فصل: قال ابن العربي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وثانيها: يحتمل أن الله تعالى لما قال: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} سكت حتى لقي أخاه، ثم إن الله تعالى خاطبهما بقوله: {اذهبا إلى فِرْعَوْنَ}.
وثالثها: أنه حكى أنه في مصحف ابن مسعود وحفصة: {قَالاَ رَبُّنَا إِنَّنَا نَخَافُ} أي قال موسى: أنا وأخي نخاف فرعون أما قوله تعالى: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيّنًا} ففيه سؤالان:
السؤال الأول: لم أمر الله تعالى موسى عليه السلام باللين مع الكافر الجاحد.
الجواب لوجهين: الأول: أنه عليه السلام كان قد رباه فرعون فأمره أن يخاطبه بالرفق رعاية لتلك الحقوق وهذا تنبيه على نهاية تعظيم حق الأبوين.
الثاني: أن من عادة الجبابرة إذا غلظ لهم في الوعظ أن يزدادوا عتوًا وتكبرًا، والمقصود من البعثة حصول النفع لا حصول زيادة الضرر فلهذا أمر الله تعالى بالرفق.
السؤال الثاني: كيف كان ذلك الكلام اللين.
الجواب: ذكروا فيه وجوهًا:
أحدها: ما حكى الله تعالى بعضه فقال: {هَل لَّكَ إلى أَن تزكى وَأَهْدِيَكَ إلى رَبّكَ فتخشى} [النازعات: 18، 19] وذكر أيضًا في هذه السورة بعض ذلك فقال: {فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ} [طه: 47] إلى قوله: {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} [طه: 47].
وثانيها: أن تعداه شبابًا لا يهرم بعده وملكًا لا ينزع منه إلا بالموت وأن يبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته.
وثالثها: كنياه وهو من ذوي الكنى الثلاث أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة.
ورابعها: حكي عن عمرو بن دينار قال: بلغني أن فرعون عمر أربعمائة سنة وتسع سنين فقال له موسى عليه السلام: إن أطعتني عمرت مثل ما عمرت فإذا مت فلك الجنة واعترضوا على هذه الوجوه الثلاثة الأخيرة.
أما الأول: فقيل لو حصلت له هذه الأمور الثلاثة في هذه المدة الطويلة لصار ذلك كالإلجاء إلى معرفة الله تعالى وذلك لا يصح مع التكليف.
وأما الثاني: فلأن خطابه بالكنية أمر سهل فلا يجوز أن يجعل ذلك هو المقصود من قوله: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيّنًا} بل يجوز أن يكون ذلك من جملة المراد.
وأما الثالث: فالاعتراض عليه كما في الأول أما قوله تعالى: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} فاعلم أنه ليس المراد أنه تعالى كان شاكًا في ذلك لأن ذلك محال عليه تعالى وإنما المراد: فقولا له قولًا لينًا، على أن تكونا راجيين لأن يتذكر هو أو يخشى.
واعلم أن أحوال القلب ثلاثة.
أحدها: الإصرار على الحق.
وثانيها: الإصرار على الباطل.
وثالثها: التوقف في الأمرين، وأن فرعون كان مصرًا على الباطل وهذا القسم أردأ الأقسام فقال تعالى: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} فيرجع من إنكاره إلى الإقرار بالحق وإن لم ينتقل من الإنكار إلى الإقرار لكنه يحصل في قلبه الخوف فيترك الإنكار وإن كان لا ينتقل إلى الإقرار فإن هذا خير من الإصرار على الإنكار واعلم أن هذا التكليف لا يعلم سره إلا الله تعالى لأنه تعالى لما علم أنه لا يؤمن قط كان إيمانه ضدًا لذلك العلم الذي يمتنع زواله فيكون سبحانه عالمًا بامتناع ذلك الإيمان وإذا كان عالمًا بذلك فكيف أمر موسى عليه السلام بذلك الرفق وكيف بالغ في ذلك الأمر بتلطيف دعوته إلى الله تعالى مع علمه استحالة حصول ذلك منه؟ ثم هب أن المعتزلة ينازعون في هذا الامتناع من غير أن يذكروا شبهة قادحة في هذا السؤال ولكنهم سلموا أنه كان عالمًا بأنه لايحصل ذلك الإيمان وسلموا أن فرعون لا يستفيد ببعثة موسى عليه السلام إلا استحقاق العقاب والرحيم الكريم كيف يليق به أن يدفع سكينًا إلى من علم قطعًا أنه يمزق بها بطن نفسه ثم يقول: إني ما أردت بدفع السكين إليه إلا الإحسان إليه؟ يا أخى العقول قاصرة عن معرفة هذه الأسرار ولا سبيل فيها إلا التسليم وترك الاعتراض والسكوت بالقلب واللسان، ويروى عن كعب أنه قال: والذي يحلف به كعب إنه لمكتوب في التوراة: فقولا له قولًا لينًا وسأقسي قلبه فلا يؤمن.
{قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)}.
اعلم أن قوله: {قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ} فيه أسئلة:
السؤال الأول: قوله: {قَالاَ رَبَّنَا} يدل على أن المتكلم بذلك موسى وهرون عليهما السلام وهرون لم يكن حاضرًا هذا المقال فكيف ذلك وجوابه قد تقدم.
السؤال الثاني: أن موسى عليه السلام قال: {رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي} [طه: 25] فأجابه الله تعالى بقوله: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} [طه: 36] وهذا يدل على أنه قد انشرح صدره وتيسر أمره فكيف قال بعده: {إِنَّنَا نَخَافُ} فإن حصول الخوف يمنع من حصول شرح الصدر.
والجواب: أن شرح الصدر عبارة عن تقويته على ضبط تلك الأوامر والنواحي وحفظ تلك الشرائع على وجه لا يتطرق إليه السهو والتحريف وذلك شيء آخر غير زوال الخوف.
السؤال الثالث: أما علم موسى وهرون وقد حملهما الله تعالى الرسالة أنه تعالى يؤمنهما من القتل الذي هو مقطعة عن الأداء.
الجواب: قد أمنا ذلك وإن جوزا أن ينالهما السوء من قبل تمام الأداء أو بعده وأيضًا فإنهما استظهرا بأن سألا ربهما ما يزيد في ثبات قلبهما على دعائه وذلك بأن ينضاف الدليل النقلي إلى العقلي زيادة في الطمأنينة كما قال: {ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260].
السؤال الرابع: لما تكرر الأمر من الله تعالى بالذهاب فعدم الذهاب والتعلل بالخوف هل يدل على المعصية.
الجواب: لو اقتضى الأمر الفور لكان ذلك من أقوى الدلائل على المعصية لاسيما وقد أكثر الله تعالى من أنواع التشريف وتقوية القلب وإزالة الغم ولكن ليس الأمر على الفور فزال السؤال وهذا من أقوى الدلائل على أن الأمر لا يقتضي الفور إذا ضممت إليه ما يدل على أن المعصية غير جائزة على الرسل أما قوله تعالى: {أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يطغى} فاعلم أن في: {أَن يَفْرُطَ} وجوهًا:
أحدها: فرط سبق وتقدم ومنه الفارط الذي يتقدم الواردة وفرس فرط يسبق الخيل والمعنى نخاف أن يعجل علينا بالعقوبة.
وثانيها: أنه مأخوذ من أفرط غيره إذا حمله على العجلة فكان موسى وهارون عليهما السلام خافا من أن يحمله حامل على المعاجلة بالعقوبة وذلك الحامل هو إما الشيطان أو إدعاؤه للربوبية أو حبه للرياسة أو قومه وهم القبط المتمردون الذين حكى الله تعالى عنهم: {قَالَ الملا مِن قَوْمِهِ} [الأعراف: 60].
وثالثها: يفرط من الإفراط في الأذية أما قوله: {أَوْ أَن يطغى} فالمعنى يطغى بالتخطي إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجراءته عليك واعلم أن من أمر بشيء فحاول دفعه بأعذار يذكرها فلابد وأن يختم كلامه بما هو الأقوى وهذا كما أن الهدهد ختم عذره بقوله: {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ الله} [النمل: 24] فكذا هاهنا بدأ موسى بقوله: {أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا} وختم بقوله: {أَوْ أَن يطغى} لما أن طغيانه في حق الله تعالى أعظم من إفراطه في حق موسى وهارون عليهما السلام.
أما قوله: {قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وأرى} فالمراد لا تخافا مما عرض في قلبكما من الإفراط والطغيان لأن ذلك هو المفهوم من الكلام يبين ذلك أنه تعالى لم يؤمنهما من الرد ولا من التكذيب بالآيات ومعارضة السحرة أما قوله: {إِنَّنِى مَعَكُمَا} فهو عبارة عن الحراسة والحفظ وعلى هذا الوجه يقال: الله معك على وجه الدعاء وأكد ذلك بقوله: {أَسْمَعُ وأرى} فإن من يكون مع الغير وناصرًا له وحافظًا يجوز أن لا يعلم كل ما يناله وإنما يحرسه فيما يعلم فبين سبحانه وتعالى أنه معهما بالحفظ والعلم في جميع ما ينالهما وذلك هو النهاية في إزالة الخوف قال القفال قوله: {أَسْمَعُ وأرى} يحتمل أن يكون مقابلًا لقوله: {أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يطغى} والمعنى: {يَفْرُطَ عَلَيْنَا} بأن لا يسمع منا: {أَوْ أَن يطغى} بأن يقتلنا فقال الله تعالى: {إِنَّنِى مَعَكُمَا} أسمع كلامه معكما فأسخره للاستماع منكما وأرى أفعاله فلا أتركه حتى يفعل بكما ما تكرهانه، واعلم أن هذه الآية تدل على أن كونه تعالى سميعًا وبصيرًا صفتان زائدتان على العلم لأن قوله: {إِنَّنِى مَعَكُمَا} دل على العلم فقوله: {أَسْمَعُ وأرى} لو دل على العلم لكان ذلك تكريرًا وهو خلاف الأصل ثم إنه سبحانه أعاد ذلك التكليف فقال: {فَأْتِيَاهُ} لأنه سبحانه وتعالى قال في المرة الأولى: {لِنُرِيَكَ مِنْ ءاياتنا الكبرى اذهب إلى فِرْعَوْنَ} [طه: 23، 24] وفي الثانية: {اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ} [طه: 42] وفي الثالثة: قال: {اذهبا إلى فِرْعَوْنَ} [طه: 43] وفي الرابعة قال هاهنا فأتياه فإن قيل إنه تعالى أمرهما في المرة الثانية بأن يقولا له: {قَوْلًا لَّيّنًا} [طه: 44] وفي هذه المرة الرابعة أمرهما أن يقولاَ: {إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسرائيل} وفيه تغليظ من وجوه: أحدها: أن قوله: {إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ}.
فيه أبحاث:
البحث الأول: انقياده إليهما والتزامه لطاعتهما وذلك يعظم على الملك المتبوع.
البحث الثاني: قوله: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسرائيل} فيه إدخال النقص على ملكه لأنه كان محتاجًا إليهم فيما يريده من الأعمال من بناء أو غيره.
البحث الثالث: قوله: {وَلاَ تُعَذّبْهُمْ}.
البحث الرابع: قوله: {قَدْ جئناك بآيةٍ مّن رَّبّكَ} فما الفائدة في التليين أولًا والتغليظ ثانيًا؟ قلنا: لأن الإنسان إذا ظهر لجاجه فلابد له من التغليظ فإن قيل: أليس كان من الواجب أن يقولا إنا رسولا ربك قد جئناك بآية فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم، لأن ذكر المعجز مقرونًا بادعاء الرسالة أولى من تأخيره عنه؟ قلنا: بل هذا أولى من تأخيره عنه لأنهم ذكروا مجموع الدعاوى ثم استدلوا على ذلك المجموع بالمعجزة، أما قوله: {قَدْ جئناك بآيةٍ مّن رَّبّكَ} ففيه سؤال وهو أنه تعالى أعطاه آيتين وهما العصا واليد ثم قال: {اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بِآياتي} [طه: 42] وذلك يدل على ثلاث آيات وقال ههنا: {جئناك بِآيَةٍ} وهذا يدل على أنها كانت واحدة فكيف الجمع؟ أجاب القفال بأن معنى الآية الإشارة إلى جنس الآيات كأنه قال: قد جئناك ببيان من عند الله ثم يجوز أن يكون ذلك حجة واحدة أو حججًا كثيرة، وأما قوله: {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} فقال بعضهم هو من قول الله تعالى لهما كأنه قال: فقولا إنا رسولا ربك، وقولا له: والسلام على من اتبع الهدى، وقال آخرون بل كلام الله تعالى قد تم عند قوله: {قَدْ جئناك بِآيَةٍ مّن رَّبّكَ} فقوله بعد ذلك: {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} وعد من قبلهما لمن آمن وصدق بالسلامة له من عقوبات الدنيا والآخرة، والسلام بمعنى السلامة كما يقال رضاع ورضاعة واللام وعلى هاهنا بمعنى واحد كما قال: {لَهُمُ اللعنة وَلَهُمْ سُوء الدار} [الرعد: 25] على معنى عليهم وقال تعالى: {مَّنْ عَمِلَ صالحا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا} [فصلت: 46] وفي موضع آخر: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]، أما قوله: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ العذاب على مَن كَذَّبَ وتولى} فاعلم أن هذه الآية من أقوى الدلائل على أن عقاب المؤمن لا يدوم وذلك لأن الألف واللام في قوله: {العذاب} تفيد الاستغراق أو تفيد الماهية وعلى التقديرين يقتضي انحصار هذا الجنس فيمن كذب وتولى فوجب في غير المكذب المتولي أن لا يحصل هذا الجنس أصلًا، وظاهر هذه الآية يقتضي القطع بأنه لا يعاقب أحدًا من المؤمنين بترك العمل به في بعض الأوقات فوجب أن يبقى على أصله في نفي الدوام لأن العقاب المتناهي إذا حصل بعده السلامة مدة غير متناهية صار ذلك العقاب كأنه لا عقاب فلذلك يحسن مع حصول ذلك القدر أن يقال: إنه لا عقاب، وأيضًا فقوله: {والسلام على مَنِ اتبع الهدى}، وقد فسرنا السلام بالسلامة فظاهره يقتضي حصول السلامة لكل من اتبع الهدى، والعارف بالله قد اتبع الهدى فوجب أن يكون صاحب السلامة. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تعالى: {اذْهَبَا إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى قَالَا رَبَّنَا إنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى}.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الأُولَى:
يَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَ اللَّهُ رَسُولَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذِكْرَ قَاضِيَيْنِ وَأَمِيرَيْنِ، وَالرِّسَالَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَبْلِيغٌ عَنْ اللَّهِ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ لِنَبِيٍّ أَنْ يُشَرِّعَ إلَّا بِوَحْيٍ جَازَ أَنْ يَحْكُمَا مَعًا، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ النَّبِيُّ لَمْ يَحْكُمْ إلَّا أَحَدُهُمَا، وَهَذَا يَتِمُّ بَيَانُهُ فِي قِصَّةِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
المسألة الثَّانِيَةُ:
فِي جَوَازِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِاللِّينِ لِمَنْ مَعَهُ الْقُوَّةُ، وَضُمِنَتْ لَهُ الْعِصْمَةُ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ لَهُمَا: قَوْلَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا، وَلَا تَخَافَا إنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى. فَفِي الإسرائليات أَنَّ مُوسَى أَقَامَ عَلَى بَابِ فِرْعَوْنَ سَنَةً لَا يَجِدُ رَسُولًا يُبَلِّغُ كَلَامًا، حَتَّى لَقِيَهُ حِينَ خَرَجَ فَجَرَى لَهُ مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ تَسْلِيَةً لِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي سِيرَتِهِمْ مَعَ الظَّالِمِينَ. {وَرَبُّك أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكرِي}.
فيه أربعة أقاويل:
أحدها: لا تفترا في ذكري، قال الشاعر:
فما ونى محمد مذ أن غفر ** له الإله ما مضى وما غبر

الثاني: لا تضعفا في رسالتي، قاله قتادة.
الثالث: لا تبطنا، قاله ابن عباس.
الرابع: لا تزالا، حكاه أبان واستشهد بقول طرفة:
كأن القدور الراسيات أمامهم ** قباب بنوها لا تني أبدًا تغلي

قوله تعالى: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا} فيه وجهان:
أحدهما: لطيفًا رقيقًا.
الثاني: كنّياه، قاله السدي وقيل إن كنية فرعون أبو مرة، وقيل أبو الوليد.
ويحتمل ثالثًا: أن يبدأه بالرغبة قبل الرهبة، ليلين بها فيتوطأ بعدها من رهبة ووعيد قال بعض المتصوفة: يا رب هذا رفقك لمن عاداك، فكيف رفقك بمن والاك؟
وقيل إن فرعون كان يحسن لموسى حين رباه، فأراد أن يجعل رفقه به مكافأة له حين عجز موسى عن مكافأته.
قوله تعالى: {أَن يَفْرُطَ عَلَيْنآ}.
فيه وجهان:
أحدهما: أن يعجل علينا، قال الراجز:
قد أفرط العلج علينا وعجل

الثاني: يعذبنا عذاب الفارط في الذنب، وهو المتقدم فيه، قاله المبرد ويقال لمن أكثر في الشيء أفرط، ولمن نقص منه فرّط.
{أَوْ أَن يَطْغَى} أي يقتلنا. اهـ.