فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه: 24-36]، وفي سورة الشعراء: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} [الشعراء: 10-14]، وفي سورة القصص: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص: 32-35] إلى قوله: {وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص: 35]. للسائل أن يسأل عن اختلاف المحكي من قول موسى، عليه السلام، حين بعث إلى فرعون مع اتحاد القضية في السور الثلاث وقد وقع في كل سورة منها ما ليس في الأخرى، فيسأل عن هذا؟ وعن وجه اختصاص كل سورة بما ورد فيها؟
والجواب عن السؤال الأول: أن قول موسى، عليه السلام، لا توقف في أنه لم ترد حكايته إلا بالمعنى لاختلاف اللسانين كما تقدم، وإذا تقرر كونها بالمعنى، والترادف فيما بين اللغتين في كل لفظتين يراد بهما معنى واحد غير مطرد، فلا إشكال في أن المعنى قد يتوقف حصوله على الكمال على تعبيرين أو أكثر، لاسيما مع ما في اللسان العربي من الاشتراك والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والحقيقة والمجاز وغير ذلك من عوارض الألفاظ، فكيف ينكر اختلاف التعبير عن المعنى الواحد بألفاظ وعبارات مختلفة، بل نقول إنه لو كان المحكي قولًا عربيًا وحكي بالمعنى لما استنكر اختلاف العبارة، فكيف مع اختلاف اللسانين؟ والحاصل من قول موسى، عليه السلام، في هذه السور الثلاث سؤاله ربه شرح صدره وتيسير أمره وإطلاق لسانه وتشكيه منه والتعاون بأخيه هارون، عليهما السلام، وخوفه أن يكذب وذكره ما تقدم منه من قتل القبطي، على هذه القضيات السبع دار المحكي من كلامه، عليه السلام، وقد يرد في سورة منها بعض ذلك مما ليس في الأخرى، ولم يتعارض شيء من ذلك، فارتفع الإشكال المتوهم جملة.
والجواب عن السؤال الثاني: أن الوارد في سورة طه من قوله: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: 25] إلى أن قيل له: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه: 36] مناسب لما بينت عليه السورة من التأنيس والبشارة لنبينا صلى الله عليه وسلم من لدن افتتاحها بقوله: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 2] إلى ختامها بقوله لنبيه عليه السلام: {لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه: 132] وقوله تهديدًا ووعيدًا لأعداء نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا} [طه: 135]، ولا توقف في بيان هذا التناسب.
وأما سورة الشعراء وسورة القصص فإنما بناؤها على قصص موسى عليه السلام، أما الشعراء فمبينة على ابتداء الرسالة ودعائه فرعون ومراجعة إياه إلى نجاة بني إسرائيل وإغراق فرعون، وأما سورة القصص فمبينة على ابتداء امتحان بني إسارئيل بذبح الأبناء واستحياء النساء للخدمة والمهنة، وتخليص موسى، عليه السلام، من ذلك، وتكفل الله سبحانه من ابتداء ونشأة، إلى توجهه إلى مدين ورجوعه من عند شعيب، عليهما السلام، إلى ما تخلل ذلك وما أعقبت به، إلى أخذ فرعون وهلاكه، ولما كانت سورة الشعراء مذكورًا فيها قصص الرسل مع أممهم ابتداء واختتامًا فيما يخص حال الرسالة، إلى أخذ كل طائفة بما أخذت به، خصت من قصص موسى، عليه السلام، بما يلائم دعاء ومحاورة، إلى أخذ فرعون وملئه.
ولما كان قوله تعالى في سورة القصص: {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} (القصص: 3) تأنيسًا وتنبيهًا لنبينا صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120]، وفي آخر السورة الإفصاح من هذا التأنيس برجوعه إلى مكة بعد أن أخرج عنها، عليها السلام، مهاجرًا لأجل قومه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85]، ناسب ذلك من قصص موسى، عليه السلام، خروجه إلى مدين ورجوعه إلى مصر، فتناسب هذا أكمل مناسبة في السور الثلاث، وإذا عتبر ذلك علم أنه لا يناسب كل سورة من الثلاث إلا ما خصت به، والله أعلم بما أراد. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)}.
بعدما أسمعه كلامه من غير واسطة، وشَرَّفَ مقامَه، وأَجْزَلَ إكرامَه أَمَرَه بالذهاب ليدعوَ فرعونَ إلى الله- مع عِلْمِه بأنه لا يؤمن ولا يجيب ولا يسمع ولا يَعْرِف- فشَقَّ على موسى ذهابُه إلى فرعون، وسماعُ جْحدِه منه، بعد ما سمع من الله كلامه سبحانه، ولكنه آثر أَمْرَ محنته على مرادِ نفسه.
ويقال لمَّا أَمَرَه بالذهاب إلى فرعونَ سأل اللَّهَ أُهْبَةَ النَّقْلِ وما به يتمُّ تبليغ ما حمل من الرسالة، ومن ذلك قوله: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25)}.
ليُعْلَمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ التكليفِ التَّمَكُّنَ مِنْ اَداءِ المأمور به.
ويقال إن موسى لما أَخَذَ في المخاطبة مع الله كاد لا يسكت من كثرة ما سأله فظل يدعو: {رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى وَيَسِّرْ لِىَ أَمْرِى} وهكذا إلى آخر الآيات والأسئلة.
قوله: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى}: حتى أُطِيقَ أنْ أَسمعَ كلامَ غيرك بعدما سَمِعْتُ منك {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِسَانِى}: حتى ينطلقَ بمخاطبة غيرك، وقَوِّني حتى أرُدُّ... بِكَ لا بي.
{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)}.
سَأَلَ أنْ يَصْحَبَ أخاه معه، ولما ذهب لسماع كلام الله حين قال تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 143] كان بمفرده، لأن الذهاب إلى الخَلْق يوجِب الوحشةَ؛ فَطَلَبَ من أخيه الصحبة ليُخَفِّفَ عليه كلفة المشقة.
ويقال إن المحبةَ توجِبُ التجرُّدَ والانفراد وألا يكونَ للغيرِ مع المحبِّ مساغ؛ ففي ذهابه إلى فرعون استصحب أخاه، ولمَّا كان الذهابُ إلى الميقاتِ لم يكن للغيرِ سيلٌ إلى صحبته، إذ كان المقصود من ذهابِه أن يكونَ مخصوصًا بحاله.
{كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)}.
بين أن طَلَبَه مُشاركةَ أخيه له بحقِّ ربه لا بحظِّ نَفْسِه حيث قال: {كَىْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا}. اهـ.

.قال السبكي:

قَوْله تعالى حِكَايَةً عَنْ مُوسَى {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَى {كُنْت} فِي الْأَزَلِ وَلَمْ تَزَلْ، فَأَنْتَ تَعْلَمُ مُبْتَدَأَ أَمْرِنَا وَتَفَاصِيلِهِ كُلِّهَا مِنْ أَوَّلِ عُمْرِنَا إلَى آخِرِهَا. بَصِيرٌ بِهَا لَا يَخْتَصُّ عِلْمُك بِالْوَقْتِ الْحَاضِرِ. فَهَذِهِ فَائِدَةُ إدْخَالِ {كَانَ} وَقوله: {بِنَا} أَيْ بِي وَبِأَخِي هَارُونَ.
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: أَحَدُهَا تَعْلَمُ أَنَّا نُسَبِّحُك كَثِيرًا وَنَذْكُرُك كَثِيرًا وَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا وَإِنَّا لَمْ نَزَلْ كَذَلِكَ فِي الْمَاضِي فَكَذَلِكَ نَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُمَا نَبِيَّانِ مَعْصُومَانِ؛ فَحَسَنٌ مِنْهُمَا ذَلِكَ.
وَالثَّانِي تَعْلَمُ أَنَّا مُتَعَاوِنَانِ مُتَعَاضِدَانِ وَأَنَّ الْأُخُوَّةَ الَّتِي بَيْنَنَا وَالتَّعَاضُدَ وَالتَّعَاوُنَ بِتَوْفِيقِك لَنَا.
وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ تَوَسُّلًا بِمَا عَلِمَ مِنْ حَالَيْهَا وَالثَّالِثُ تَعْلَمُ ذَوَاتِنَا وَصِفَاتِنَا فَلَا تَخْفَى عَلَيْك خَافِيَةٌ؛ فَأُمُورُنَا مُفَوَّضَةٌ إلَيْك وَنَحْنُ نَسْأَلُك ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ تَفْوِيضًا مِنْهُمَا وبَصِير فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَبْلُغُ مِنْ عَلِيمٍ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْمُشَاهَدَةِ وَكَذَا اُسْتُعْمِلَ فِي قَوْلِ {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} وَمَعْنَاهُ مُشَاهِدٌ وَحَالِ غَيْرِي فَتَقِينِي مَكْرَهُمْ.
وَانْظُرْ كَيْفَ أَتَى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، فَهَاهُنَا قال: {بِالْعِبَادِ} وَفِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قال: {بِنَا} وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إلَيْهِ مِنْ مَعْنَى التَّفَوُّضِ إلَيْهِ وَمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ.
وَلَمْ يَقُلْ بَصِيرٌ بِي وَذَلِكَ مِنْ كَمَالِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تعالى؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ لَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ تَعْرِيضٌ بِكَمَالٍ مُوجِبٍ لِلْإِجَابَةِ.
وَقَدَّمَ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى لِيَبْدَأَ بِمَحِلِّ السُّؤَالِ؛ وَهُوَ مُوسَى وَهَارُونُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِمَا بِالضَّمِيرِ، فَهُوَ خَاصٌّ فَلِذَلِكَ قَدَّمَ بَيَانًا لِلْمُرَادِ وَكَانَ تَقْدِيمُهُ هُنَاكَ لِلِاهْتِمَامِ، وَلَيْسَ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ تَقْدِيمَ الْمَجْرُورِ لِلِاخْتِصَاصِ لِأَنَّهُ تعالى بَصِيرٌ بِكُلِّ أَحَدٍ، وَأَخَّرَ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي}.
لا يخفى أنه من سؤل موسى الذي قال له ربه أنه آتاه إياه بقوله: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} وذلك صريح في حل العقدة من لسانه، وقد جاء في بعض الآيات ما يدل على بقاء شيء من الذي كان بلسانه كقوله تعالى عن فرعون: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}.
وقوله تعالى عن موسى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ} الآية.
والجواب أن موسى- عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- لم يسأل زوال ما كان بلسانه بالكلية وإنما سأل زوال القدر المانع من أن يفقهوا قوله كما يدل عليه قوله: {يَفْقَهُوا قَوْلِي}.
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} ما نصه: وما سأل أن يزول ذلك بالكلية بل بحيث يزول العي ويحصل لهم فهم ما يريد منه وهو قدر الحاجة ولو سأل الجميع لزال، ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة ولهذا بقيت بقية، قال تعالى إخبارا عن فرعون أنه قال: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} أي يفصح بالكلام.
قال الحسن البصري: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} قال: حل عقدة واحدة ولو سأل أكثر من ذلك أعطى وقال ابن عباس: شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه؛ فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون ردءا له ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه فأتاه سؤله فحل عقدة من لسانه، وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن عمر بن عثمان حدثنا بقية عن أرطأة بن المنذر حدثني بعض أصحاب محمد بن كعب عنه قال: أتاه ذو قرابة له فقال له: ما بك بأس لولا أنك تلحن في كلامك ولست تعرب في قراءتك فقال القرظي: يا ابن أخي ألست أفهمك إذا حدثتك؟ قال نعم، قال: فإن موسى عليه السلام إنما سأل ربه أن يحل عقدة من لسانه كي يفقه بنو إسرائيل قوله ولم يزد عليها.
انتهى كلام ابن كثير بلفظه وقد نقل فيه عن الحسن البصري وابن عباس ومحمد بن كعب القرظي ما ذكرنا من الجواب ويمكن أن يجاب أيضا بأن فرعون كذب عليه في قوله: {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} كما كذب على الله في إدعاء الربوبية وأن قوله: {هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} يدل على اشتراكه مع هارون في الفصاحة فكلاهما فصيح إلا أن هارون أفصح وعليه فلا إشكال والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25)}.
قوله: {لِي صَدْرِي}: {لي} متعلق ب {اشرح}. قال الزمخشريُّ: فإنْ قلت: {لي} في قوله: {اشرح لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لي أَمْرِي} ما جدواه والأمرُ مستتبٌّ بدونه؟ قلت: قد أبهم الكلامَ أولًا فقال: اشرح لي ويَسِّر لي، فَعُلِمَ أنَّ ثَمًَّ مشروحًا ومُيَسَّرًا، ثم بَيَّن ورفع الإِبهامَ بذكرِهما فكان آكدَ لطلبِ الشرحِ لصدرِه والتيسير لأمره.
{وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)}.
ويقال: يَسَّرْتُه لكذا، ومنه {فَسَنُيَسِّرُهُ لليسرى} [الليل: 7] ويَسَّرْتُ له كذا، ومنه هذه الآيةُ.
{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27)}.
قوله: {مِّن لِّسَانِي}: يجوز أَنْ تتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل {عُقْدَةً} أي: مِنْ عُقَدِ لساني. ولم يذكر الزمخشريُّ غيرَه. ويجوز أن يتعلَّقَ بنفسِ {احلُلْ} والأولُ أحسنُ.
قوله: {واجعل لِّي وَزِيرًا}: يجوز أَنْ يكونَ {لي} مفعولًا ثانيًا مقدمًا، و{وزيرًا} هو المفعولُ الأول. و{مِنْ أهلي} على هذا يجوز أَنْ يكونَ صفةً ل {وزيرًا}. ويجوز أن يكونَ متعلِّقًا بالجَعْلِ.
و{هارونَ} بدلٌ مِنْ {وزيرًا}. وجَوَّز أبو البقاء أن يكونَ {هارونَ} عطفَ بيانٍ ل {وزيرًا}. ولم يذكر الزمخشريُّ غيرَه. ولَمَّا حكى الشيخُ هذا لم يُعْقِبْه بنَكير، وهو عجيبٌ منه؛ فإنَّ عطفَ البيان يُشترط فيه التوافقُ تعريفًا وتنكيرًا، وقد عَرَفْتَ أنَّ {وزيرًا} نكرةٌ و{هارونَ} معرفة، والزمخشري قد تقدَّم له مثلُ ذلك في قوله تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ} [آل عمران: 97] وقد تقدم الكلام معه هناك وهو عائد هنا.
ويجوز أَنْ يكونَ {هارونَ} منصوبًا بفعلٍ محذوف كأنه قال: أخصُّ من بينهِم هارون أي: مِنْ بينِ أهلي. ويجوز أَنْ يكونَ {وزيرًا} مفعولًا ثانيًا، و{هارونَ} هو الأول، وقَدَّم الثاني عليه اعتناءً بأَمْرِ الوِزارة. وعلى هذا فقوله: {لي} يجوز أن يتعلَّق بنفسِ الجَعْل، وأَنْ يتعلقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ {وزيرًا}؛ إذ هو في الأصل صفةُ له. و{مِنْ أهلي} على ما تقدَّم من وَجْهَيْه. ويجوز أن يكون {وزيرًا} مفعولًا أولَ، و{مِنْ أهلي} هو الثاني. وقوله: {لي} مثلُ قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] يَعْنُون أنه به يتمُّ المعنى، ذكر ذلك أبو البقاء. ولَمَّا حكاه الشيخ لم يتعقبه بنكير، وهو عجيب؛ لأنَّ شرطَ المفعولَيْن في باب النواسخ صحةٌ انعقادِ الجملة الاسمية، وأنت لو ابتَدَأْتَ بوزير وأخبرْتَ عنه ب {من أهلي} لم يَجُزْ إذ لا مُسَوِّغ للابتداءِ به.
و{أخي} بدلٌ أو عطفُ بيانٍ ل {هارونَ}. وقال الزمخشري: وإنْ جُعِل عطفَ بيانٍ آخرَ جاز وحَسُنَ. قال الشيخ: ويَبْعُدُ فيه عطفُ البيان؛ لأنَّ عطفَ البيان الأكثرُ فيه أن يكونَ الأولُ دونَه في الشُّهرة وهذا بالعكس. قلت: لم يُرِدْ الزمخشري أنَّ {أخي} عطفُ بيانٍ ل {هارون} حتى يقول الشيخ إن الأولَ وهو {هارون} أشهرُ من الثاني وهو {أخي}، إنما عَنَى الزمخشريُّ أنه عطفُ بيان أيضًا ل {وزيرًا} ولذلك قال: آخَر. ولابد من الإِتيان بلفظِه ليُعْرَفَ أنه لم يُرِدْ إلاَّ ما ذكرتُه قال: {وزيرًا} و{هارونَ} مفعولا قوله: {اجعَلْ}، أو {لي وزيرًا} مفعولاه، و{هارونَ} عطفُ بيان للوزير، و{أخي} في الوجهين بدلٌ من {هارون}، وإن جُعل عطفَ بيانٍ أخرَ جاز وحَسُن.
فقوله: {آخر} تعيَّنَ أن يكونَ عطفَ بيانٍ لما جعله عنه عطف بيان قبل ذلك.
وجَوَّز الزمخشري في {أخي} أن يرتفعَ بالابتداء، ويكونَ خبرُه الجملةَ مِنْ قوله: {اشْدُدْ به}، وذلك على قراءةِ الجمهور له بصيغة الدعاء، وعلى هذا فالوقفُ على {هارونَ}.
وقرأ ابن عامر: {أَشْدُدْ} بفتح الهمزة للمضارعة وجزمِ الفعلِ جوابًا للأمر،{وأُشْرِكْهُ} بضم الهمزة للمضارعة وجزمِ الفعلِ نَسَقًا على ما قبلَه. وقرأ الباقون بحذف همزة الوصل من الأول، وفتحِ همزة القطع في الثاني، على أنهما دعاءٌ من موسى لربِّه بذلك. وعلى هذه القراءة تكون هذه الجملةُ قد تُرِكَ فيها العطفُ خاصةً دونَ ما تقدَّمَها مِنْ جمل الدعاء.
وقرأ الحسنُ: {أُشَدِّدُ} مضارعَ شَدَّد بالتشديد.
والوَزير: قيل: مشتقٌّ من الوِزْر وهو الثِّقَل. وسُمِّي بذلك لأنه يَحْمل أعباءَ المُلْكِ ومُؤَنَهُ فهو مُعِيْنٌ على أمر/ الملك ويأتَمُّ بأمره. وقيل: بل هو من الوَزَرِ وهو الملجأُ، كقوله تعالى: {لاَ وَزَرَ} [القيامة: 11] وقال:
من السِّباع الضَّواري دونَه وَزَرٌ ** والناسُ شَرُّهُمُ ما دونَه وَزَرُ

كم مَعْشرٍ سَلِموا لم يُؤْذِهِمْ سَبُعٌ ** وما نرى بَشَرًا لم يُؤْذِهِمْ بَشَرُ

وقيل: من المُؤَازَرَة وهي المعاونةُ. نقله الزمخشري عن الأصمعي قال: وكان القياسُ أَزِيرًا يعني بالهمزةِ؛ لأنَّ المادةَ كذلك. قال الزمخشريُّ: فَقُلِبَت الهمزةُ إلى الواو ووجهُ قَلْبِها إليها أنَّ فَعيلًا جاء بمعنى مُفاعِل مجيئًا صالحًا كقولهم: عَشِير وجَلِيس وخليط وصديق وخليل ونديم، فلمَّا قُلِبت في أخيه قُلِبَتْ فيه، وحَمْلُ الشيءِ على نظيره ليس بعزيزٍ، ونظرًا إلى يُوازِرُ وأخواتِه وإلى المُوَازَرة.
قلت: يعني أنَّ وزيرًا بمعنى مُوازِر، ومُوازر تقلب فيه الهمزةُ واوًا قلبًا قياسيًا؛ لأنها همزةُ مفتوحةٌ بعد ضمه فهو نظيرُ مُوَجَّل ويُوَاخذكم وشبهِه، فحُمِل أزير عليه في القلب، وإن لم يكنْ فيه سببُ القلبِ.
{كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33)}.
قوله: {كَثِيرًا}: نعتٌ لمصدر محذوف أو حالٌ من ضمير المصدر، كما هو رأيُ سيبويه. وجَوَّز أبو البقاء أن يكون نعتًا لزمانٍ محذوفٍ أي: زمانًا كثيرًا. اهـ.