فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ} ولذلك كسرت همزة إن في قراءة الجمهور، وقرأ ابن كثير.
وأبو عمرو بفتحها على تقدير حرف الجر أي بأني، والجار والمجرور على ما قال أبو البقاء.
وغيره متعلق بِ {نودي} [طه: 11] والنداء قد يوصل بحرف الجر أنشد أبو علي:
ناديت باسم ربيعة بن مكرم ** إن المنوه باسمه الموثوق

ولا يخفى على ذي ذوق سليم حال التركيب على هذا التخريج وإنه أنما يحلو لو لم يكن المنادي فاصلًا.
وقيل: على تقدير حرف التعليل وتعلقه بفعل الأمر بعد وهو كما ترى.
واختير أن الكلام على تقدير العلم أي أعلم أني.. إلخ، وتكرير ضمير المتكلم لتأكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة، واستظهر أن علمه عليه السلام بأن الذي ناداه هو الله تعالى حصل له بالضرورة خلقًا منه تعالى فيه، وقيل: بالاستدلال بما شاهد قبل النداء من الخارق، وقيل: بما حصل له من ذلك بعد النداء، فقد روى أنه عليه السلام لما نودي يا موس قال عليه السلام: من المتكلم؟ فقال: أنا ربك فوسوس إليه إبليس اللعين لعلك تسمع كلام شيطان فقال عليه السلام: أنا عرفت أنه كلام الله تعالى بأني أسمعه من جميع الجهات بجميع الأعضاء، والخارق فيه أمران سماعه من جميع الجهات وكون ذلك بجميع الأعضاء التي من شأنها السماع والتي لم يكن من شأنها، وقيل: الخارق فيه أمر واحد وهو السماع بجميع الأعضاء، وهو المراد بالسماع من جميع الجهات، وأيًا ما كان فلا يخفى صحة الاستدلال بذلك على المطلوب إلا أن في صحة الخبر خفاء ولم أر له سندًا يعول عليه، وحضور الشيطان ووسوسته لموسى عليه السلام في ذلك الوادي المقدس والحضرة الجليلة في غاية البعد.
والمعتزلة أوجبوا أن يكون العلم بالاستدلال بالخارق ولم يجوزوا أن يكون بالضرورة قالوا لأنه لو حصل العلم الضروري بكون هذا النداء كلام الله تعالى لحصل العلم الضروري بوجود الصانع القادر العالم لاستحالة أن تكون الصفة معلومة بالضرورة والذات تكون معلومة بالاستدلال ولو كان وجود الصانع تعالى معلومًا بالضرورة لخرج موسى عليه السلام عن كونه مكلفًا لأن حصول العلم الضروري ينافي التكليف وبالاتفاق أنه عليه السلام لم يخرج عن التكليف فعلمنا أن الله تعالى عرفه ذلك بالخارق وفي تعيينه اختلاف.
وقال بعضهم: لا حاجة بنا إلى أن نعرف ذلك الخارق ما هو، وأخرج أحمد وغيره عن وهب أنه عليه السلام لما اشتد عليه الهول نودي من الشجرة فقيل: يا موسى فأجاب سريعًا وما يدري من دعاه وما كان سرعة إجابته إلا استئناسًا بالإنس فقال: لبيك مرارًا إني لأسمع صوتك وأحس حسك ولا أرى مكانك فأين أنت: قال: أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك وأقرب إليك من نفسك فلما سمع هذا موسى عليه السلام علم أنه لا ينبغي ذلك إلا لربه تعالى فايقن به فقال: كذلك أنت يا إلهي فكلامك أسمع أم رسولك؟ قال: بل أنا الذي أكلمك، ولا يخفى تخريج هذا الأثر على مذهب السلف ومذهب الصوفية وأنه لا يحصل الإيقان بمجرد سماع ما لا ينبغي أن يكون إلا لله تعالى من الصفات إذا فتح باب الوسوسة، ثم إن هذا الأثر ظاهر في أن موسى عليه السلام سمع الكلام اللفظي منه تعالى بلا واسطة ولذا اختص عليه السلام باسم الكليم وهو مذهب جماعة من أهل السنة وذلك الكلام قديم عندهم.
وأجابوا عن استلزام الحدوث لأنه لا يوجد بعضه إلا بتقضي بعض آخر بأنه إنما يلزم من التلفظ بآلة وجارحة وهي اللسان أما إذا كان بدونها فيوجد دفعة واحدة كما ياهد في الحروف المرسومة بطبع الخاتم دون القلم ويلزمهم أن يؤولوا قوله تعالى: {فَلَمَّا أتاها نُودِىَ} [طه: 11].. إلخ. بأن يقولوا: المراد فلما أتاها أسمع أتاها أسمع النداء أو نحو ذلك وإلا فمجيء النار حادث والمرتب على الحادث حادث، ولذا زعم أهل ما وراء النهر من أهل السنة القائلين بقدم الكلام أن هذا الكلام الذي سمعه موسى عليه السلام حادث وهو صوت خلقه الله تعالى في الشجرة، وأهل البدعة أجمعوا على أن الكلام اللفظي حادث بيد أن منهم من جوز قيام الحوادث به تعالى شأنه ومنهم من لم يجوز، وزعم أن الذي سمعه موسى عليه السلام خلقه الله عز وجل في جسم من الأجسام كالشجرة أو غيرها.
وقال الأشعري: إن الله تعالى أسمع موسى عليه السلام كلامه النفسي الذي ليس بحرف ولا صوت ولا سبيل للعقل إلى معرفة ذلك، وقد حققه بعضهم بأنه عليه السلام تلقى ذلك الكلام تلقيًا روحانيًا كما تتلقى الملائكة عليهم السلام كلامه تعالى لا من جارحة ثم أفاضته الروح بواسطة قوة العقل على القوى النفسية ورسمته في الحس المشترك بصور ألفاظ مخصوصة فصار لقوة تصوره كأنه يسمعه من الخارج وهذا كما يرى النائم أنه يكلم ويتكلم، ووجه وقوف الشيطان المار في الخبر الذي سمعت ما فيه على هذا بأنه يحتمل أن يكون كذلك، ويحتمل أن يكون بالتفرس من كون هيئته عليه السلام على هيئة المصغي المتأمل لما يسمعه وهو كما ترى، وقد تقدم لك في المقدمات ما عسى ينفعك مراجعته هنا فراجعه وتأمل، واعلم أن شأن الله تعالى شأنه كله غريب وسبحان الله العزيز الحكيم {فاخلع نَعْلَيْكَ} أزلهما من رجليك والنعل معروفة وهي مؤنثة يقال في تصغيرها نعيلة ويقال فيها نعل: بفتح العين أنشد الفراء:
له نعل لا يطبي الكلب ريحها ** وإن وضعت بين المجالس شمت

وأمر صلى الله عليه وسلم بذلك لما أنهما كانتا من جلد حمار ميت غير مدبوغ كما روي عن الصادق رضي الله تعالى عنه وعكرمة وقتادة والسدي ومقاتل والضحاك والكلبي، وروى كونهما من جلد حمار في حديث غريب.
فقد أخرج الترمذي بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان على موسى عليه السلام يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف أي قلنسوة صغيرة وسراويل صوف وكانت نعلاه من جلد حمار» وعن الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وابن جريج أنهما كانتا من جلد بقرة ذكيت ولكن أمر عليه السلام بخلعهما ليباشر بقدميه الأرض فتصيبه بركة الوادي المقدس.
وقال الأصم: لأن الحفوة أدخل في التواضع وحسن الأدب ولذلك كان السلف الصالحون يطوفون بالكعبة حافين، ولا يخفى أن هذا ممنوع عند القائل بأفضلية الصلاة بالنعال كما جاء في بعض الآثار، ولعل الأصم لم يسمع ذلك أو يجيب عنه.
وقال أبو مسلم: لأنه تعالى أمنه من الخوف وأوقفه بالموضع الطاهر وهو عليه السلام إنما لبسهما اتقاء من الانجاس وخوفًا من الحشرات، وقيل: المعنى فرغ قلبك من الأهل والمال من الدنيا والآخرة، ووجه ذلك أن يراد بالنعل كل ما يرتفق به، وغلب على ما ذكر تحقيرًا، ولذا أطلق على الزوجة نعل كما في كتب اللغة، ولا يخفى عليك أنه بعيد وإن وجه بما ذكر وهو أليق بباب الإشارة، والفاء لترتيب الأمر على ما قبلها فإن ربوبيته تعالى له عليه السلام من موجبات الأمر ودواعيه، وقوله تعالى: {إِنَّكَ بالواد المقدس} تعليل لموجب الخلع المأمور به وبيان لسبب ورود الأمر بذلك من شرف البقعة وقدسها.
روي أنه عليه السلام حين أمر خلعهما وألقاهما وراء الوادي {طُوًى} بضم الطاء غير منون.
وقرأ الكوفيون وابن عامر بضمها منونًا.
وقرأ الحسن والأعمش وأبو حيوة وابن أبي إسحاق وأبو السمال وابن محيصن بكسرها منونًا.
وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو بكسرها غير منون؛ وهو علم لذلك الوادي فيكون بدلًا أو عطف بيان، ومن نونه فعلى تأويل المكان ومن لم ينونه فعلى تأويل البقعة فهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، وقيل: {طُوًى} المضموم الطاء الغير المنون ممنوع من الصرف للعلمية والعدل كزفر وقثم، وقيل: للعلمية والعجمة؛ وقال قطرب: يقال طوى من الليل أي ساعة أي قدس لك ساعة من الليل وهي ساعة أن نودي فيكون معملًا للمقدس، وفي العجائب للكرماني قيل: هو معرب معناه ليلًا وكأنه أراد قول قطرب، وقيل: هو رجل بالعبرانية وكأنه على هذا منادي، وقال الحسن: طوى بكسر الطاء والتنوين مصدر كثنى لفظًا ومعنى، وهو عنده معمول للمقدس أيضًا أي قدس مرة بعد أخرى، وجوز أن يكون معمولًا لنودي أي نودي نداءين، وقال ابن السيد: إنه ما يطوى من جلد الحية ويقال: فعل الشيء طوى أي مرتين فيكون موضوعًا موضع المصدر، وأنشد الطبرسي لعدي بن زيد:
أعاذل إن اللوم في غير كنهه ** على طوى من غيك المتردد

وذكر الراغب أنه إذا كان بمعنى مرتين يفتح أوله ويكسر، ولا يخفى عليك أن الأظهر كونه اسمًا للوادي في جميع القراءات.
{وَأَنَا اخترتك} أي اصطفيتك من الناس أو من قومك للنبوة والرسالة.
وقرأ السلمي وابن هرمز والأعمش في رواية {وَأَنَا} بكسر الهمزة وتشديد النون مع ألف بعدها {اخترناك} بالنون والألف، وكذا قرأ طلحة وابن أبي ليلى وحمزة وخلف والأعمش في رواية أخرى إلا أنهم فتحوا همزة إن، وذلك بتقدير أعلم أي وأعلم أنا اخترناك، وهو على ما قيل عطف على {اخلع} [طه: 12]، ويجوز عند من قرأ {إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ} [طه: 12] بالفتح أن يكون العطف عليه سواء كان متعلقًا بنودي كما قيل أو معمولًا لا علم مقدرًا كما أختير.
وجوز أبو البقاء أن يكون بتقدير اللام وهو متعلق بما بعده أي لأنا اخترناك {فاستمع} وهو كما ترى، والفاء في قوله تعالى: {فاستمع} لترتيب الأمر والمأمور به على ما قبلها فإن اختياره عليه السلام لما ذكر من موجبات الاستماع والأمر به، واللام في قوله سبحانه: {لِمَا يُوحَى} متعلقة باستمع، وجوز أن تكون متعلقة باخترناك، ورده أبو حيان بأنه يكون حينئذٍ من باب الأعمال ويجب أو يختار حينئذٍ إعادة الضمير مع الثاني بأن يقال: فاستمع له لما يوحى.
وأجيب بأن المراد جواز تعلقها بكل من الفعلين على البدل لا على أنه من الأعمال.
واعترض على هذا بأن قوله تعالى: {إِنَّنِى أَنَا الله لا إله إِلا أَنَاْ}.
بدل من {مَا يوحى} [طه: 13] ولا ريب في أن اختياره عليه السلام ليس لهذا فقط والتعلق باخترناك كيفما كان يقتضيه.
وأجيب بأنه من باب التنصيص على ما هو الأهم والأصل الأصيل، وقيل: هي سيف خطيب فلا متعلق لها كما في {رَدِفَ لكم} [النمل: 72] لكم وما موصولة.
وجوز أن تكون مصدرية أي فاستمع للذي يوحى إليك أو للوحي، وفي أمره عليه السلام بالاستماع إشارة إلى عظم ذلك وأنه يقتضي التأهب له، قال أبو الفضل الجوهري: لما قيل لموسى عليه السلام استمع لما يوحى وقف على حجر واستند إلى حجر ووضع يمينه على شماله وألقى ذقنه على صدره وأصغى بشراشره.
وقال وهب: أدب الاستماع سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل وذلك هو الاستماع لما يحب الله تعالى، وحذف الفاعل في {يُوحَى} [طه: 13] للعلم به ويحسنه كونه فاصلة فإنه لو كان مبنيًا للفاعل لم يكن فاصلة، والفاء في قوله تعالى: {فاعبدنى} لترتيب المأمور به على ما قبلها فإن اختصاص الألوهية به تعالى شأنه من موجبات تخصيص العبادة به عز وجل، والمراد بها غاية التذلل والانقياد له تعالى في جميع ما يكلفه به، وقيل: المراد بها هنا التوحيد كما في قوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] والأول أولى {وَأَقِمِ الصلاة} خصت الصلاة بالذكر وافردت بالأمر مع اندراجها في الأمر بالعبادة لفضلها وإنافتها على سائر العبادات بما نيطت به من ذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره، وقد سماها الله تعالى إيمانًا في قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إيمانكم} [البقرة: 143].
واختلف العلماء في كفر تاركها كسلًا كما فصل في محله، وقوله تعالى: {لِذِكْرِى} الظاهر أنه متعلق بأقم أي أقم الصلاة لتذكرني فيها لاشتمالها على الاذكار، وروي ذلك عن مجاهد، وقريب منه ما قيل أي لتكون لي ذاكرًا غير ناس فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم وتوكيل هممهم وأفكارهم به، وفرق بينهما بأن المراد بالإقامة على الأول تعديل الأركان، وعلى الثاني الإدامة وجعلت الصلاة في الأول مكانًا للذكر ومقره وعلته، وعلى الثاني جعلت إقامة الصلاة أي إدامتها علة لإدامة الذكر كأنه قيل أدم الصلاة لتستعين بها على استغراق فكرك وهمك في الذكر كقوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} [البقرة: 45].
وجوز أن يكون متعلقًا باعبدني أو بأقم على أنه من باب الأعمال أي لتكون ذاكرًا لي بالعبادة وإقامة الصلاة، وإذا عمم الذكر ليتناول القلبي والقالبي جاز اعتبار باب الأعمال في الأول أيضًا وهو خلاف الظاهر.
وقيل: المراد {أَقِمِ الصلاة لِذِكْرِى} خاصة لا ترائي بها ولا تشوبها بذكر غيري أو لإخلاص ذكرى وابتغاء وجهي ولا تقصد بها غرضًا آخر كقوله تعالى: {فَصَلّ لِرَبّكَ} [الكوثر: 2] أو لأن أذكرك بالثناء أي لأثنى عليك وأثيبك بها أو لذكري إياها في الكتب الإلهية وأمري بها أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلوات فاللام وقتية بمعنى عند مثلها في قوله تعالى: {ياليتنى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى} [الفجر: 24] وقولك: كان ذلك لخمس ليال خلون، ومن الناس من حمل الذكر على ذكر الصلاة بعد نسيانها، وروي ذلك عن أبي جعفر، واللام حينئذٍ وقتية أو تعليلية، والمراد أقم الصلاة عند تذكرها أو لأجل تذكرها والكلام على تقدير مضاف والأصل لذكر صلاتي أو يقال: إن ذكر الصلاة سبب لذكر الله تعالى فأطلق المسبب على السبب أو أنه وقع ضمير الله تعالى موقع ضمير الصلاة لشرفها أو أن المراد للذكر الحاصل مني فأضيف الذكر إلى الله عز وجل لهذه الملابسة، والذي حمل القائل على هذا الحمل أنه ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم نام عن صلاة الصبح فلما قضاها قال: «من نسي صلاة فليقضها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال: {أَقِمِ الصلاة لِذِكْرِى}» فظن هذا القائل أنه لو لم يحمل هذا الحمل لم يصح التعليل وهو من بعض الظن فإن التعليل كما في الكشف صحيح والذكر على ما فسر في الوجه الأول وأراد عليه الصلاة والسلام أنه إذا ذكر الصلاة انتقل من ذكرها إلى ذكر ما شرعت له وهو ذكر الله تعالى فيحمله على إقامتها، وقال بعض المحققين: إنه لما جعل المقصود الأصلي من الصلاة ذكر الله تعالى وهو حاصل مطلوب في كل وقت فإذا فاته الوقت المحدود له ينبغي المبادرة إليه ما أمكنه فهو من ءشارة النص لا من منطوقه حتى يحتاج إلى التمحل فافهم.
وإضافة {ذُكِرَ} إلى الضمير تحتمل أن تكون من إضافة المصدر إلى مفعوله وأن تكون من إضافة المصدر إلى فاعله حسب اختلاف التفسير.
وقرأ السلمي والنخعي وأبو رجاء {للذكرى} بلام التعريف وألف التأنيث، وقرأت فرقة {الصلاة لِذِكْرِى} بألف التأنيث بغير لام التعريف، وأخرى {لِلذّكْرِ} بالتعريف والتذكير. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}.
من عطف القصة أو استئناف. والقصد تقرير أمر التوحيد الذي انتهى إليه الآية قبله، ببيان أنه دعوى كل نبيّ لاسيما أشهرهم نبأ، وهو موسى عليه السلام. فقد خوطب بقوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} (14) وبه ختم تعالى نبأه في هذه السورة بقوله: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (98)، أو تقرير لسعة علمه المبين في قوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ} (7).. إلخ. لقوله بعدُ: {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} (98)، أولهما معًا. أو لحمله، صلوات الله عليه، على التأسي بموسى في الصبر والثبات. لكونه ابتلي بأَعظم من هذا فصبر، وكانت العاقبة له. وقد أشير في طليعة نبأ موسى عليه السلام، إلى كيفية ابتداء الوحي إليه، وتكليمه تعالى إياه. وذلك بعد أن قضى موسى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم. وصار بأهله قاصدًا بلاد مصر، بعد ما طالت غيبته عنها ومعه زوجته. فأضلّ الطريق. وكانت ليلة شاتية، ونزل منزلًا بين شعاب وجبال في برد وشتاء. وبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور نارًا، كما قصه تعالى بقوله: {إِذْ رَأى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} أي: أبصرتها إبصارًا بيّنًا لا شبهة فيه: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} أي: بشعلة مقتبسة تصطلون بها: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً} أي: هاديًا يدلني على الطريق.
{فَلَمَّا أَتَاهَا} أي: النار: {نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} أي فيجب فيه رعاية الأدب، بتعظيمه واحترامه لتجلي الحق فيه، كما يراعى أدب القيام عند الملوك وطُوىً: اسم للوادي.
{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} أي: اصطفيتك للنبوة: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} أي: للذي يوحي. أو للوحي. ثم بينه بقوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} أي: خصني بالعبادة: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} أي: لتذكرني فيها بقلبك ولسانك وسائر جوارحك، بأن تجعل حركاتها دالة على ما في القلب واللسان. قال أبو السعود: خصت الصلاة بالذكر وأفردت بالأمر بالعبادة، لفضلها وإنافتها على سائر العبادات، بما نيطت به من ذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره. وذلك قوله تعالى: {لِذِكْرِي} أي: لتذكرني. فإن ذكري كما ينبغي لا يتحقق إلا في ضمن العبادة والصلاة. أو لتذكرني فيها لاشتمالها على الأذكار. أو لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري. أو لإخلاص ذكري وابتغاء وجهي. لا ترائي بها، ولا تقصد بها غرضًا آخر. أو لتكون ذاكرًا لي غير ناس. انتهى. اهـ.