فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واختار هذا النحاس، وقال أبو عليّ الفارسي: هو من باب السلب وليس من الأضداد، ومعنى أخفيها: أزيل عنها خفاءها، وهو سترها، ومن هذا قولهم: أشكيته، أي أزلت شكواه.
وحكى أبو حاتم عن الأخفش أن أكاد زائدة للتأكيد، قال: ومثله {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40]، ومثله قول الشاعر:
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه ** فما أن يكاد قرنه يتنفس

قال: والمعنى: أكاد أخفيها؛ أي أقارب ذلك، لأنك إذا قلت: كاد زيد يقوم، جاز أن يكون قام وأن يكون لم يقم، ودلّ على أنه قد أخفاها بدلالة غير هذه الآية على هذا.
وقوله: {لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى} متعلق بآتية، أو بأخفيها، و{ما} مصدرية، أي لتجزى كل نفس بسعيها. والسعي وإن كان ظاهرًا في الأفعال، فهو هنا يعمّ الأفعال والتروك؛ للقطع بأن تارك ما يجب عليه معاقب بتركه مأخوذ به.
{فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا} أي لا يصرفنك عن الإيمان بالساعة، والتصديق بها، أو عن ذكرها ومراقبتها {مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا} من الكفرة، وهذا النهي وإن كان للكافر بحسب الظاهر، فهو في الحقيقة نهي له صلى الله عليه وسلم عن الانصداد، أو عن إظهار اللين للكافرين فهو من باب: لا أرينك ها هنا، كما هو معروف.
وقيل: الضمير في: {عنها} للصلاة وهو بعيد، وقوله: {واتبع هَوَاهُ} معطوف على ما قبله، أي من لا يؤمن، ومن اتبع هواه أي هوى نفسه بالانهماك في اللذات الحسية الفانية {فتردى} أي فتهلك؛ لأن انصدادك عنها بصدّ الكفارين لك مستلزم للهلاك ومستتبع له.
وقد أخرج ابن المنذر وابن مردويه، والبيهقي في الشعب، وابن عساكر عن ابن عباس؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أوّل ما نزل عليه الوحي كان يقوم على صدر قدميه إذا صلى، فأنزل الله: {طه مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرءان لتشقى}.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه قال: قالوا لقد شقي هذا الرجل بربه، فأنزل الله هذه الآية.
وأخرج ابن عساكر عنه أيضًا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يربط نفسه بحبل لئلا ينام، فأنزل الله هذه الآية.
وأخرج البزار عن عليّ قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يراوح بين قدميه يقوم على كل رجل حتى نزلت: {مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرءان لتشقى} وحسن السيوطي إسناده.
وأخرج ابن مردويه عنه أيضًا بأطول منه.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما قرأ القرآن إذا صلى، فقام على رجل واحدة، فأنزل الله: {طه} برجليك فما أنزلنا عليك القرآن لتشقى.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنه في قوله: {طه} قال: يا رجل.
وأخرج الحارث بن أبي أسامة وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: {طه} بالنبطية، أي طأ يا رجل.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضًا قال: هو كقولك: اقعد.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه قال: {طه} بالنبطية: يا رجل.
وأخرج ابن جرير عنه قال: {طه}: يا رجل بالسريانية.
وأخرج الحاكم عنه أيضًا قال: {طه} هو كقولك: يا محمد بلسان الحبش.
وفي هذه الروايات عن ابن عباس اختلاف وتدافع.
وأخرج ابن مردويه عن أبي الطفيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لي عند ربي عشرة أسماء» قال أبو الطفيل: حفظت منها ثمانية: محمد، وأحمد، وأبو القاسم، والفاتح، والخاتم، والماحي، والعاقب، والحاشر.
وزعم سيف أن أبا جعفر قال له الاسمان الباقيان: طه ويس.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {طه مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرءان لتشقى} قال: يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، وكان يقوم الليل على رجليه فهي لغة لعك إن قلت لعكي: يا رجل، لم يلتفت، وإذا قلت طه، التفت إليك.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: {طه} قسم أقسم الله به، وهو من أسمائه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَمَا تَحْتَ الثرى} قال: الثرى: كل شيء مبتل.
وأخرج أبو يعلى عن جابر: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل ما تحت هذه الأرض؟ قال: «الماء، قيل: فما تحت الماء؟ قال: ظلمة قيل: فما تحت الظلمة؟ قال: الهواء قيل: فما تحت الهواء؟ قال: الثرى قيل: فما تحت الثرى؟ قال: انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق» وأخرج ابن مردويه عنه نحوه بأطول منه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: و{يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى} قال: السرّ ما أسرّه ابن آدم في نفسه، وأخفى: ما خفي عن ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعمله، فإنه يعلم ذلك كله فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد وجميع الخلائق عنده في ذلك كنفس واحدة وهو كقوله: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحدة} [لقمان: 28].
وأخرج الحاكم وصححه عنه في الآية قال: السرّ: ما علمته أنت، وأخفى: ما قذف الله في قلبك مما لم تعلمه.
وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وأبو الشيخ في العظمة، والبيهقي بلفظ: يعلم ما تسرّ في نفسك ويعلم ما تعمل غدًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النار هُدًى} يقول: من يدلّ على الطريق.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عليّ في قوله: {فاخلع نَعْلَيْكَ} قال: كانتا من جلد حمار ميت فقيل له: اخلعهما.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {إِنَّكَ بالواد المقدس} قال المبارك: {طوى} قال: اسم الوادي.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه {بالواد المقدس طُوًى} يعني: الأرض المقدسة، وذلك أنه مرّ بواديها ليلًا فطوى يقال: طويت وادي كذا وكذا.
وأخرج ابن جرير عنه أيضًا في قوله: {طُوًى} قال: طإ الوادي.
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أنس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله قال: {أَقِمِ الصلاة لِذِكْرِى}» وأخرج الترمذي وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله قال: {أَقِمِ الصلاة لِذِكْرِي}» وكان ابن شهاب يقرؤها: {للذكرى}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} قال: لا أظهر عليها أحدًا غيري.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} من نفسي. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15]، وفي سورة غافر: {إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا} [غافر: 59]، للسائل أن يسأل عن تخصيص آية طه بقوله في وصف الساعة: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} ووصفها في سورة غافر بقوله: {لَا رَيْبَ فِيهَا}؟ فهذان سؤالان.
والجواب عن الأول منهما: أن آية طه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، يتضمن تأنيسه وتسليته عن حال كفار قريش في {توقفهم عن} الإيمان، فافتتحت السورة بأجل التأنيس وهو قوله تعالى مبشرًا لنبيه، عليه السلام، مقسمًا على ذلك: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 2]، ثم تابع التعريف بتعظيم الكتاب، وذكر منزلته سبحانه وتعالى بما انفرد فيه من ملك السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، ووصفه بأنه يعلم السر وأخفى، وانفراده بأسمائه الحسنى، ثم عرف نبيه صلى الله عليه وسلم بابتداء أمر موسى، عليه السلام، إلى قوله: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15] تعريفًا بعظيم خفاء أمر الساعة وتغيب كنهها عن الخلق حتى كأن أمرها لم يخبر عنه ولا وقع تعريف بشيء منه، فهو إخبار بفرط إخفاء أمرها، وذلك إعلام بوصف وحال من قد تقرر بوقوعها يقينه، وانطوى على علم كيانها إيمانه، ولما كان هذا الخطاب والتعريف لمن جرى ذكره من تنزهه صلى الله عليه وسلم عن الارتياب في أمر الساعة، لم يحتج إلى نفي الريب، إذ مقام النبوى في الإيمان بها المقام الذي لا يداني، فلم يكن نفي الارتياب ليلائم ولا يناسب، وإنما عرفوا بحال وصف تابع.
أما آية غافر، في أكثر الخطاب المتقدم قبلها، من أول السورة إليها، خطاب لقريش وسائر كفار العرب. وهم المجادلون في أمر الساعة، والجاهلون بكيانها، والقائلون: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [المؤمنون: 37]، فقدم لهم قبل ذكر الآيات قوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} (غافر: 57)، فذكروا بما لا يمكن لأحد من المخلوقين إلا الاعتراف بعظيم أمره والعجز عنه، وهو بدخول اللام ونفي الريب في ذلك، وذلك أوضح شيء في المناسبة، فكل من الآيتين وارد على أتم مناسبة، ولا يمكن أن يقع الوارد في سورة غافر في سورة طه. ولا الوارد في سورة طه في سورة غافر، والله أعلم بما أراد.
والجواب عن الثاني: أن آية طه وردت أثناء خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتأنيس والتسلية عما يلقاه من مكابدة قريش وسائر كفار العرب، وتعريفه بما جرى لموسى، عليه السلام، وظهوره على فرعون، فلم يكن ليناسب ذلك تأكيد الخبر عن أمر الساعة، إذ هو، عليه السلام، من أمرها على أوضح الجادة.
أما آية غافر فإن قبلها تعنيفًا لكفار من قريش وغيرها، وعلى ذلك استمرت الآيات من أول السورة إلى قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} [غافر: 56]، إلى قوله: {قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ} [غافر: 58]، فناسب ذلك من حالهم تأكيد الإخبار عن إتيان الساعة بدخول اللام، وصيرورة الآية بذلك في قوة المقيس عليه تحقيقًا للأمر وتأكيدًا لما في طي ذلك من وعيدهم بسوء مآلهم، فورد كل من الآيتين على ما يناسب، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)}.
الفائدة في تعريف العِباد بِقُرْب الساعةِ أن يستفيقوا من غفلات التفرقة، فإذا حضروا بقلوبهم- ففي حال استدامة الذكر- فما هو موعودٌ في الآجل أكثره للحاضرين موجودٌ في العاجل؛ والحاضرة لهم كالآخرة. وكذلك جعلوا من أمارات الاستقامة شهودَ الوقتِ قيامة.
{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)}.
إذا أكرمه الّلَهُ بحُسْنِ التنبيه، وأحضره بنعت الشهود فلا ينبغي أن ينزل عن سماء صفاته إلى جحيم أهل الغفلة في تطوحهم في أودية التفرقة. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا}.
هذه الآية الكريمة يتوهم منها أنه جل وعلا لم يخفها بالفعل ولكنه قارب أن يخفيها؛ لأن كاد فعل مقاربة.
وقد جاء في آيات أخر التصريح بأنه أخفاها كقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن المراد بمفاتح الخمس المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية.
وكقوله: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} وقوله: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} إلى غير ذلك من الآيات.
والجواب من سبعة أوجه:
الأول: وهو الراجح، أن معنى الآية أكاد أخفيها من نفسي أي لو كان ذلك يمكن وهذا على عادة العرب؛ لأن القرآن نزل بلغتهم والواحد منهم إذا أراد المبالغة في كتمان أمر قال كتمته من نفسي أي لا أبوح به لأحد، ومنه قول الشاعر:
أيام تصحبني هند وأخبرها ** ما كدت أكتمه عني من الخير

ونظير هذا من المبالغة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».
وهذا القول مروي عن أكثر المفسرين، وممن قال به ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو صالح كما نقله عنهم ابن جرير وجعفر الصادق كما نقله عنه الألوسي في تفسيره ويؤيد هذا القول أن في مصحف أُبيّ: {أكاد أخفيها من نفسي} كما نقله الألوسي وغيره وروى ابن خالويه أنها في مصحف أبي كذلك بزيادة {فكيف أظهركم عليها} وفي بعض القراءات بزيادة {فكيف أظهرها لكم} وفي مصحف عبد الله ابن مسعود بزيادة {فكيف يعلمها مخلوق} كما نقله الألوسي وغيره.
الوجه الثاني: أن معنى الآية أكاد أخفيها أي أخفي الأخبار بأنها آتية والمعنى أقرب أن أترك الأخبار عن إتيانها من أصله لشدة إخفائي لتعيين وقت إتيانها.
الوجه الثالث: أن الهمزة في قوله: {أخفيها} هي همزة السلب لأن العرب كثيرا ما تجعل الهمزة أداة لسلب الفعل كقولهم شكا إلي فلان فأشكيته أي أزلت شكايته وقولهم عقل البعير فأعقلته أي أزلت عقاله وعلى هذا فالمعنى أكاد أخفيها أي أزيل خفاءها بأن أظهرها لقرب وقتها كما قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}.
الآية.
وهذا القول مروي عن أبي علي كما نقله عنه الألوسي في تفسيره ونقله النيسابوري في تفسيره عن أبي الفتح الموصلي ومنه قول امرئ القيس ابن عابس الكندي:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه ** وإن تبعثوا الحرب لا نقعد

على رواية ضم النون من لا نخفه وقد نقل ابن جرير في تفسير هذه الآية عن معمر بن المثنى أنه قال: أنشدنيه أبو الخطاب عن أهله في بلده بضم النون من لا نخفه ومعناه لا نظهره أما على الرواية المشهورة بفتح النون من لا نخفه فلا شاهد في البيت إلا على قراءة من قرأ أكاد أخفيها بفتح الهمزة وممن قرأ بذلك أبو الدرداء وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وحميد وروي مثل ذلك عن ابن كثير وعاصم وإطلاق خفاه يخفيه بفتح الياء بمعنى أظهره إطلاق مشهور صحيح إلا أن القراءة به لا تخلو من شذوذ ومنه البيت المذكور على رواية فتح النون وقول كعب بن زهير أو غيره:
داب شهرين ثم شهرا دميكا ** باريكين يخفيان غميرا

أي يظهرانه.
وقول امرئ القيس:
خفاهن من إنفاقهن كأنما ** خفاهن ودق من عشى مجلب

الوجه الرابع: أن خبر كاد محذوف والمعنى على هذا القول أن الساعة آتية أكاد أظهرها فحذف الخبر ثم ابتدأ الكلام بقوله: {أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}، ونظير ذلك من كلام العرب قول ضابئي ابن الحرث البرجمي:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ** تركت على عثمان تبكي حلائله

يعني وكدت أفعل.
الوجه الخامس: أن كاد تأتي بمعنى أراد وعليه فمعنى أكاد أخفيها أريد أن أخفيها وإلى هذا القول ذهب الأخفش وابن الأنباري وأبو مسلم كما نقله عنهم الألوسي وغيره قال ابن جني في المحتسب ومن مجيء كاد بمعنى أراد قول الشاعر:
كادت وكدت وتلك خير إرادة ** لو عاد من لهو الصبابة ما مضى

كما نقله عنه الألوسي.
وقال بعض العلماء أن من مجيء كاد بمعنى أراد قوله تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} أي أردنا له كما ذكره النيسابوري وغيره ومنه قول العرب لا أفعل كذا ولا أكاد أي لا أريد كما نقله بعضهم.
الوجه السادس: أن كاد من الله تدل على الوجوب كما دلت عليه عسى في كلامه تعالى نحو {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} أي هو قريب وعلى هذا فمعنى أكاد أخفيها أنا أخفيها.
الوجه السابع: أن كاد صلة وعليه فالمعنى أن الساعة آتية أخفيها لتجزى الآية.
واستدل قائل هذا القول بقول زيد الخيل:
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه ** فما أن يكاد قرنه يتنفس

أي فما يتنفس قرنه.
قالوا: ومن هذا القبيل قوله تعالى: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} أي لم يرها وقول ذي الرمة:
إذا غير النأي المحبين لم يكد ** رسيس الهوى من حب مية يبرج

أي لم يبرح على قول هذا القائل، قالوا ومن هذا المعنى قول أبي النجم:
وإن أتاك نعي فاندبن أبا ** قد كاد يطلع الأعداء والخطبا

أي قد اطلع الأعداء.
وقد قدمنا أن أرجح الأقوال الأول والعلم عند الله تعالى. اهـ.