا} بضم الواو وإسكان اللام، وهي لغة.
{إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض} ردّ على مقالة الكفار، والمعنى أن الكل عبيده، فكيف يكون أحد منهم ولدًا، له، وإن نافية، وكل مبتدأ وخبره آتى الرحمن {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدًّا} هي المحبة والقبول الذي يجعله الله في القلوب لمن شاء من عباده، وقيل: إنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه {يسرناه بِلِسَانِكَ} الضمير للقرآن وبلسانك أي بلغتك {قَوْمًا لُّدًّا} جمع ألد، وهو الشديد الخصومة والمجادلة، والمراد بذلك قريش، وقيل: معناه فجارا {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} هو الصوت الخفي، والمعنى أنهم لم يبق منهم أثر، وفي ذلك تهديد لقريش. اهـ.