فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى}.
قال بعض أهل العلم: المراد بالآيات في قوله هنا: {اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي} الآيات التسع المذكورة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] الآية، وقوله: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سواء فِي تِسْعِ آيَاتٍ} [النمل: 12] الآية. والآيات التسع المذكورة هي: العصا واليد البيضاء... إلى آخرها. وقد قدمنا الكلام عليها مستوفى في سورة بني إسرائيل.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ طغى}.
أصل الطغيان: مجاوزة الحد، ومنه: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الماء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية} [الحاقة: 11] وقد بين الله تعالى شدة طغيان فرعون ومجاوزته الحد في قوله عند: {فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} [النازعات: 24]، وقوله عنه {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي} [القصص: 38]، وقوله عنه أيضًا: {لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين} [الشعراء: 29].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة، {وَلاَ تَنِيَا} مضارع ونى ينى، على أحد قول ابن مالك في الخلاصة:
فا أمرًا ومضارع من كوعد ** احذف وفي كعدة ذاك اطرد

والونى في اللغة: الضعف، والفتور، والكلال والإعياء، ومنه قول امرئ القيس في معلقته:
مسح إذا ما السابحات على الونى ** أثرن غبارًا بالكديد المركل

وقول العجاج:
فما ونى محمد مذ أن غفر ** له الإله ما مضى وما غبر

فقوله: {وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي} أي لا تضعفا ولا تفترا في ذكري. وقد أثنى الله على من يذكره في جميع حالاته في قوله: {الذين يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وعلى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191]، وأمر بذكر الله عند لقاء العدو في قوله: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا واذكروا الله كَثِيرًا} [الأنفال: 45] كما تقدم إيضاحه.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره هذه الآية الكريمة: والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله في حال مواجهة فرعون. ليكون ذكر الله عونًا لهما عليه، وقوة لهما وسلطانًا كاسرًا له، كما جاء في الحديث: «إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مُناجز قِرْنه». اهـ منه.
وقال بعض أهل العلم: {وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي} لا تزالا في ذكري. واستشهد لذلك بقول طرفة:
كأن القدور الراسيات أمامهم ** قباب بنوها لا تني أبدًا تغلي

أي لا تزال تغلي. ومعناه راجع إلى ما ذكرنا. والعلم عند الله تعالى.
{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)}.
أمر الله جل وعلا نبيه موسى وهارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام: أن يقولا لفرعون في حال تبليغ رسالة الله إليه «قَوْلًا لَيِّنًا» أي كلامًا لطيفًا سهلًا رقيقًا، ليس فيه ما يغضب وينفر. وقد بين جل وعلا المراد بالقول اللين في هذه الآية بقوله: {اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أَن تزكى وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فتخشى} [النازعات: 17-19] وهذا والله غاية لين الكلام ولطافته ورقته كما ترى. وما أمر به موسى وهارون في هذه الآية الكريمة أشار له تعالى في غير هذا الموضع، كقوله: {ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
مسألة:
يؤخذ من هذه الآية الكريمة: أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون بالرِّفق واللَّين. لا بالقسوة والشدة والعنف. كما بيناه في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105] الآية.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: قال يزيد الرقاشي عند قوله: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا}: يا من يتحبب إلى من يعاديه، فكشف بمن يتولاه ويناديه؟ اهـ ولقد صدق من قال:
ولو أن فرعون لما طغى ** وقال على الله إفكا وزورا

أناب إلى الله مستغفرًا ** لما وجد الله إلا غفورًا

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} قد قدمنا قول بعض العلماء: إن لَعَلَّ في القرآن بمعنى التعليل، إلا التي في سورة الشعراء: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129] فهي بمعنى كأنكم. وقد قدمنا أيضًا أن لعل تأتي في العربية للتعليل. ومنه قوله:
فقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا ** نكف ووثقتم لنا كل موثقى

فلما كففنا الحرب كانت عهودكم ** كشبه سراب بالملا متألق

فقوله: لعلنا نكف أي لأجل أن نكف.
وقال بعض أهل العلم: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} معناه على رجائكما وطمعكما، فالترجي والتوقع المدلول عليه بلعل راجع إلى جهة البشر. وعزا القرطبي هذا القول لكبراء النحويين كسيبويه وغيره.
{فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)}.
ألف الاثنين في قوله: {فَأتياه} راجعة إلى موسى وهارون. والهاء راجعة إلى فرعون. أي فأتيا فرعون {فقولا} له: {إنا رسولان إليك من ربك فأرسل معنا بني إسرائيل} أي خل عنهم وأطلقهم لنا يذهبون معنا حيث شاؤوا، ولا تعذبهم.
العذاب الذي نهى الله فرعون أن يفعله ببني إسرائيل: هو المذكور في سورة البقرة في قوله: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: 49]، وفي سورة إبراهيم في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [ابراهيم: 6] الآية، وفي سورة الأعراف في قوله تعالى: {وَإِذ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [الأعراف: 141] الآية. وفي سورة الدخان في قوله: {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بني إِسْرَائِيلَ مِنَ العذاب المهين مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ المسرفين} [الدخان: 30-31] وفي سورة الشعراء في قوله: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا على أن عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22] الآية.
وما أمر به الله موسى وهارون في آية طه هذه من أنهما يقولان لفرعون إنهما رسولا ربه إليه، وأنه يأمره بإرسال بني إسرائيل ولا يعذبهم أشار إليه تعالى في غير هذا الموضع، كقوله في سورة الشعراء: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فقولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 16-17].
تنبيه:
فإن قيل، ما وجه الإفراد في قوله: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين} في الشعراء؟ مع أنهما رسولان؟ كما جاء الرسول مثنى في طه فما وجه التثنية في طه والإفراد في الشعراء، وكل واحد من اللفظين: المثنى والمفرد يراد به موسى وهارون؟
فالذي يظهر لي والله تعالى أعلم أن لفظ الرسول أصله مصدر وصف به، والمصدر إذا وصف به ذكر وأفرد كما قدمنا مرارًا. فالإفراد في الشعراء نظرًا إلى أن أصل الرسول مصدر. والتثنية في طه اعتدادًا بالوصفية العارضة وإعراضًا عن الأصل، ولهذا يجمع الرسول اعتدادًا بوصفيته العارضة، ويفرد مرادًا به الجمع نظرًا إلى أن أصله مصدر. ومثال جمعه قوله تعالى: {تِلْكَ الرسل} [البقرة: 253] الآية، وأمثالها في القرآن. ومثال إفراده مرادًا به الجمع قول أبي ذؤيب الهذلي:
ألكني إليها وخير الرسول ** أعلمهم بنواحي الخبر

ومن إطلاق الرسول مرادًا به المصدر على الأصل قوله:
لقد كذب الواشون ما فهت عن ** دهم بقول ولا أرسلتهم برسول

أي برسالة. وقول الآخر:
ألا بلغ بني عصم رسولا ** بأني عن فتاحتكم غني

يعني أبلغهم رسالة.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ} يراد به جنس الآية الصادق بالعصا واليد وغيرهما. لدلالة آيات آخر على ذلك.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} يدخل فيه السلام على فرعون إن اتبع الهدى. ويفهم من الآية: أن من لم يتبع الهدى لا سلام عليه، وهو كذلك. ولذا كان في أول الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإنى أدعوك بدعاية الإسلام» إلى آخر كتابه صلى الله عليه وسلم.
{إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)}.
ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن موسى وهارون. أن الله أوحى إليهما أن العذاب على من كذب وتولى أشير إلى نحوه في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى. كقوله: {فَأَمَّا مَن طغى وَآثَرَ الحياة الدنيا فَإِنَّ الجحيم هِيَ المأوى} [النازعات: 37-39]، وقوله تعالى: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تلظى لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ الأشقى الذي كَذَّبَ وتولى} [الليل: 14_16]. وقوله تعالى: {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى ولكن كَذَّبَ وتولى ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى أولى لَكَ فأولى ثُمَّ أولى لَكَ فأولى} [القيامة: 31-35] إلى غير ذلك من الآيات. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)}.
رجوع إلى المقصد بعد المحاورة، فالجملة بيان لجملة: {اذهب إلى فرعون إنه طغى}، أو هي استئناف بياني لأن قوله: {واصطنعتُك لنفسي} [طه: 41] يؤذن بأنه اختاره وأعدّه لأمر عظيم، لأنّ الحكيم لا يتّخذ شيئًا لنفسه إلاّ مريدًا جعلَه مظهرًا لحكمته، فيترقب المخاطب تعيينها، وقد أمره هنا بالذهاب إلى فرعون وأن يذهب أخوه معه.
ومعنى ذلك أنه يبلّغ أخاه أن الله أمره بمرافقته، لأنّ هارون لم يكن حاضرًا حين كلّم الله موسى في البقعة المباركة من الشجرة.
ولأنه لم يكن الوقت وقت الشروع في الذهاب إلى فرعون، فتعيّن أن الأمر لطلب حصول الذهاب المستقبل عند الوصول إلى مصر بلد فرعون وعند لقائه أخاه هارون وإبلاغه أمر الله إياه، فقرينة عدم إرادة الفور هنا قائمة.
والباء للمصاحبة لقصد تطمين موسى بأنّه سيكون مصاحبًا لآيات الله، أي الدلائل التي تدلّ على صدقه لدى فرعون.
ومعنى {ولاَ تَنِيَا} لا تضعُفا.
يقال: ونَى ينِي ونَىً، أي ضعف في العمل، أي لا تننِ أنت وأبلغ هارون أن لا يني، فصيغة النهي مستعملة في حقيقتها ومجازها.
{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)}.
يجوز أن يكون انتقال إلى خطاب موسى وهارون.
فيقتضي أن هارون كان حاضرًا لهذا الخطاب، وهو ظاهر قوله بعده {قالا ربنا إننا نخاف} [طه: 45]، وكان حضور هارون عند موسى بوحي من الله أوحاه إلى هارون في أرض جاسان حيث منازل بني إسرائيل من أرض قرب طِيبة.
قال في التّوراة في الإصحاح الرابع من سفر الخروج وقال أي الله ها هو هارون خارجًا لاستقبالك فتكلمه أيضًا.
وفيه أيضًا وقال الرب لهارون اذهب إلى البرية لاستقبال موسى فذهب والتقيا في جبل الله أي جبل حُوريب، فيكون قد طُوي ما حدث بين تكليم الله تعالى موسى في الوادي عند النار وما بين وصول موسى مع أهله إلى جبل حوريب في طريقِه إلى أرض مصر، ويكون قوله: {قالا ربنا إننا نخاف}.. إلخ، جوابًا عن قول الله تعالى لهما: {اذهب إلى فرعون} إلخ.
ويكون فصل جملة {قالا ربنا إننا نخاف} إلخ. لوقُوعها في أسلوب المحاورة ويجوز أن تكون جملة {اذْهَبَا إلى فِرْعَونَ} بدلًا من جملة {اذْهَب أنتَ وأخوك} [طه: 42]، فيكون قوله: {اذهبا} أمرًا لموسى بأن يذهب وأن يأمر أخاه بالذهاب معه وهارون غائب، وهذا أنسب لسياق الجُمل، وتكون جملة قالا ربنا إننا نخاف مستأنفة استئنافًا ابتدائيًا، وقد طوي ما بين خطاب الله موسى وما بين حكاية قالا ربنا إننا نخاف إلخ.
والتقدير: فذهب موسى ولقي أخاه هارون، وأبلغه أمر الله له بما أمره، فقالا ربّنا إننا نخاف إلخ.
وجملة {إنَّهُ طغى} تعليل للأمر بأن يذهبا إليه.
فعُلم أنه لقصد كفّه عن طغيانه.
وفعل {طغى} رسم في المصحف آخره ألفًا مُمالة، أي بصورة الياء للإشارة إلى أنّه من طَغِي مثل رَضي.
ويجوز فيه الواو فيقال: يطغو مثل يدعو.
والقول الليّنُ: الكلام الدال على معاني الترغيب والعرض واستدعاء الامتثال، بأن يظهر المتكلّم للمخاطب أنّ له من سداد الرأي ما يتقبّل به الحق ويميّز به بين الحق والباطل مع تجنب أن يشتمل الكلام على تسفيه رأي المخاطب أو تجهيله.
فشبه الكلام المشتمل على المعاني الحسنة بالشيء الليّننِ.
واللين، حقيقة من صفات الأجسام، وهو: رطوبة ملمس الجسم وسهولة ليّه، وضد الليّن الخشونة.
ويستعار الليّن لسهولة المعاملة والصفح.
وقال عمرو بن كلثوم:
فإن قناتنا يا عَمْرو أعيَت ** على الأعداءِ قبلَكَ أن تلينا

واللين من شعار الدعوة إلى الحق، قال تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125] وقال: {فبما رحمة من الله لِنتَ لهم} [آل عمران: 159].
ومن اللين في دعوة موسى لفرعون قوله تعالى: {فقل هل لك إلى أن تَزّكّى وأهديَك إلى ربك فتخشى} [النازعات: 18، 19] وقوله: {والسلام على من اتبّع الهدى} [الكهف: 47]، إذ المقصود من دعوة الرسل حصول الاهتداء لا إظهار العظمة وغلظة القول بدون جدوى.
فإذا لم ينفع اللين مع المدعوّ وأعرض واستكبر جاز في موعظته الإغلاظ معه، قال تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم} [العنكبوت: 46]، وقال تعالى عن موسى: {إنّا قد أوحي إلينا أن العَذاب على من كذّب وتولّى} [طه: 48].
والتّرجي المستفاد من لعلّ إما تمثيل لشأن الله في دعوة فرعون بشأن الراجي، وإما أن يكون إعلامًا لموسى وفرعون بأن يرجوَا ذلك، فكان النطق بحرف الترجي على لسانهما، كما تقول للشخص إذا أشرت عليه بشيء: فلعلّه يصادفك تيْسير، وأنت لا تريد أنّك ترجو ذلك ولكن بطلب رجاء من المخاطب.