فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)}.
سؤال في صيغة الاستفهام والمراد منه التقرير والإثبات. وأجرى- تعالى- سُنَّتَه في كتابه أن يذكر قصة موسى عليه السلام في أكثر المواقع التي يذكر فيها حديث نبينا صلى الله عليه وسلم فيعقبه بذكر موسى عليه السلام.
{إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)}.
ألاح له النار حتى أخرجه من أهله يطلبها، وكان المقصودُ إخراجَه من بينهم، فكان موسى عليه السلام يدنو والنار تنأى، وقال لأهلِه:
{امْكُثُوا إِنِِّى ءَانَسْتُ نَارًا} فقال أهلُه: كيف تتركنا والوادي مسبع؟ فقال: لأجلِكُم أفارقكم؛ فلَعَلِّي آتيكم من هذه النار بقبس.
ويقال استولى على موسى عند رؤيته النار الانزعاجُ، فلم يتمالك حتى خرج. ففي القصة أنه لما أتاها وَجَدَ شجرةً تشتعل من أولها إلى آخرها، فجمع موسى عليه السلام حشائشَ ليأخذ من تلك النار، فعرف أن هذه النارلا تسمح نفْسُها بأَنْ تُعْطِي إلى أحدٍ شعلة:
وقَلَن لنا نحن الأَهِلَّةُ إنما ** نضيءُ لِمَنْ يَسْرِي بليلٍ ولا نُقْرِي

يا موسى هذه النارُ تضيءُ ولكن لا تعطي لأحدٍ منها شعلة. يا موسى هذه النارُ تحرق القلوبَ لا النفوس.
ويقال كان موسى عليه السلام في مزاولة قَبسٍ من النار فكان يحتال كيف يأخذ منها شيئًا، فبينما هو في حالته إذ سمع النداءَ من الحقِّ.
{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)}.
علم موسى أنه كلام الحق- سبحانه- لَمَّا سَمِعَ فيه الترتيبَ والتنظيمَ والتركيب، فَعَلِمَ أنه خطاب الحق.
ويقال إنما عرف موسى عليه السلام أنه كلامُ الله بتعريفٍ خصَّه الحق- سبحانه- به من حيث الإلهام دون نوع من الاستدلال.
قوله: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} فإِن بِسَاطَ حضرةِ الملوكِ لا يُوطَأُ بِنَعْلٍ.
ويقال ألقِ عصاك يا موسى واخلع نعليك، وأَقِمْ عندنا هذه الليلةَ ولا تَبْرَحْ ويقال الإشارة في الأمر بخلع النعلين تفريغ القلب من حديث الدارَيْن، والتجرد للحقِّ بنعت الانفراد.
ويقال: {اخلع نعليك}: تَبَرَّأْ عن نَوْعَيْ أفعالك، وامْحُ عن الشهود جنْسَيْ أحوالِك من قربٍ وبُعْدٍ، ووَصْلٍ وفَصْلٍ، وارتياح واجتياح، وفناء وبقاء.... وكُنْ بوصفنا؛ فإٍنما أنت بحقنا.
أَثْبَتَه في أحواله حتى كان كالمجرد عن جملته، المُصْطَلَم عن شواهده.
قوله: {إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوىً}: أي إنك بالوادي المقدس عن الأعلال؛ وساحاتُ الصمدية تَجِلُّ عن كل شيْن، وإيمانٍ وزَيْن؛ عن زَيْنٍ بإحسان وشَيْنٍ بعصيان؛ لأنَّ للربوبية سَطَعَاتِ عِزِّ تقهر كل شيء.
{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)}.
وعلى علمٍ مني بك اصطفيتكُ، وجَرَّدْتُكَ ونقيتك عن دَنَسِ الأوهام وكلّ ما يُكَدِّرُ صَفْوَك.
ويقال بعدما اخترتُك فأنت لي وبي، وأنت محو في فنائك عنك.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لآَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِى}.
تقدَّسْتُ عن الأعلال في أَزلي، وتنزهت (...) والأشكال باستحقاقي لجلالي وجمالي.
ويقال: {لآَ إِلَهَ إلاَّ أَنَا}: الأغيار في وجودي فَقْدٌ، والرسومُ والأطلالُ عند ثبوتِ حقي محوٌ.
قوله: {فَاعْبُدْنِى}: أي تَذَلَّلْ لِحُكْمي، وأنفِذْ أمري، واخضعْ لجبروتِ سلطاني.
قوله جلّ ذكره: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى}.
اقامتُها من غير ملاحظة مُجْرِيها ومُنْشِيها يُورِث الإعجاب. وإذا أقام العبدُ صلاتَه على نعت الشهود والتحقق بأن مجريها غيره كانت الصلاة بهذا فتحًا لباب المواصلة. والوقوف على محل النجوى، والتحقق بخصائص القرب والزلفة. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى: {وأقم الصلاة لذكري}.
قيل المصدر مضاف إلى الفاعل أي لأذكرك بها وقيل مضاف إلى المذكور أي لتذكروني بها واللام على هذا لام التعليل وقيل: هي اللام الوقتية أي أقم الصلاة عند ذكري كقوله: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} وقوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} وهذا المعنى المراد بالآية لكن تفسيرها به يجعل معناها فيه نظر لأن هذه اللام الوقتية يليها أسماء الزمان والظروف والذكر مصدر إلا أن يقدر زمان محذوف أي عند وقت ذكري وهذا محتمل، والأظهر أنها لام التعليل أي أقم الصلاة لأجل ذكري ويلزم من هذا أن تكون إقامتها عند ذكره وإذا ذكر العبد ربه فذكر الله تعالى سابق على ذكره فإنه لما ذكره ألهمه ذكره فالمعاني الثلاثة حق. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)}.
أخرج ابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما أنزل عليه الوحي، كان يقوم على صدور قدميه إذا صلى، فأنزل الله: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}.
وأخرج ابن مردويه وابن جرير، عن ابن عباس قال: قالوا لقد شقي هذا الرجل بربه، فأنزل الله: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}.
وأخرج ابن عساكر، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا قام من الليل يربط نفسه بحبل؛ كي لا ينام فأنزل الله عليه {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}.
وأخرج عبد بن حميد، عن مجاهد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يربط نفسه، ويضع إحدى رجليه على الأخرى، فنزلت: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}.
وأخرج ابن مردويه، عن علي رضي الله عنه قال: لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلًا} [المزمل: 1] قام الليل كله حتى تورمت قدماه، فجعل يرفع رجلًا، ويضع رجلًا، فهبط عليه جبريل، فقال: {طه} يعني: الأرض بقدميك يا محمد {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} وأنزل {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن}.
وأخرج البزار بسند حسن، عن علي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يراوح بين قدميه، يقوم على كل رجل، حتى نزلت {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر، عن الربيع بن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى، فأنزل الله {طه} يعني طأ الأرض يا محمد، {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}.
وأخرج ابن مردويه، عن بان عباس في قوله: {طه} قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما قرأ القرآن إذا صلى، قام على رجل واحدة، فأنزل الله {طه} برجليك {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الضحاك قال: لما أنزل الله القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم قام به وأصحابه، فقال له كفار قريش: ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى به. فأنزل الله {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، عن ابن عباس في قوله: {طه} قال: يا رجل.
وأخرج الحارث بن أبي أسامة وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {طه} بالنبطية أي {طا} يا رَجُل.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {طه} بالنبطِيَّةِ أي {طا} يا رجل.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {طه} قال: هو كقولك يا رجل.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن عكرمة قال: {طه} يا رجل بالنبطية.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: {طه} بالنبطية يا رجل.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك قال: {طه} يا رجل بالنبطية.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس قال: {طه} يا رجل. بالسريانية.
وأخرج الحاكم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {طه} قال: هو كقولك يا محمد بلسان الحبش.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {طه} قال: هو كقولك يا رجل: بلسان الحبشة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي صالح في قوله: {طه} قال: كلمة عربت.
وأخرج عن مجاهد، قال: {طه} فواتح السور.
وأخرج عن محمد بن كعب {طه} قال: الطاء من ذي الطول.
وأخرج ابن مردويه، عن أبي الطفيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي عشرة أسماء عند ربي قال أبو الطفيل: حفظت منها ثمانية: محمد وأحمد وأبو القاسم والفاتح والخاتم والماحي والعاقب والحاشر، وزعم سيف أن أبا جعفر قال: الاسمان الباقيان {طه} ويس.
وأخرج ابن مردويه والحاكم وصححه، عن زر قال: قرأ رجل على ابن مسعود {طه} مفتوحة فأخذها عليه عبدالله {طه} مكسورة فقال له الرجل: إنها بمعنى ضع رجلك. فقال عبد الله: هكذا قرأها النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا أنزلها جبريل.
وأخرج ابن عساكر، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: أول سورة تعلمتها من القرآن {طه} وكنت إذا قرأت {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا شقيت يا عائش».
وأخرج البيهقي في الدلائل، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله: {طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} وكان يقوم الليل على رجليه فهي لغة لعك إن قلت لعكي يا رجل، لم يلتفت وإذا قلت {طه} التفت إليك.
وأخرج عبد بن حميد، عن عروة بن خالد- رضي الله عنه- قال: سمعت الضحاك، وقال رجل من بني مازن بن مالك: ما يخفى علي شيء من القرآن، وكان قارئًا للقرآن شاعرًا. فقال له الضحاك: أنت تقول ذلك؟ أخبرني ما {طه}؟ قال: هي من أسماء الله الحسنى. نحو: طسم، وحم، فقال الضحاك: إنما هي بالنبطية يا رجل.
وأخرج ابن المنذر وابن مسعود، عن ابن عباس قال: {طه} قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} يقول: في الصلاة هي مثل قوله: {فاقرؤوا ما تيسر منه} [المزمل: 20] قال: وكانوا يعلقون الحبال بصدروهم في الصلاة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} يا رجل {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى} لا والله، ما جعله الله شقيًا، ولكن جعله الله رحمة ونورًا ودليلًا إلى الجنة {إلا تذكرة لمن يخشى} قال: إن الله أنزل كتابه وبعث رسله رحمة رحم بها العباد لِيذْكُر ذاكر وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله، وهو ذكر أنزله الله، فيه حلاله وحرامه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب {وما تحت الثرى} ما تحت سبع أرضين.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة قال: {الثرى} كل شيء مبتل.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي: {وما تحت الثرى} قال: هي الصخرة التي تحت الأرض السابعة، وهي صخرة خضراء، وهو سجين الذي فيه كتاب الكفار.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الضحاك قال: الثرى ما حفر من التراب مبتلًا.
وأخرج أبو يعلى عن جابر بن عبدالله: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل، ما تحت هذه الأرض؟ قال: الماء. قيل: فما تحت الماء؟ قال: ظلمة. قيل: فما تحت الظلمة؟ قال: الهواء. قيل: فما تحت الهواء؟ قال: الثرى. قيل: فما تحت الثرى؟ قال: انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق.
وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبدالله قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، إذ عارضنا رجل مترجب- يعني طويلًا- فدنا من النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بخطام راحلته فقال: أنت محمد؟ قال: نعم. قال: إني أريد أن أسألك عن خصال لا يعلمها أحد من أهل الأرض، إلا رجل أو رجلان؟ فقال: سل عما شئت. قال: يا محمد، ما تحت هذه؟- يعني الأرض- قال: خلق. قال: فما تحتهم؟ قال: أرض. قال: فما تحتها؟ قال: خلق؟ قال: فما تحتهم؟ قال: أرض، حتى انتهى إلى السابعة. قال: فما تحت السابعة؟ قال: صخرة. قال: فما تحت الصخرة؟ قال: الحوت. قال: فما تحت الحوت؟ قال: الماء. قال: فما تحت الماء؟ قال: الظلمة. قال: فما تحت الظلمة؟ قال: الهواء. قال: فما تحت الهواء؟ قال: الثرى. قال: فما تحت الثرى؟ ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء؟ فقال: انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق أيها السائل، ما المسؤول بأعلم من السائل. قال: صدقت، أشهد أنك رسول الله يا محمد، أما إنك لو ادعيت تحت الثرى شيئًا، لعلمت أنك ساحر كذاب، أشهد أنك رسول الله، ثم ولى الرجل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، هل تدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا جبريل».