فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والرابع: أن يصير العبد مغمورًا في بحر التوحيد بحيث لا يدور في خاطره شيء غير عرفان الأحد الصمد.
أما الإقرار باللسان فإن وجد خاليًا عن الاعتقاد بالقلب فذلك هو المنافق، وأما الاعتقاد بالقلب إذا وجد خاليًا عن الإقرار باللسان ففيه صور.
الصورة الأولى: أن من نظر وعرف الله تعالى وكما عرفه مات قبل أن يمضي عليه من الوقت ما يمكنه التلفظ بكلمة الشهادة فقال قوم إنه لا يتم إيمانه والحق أنه يتم لأنه أدى ما كلف به وعجز عن التلفظ به فلا يبقى مخاطبًا، ورأيت في بعض الكتب أن ملك الموت مكتوب على جبهته لا إله إلا الله لكي إذا رآه المؤمن تذكر كلمة الشهادة فيكفيه ذلك التذكر عن الذكر.
الصورة الثانية: أن من عرف الله ومضى عليه من الوقت ما يمكنه التلفظ بالكلمة ولكنه قصر فيه، قال الشيخ الغزالي: يحتمل أن يقال اللسان ترجمان القلب فإذا حصل المقصود في القلب كان امتناعه من التلفظ جاريًا مجرى امتناعه من الصلاة والزكاة وكيف يكون من أهل النار، وقد قال عليه السلام: «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان» وقلب هذا الرجل مملوء من الإيمان؟ وقال آخرون: الإيمان والكفر أمور شرعية نحن نعلم أن الممتنع من هذه الكلمة كافر.
الصورة الثالثة: من أقر باللسان واعتقد بالقلب من غير دليل فهو مقلد والاختلاف في صحة إيمانه مشهور.
أما المقام الثالث: وهو إثبات التوحيد بالدليل والبرهان فقد بينا في تفسير قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] أنه يمكن إثبات هذا المطلوب بالدلائل العقلية والسمعية واستقصينا القول فيها هناك.
أما المقام الرابع: وهو الفناء في بحر التوحيد فقال المحققون: العرفان مبتدأ من تفريق ونقض وترك ورفض ممكن في جميع صفات هي من صفات الحق للذات المريدة بالصدق منتبه إلى الواحد القهار، ثم وقوف هذه الكلمات محيطة بأقصى نهايات درجات السائرين إلى الله تعالى.
البحث الثاني: في الأخبار الواردة في التهليل:
أولها: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: أستغفر الله ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات».
وثانيها: قال عليه السلام: «إن الله تعالى خلق ملكًا من الملائكة قبل أن خلق السموات والأرض وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله مادًا بها صوته لا يقطعها ولا يتنفس فيها ولا يتمها، فإذا أتمها أمر إسرافيل بالنفخ في الصور وقامت القيامة تعظيمًا لله عز وجل».
وثالثها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال عليه السلام: «ما زلت أشفع إلى ربي ويشفعني وأشفع إليه ويشفعني حتى قلت: يا رب شفعني فيمن قال لا إله إلا الله قال يا محمد هذه ليست لك ولا لأحد وعزتي وجلالي لا أدع أحدًا في النار قال لا إله إلا الله».
ورابعها: قال سفيان الثوري: سألت جعفر بن محمد عن حم عسق قال: الحاء حكمه والميم ملكه والعين عظمته والسين سناؤه والقاف قدرته، يقول الله جل ذكره: بحكمي وملكي وعظمتي وسنائي وقدرتي لا أعذب بالنار من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وخامسها: أن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام في السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب له الله ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة وبنى له بيتًا في الجنة».
البحث الثالث: في النكت.
أحدها: ينبغي لأهل لا إله إلا الله أن يحصلوا أربعة أشياء حتى يكونوا من أهل لا إله إلا الله: التصديق والتعظيم والحلاوة والحرية، فمن ليس له التصديق فهو منافق ومن ليس له التعظيم فهو مبتدع ومن ليس له الحلاوة فهو مراء ومن ليس له الحرية فهو فاجر.
وثانيها: قال بعضهم قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلًا كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ} [إبراهيم: 24] إنه لا إله إلا الله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] لا إله إلا الله: {وَتَوَاصَوْاْ بالحق} [العصر: 3] لا إله إلا الله: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بواحدة} [سبأ: 46] لا إله إلا الله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مسؤولون} [الصافات: 24] عن قول لا إله إلا الله: {بَلْ جَاء بالحق وَصَدَّقَ المرسلين} [الصافات: 37] هو لا إله إلا الله: {يُثَبّتُ الله الذين ءَامَنُواْ بالقول الثابت في الحياة الدنيا وَفِى الآخرة} [إبراهيم: 27] هو لا إله إلا الله: {وَيُضِلُّ الله الظالمين} [إبراهيم: 27] عن قول لا إله إلا الله.
وثالثها: أن موسى بن عمران عليه السلام قال: يا رب علمني شيئًا أذكرك به، قال: قل لا إله إلا الله قال كل عبادك يقولون لا إله إلا الله! فقال: قل لا إله إلا الله قال إنما أردت شيئًا تخصني به! قال يا موسى لو أن السموات السبع ومن فيهن في كفة ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله.
البحث الرابع: في إعرابه قالوا كلمة لا هاهنا دخلت على الماهية، فانتفت الماهية، وإذا انتفت الماهية انتفت كل أفراد الماهية.
وأما الله فإنه اسم علم للذات المعينة إذ لو كان اسم معنى لكان كلها محتملًا للكثرة فلم تكن هذه الكلمة مفيدة للتوحيد، فقالوا: لا استحقت عمل أن لمشابهتها لها من وجهين، أحدهما: ملازمة الأسماء، والآخر تناقضهما فإن أحدهما لتأكيد الثبوت والآخر لتأكيد النفي، ومن عادتهم تشبيه أحد الضدين بالآخر في الحكم، إذا ثبت هذا فنقول لما قالوا: إن زيدًا ذاهب كان يجب أن يقولوا لا رجلًا ذاهب إلا أنهم بنوا لا مع ما دخل عليه من الاسم المفرد على الفتح، أما البناء فلشدة اتصال حرف النفي بما دخل عليه كأنهما صارا اسمًا واحدًا، وأما الفتح فلأنهم قصدوا البناء على الحركة المستحقة توفيقًا بين الدليل الموجب للإعراب والدليل الموجب للبناء.
الثاني: خبره محذوف والأصل لا إله في الوجود ولا حول ولا قوة لنا وهذا يدل على أن الوجود زائد على الماهية.
البحث الخامس: قال بعضهم تصور الثبوت مقدم على تصور السلب، فإن السلب ما لم يضف إلى الثبوت لا يمكن تصوره فكيف قدم هاهنا السلب على الثبوت.
وجوابه: أنه لما كان هذا السلب من مؤكدات الثبوت لا جرم قدم عليه.
القسم الثاني: من الكلام في الآية البحث عن أسماء الله تعالى وفيه أبحاث:
البحث الأول: قال عليه السلام: «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أيها الناس أنا جعلت لكم نسبًا وأنتم جعلتم لأنفسكم نسبًا، أنا جعلت أكرمكم عندي أتقاكم وأنتم جعلتم أكرمكم أغناكم فالآن أرفع نسبي وأضع نسبكم، أين المتقون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون!» واعلم أن الأشياء في قسمة العقول على ثلاثة أقاسم: كامل لا يحتمل النقصان، وناقص لا يحتمل الكمال، وثالث يقبل الأمرين، أما الكامل الذي لا يحتمل النقصان فهو الله تعالى وذلك في حقه بالوجوب الذاتي وبعده الملائكة فإن من كمالهم أنهم: {لاَّ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم: 6] ومن صفاتهم أنهم: {عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] ومن صفاتهم أنهم يستغفرون للذين آمنوا، وأما الناقص الذي لا يحتمل الكمال فهو الجمادات والنبات والبهائم، وأما الذي يقبل الأمرين جميعًا فهو الإنسان تارة يكون في الترقي بحيث يخبر عنه بأنه {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ} [القمر: 55] وتارة في التسفل بحيث يقال: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سافلين} [التين: 5] وإذا كان كذلك استحال أن يكون الإنسان كاملًا لذاته، وما لا يكون كاملًا لذاته استحال أن يصير موصوفًا بالكمال إلى أن يصير منتسبًا إلى الكامل لذاته.
لكن الانتساب قسمان: قسم يعرض للزوال وقسم لا يكون يعرض للزوال.
أما الذي يكون يعرض للزوال، فلا فائدة فيه ومثاله الصحة والمال والجمال، وأما الذي لا يكون يعرض للزوال فعبوديتك لله تعالى فإنه كما يمتنع زوال صفة الإلهية عنه يمتنع زوال صفة العبودية عنك فهذه النسبة لا تقبل الزوال، والمنتسب إليه وهو الحق سبحانه لا يقبل الخروج عن صفة الكمال.
ثم إذا كنت من بلد أو منتسبًا إلى قبيلة فإنك لا تزال تبالغ في مدح تلك البلدة والقبيلة بسبب ذلك الانتساب العرضي فلأن تشتغل بذكر الله تعالى ونعوت كبريائه بسبب الانتساب الذاتي كان أولى فلهذا قال: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا} [الأعراف: 180] وقال: {الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الأسماء الحسنى}.
البحث الثاني: في تقسيم أسماء الله تعالى.
اعلم أن اسم كل شيء، إما أن يكون واقعًا عليه بحسب ذاته أو بحسب أجزاء ذاته أو بحسب الأمور الخارجة عن ذاته.
أما القسم الأول: فقد اختلفوا في أنه هل لله تعالى اسم على هذا الوجه وهذه المسألة مبنية على أن حقيقة الله تعالى هل هي معلومة للبشر أم لا؟ فمن قال إنها غير معلومة للبشر قال: ليس لذاته المخصوصة اسم، لأن المقصود من الاسم أن يشار به إلى المسمى وإذا كانت الذات المخصوصة غير معلومة امتنعت الإشارة العقلية إليها، فامتنع وضع الاسم لها، وقد تكلمنا في تحقيق ذلك في تفسير اسم الله، وأما الاسم الواقع عليه بحسب أجزاء ذاته فذلك محال لأنه ليس لذاته شيء من الأجزاء لأن كل مركب ممكن وواجب الوجود لا يكون ممكنًا فلا يكون مركبًا، وأما الاسم الواقع بحسب الصفات الخارجة عن ذاته، فالصفات إما أن تكون ثبوتية حقيقية أو ثبوتية إضافية أو سلبية أو ثبوتية مع إضافية أو ثبوتية مع سلبية أو إضافية مع سلبية أو ثبوتية وإضافية وسلبية ولما كانت الإضافات الممكنة غير متناهية، وكذا السلوب غير متناهية، أمكن أن يكون للباري تعالى أسماء متباينة لا مترادفة غير متناهية.
فهذا هو التنبيه على المأخذ.
البحث الثالث: يقال: إن لله تعالى أربعة آلاف اسم، ألف لا يعلمها إلا الله تعالى وألف لا يعلمها إلا الله والملائكة وألف لا يعلمها إلا الله والملائكة والأنبياء.
وأما الألف الرابع فإن المؤمنين يعلمونها فثلثمائة منها في التوراة وثلثمائة في الإنجيل وثلثمائة في الزبور ومائة في الفرقان تسع وتسعون منها ظاهرة وواحد مكتوم فمن أحصاها دخل الجنة.
البحث الرابع: الأسماء الواردة في القرآن منها ما ليس بانفراده ثناء ومدحًا، كقوله جاعل وفالق وخالق فإذا قيل: {فَالِقُ الإصباح وَجَعَلَ الليل سَكَنًا} [الأنعام: 96] صار مدحًا، وأما الاسم الذي يكون مدحًا فمنه ما إذا قرن بغيره صار أبلغ نحو قولنا: حي فإذا قيل الحي القيوم أو الحي الذي لا يموت كان أبلغ وأيضًا قولنا بديع فإنك إذا قلت بديع السموات والأرض ازداد المدح، ومن هذا الباب ما كان اسم مدح ولكن لا يجوز إفراده كقولك: دليل.
وكاشف فإذا قيل: يا دليل المتحيرين، ويا كاشف الضر والبلوى جاز، ومنه ما يكون اسم مدح مفردًا أو مقرونًا كقولنا الرحمن الرحيم.
البحث الخامس: من الأسماء ما يكون مقارنتها أحسن كقولك الأول الآخر المبدىء المعيد الظاهر الباطن ومثاله قوله تعالى في حكاية قول المسيح: {إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} [المائدة: 118] وبقية الأبحاث قد تقدمت في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم.
البحث السادس: في النكت:
أولها: رأى بشر الحافي كاغدًا مكتوبًا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم فرفعه وطيبه بالمسك وبلعه فرأى في النوم قائلًا يقول: يا بشر طيبت اسمنا فنحن نطيب اسمك في الدنيا والآخرة.
وثانيها: قوله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى} [الأعراف: 180] وليس حسن الأسماء لذواتها لأنها ألفاظ وأصوات بل حسنها لحسن معانيها ثم ليس حسن أسماء الله حسنًا يتعلق بالصورة والخلقة فإن ذلك محال على من ليس بجسم بل حسن يرجع إلى معنى الإحسان مثلًا اسم الستار والغفار والرحيم إنما كانت حسناء لأنها دالة على معنى الإحسان، وروى أن حكيمًا ذهب إليه قبيح وحسن والتمسا الوصية فقال للحسن: أنت حسن والحسن لا يليق به الفعل القبيح، وقال للآخر أنت قبيح والقبيح إذا فعل الفعل القبيح عظم قبحه.
فنقول: إلهنا أسماؤك حسنة وصفاتك حسنة فلا تظهر لنا من تلك الأسماء الحسنة والصفات الحسنة إلا الإحسان، إلهنا يكفينا قبح أفعالنا وسيرتنا فلا نضم إليه قبح العقاب ووحشة العذاب.
وثالثها: قوله عليه السلام: «اطلبوا الحوائج عند حسان الوجوه» إلهنا حسن الوجه عرضى أما حسن الصفات والأسماء فذاتي فلا تردنا عن إحسانك خائبين خاسرين.
رابعها: ذكر أن صيادًا كان يصيد السمك فصاد سمكة وكان له ابنة فأخذتها ابنته فطرحتها الماء وقالت: إنها ما وقعت في الشبكة إلا لغفلتها، إلهنا تلك الصبية رحمت غفلة هاتيك السمكة وكانت تلقيها مرة أخرى في البحر ونحن قد اصطادتنا وسوسة إبليس وأخرجتنا من بحر رحمتك فارحمنا بفضلك وخلصنا منها وألقنا في بحار رحمتك مرة أخرى.
وخامسها: ذكرت من الأسماء خمسة في الفاتحة، وهي الله والرب والرحمن والرحيم والملك فذكرت الإلهية وهي إشارة إلى القهارية والعظمة فعلم أن الأرواح لا تطيق ذلك القهر والعلو فذكر بعده أربعة أسماء تدل على اللطف، الرب وهو يدل على التربية والمعتاد أن من ربى أحدًا فإنه لا يهمل أمره ثم ذكر الرحمن الرحيم وذلك هو النهاية في اللطف والرأفة ثم ختم الأمر بالملك والملك العظيم لا ينتقم من الضعيف العاجز ولأن عائشة قالت لعلي عليه السلام: ملكت فأسجح فأنت أولى بأن تعفو عن هؤلاء الضعفاء.
وسادسها: عن محمد بن كعب القرظي قال موسى عليه السلام: إلهي أي خلقك أكرم عليك؟ قال الذي لا يزال لسانه رطبًا من ذكري، قال: فأي خلقك أعلم؟ قال: الذي يلتمس إلى علمه علم غيره، قال: فأي خلقك أعدل؟ قال: الذي يقضي على نفسه كما يقضي على الناس، قال: فأي خلقك أعظم جرمًا؟ قال: الذي يتهمني وهو الذي يسألني ثم لا يرضى بما قضيته له.
إلهنا إنا لا نتهمك فإنا نعلم أن كل ما أحسنت به فهو فضل وكل ما تفعله فهو عدل فلا تؤاخذنا بسوء أعمالنا.
وسابعها: قال الحسن إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ سيعلم الجمع من أولى بالكرم، أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون فيتخطون رقاب الناس، ثم يقال: أين الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ ثم ينادي منادٍ أين الحامدون لله على كل حال؟ ثم تكون التبعة والحساب على من بقي إلهنا فنحن حمدناك وأثنينا عليك بمقدار قدرتنا ومنتهى طاقتنا فاعف عنا بفضلك ورحمتك.
ومن أراد الاستقصاء في الأسماء والصفات فعليه بكتاب لوامع البينات في الأسماء والصفات وبالله التوفيق. اهـ.

.قال الجصاص:

وقوله تعالى: {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: السِّرُّ مَا حَدَّثَ بِهِ الْعَبْدُ غَيْرَهُ فِي خَفَى، وَأَخْفَى مِنْهُ مَا أَضْمَرَهُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ غَيْرَهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ: السِّرُّ مَا أَضْمَرَهُ الْعَبْدُ فِي نَفْسِهِ، وَأَخْفَى مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَا أَضْمَرَهُ أَحَدٌ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَإِن تَجْهَرْ بَالْقَوْلِ}.
فما حاجتك إلى الجهر؟ لأن الله يعلم بالجهر وبالسر.
{فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأخْفَى} فيه ستة تأويلات:
أحدها: أن {السِّرَّ} ما حدَّث به العبد غيره في السر. {وأَخْفَى} ما أضمره في نفسه، ولم يحدّث به غيره، قاله ابن عباس.
الثاني: أن السر ما أَضمره العبد في نفسه. وأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد في نفسه قاله قتادة وسعيد بن جبير.
الثالث: يعلم أسرار عباده، وأخفى سر نفسه عن خلقه، قاله ابن زيد.
الرابع: أن السر ما أسره الناس، وأخفى: الوسوسة، قاله مجاهد.
الخامس: أن السر ما أسره من علمه وعمله السالف، وأخفى: وما يعلمه من عمله المستأنف، وهذا معنى قول الكلبي.
السادس: السر: العزيمة، وما هو أخفى: هو الهم الذي دون العزيمة. اهـ.