فصل: مطلب جواب إمام الحرمين عن المكان ورفع الأيدي إلى السماء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب جواب إمام الحرمين عن المكان ورفع الأيدي إلى السماء:

يروى أن إمام الحرمين- رفع اللّه درجته في الدارين- نزل ضيفا عند بعض الأكابر، فاجتمع عنده العلماء فقام واحد من المجلس وقال له: ما الدليل على تنزيه اللّه تعالى عن المكان وقد قال: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى}؟ فقال: الدليل عليه قول يونس عليه السلام في بطن الحوت فتعجب الحاضرون، والتمس صاحب البيت بيان ذلك، فقال الإمام إن في الباب فقيرا عليه ألف درهم أدّها عنه وأنا أبيّن لك ذلك، فقبل، فقال إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما عرج به إلى ما شاء اللّه من العلى قال لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
ولما ابتلى يونس بالظلمات في قعر البحر ببطن الحوت قال: {لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} الآية 87 من سورة الأنبياء، فكل منهما خاطب الإله بقوله أنت خطاب الحضور، فلو كان هو في مكان لما صح ذلك، فدل هذا على أنه جلت قدرته ليس في مكان بل هو في كل مكان بآثاره وصفاته وأنواره، لا بذاته، كما أن الشمس في كل مكان بنورها وظهورها لا بوجودها وعينها، ولو كان في كل مكان بالمعنى الذي أراده بعض الجهلة لقيل أين هو، كان قبل خلق هذه العوالم، ألم يكن له وجود متحقق؟ فان قالوا لا، فقد كفروا، وإن قالوا بالحلول والانتقال فكذلك، لأن الواجب لا يقارن الحادث إلا بالتأثير والفيض وظهور الكمالات فيه، لكن لا من حيث أنه حادث مطلقا، بل من حيث أن وجوده مستفاض منه، ولعلك تقول أيها المعترض لما ذا ترفع له الأيدي نحو السماء إذا لم يكن فيها، فاعلم أيها العاقل هداك اللّه لتوفيقه وأرشدك لسلوك طريقه، أن معنى رفع الأيدي إلى السماء هو طلب الاستعطاء من الخزانة التي نوه بها في قوله عز قوله: {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ} الآية 23 من الذاريات، وقوله جل قوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ} الآية 21 من سورة الحجر أيضا، وإن الذي استوى على العرش هو مظهر الصفة الرحمانية، ومن أثبت له مكانا بالمعنى المعلوم فهو من المجسمة، واللّه منزه عن الجسم اه بتصرف عن روح البيان.
هذا ولما سمع موسى عليه السلام هذا النداء المتكرر والأمر بالاستماع عقبه الأمر بالعبادة، علم بإلهام اللّه إياه أن ذلك لا يكون ولا ينبغي أن يكون إلا من اللّه، وأيقن به، وتأهب لمقام الهيبة والجلال لاستماع الأمر العظيم الذي أمره به، واعترف له بالعبودية وأصغى لما يكون بعدها من الأمر، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14)} خاصة لأني ذكرتها في الكتب القديمة وأمرت اخوانك الأنبياء بإقامتها فأقمها مثلهم.
هذا، ومن قال إن المراد بهذا الأمر، إذا تركت صلاة ثم ذكرتها فأقمها، أي اقضها، لا وجه له، لأن الصلاة لم تفرض عليه بعد حتى يعلمه ما يتعلق بها.

.مطلب فضل الصلاة الفائتة:

ان ما احتج به هذا القائل في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من نسي صلاة فليصلّ إذا ذكرها لا كفارة له إلا ذلك.
وتلا قتادة {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} وفي رواية عن أبي هريرة أنه صلى اللّه عليه وسلم نام عن صلاة الصبح فلما قضاها قال: «من نسي صلاة فليقضها إذا ذكرها».
وفي رواية: «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلّها إذا ذكرها، فإن اللّه عز وجل قال: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}» لا يصح دليلا على ما نحن فيه لما قدمناه، وإنما يصح دليلا لنا إذا قدر مضافا محذوفا أي لذكر صلاتي، وقد ظن هذا القائل أن الحديث لو لم يحمل على هذا لم يصح التعليل به، وهو من بعض الظن، لأن التعليل صحيح من غير أن يحمل الحديث على الآية، وأنه عليه السلام أراد بهذا الحديث أنه إذا ذكر الصلاة انتقل من ذكرها إلى ذكر ما شرعت له، وهو ذكر اللّه تعالى المأمور به في هذه الآية، فيحمله على إقامتها لاشتمالها على الذكر، وقد صادف هذا البحث حادثة غريبة عن التفسير المبارك مناسبة للمقام فأحببت ذكرها، وهي إني كنت في المحكمة في الساعة الرابعة من يوم الخميس 1 جمادى الآخرة سنة 1357 واشتغلت كعادتي في هذا التفسير وأجهدت نفسي في مطالعة التفاسير في آية الاستواء المارّة ولم أحس بأني لم أصل الظهر إلا عند كتابة هذه الأحاديث، وكان العصر يؤذن فتفاءلت بها بأن اللّه تعالى لم يؤاخذني وتسليت بما وقع لحضرة الرسول يوم الخندق ويوم الأحزاب، وإلى سليمان في حادثة الخيل وقد ألمعنا إليها في الآية 33 من سورة ص المارة، لأنه لم يفتني والحمد للّه وقت قط، فمقت وصليت الظهر ثم العصر واستغفرت اللّه تعالى من هذه الغفوة، ثم عدت لما أنا فيه قال تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ} لا محالة لأن خراب الكون متوقف عليها، وجاء بذكر الساعة هنا لأن قوم موسى الذي أمره اللّه في هذه الآية بدعوتهم للإيمان ينكرونها، لأن فرعون وقومه القبط يعبدون الأوثان، ولأن الاعتقاد بوجودها من أصول الدين ومتعلق آمال الموحدين، جعلها اللّه في الدرجة الثالثة إذ ذكرها بعد توحيده وإقامة الصلاة لذكره، وأكدها بحرف التوكيد، وكأن موسى عليه السلام تشوف ليعلم وقت مجيء الساعة لأن من أرسله إليهم ينكرونها أسوة بمن تقدم من الكفرة أمثالهم فقال تعالى: {أَكادُ أُخْفِيها} حتى عن نفسي فكيف أظهرها لك أو أظهرك عليها وكيف يعلمها مخلوق وهي من خصائص الخالق، وهذا جري على عادة العرب المنزل عليهم هذا القرآن بلغتهم، إن أحدهم إذا أراد المبالغة في كتمان السر قال كدت أخفيه عن نفسي، ويؤيد هذا التفسير الذي اخترته على غيره قوله صلى اللّه عليه وسلم في حديث الذين يظلهم اللّه تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها (عن نفسه) حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» مبالغة في الإخفاء وبه قال ابن عباس وجعفر الصادق، أما ما جاء في مصحف أبيّ ومصحف ابن خالويه وعبد اللّه بزيادة فكيف أظهرها فليس من القرآن وإنما هو من تفسيرهم لهذه الآية إذ كانوا يكتبون بهامش مصاحفهم أو بين سطوره ما يقفون عليه من بعض الكلمات التي يتلقونها من حضرة الرسول أو مما اجتهادهم لمعناها، ومن شواهد قوله:
أيام تصحبني هند وأخبرها ** ما كدت أكتمه عني من الخبر

وقبل إن خبر كاد محذوف تقديره آتي بها على حد قول صائبي الرجمي:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ** تركت على عثمان تبكي حلائله

أي وكدت أفعل ثم استأنف وقال وليتني وليس بشيء، وما جرينا عليه أو هذا، وقد ذكرت غير مرة أن كل قراءة فيها زيادة حرف أو نقصه على القرآن الذي بأيدينا لا عبرة بها، ولا تجوز قراءتها لأن هذا القرآن هو بعيد أنزله اللّه لا زيادة ولا نقص فيه.
واعلم يقينا أن كل ما نقل عن بعض العلم القراء زيادة كلمة أو حرف على ما في القرآن هي شروح وتفاسير كتبها القائلون بها على هوامش مصحفهم ليس إلا، إذ لا يجوز أن يقال في بعض المصاحف زيادة أو نقص على بعضها قطعا، والقول به حرام راجع تفسير الآية 19 من سورة الحجر.
وبحث القراءات في مطلب الناسخ والمنسوخ في المقدمة المارة.
قال تعالى: {لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (15)} تعمل في هذه الدنيا إن خيرا فخير وإن فشر {فَلا يَصُدَّنَّكَ} يا رسول {عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها} من قوم فرعون وغيرهم الجاحدين وجودها المتوغلين في الغفلة المعنيين بقوله {وَاتَّبَعَ هَواهُ} بما تسول له نفسه من النزغات الشيطانية واللذات البهيمية والشهوات الخسيسة فتصده عن الإيمان بها {فَتَرْدى} توقع نفسك في الردى والهلاك، لأن إغفالها إغفال تحصيل ما ينجي من هولها.
ثم أراد جل شأنه أن يريه آية على رسالته فقال: {وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17)} وهذا سؤال لتقرير الحكم منه أن يوقفه أولا على ماهية ما بيده وينبهه على ما يريد بها وما سيظهره له بها من العجائب، حتى إذا صيّرها لا يهوله أمرها، ويوطن نفسه عليها، وليعلم أنها معجزة له وبرهان على نبي {قالَ هِيَ عَصايَ} أضافها لنفسه لأنها بيده.

.مطلب عصا موسى وإعطاء محمد من نوع ما حدث للرسل وأعظم:

قيل كان للعصا شعبتان وفي أسفلها سنان واسمها نبعة، أخذها من بيت شعيب عليه السلام، وقيل إنها من آس الجنة وقد هبط بها آدم عليه السلام.
واعلم أن زيادة التاء قبل الياء لحن، قالوا أول لحن وقع في العرب هذه عصاتي ثم بيّن ما يروم بها عفوا فقال: {أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها} أي أضرب بها الشجر اليابس ليسقط ورقه {عَلى غَنَمِي} فترعاه، وهذا معنى الهش {وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى} كحمل الزاد وشد الحبل عند استقاء الماء من البئر وقتل الهوام ومحاربة السباع وتعليق الثوب بها للاستظلال تحتها وغيرها، ولكنه عليه السلام لم يعلم المأرب الأعظم الذي يريده اللّه تعالى بها وهو معجزته العظيمة التي يرفع اللّه بها شأنه، ويهدي بها قومه {قالَ أَلْقِها يا مُوسى} 19 لأريك ماذا أريد بها مما لا يقع ببالك بما يؤول إليه عزّك وسلطانك وإنقاذ قومك وإرشادهم {فَأَلْقاها} ليرى الذي يريده ربه منها {فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى} تمشي بسرعة وقد سماها اللّه ثعبانا في الآية 107 من الأعراف المارة، وجانّا في الآية 10 من سورة النحل الآتية، والحية تطلق على الصغيرة والكبيرة، لأنه أول ما ألقاها رآها بنظره صغيرة، ثم انتفخت حتى صارت كأعظم ثعبان، تلقف الحجر وتبلع الشجر وتلقم ما تراه، فترعب من لا يعرف الرعب، فخاف منها وتباعد عنها موليا إذ رأى ما لم يكن بالحسبان، فأراد ربه أن يوطنه ويؤمنه {قالَ} يا موسى إرجع إليها وادن منها {خُذْها وَلا تَخَفْ} منها، لأنها حجة لك على صحة دعوتك عند ما يطلب منك برهانا لتقوية دعوتك على عدوك، أما وقد أطلعناك على ما ينجم من إلقائها فاعلم يا رسولي أننا بمطلق مناداتك لها {سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى} 21 التي كانت عليها قبل الإلقاء، فأخذها، فعادت كما هي عصا، ثم نبهه على آية أخرى برهانا على نبوته أيضا بقوله {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ} اجعلها تحت إبطك، والجناح لغة اليد والعضد والإبط والجانب، وهو حقيقة في الطير ثم توسع فيه فأطلق على اليد، وسمي جناحا لأنه يجنح بالطائر فيميله إذا طار، ثم أخرجها {تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} برص والسوء يطلق على العيب، والبرص لا اعيب منه، وهو بياض شديد يضرب إلى الحمرة أعيا الأطباء زواله، فأدخل يده اليمنى تحت إبطه الأيسر وأخرجها فإذا هي تبرق بياضا ناصعا مع أنها سمراء، فقال له انظر هذه {آيَةً أُخْرى (22)} على صدق دعوتك إلى القبط وقومك، وهاتان الآيتان توطئة {لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى} الدالة على عظمتنا، راجع الآية 129 من الأعراف المارة وما بعدها، تقوية لجنانك وتكريما لجنابك، فتقابلهم بالجزم والعزم لأنك مستند إلينا في دعوتك، فلا تخش تهويلهم فإنهم مغلوبون، ولا يخفى أن كل آية آتاها اللّه رسله، فقد أعطى من نوعها رسوله محمدا صلى اللّه عليه وسلم وأعظم، وقد قال في حقه {لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى} الآية 18 من سورة النجم المارة، ووجه أفضليتها، أن معجزاته عليه السلام هذه كانت في الأرض ومعجزة محمد صلى اللّه عليه وسلم في السماء، والفرق بينهما كالفرق بين الأرض والسماء، ويقابل معجزة اليد في الأرض نبع الماء من إصبعه في غزوة تبوك فقد شرب الجيش منه، ورمي التراب في وجوه القوم في غزوة أحد فانهزموا، وتسبيح الحصى في يده، وذر التراب على رؤوس شبان المشركين يوم أحاطوا به ليقتلوه فخرج من بينهم ولم يروه، وسنأتي على تفصيل هذا كله وغيره في موضعه إن شاء اللّه في القسم المدني.
هذا، وبعد أن شرفه اللّه بالنبوة وقوى عزمه بما منّ عليه من تلك المعجزات، وشحه بالرسالة العظمى وقال له {اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (24)} وبغى وتجاوز الحد في التّمرد وحتى ادعى الإلهية بطرا، ودعته نفسه الخبيثة إلى هذا التجبّر والتكبر الذي لم يسبقه به إلا أخوه نمرود، الآتية قصّته في الآية 71 من سورة الأنبياء، وفرعون علم لملك مصر واسمه الوليد بن الريان، ولما رأى موسى فضل ربه عليه وعطفه ولطفه به استمطر خيره، وطلب من فيضه ما ألهمه به {قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} 25 وسّعه لتحمل مشاق سيئي الأخلاق وإملائه معرفة بك وعرفانا منك لأجابهه بقوة سلطانك وعظمة قهرك {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} 26 بالوصول إليه وسهل لي كل صعب ألاقيه في طريقي إليه وفي مقابلتي له {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)} لأعبّر عما في جناني بطلاقة وفصاحة لمن أرسلتني إليهم ولأبلغ رسالتك على الوجه الأتم الأكمل، وسبب حصول هذه العقدة على ما قيل أن موسى عليه السلام لما كان في حجر فرعون حال صغره لطمه، وأخذ بلحيته فتطيّر منه وهم بقتله فمنعته زوجته آسيا رحمها اللّه قالت له أتركه فإنه لا يعقل، وجربه إن شئت، فقال كيف وقد فعل ما فعل؟ فقالت على رسلك وانظر، فوضعت في طست جمرا وتمرا وياقوتا وقدمته له ثم أشارت إليه أن يأخذ أحدها فأراد أن يأخذ الياقوت ومد يده إليها فحرفها جبريل عليه السلام إلى الجمر فأخذ جمرة ووضعها في فمه فحرقت لسانه وسببت هذه العقدة فيه، فلما رأى فرعون ذلك تركه إذ ظهر له ما قالت آسيا رحمها اللّه.
واعلم أن هذه ليست من العيوب المستحيل وجودها في الأنبياء لأن ثقل اللسان قد لا ينقص قدر الإنسان ولا يخل في أمر التبليغ وليس فيه ثغرة، بل قد تكون مما يستعذب في بعض الاشخاص ولاسيما في حضرة السيد موسى عليه السلام، وما قيل إن هرون أفصح منه، فمن هذه الجهة، وإلا فهو على غاية من الفصاحة والبلاغة، وقول فرعون {وَلا يَكادُ يُبِينُ} الآية 53 من سورة الزخرف تمويه على قومه ليصرفهم عنه ليس إلا، وقد ذكروا أنه كان في لسان المهدي المنتظر مجيئه حبسة، وقد جاء في فضله ما لم يحصره القلم، لأن فصاحة الذات لا يقاومها إعراب الكلمات، وفي هذا قال:
سر الفصاحة كامن في المعدن ** لخصائص الأرواح لا في الألسن

وقال الآخر:
لسان فصيح معرب في كلامه ** فياليته في موقف الحشر يسلم

وما ينفع الإعراب ما لم يكن تقى ** وما ضرّ ذا التقوى لسان معجم

والمراد باللسان الآلة الجارحة نفسها، وفسره بعضهم بالقوة الناطقة القائمة فيه، والفقه العلم بالشيء والفهم له، وقال الراغب هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد، فهو أخص من العلمقال تعالى: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29)} يعاونني في أعباء ما كلفتني به، فالوزر بكسر فسكون، بمعنى الحمل الثقيل.