فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

سورة طه:
أيضا سورة الكليم كما ذكر السخاوى في جمال القراء وهى كما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير رضى الله تعالى عنهم مكية واستثنى بعضهم منها قوله تعالى: واصبر على ما يقولون الآية.
وقال الجلال السيوطي: ينبغى أن يستثنى آية أخرى فقد أخرج البزار وأبو يعلى عن أبى رافع قال: أضاف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ضيفا فأرسلنى إلى رجل من اليهود أن اسلفنى دقيقا إلى هلال رجب فقال: لا إلا برهن فأتيت النبي عليه الصلاة والسلام فأخبرته فقال: «أما والله إنى لأمين في السماء أمين في الأرض» فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية: {لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم} الآية. انتهى.
ولعل ما روى عن الحبرين على القول باستثناء ما ذكر باعتبار الأكثر منها وآياتها كما قال الدانى مائة وأربعون آية شامى وخمس وثلاثون كوفى وأربع حجازى وآيتان بصرى ووجه الترتيب على ما ذكره الجلال أنه سبحانه لما ذكر في سورة مريم قصص عدة من الأنبياء عليهم السلام وبعضها مبسوط كقصة زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وبعضها بين البسط والايجاز كقصة ابراهيم عليه السلام وبعضها موجز مجمل كقصة موسى عليه السلام وإشارة إلى بقية النبيين عليهم السلام إجمالا ذكر جل وعلا في هذه السورة شرح قصة موسى عليه السلام التي أجملها تعالى هناك فاستوعبها سبحانه غاية الاستيعاب وبسطها تبارك وتعالى أبلغ بسط ثم أشار عز شأنه إلى تفصيل قصة آدم عليه السلام الذي وقع في مريم مجرد ذكر اسمه ثم أورد جل جلاله في سورة الأنبياء بقية قصص من لم يذكر قصته في مريم كنوح ولوط وداود وسليمان وأيوب واليسع وذى الكفل وذى النون عليهم السلام وأشير فيها إلى قصة من ذكرت قصته إشارة وجيزة كموسى وهارون وإسماعيل وذكرت تلو مريم لتكون السورتان كالمتقابلتين وبسطت فيها قصة إبراهيم عليه السلام البسط التام فيما يتعلق به مع قومه ولم يذكر حاله مع أبيه إلا إشارة كما أنه في سورة مريم ذكر حاله مع قومه إشارة ومع أبيه مبسوطا وينضم إلى ما ذكر اشتراك هذه السورة وسورة مريم في الافتتاح بالحروف المقطعة.
وقد روى عن أبى عباس وجابر بن زيد رضى الله تعالى عنه أن طه نزلت بعد سورة مريم ووجه رابط أول هذه بآخر تلك أنه سبحانه ذكر هناك تيسير القرآن بلسان الرسول عليه الصلاة والسلام معللا بتبشير المتقين وانذار المعاندين وذكر تعالى هنا ما فيه نوع من تأكيد ذلك وجاءت آثار تدل على مزيد فضلها.
أخرج الدارمى وابن خزيمة في التوحيد والطبرانى في الأوسط والبيهقي في الشعب وغيرهم عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق السموات والأرض بالفى عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت: طوبى لأمة ينزل عليها هذا وطوبى لاجواف تحمل هذا وطوبى لالسنة تتكلم بهذا».
وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه عن أبى أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل قرآن يوضع عن أهل الجنة فلا يقرؤن منه شيئا إلا سورة طه ويس فإنهم يقرؤن بهما في الجنة» إلى غير ذلك من الآثار. اهـ.

.قال ابن تيمية:

سورة طَه مَضْمُونُهَا تَخْفِيفُ أَمْرِ الْقُرْآنِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى مِنْ كُتُبِهِ فَهِيَ سورة كُتُبِهِ كَمَا أَنَّ مَرْيَمَ سورة عِبَادِهِ وَرُسُلِهِ افْتَتَحَهَا بِقَوْلِهِ: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}.. إلَى قَوْلِهِ: {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا}. ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ مُوسَى وَنِدَاءَ اللَّهِ لَهُ وَمُنَاجَاتَهُ إيَّاهُ وَتَكْلِيمَهُ لَهُ وَقِصَّتُهُ مِنْ أَبْلَغِ أَمْرِ الرُّسُلِ فَلِهَذَا ثُنِّيَتْ فِي الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْخِطَابُ وَالْكِتَابُ وَأَرْسَلَ إلَى فِرْعَوْنَ الْجَاحِدِ الْمُرْتَابِ الْمُكَذِّبِ لِلرُّبُوبِيَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَهَذَا أَعْظَمُ الْكَافِرِينَ عِنَادًا وَاسْتَوْفَى الْقِصَّةَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ إلَى قَوْلِهِ: {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ آدَمَ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ النُّبُوَّاتِ. وَتَضَمَّنَتْ السُّورَةُ ذِكْرَ مُوسَى وَآدَمَ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ مِمَّا يَقْتَضِي ذِكْرَهُمَا وَلِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاظَرَةِ فَإِنَّ مُوسَى نَظِيرَ آدَمَ فِي الْأَمْرِ الَّذِي صَارَ لِكُلِّ مِنْهُمَا كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ نَظِيرُ آدَمَ فِي الْخَلْقِ وَقَوْلُهُ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} الْآيَاتُ وَهَذَا يُشَابِهُ مَا فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ ذِكْرِ نُبُوَّةِ آدَمَ ثُمَّ نُبُوَّةُ مُوسَى بَعْدَهُ وَأَمَرَ بَنِي إسْرَائِيلَ ثُمَّ أَمَرَ نَبِيَّهُ بِالصَّلَاةِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ كَمَا جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِالْقِرَاءَةِ وَالسُّجُودِ فِي أَوَّلِ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ وَخَتَمَهَا بِالرَّسُولِ الْمُبَلِّغِ لِكُلِّ مَا أُمِرَ بِهِ كَمَا افْتَتَحَهَا بِذِكْرِ التَّنْزِيلِ عَلَيْهِ. اهـ.

.قال محمد أبو زهرة:

سورة طه:
هذه السورة مكية وعدد آياتها 135، وكلها نزلت بمكة، وقيل إلا آية 12، 13، وقد ابتدأت بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى ما أنزل عليه القرآن ليشقى بتحمل أعباء الكافرين في كفرهم، وليس هو إلا مذكر، والقران تنزيل من قوى قاهر خلق السموات العلا، وهو المسيطر على هذا الوجود. {الرحمن على العرش استوى} وهو يعلم كل شىء، {وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى}.
وقد تحدث سبحانه بحديث موسى عليه السلام في بعثه وخطاب الله تعالى له، وقد رأى نارا {إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)}.
وبذلك أخبره باختياره نبيا ونبهه إلى معجزته الأولى وهى العصا، قال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)}.
وأمره أن يأخذها ولا يخاف، وأعقبها بمعجزة أخرى فقال: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23)}.
كلفه بعد أن رأى هاتين الآيتين أن يدعو فرعون إلى الهدى فقال سبحانه: {اذهب إلى فرعون إنه طغى} ولكن موسى الكليم يحس بضعفه، وأنه لا يحسن القول فيقول: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37)}.
ولقد أشار سبحانه إلى منته الأولى عند ولادته إذ ألهم أمه {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ} ويذكر سبحانه بعض قصصه قبل الرسالة وقتله المصرى وفتنته ببنى إسرائيل، ويشير سبحانه إلى قصته في أهل مدين {فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)} وقد أمره سبحانه أن يذهب هو وأخوه إلى فرعون، وأن يترفقا معه في القول {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} ولكنهما يخشيانه لسطوته وجبروته واستهانته بكل إنسان، وهكذا يبرر سكوت الناس عن الطغاة واستنكار أعمالهم بالقلوب، ولقد قال الله تعالى لهما: {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)} أمرهما بأن يخبراه بوحى الله تعالى: {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى} أخذ فرعون يجادلهما، وسألهما من ربكما؟ قالا: ربنا الذى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وسألهما: فما بال القرون الأولى؟ قالا: علمها عند ربى في كتاب لا يضل ربى ولا ينسى، وأخذا يعرفان فرعون بكمال الله تعالى في خلقه وببيان قدرة الله تعالى في الخلق والإعادة {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)}.
ولقد أراه الله تعالى على يد موسى وهارون الآيات الكبرى، وكانت كلها حسية ولكنه لم يؤمن، وحسب أن موسى جاء لينزع ملك فرعون، لا ليهديه، وكذلك كان يستعين الفراعنة الذين حكموا مصر في عصور النور: {قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله} وجعلوا بينه وبينهم موعدا، وقد وافق موسى على أن يكون الموعد هو يوم الزينة يوم يحشر الناس ضحى.
التقى موسى بالسحرة فتبين للسحرة أن موسى ليس ساحرا، وأن معجزة موسى أعجزت السحرة فآمنوا، ولكن فرعون بدل أن يؤمن قال للسحرة: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)} وهنا تبدو قوة إيمان المصري إذا آمن: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)}.
ذلك إيمان المؤمن، ولقد أخذ موسى يأتى بالآيات حتى بلغت تسع آيات، ولكن لم يؤمن فرعون وملؤه، فأمره بأن يسرى ببنى إسرائيل ليلا فاتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى.
أخرج الله بنى إسرائيل من فرعون وطغيانه، ومكنهم من أرض سيناء، وقال لهم تعالت حكمته وكلماته: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)}.
عالج موسى أمر فرعون الطاغية وأعانه الله تعالى عليه، ثم أخذ بعد ذلك يعالج بنى إسرائيل وكان علاجهم أشد من علاج فرعون؟ لأن علاج النفوس التى تطغى وتضعف، ومردت على النفاق والضعف، ومعاشرة الكافرين، وتأثر نفوسهم بالكفر والشرك، ولذا صعب أمرهم.
ذهب موسى إلى ربه ففتن بنو إسرائيل بالعجل من بعده فقال الله تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)} بأن صنع لهم تمثال عجل من ذهب، ووضعه لهم في مهب الريح فإذا هبت صوت بصوت يشبه الخوار {فأخرج دهم عجلا جسدا له خوار}، ولتأثرهم بعبادة العجل التى كان المصريون يممارسونها قالوا: {هذا إلهكم وإله موسى}، ولكن إذا كان له صوت خوار فليس بحى، ولا فيه حياة {أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا}.
فعلوا ذلك في غيبة موسى عليه السلام، وأخذ هارون يرشدهم ويقول: {يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري}. ولكنهم أصروا على عبادته وقالوا: {لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى}.
جاء موسى فوتجه اللوم إلى أخيه هارون عليهما السلام، ولكن اعتذر نبى الله هارون بأنه خشى أن تكون فرقة بين بنى إسرائيل، وقال: {يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)} وعلى أى حال فهارون عليه السلام لم يشاركم في عبادة العجل، كما قالت التوراة المحرفة غير الصادقة، وكان هذا من أعظم الأدلة على تحريفها، بعد أن عاتب أخاه وحسبه مقصرا اتجه إلى السامرى الذى أضلهم فقال: {قال فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به} من الصناعة، صناعة التماثيل، {فقبضت قبضة من أثر الرسول} أى من تعاليمه ودعوته إلى التوحيد {فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)} كان هذا دليلا عمليا على أن ذلك الصنم لا يملك من أمره شيئا، ولذلك قرر ألوهية الله وحده {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)}.
هذه أطراف من قصة موسى عليه السلام، وقال تعالى في ذلك: {ذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا}.
وبين سبحانه عاقبة من أعرض عن ذكر الله تعالى، وأشار سبحانه إلى يوم القيامة {يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا} مبينا سبحانه حال الناس يوم القيامة وحال الأرض، وما فيها {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)}.
بعد هذا بين سبحانه أن الوجوه كلها تكون عانية خاضعة، وقد خاب من حمل ظلما، بين سبحانه منزلة القرآن وأنه نزل عربيا، وصرف فيه من الوعيد ما تهلع له القلوب، فتعالى الله الملك الحق {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)}.
ويقول سبحانه تذكيرا لابن آدم، وبيان عرضته للخطأ والنسيان، فيقول سبحانه: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)} فذكر سبحانه أبانا بأنه حذره من الشيطان وقال له: {إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} ولكن وسوس إليه الشيطان: {قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى} وهبط آدم وزوجه وإبليس إلى الأرض بعضهم لبعض عدو، وقال لهم رب البرية: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)}.
وإن العذاب عذابان: عذاب الدنيا بالضلال والعمى عن الحق، وهذا عذاب لأهل العقول، وعذاب في الآخرة وهو أشق وأبقى.
يذكر الله سبحانه بعد ذلك العبر في الماضين الذين أهلكوا وكان يمكن أن ينزل مثل ذلك بالمشركين الذين كفروا بمحمد، وفتنوا المؤمنين، وضلوا، ولكن سبقت الكلمة ببقائهم ليكون من ذريتهم من يعبدون الله تعالى، وقال تعالى في ذلك: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)} واتجه سبحانه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بالصبر على ما يقولون، وأن يسبح الله تعالى {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)}.
ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يمد عينيه، ويتطلع إلى ما هم متمتعون به من متع هى زهرة الحياة الدنيا، وذلك أمر لأمته، فلا تتطلع إلى ما هم فيه من متع فهى فتنة، {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)}.
لقد تعللوا في كفرهم بتعللات ظاهرة البطلان طلبوا آيات حسية، وقالوا: {لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133)}.
لقد جاءهم الرسول مبشرا ونذيرا، ولكنهم كفروا وعاندوا {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)}. اهـ.