فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}.
بيان لكمال لطفه. أي: علمه نافذ في الكل. يعلم ظواهرها وبواطنها والسر وسر السر. فكذلك إن تجهر وإن تخفت، فيعلمه بجهر وخفت.
{اللَّهُ} أي: ذلك المُنْزل الموصوف بهذه الصفات هو الله: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} أي: الفضلى، لدلالتها على معاني التقديس والتمجيد والتعظيم والربوبية والأفعال التي هي النهاية في الحسن. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)}.
خاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة بأنه: إن يجهر بالقول أي يقله جهرة في غير خفاء فإنه جل وعلا يعلم السر وما هو أخفى من السر. وهذا المعنى الذي أشار إليه هنا ذكره في مواضع أخر كقوله: {وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} [الملك: 13] وقوله: {والله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النحل: 19]، وقوله تعالى: {والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [محمد: 26]، وقوله تعالى: {قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر فِي السماوات والأرض} [الفرقان: 6] الآية إلى غير ذلك من الآيات. وفي المراد بقوله في هذه الآية {وَأَخْفَى} أوجه معروفة كلها حق ويشهد لها قرآن. قال بعض أهل العلم {يَعْلَمُ السر}: أي ما قاله العبد سرًا {وَأَخْفَى} أي ويعلم ما هو أخفى من السر وهو ما توسوس به نفسه. كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} [ق: 16]. وقال بعض أهل العلم الإنسان أنه فاعله كما قال تعالى: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذلك هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [المؤمنون: 63] وكما قال تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى} [النجم: 32] فالله يعلم متا يسره الإنسان اليوم. وما سيسره غدًا. والعبد لا يعلم ما في غد كما قال زهير في معلقته:
وأعلم علم اليوم والأمس وقبله ** ولكنني عن علم ما في غد عم

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَأَخْفَى} صيغة تفضيل كما بينا أي ويعلم ما هو أخفى من السر. وقول من قال: إن {أخفى} فعل ماض بمعنى أنه يعلم سر الخلق وأخفى عنهم ما يعلمه هو. كقوله: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] - ظاهر السقوط كما لا يخفى. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَإِن تَجْهَرْ بالقول فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى} [طه: 7] أي فلا حاجة لك إلى الجهر بالدعاء ونحوه كما قال تعالى: {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] {واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجهر مِنَ القول} [الأعراف: 205] الآية. ويوضح هذا المعنى الحديث الصحيح. لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع أصحابه رفعوا أصواتهم بالتكبير قال صلى الله عليه وسلم: «أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تَدْعون أصم ولا غائبًا إنما تدعون سميعًا بصيرًا. إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته».
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه المعبود وحده وأن له الأسماء الحسنى. وبين أنه المعبود وحده في آيات لا يمكن حصرها لكثرتها كقوله: {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم} [البقرة: 255] وقوله: {فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلأ الله} [محمد: 19] الآية. وبين في مواضع أخر أن له الأسماء الحسنى وزاد في بعض المواضع الأمر بدعائه بها كقوله تعالى: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا} [الأعراف: 180]، وقوله: {قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110] وزاد في موضع آخر تهديد من ألحد في أسمائه. وهو قوله: {وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180].
قال بعض العلماءك ومن إلحادهم في أسمائه أنهم اشتقوا العزى من اسم العزيز واللات من اسم الله وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن لله تسعة وتسعين اسماص مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة» وقد بعض الأحاديث على أن من أسمائه جل وعلا ما استأثر به ولم يعلمه خلقه كحديث: «أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابِك أو علمتَه أحدًا من خلقِك أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك» الحديث وقوله: {الحسنى} تأنيث الأحسن وإنما وصف أسماءه جل وعلا بلفظ المؤنث المفرد لأن جمع التكسير مطلقًا وجمع المؤنث السالم يجريان مجرى المؤنثة الواحدة المجازية التأنيث كما أشار له في الخلاصة بقوله:
والتاء مع جمع سوى السالم من ** مذكر كالتاء من إحدى اللبن

ونظير قوله هنا {الأسماء الحسنى} [طه: 8] من وصف الجمع بلفظ المفرد المؤنث قوله: {مِنْ آيَاتِنَا الكبرى} [طه: 23]، وقوله: {مَآرِبُ أخرى} [طه: 18]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)}.
عطف على جملة {له ما في السموات وما في الأرض} [طه: 6] لدلالة هذه الجملة على سعة علمه تعالى كما دلّت الجملة المعطوف عليها على عظيم سلطانه وقدرته.
وأصل النظم: ويعلم السر وأخفى إن تجهر بالقول؛ فموقع قوله: {وإن تَجْهَر بالقَوْلِ} موقع الاعتراض بين جملة {يعلم السر وأخفى} وجملة {الله لا إله إلاّ هو} فصيغ النظم في قالب الشرط والجزاء زيادة في تحقيق حصوله على طريقة ما يسمى بالمذهب الكلامي، وهو سوق الخبر في صيغة الدليل على وقوعه تحقيقًا له.
والمعنى: إنه يعلم السر وأخفى من السرّ في الأحوال التي يجهر فيها القائل بالقول لإسماع مخاطبه، أي فهو لا يحتاج إلى الجهر لأنه يعلم السر وأخفى.
وهذا أسلوب متبع عند البلغاء شائع في كلامهم بأساليب كثيرة.
وذلك في كل شرط لا يقصد به التعليق بل يقصد التحقيق كقول أبي كبير الهذيلي:
فأتت به حُوش الفؤاد مبطّنا ** سُهُدًا إذَا ما نَام ليلُ الهَوْجل

أي سُهُدًا في كلّ وقت حين ينام غيره ممن هو هَوْجل.
وقول بشامة بن حزن النهشلي:
إذا الكماة تنحّوا أن يصيبهم ** حَدّ الظُبات وصَلناها بأيدينا

وقول إبراهيم بن كُنيف النبهاني:
فإن تكن الأيام جَالت صروفها ** ببؤسَى ونُعمى والحوادث تفعل

فما ليَّنَتْ منا قناةً صَليبةً ** وما ذللتنا للّتي ليس تَجْمُل

وقول القطامِي:
فمن تكن الحضارة أعجبته ** فأيّ رجال بادية ترانا

فالخطاب في قوله: {وإنْ تَجْهَر} يجوز أن يكون خطابًا للنبيء صلى الله عليه وسلم وهو يعم غيره.
ويجوز أن يكون لغير معيّن ليعم كلّ مخاطب.
واختير في إثبات سعة علم الله تعالى خصوص علمه بالمسموعات لأنّ السر أخفى الأشياء عن علم الناس في العادة.
ولمّا جاء القرآن مذكرًا بعلم الله تعالى توجهت أنظار المشركين إلى معرفة مدى علم الله تعالى وتجادلوا في ذلك في مجامعهم.
وفي صحيح البخاري عن عبدالله بن مسعود قال: اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي كثيرة شحم بطونهم قليلة فقهُ قلوبِهم فقال أحدهم: أترون أنّ الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جَهَرنا ولا يسمع إن أخفينا وقال الآخر: إنْ كان يسمع إذا جهرنا أي وهو بعيد عنا فإنه يسمع إذا أخفينا.
فأنزل الله تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا قلوبكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون} [فصلت: 22].
وقد كثر في القرآن أنّ الله يعلم ما يسرّ الناس وما يعلنون ولا أحسب هذه الآية إلا ناظرة إلى مثل ما نظرتْ الآية الآنفة الذكر.
وقال تعالى: {ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور} [هود: 5].
يبقى النظر في توجيه الإتيان بهذا الشرط بطريقة الاعتراض، وتوجيه اختيار فرض الشرط بحالة الجهر دون حالة السر مع أن الذي يتراءى للناظر أنّ حالة السر أجدر بالذكر في مقام الإعلام بإحاطة علم الله تعالى بما لا يحيط به علم الناس، كما ذكر في الخبر المروي عن ابن مسعود في الآية الآنفة الذكر.
وأحسب لفرض الشرط بحالة الجهر بالقول خصوصية بهذا السياق اقتضاها اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في الجهر بالقرآن في الصلاة أو غيرها، فيكون مورد هذه الآية كمورد قوله تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول} [الأعراف: 205] فيكون هذا مما نسخَه قوله تعالى: {فاصدَع بما تؤمر} [الحجر: 94]، وتعليم للمسلمين باستواء الجهر والسر في الدعاء، وإبطال لتوهم المشركين أن الجهر أقرب إلى علم الله من السر، كما دل عليه الخبر المروي عن أبي مسعود المذكور آنفًا.
والقول: مصدر، وهو تلفظ الإنسان بالكلام، فيشمل القراءة والدعاء والمحاورة، والمقصود هنا ما له مزيد مناسبة بقوله تعالى: {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} [طه: 2] الآيات.
وجواب شرط {وإن تجهر بالقول} محذوف يدل عليه قوله: {فإنه يعلم السر وأخفى} والتقدير: فلا تشقّ على نفسك فإنّ الله يعلم السر وأخفى، أي فلا مزية للجهر به.
وبهذا تعلم أن ليس مساق الآية لتعليم الناس كيفية الدعاء، فقد ثبت في السُّنّة الجهر بالدعاء والذكر، فليس من الصواب فرض تلك المسألة هنا إلاّ على معنى الإشارة.
وأخفى اسم تفضيل، وحذف المفضل عليه لدلالة المقام عليه، أي وأخفى من السر.
والمراد بأخفى منه: ما يتكلم اللسان من حديث النفس ونحوه من الأصوات التي هي أخفى من كلام السر.
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)}.
تذييل لما قبله لأنّ ما قبله تضمن صفات من فعل الله تعالى ومن خَلقه ومن عظمته فجاء هذا التذييل بما يجمع صفاته.
واسم الجلالة خبر لمبتدأ محذوف.
والتقدير: هو الله، جريًا على ما تقدّم عند قوله تعالى: {الرحمن على العَرْشِ استوى} [طه: 5].
وجملة {لا إله إلاَّ هُو} حال من اسم الجلالة.
وكذلك جملة {لهُ الأسماءُ الحسنى}.
والأسماء: الكلمات الدالة على الاتّصاف بحقائق.
وهي بالنسبة إلى الله: إما علَم وهو اسم الجلالة خاصةً.
وإما وصف مثل الرحمان والجبّار وبقية الأسماء الحسنى.
وتقديم المجرور في قوله: {له الأسماءُ الحُسْنى} للاختصاص، أي لا لغيره لأنّ غيره إما أن يكون اسمه مجردًا من المعاني المدلولة للأسماء مثل الأصنام، وإما أن تكون حقائقها فيه غير بالغة منتهى كمال حقيقتها كاتصاف البشر بالرحمة والمِلك، وإما أن يكون الاتّصاف بها كَذبًا لا حقيقة، كاتصاف البشر بالكِبْر، إذ ليس أهلًا للكبر والجبروت والعزّة.
ووصْف الأسمَاءُ بالحسنى لأنها دالة على حقائق كاملة بالنسبة إلى المسمى بها تعالى وتقدس.
وذلك ظاهر في غير اسم الجلالة، وأما في اسم الجلالة الذي هو الاسم العلَم فلأنه مخالف للأعلام من حيث إنّه في الأصل وصف دال على الانفراد بالإلهية لأنّه دال على الإله، وعُرّف باللام الدالة على انحصار الحقيقة عنده، فكان جامعًا لمعنى وجوب الوجود، واستحق العبادة لوجود أسباب استحقاقها عنده.
وقد تقدم شيء من هذا عند قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} في سورة الأعراف (180). اهـ.