فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذه الآية من القسم الذي يوهم ظاهره أن نظم الكلام جاء على غير طريق البلاغة لكون لفظه غير مؤتلف بمعناه لما ترى في الألفاظ من عدم ملاءمة، وإذا تأمله المتأمل حق التأمل وجده جاريا على منهج البلاغة بحيث لو جاء على ما توهمه المعترض لكان النظم معيبا. وفي الآية يقول المتوهم لو قيل لا تجوع ولا تظمأ ولا تضحى ولا تعرى لكان ذلك جاريا على ما توجبه البلاغة من الملاءمة والجواب أن مجيئها على ما توهمه المتوهم يفسد معنى النظم لأنه لو قيل: أن لك أن لا تجوع فيها ولا تظمأ لوجب أن يقول وانك لا تعرى فيها ولا تضحى، والتضحي البروز للشمس بغير سترة. قال الهذلي وقيل للمجنون كما في أمالي القالي:
سلبت عظامي لحمها فتركتها ** مجردة تضحى لديك وتخصر

أي تلقى الشمس الضاحية مجردة فينال منها حرها وتلقى برد الليل مجردة فينال منها برده فهي معذبة ليلها ونهارها وإذا كان التضحي البروز للشمس بغير سترة كان معناه التعري فيصير معنى الكلام:
وانك لا تعرى فيها ولا تعرى وهذا فساد ظاهر، ولما كان هذا الفساد لازما للنظم على الوجه الذي توهمه المتوهّم وجب العدول عنه إلى لفظ القرآن وهو أن يضم سبحانه لنفي الجوع نفي العري لتطمئن النفس بسد الجوعة وستر العورة اللذين تدعو إليهما ضرورة الحياة وتطلبهما طبيعة الإنسان بالجبلّة، ولما كان الجوع مقدّما على العطش كتقديم الأكل على الشراب أوجبت البلاغة تأخر ذكر الظمأ عن الجوع وتقديمه على التضحي لأنه مهم يجب أن يتقدم الوعد بنفيه كما تقدم الوعد بنفي الجوع، ويتأخر ذكر التضحي كما تأخر ذكر العري عن الجوع لأن التضحي من جنس العري والظمأ من جنس الجوع فإن قيل: لم ذكر التضحي وهو عري في المعنى وقد أغنى ذكر العري؟ قلت: في ذكر التضحي فائدة كبيرة وهي وصف الجنة بأنها لا شمس فيها كما قال سبحانه: {لا يَرَوْنَ فِيها شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا} فإن التضحي عري مخصوص مشروط بالبروز إلى الشمس وقت الضحى لذلك سمي تضحيا والانتقال من الأعم إلى الأخص بلاغة لاختصاص الأخص بما لا يوجد في الأعم وقال العز بن عبد السلام في الأمالي: كان المناسب من طريق المجاز أن لا تجوع ولا تظمأ ولا تعرى ولا تضحى للجمع بين المتماثلين فلم عدل عن هذا؟ والجواب: أن في الآية جناسا خيرا من هذا وذلك أن الجوع تجرد الباطن من الغذاء والعري تجرد الظاهر من الغشاء فجانس في الآية بين التجردين وكذلك الظمأ حر الباطن والضحى وهو الظهور للشمس حرّ الظاهر فجانس بالجمع بين الحرّين.
وقد رمق أهل البلاغة سماء هذا المعنى قديما وحديثا فقال أبو الطيب المتنبي:
وفقت وما في الموت شك لواقف ** كأنك في جفن الردى وهو نائم

تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة ** ووجهك وضّاح وثغرك باسم

يحكى أنه لما استنشده سيف الدولة يوما قصيدته التي أولها:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ** وتأتي على قدر الكرام المكارم

فلما بلغ إلى هذين البيتين قال سيف الدولة: قد انتقدتهما عليك كما انتقد على امرئ القيس قوله:
كأني لم أركب جوادا للذة ** ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال

ولم اسبأ الزق الروي ولم أقل ** لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال

فبيتاك لم يلتئم شطراهما كما لم يلتئم شطرا بيتي امرئ القيس وكان ينبغي لك أن تقول:
وفقت وما في الموت شك لواقف ** ووجهك وضاح وثغرك باسم

تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ** كأنك في جفن الردى وهو نائم

فقال المتنبي إن صحّ أن الذي استدرك على امرئ القيس هذا هو أعلم بالشعر منه فقد أخطأ امرؤ القيس واخطأت انا، ومولاي يعلم أن الثوب لا يعلمه البزاز كما يعلمه الحائك لأن البزاز يعرف جملته والحائك يعرف تفاصيله، وانما قرن امرؤ القيس النساء بلذة الركوب للصيد، وقرن السماحة بسباء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء، وكذلك لما ذكرت الموت في صدر البيت الأول أتبعته بذكر الردى في آخره ليكون أحسن تلاؤما، ولما كان وجه المنهزم الجريح عبوسا وعينه باكية قلت:
ووجهك وضاح وثغرك باسم

لأجمع بين الأضداد.
على أن في هذه الآية سرا لذلك زائدا على ما ذكر وهو أنه قصد تناسب الفواصل ولو قرن الظمأ بالجوع لانتثر سلك رؤوس الآي وأحسن به منتظما.

.الفوائد:

أسماء الأصوات:
وعدناك ببحث أسماء الأصوات ونرى أن نتوسع فيها قليلا لأن كتب النحو قلّما تهتم لها. فهي تجري مجرى أسماء الافعال لأنها متواخية معها وهي مبنية وتنقسم إلى قسمين:
آ- ما خوطب به مالا يعقل مما يشبه اسم الفعل في الاكتفاء به، ولكن اسم الفعل مركب واسم الصوت مفرد لعدم تحمله الضمير كقولهم في دعاء الإبل لتشرب: جىء جىء بكسر الجيم فيهما مكررين مهموزين، وفي المحكم انهما أمر للابل بورود الماء يقال جأجأت الإبل إذا دعوتها لتشرب فقلت جىء جىء نقله الجوهري عن الاموي، وكقولهم في دعاء الضأن حاحا وفي دعاء المعز عاعا غير مهموزين والفعل منهما حاحيت وعاعيت، قال سيبويه وأبدلوا الألف من الياء لشبهها بها لأن قولك حاحيت إنما هو صوت بنيت منه فعلا وليست فاعلت وكقولهم في زجر البغل:
عدس ما لعباد عليك إمارة ** أمنت وهذا تحملين طليق

فعدس صوت يزجر به البغل وقد يسمى البغل به والتقدير على التسمية به يا عدس فحذف حرف النداء. وإمارة بكسر الهمزة أي حكم.
ب- ما حكي به صوت مسموع، والمحكي صوته قسمان حيوان وغيره: فالأول كغاق بالغين المعجمة والقاف لصوت الغراب، والثاني نحو طاق حكاية لصوت الضرب وطق بفتح الطاء حكاية لصوت وقع الحجارة بعضها على بعض. هذا وسيرد المزيد من بحث أسماء الأصوات في هذا الكتاب.
نبذة من أسماء الأصوات:
وفيما يلي طائفة مختارة من أسماء الأصوات:
الصرير صوت القلم والسرير والباب والطست والنعل، والنشيش صوت غليان القدر والشراب، الرنين: صوت الثكلى والقوس، القصيف: صوت الرعد والبحر، وهدير الفحل، النقيق صوت الدجاج والضفدع، القعقعة: صوت السلاح والجلد اليابس والقرطاس، الغرغرة: صوت غليان القدر وتردد النفس في صدر المحتضر، العجيج:
صوت الرعد والنساء والشاء، الزفير: صوت النار والحمار والمكروب إذا امتلأ صدره غما فزفر به، الخشخشة والشخشخة: صوت حركة القرطاس والثوب الجديد والدرع، الجلجلة: صوت السبع والرعد وحركة الجلاجل، الحفيف: صوت حركة الأغصان وجناح الطائر وحركة الحية، الصليل والصلصلة: صوت الحديد واللجام والسيف والدراهم والمسامير، الطنين: صوت البعوض والذباب والطنبور، الأطيط: صوت الناقة والمحمل والرجل إذا أثقله ما عليه، الصرصرة:
صوت البازي والبط، الدوي: صوت النحل والأذن والمطر والرعد، الانقاض: صوت الدجاجة والفروج، التغريد صوت المغني والحادي والطائر وكل صائت طرب الصوت فهو غرد، الزمزمة والزآناء الليل ساعاته، قال الأخفش واحدها إنى مثل معى وقيل واحدها أني وأنو، يقال مضى من الليل أنوان وانيان.
{مُتَرَبِّصٌ}: منتظر ما يئول إليه الأمر.

.[سورة طه: الآيات 124- 135]:

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (128) وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (132) وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (135)}.

.الإعراب:

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} الواو عاطفة على جواب الشرط المتقدم وهو {فمن اتبع هداي} ومن اسم شرط جازم مبتدأ وأعرض فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر تقديره هو وعن ذكري متعلقان بأعرض، فإن الفاء رابطة للجواب لأنه جملة اسمية وإن حرف مشبه بالفعل وله خبرها المقدم ومعيشة اسمها المؤخر وضنكا صفة والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر من. {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى} ونحشره الواو استئنافية ونحشر فعل مضارع مرفوع والفاعل مستتر تقديره نحن والهاء مفعول به ويوم القيامة ظرف متعلق بنحشره وأعمى حال من الهاء في نحشره وقد قرئ بالجزم عطفا على محل {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}.
{قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} رب منادى مضاف لياء المتكلم المحذوفة ولم اللام حرف جر وما الاستفهامية في محل جر باللام وقد حذفت ألف ما الاستفهامية كما هي القاعدة والجار والمجرور متعلقان بحشرتني، وحشرتني فعل وفاعل ومفعول به وأعمى حال والواو للحال وقد حرف تحقيق وكنت: كان واسمها وبصيرا خبر كنت.
{قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى} كذلك نعت لمصدر محذوف أي حشرا مثل ذلك أو خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر كذلك وأتتك آياتي فعل وو مفعول به مقدم وفاعل مؤخر، فنسيتها الفاء عاطفة ونسيتها فعل وفاعل ومفعول به، وكذلك نعت لمصدر محذوف واليوم ظرف متعلق بتنسى. {وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى} وكذلك نعت لمصدر محذوف ونجزي فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره نحن ومن موصول مفعول به وجملة أسرف صلة، ولم يؤمن عطف على أسرف فهو داخل في حيز الصلة وبآيات متعلقان بيؤمن وربه مضاف إليه، ولعذاب: الواو حالية أو عاطفة واللام للابتداء وعذاب مبتدأ والآخرة مضاف إليه وأشد خبر وأبقى عطف على أشد. {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ} الهمزة للاستفهام وهي داخلة على محذوف عطف عليه بالفاء وقد تقدم تقريره كثيرا وأعدناه الآن للتذكير والتقدير أغفلوا فلم يتبين لهم، وفاعل يهد المصدر المفهوم من أهلكنا أي أفلم يتبين لهم إهلاكنا ويحتمل أن يكون فاعل يهد ضميرا عائدا على اللّه تعالى أي يبين اللّه والأول أولى لأن يهدي معناه يتبين فهو لازم فالفاعل هو الجملة المنسبكة مصدرا لأهلكنا. وقد أنكر البصريون وقوع الجملة فاعلا وجوزه غيرهم قال القفال: جعل كثرة ما أهلك من القرون مبينا لهم، قال النحاس: وهذا خطأ لأن كم استفهام فلا يعمل فيها ما قبلها وقال الزجاج: المعنى أولم يهد لهم الأمر باهلاكنا من أهلكناه وحقيقته تدل على الهدى فالفاعل هو الهدى. ولهم متعلقان بيهد وكم خبرية مفعول مقدم لأهلكنا ومن القرون نعت لتمييزكم الخبرية أي كم قرن من القرون والمراد الأمة، وجملة يمشون في مساكنهم حال من مفعول أهلكنا أو من الضمير في لهم وفي مساكنهم متعلقان بيمشون والضمير يعود على المهلكين بفتح اللام يريد أن قريشا يتقلبون في بلاد عاد وثمود ويعاينون آثار هلاكهم وفيها ما يدعوا إلى العبرة والاتعاظ، وقد رمق أبو الطيب سماء هذا المعنى كما سيأتي في باب البلاغة. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى} إن وخبرها المقدم واللام المزحلقة وآيات اسمها المؤخر، ولأولي صفة لآيات والنهى مضاف إليه وهي جمع نهية بمعنى العقل.
{وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} الواو استئنافية ولولا حرف امتناع لوجود وكلمة مبتدأ محذوف الخبر وجملة سبقت من ربك صفة لكلمة ومن ربك متعلقان بسبقت، لكان اللام واقعة في جواب لولا وكان فعل ماض ناقص واسمها ضمير مستتر تقديره هو يعود على الإهلاك ولزاما خبرها، وأجل مسمى عطف على كلمة أي ولولا أجل مسمى لكان الإهلاك لازما لهم ويجوز كما يرى الزمخشري وأبو البقاء أن يكون معطوفا على الضمير المستتر في {كان} أي لكان الإهلاك العاجل وأجل مسمى لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد وثمود ومن العجيب أن معظم المفسرين كالجلال والبيضاوي وغيرهما جروا على هذا الوجه رغم ما فيه من تكلف وقالوا: أن الفصل بالخبر قام مقام التأكيد لأنه كان من حق العطف أن يؤكد الضمير المستتر في كان بالضمير المنفصل فكان يقال هو لزاما وأجل مسمى ولا داعي لكل هذا التكلف وعطفه على كلمة أسهل وأسرع في تأدية المعنى المراد. {فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها} الفاء الفصيحة أي إذا كان الأمر على ما ذكر من أن تأخير عذابهم ليس باهمال بل امهال وهو واقع بهم وآت عليهم فاصبر. واصبر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وعلى ما متعلقان باصبر وجملة يقولون صلة وسبح عطف على اصبر وبحمد ربك في موضع نصب على الحال أي وأنت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح وأعانك عليه وسيأتي المراد بالصبر في باب الفوائد. وقبل متعلق بسبح وطلوع الشمس مضاف وقبل غروبها عطف على قبل طلوع الشمس. {وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى} الجار والمجرور متعلقان بسبح والفاء هي الفصيحة أيضا وسبح فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وأطراف النهار نصب عطفا على محل {ومن آناء} المنصوب ويجوز عطفه على قبل طلوع الشمس ولعل حرف ترج ونصب والكاف اسمها وجملة ترضى خبرها ومتعلق نرضى محذوف مفهوم من السياق أي بما تعطاه من الثواب وجملة لعلك ترضى حالية من فاعل سبح أي صل حال كونك راجيا في أن اللّه تعالى يرضيك بما يعطيكه من الثواب. {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} الواو عاطفة ولا ناهية وتمدن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد وهو في محل جزم بلا وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت وعينيك مفعول به وإلى ما متعلقان بتمدن وجملة متعنا صلة وبه متعلقان بمتعنا والهاء هي العائد وأزواجا مفعول متعنا أي أصنافا منهم ومنهم صفة ويجوز أن يعرب نصبا على الحال من هاء الضمير فيكون منهم متعلقا بمتعنا وزهرة الحياة الدنيا توسع المعربون في اعرابها فأوصلوا أوجه نصبها إلى تسعة وقد محصناها فرأيناها كلها سائغة ولهذا نعرضها كما ذكروها لنتوصل إلى الترجيح:
1- أن تكون مفعولا ثانيا إذا أعربنا أزواجا هو المفعول الاول لأن معنى متعنا أعطينا.
2- أن تكون منصوبة على الحال من ما الموصولة.
3- أن تكون منصوبة على البدلية من أزواجا على المبالغة كأنهم نفس الزهرة.
4- أن تكون منصوبة بفعل مضمر دل عليه متّعنا تقديره جعلنا لهم زهرة.
5- أن تكون منصوبة على الذم أي أذم زهرة الحياة الدنيا.
6- أن تكون منصوبة على الاختصاص.
7- أن تكون منصوبة على البدلية من محل {به}.
8- أن تكون منصوبة على الحال من الضمير في {به}.
9- أن تكون منصوبة على التمييز ل {ما} أو للهاء في {به}.
ومن تمحيص هذه الوجوه ومراعاة جانب السهولة يتبين أن نصب زهرة يترجح في نصبها على الذم أو المفعولية على تضمين متعنا معنى أعطينا وبهما بدأ الزمخشري وغيره.
ولنفتنهم اللام للتعليل ونفتنهم مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بمتعناهم والهاء مفعول به وفيه متعلقان بنفتنهم. {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى} الواو للحال ورزق ربك مبتدأ وخير خبر وأبقى عطف على خير. {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقًا} وأمر الواو استئنافية أو عاطفة وأمر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وأهلك مفعول به وبالصلاة متعلقان بفعل الأمر واصطبر فعل أمر وفاعله مستتر وتقديره أنت وعليها متعلقان باصطبر وجملة لا نسألك استئنافية ونسألك فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به ورزقا مفعول به ثان. {نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى} نحن مبتدأ وجملة نرزقك خبر والعاقبة مبتدأ وللتقوى خبر وهاتان الجملتان مستأنفتان أيضا. {وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى} لولا حرف تحضيض أي هلا ويأتينا فعل وفاعل مستتر ومفعول به وبآية متعلقان بيأتينا ومن ربه متعلقان بمحذوف صفة لآية، اقترحوا جريا على دينهم المعروف وعادتهم في التعنت واللجاج، أولم الهمزة للاستفهام الانكاري والواو عاطفة على مقدر يقتضيه السياق والتقدير ألم تأتهم البينات تترى ولم تأتهم بصورة خاصة بينة ما في الصحف الأولى، وبينة فاعل لتأتهم وما موصول مضاف لبينة وفي الصحف متعلقان بمحذوف صلة الموصول والأولى صفة للصحف وفيها ما يكفي المنصف أما المكابر المتعنت فهيهات أن يقنعه شيء.
{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا} تقدم اعراب مثل هذا التركيب أي لو ثبت إهلاكنا، فأنا وما بعدها فاعل لفعل محذوف والجملة مستأنفة سيقت لدعيم ما تقرر من تعنتهم وصلفهم ومجادلتهم وبعذاب متعلقان بأهلكناهم ومن قبله صفة لعذاب.
لقالوا: جواب لو والجملة لا محل لها وربنا منادى مضاف محذوف منه حرف النداء ولولا حرف تحضيض وأرسلت فعل وفاعل وإلينا متعلقان بأرسلت ورسولا مفعول به والجملة مقول القول. {فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى} فنتبع الفاء هي السببية وتنبع منصوب بأن مضمرة في جواب التحضيض والفاعل مستتر تقديره نحن وآياتك مفعول به منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم ومن قبل متعلقان بنتبع وأن وما بعدها في تأويل مصدر مضاف لقبل ونخزى عطف على نذل. {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى} كل مبتدأ ساغ الابتداء به لما فيه من معنى العموم ومتربص خبر والجملة مقول القول والفاء الفصيحة وتربصوا فعل أمر، فستعلمون الفاء استئنافية والسين حرف استقبال وتعلمون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل ومن اسم استفهامية مبتدأ وأصحاب الصراط السوي خبر ومن اهتدى عطف على من أصحاب والجملة من أصحاب مفعول تعلمون المعلقة عن العمل ويجوز أن تكون من موصولة مفعول تعلمون وأصحاب الصراط خبر لمبتدأ محذوف أي هم أصحاب.