فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال القشيري: والخلق المخلوق لأن البطش والمشي والرؤية والنطق معان مخلوقة أودعها الله للأعضاء، وعلى هذا مفعول {أعطى} الأول {كل شيء} والثاني {خلقه} وكذا في قول ابن عباس وابن جبير والسدّي وهو أن المعنى {أعطى كل شيء} مخلوقه من جنسه أي كل حيوان ذكر نظيره أنثى في الصورة.
فلم يزاوج منهما غير جنسه ثم هداه إلى منكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه.
وعن ابن عباس أنه هداه إلى إلفه والاجتماع به والمناكحة.
وقال الحسن وقتادة {أعطى كل شيء} صلاحه وهداه لما يصلحه.
وقيل {كل شيء} هو المفعول الثاني لأعطى و{خلقه} المفعول الأول أي {أعطى} خليقته {كل شيء} يحتاجون إليه ويرتفقون به.
وقرأ عبد الله وأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو نهيك وابن أبي إسحاق والأعمش والحسن ونصير عن الكسائي وابن نوح عن قتيبة وسلام خَلَقَهُ بفتح اللام فعلًا ماضيًا في موضع الصفة لكل شيء أو لشيء، ومفعول {أعطى} الثاني حذف اقتصارًا أي {كل شيء خلقه} لم يخله من عطائه وإنعامه {ثم هدى} أي عرف كيف يرتفق بما أعطى وكيف يتوصل إليه.
وقيل: حذف اختصارًا لدلالة المعنى عليه، أي {أعطى كل شيء خلقه} ما يحتاج إليه وقدره ابن عطية كماله أو مصلحته.
{قال فما بال القرون الأولى} لما أجابه موسى بجواب مسكت، ولم يقدر فرعون على معارضته فيه انتقل إلى سؤال آخر وهو ما حال من هلك من القرون، وذلك على سبيل الروغان عن الاعتراف بما قال موسى وما أجابه به، والحيدة والمغالطة.
قيل: سأله عن أخبارها وأحاديثها ليختبر أهما نبيان أو هما من جملة القُصّاص الذين دارسوا قصص الأمم السالفة، ولم يكن عنده عليه السلام علم بالتوراة إنما أنزلت عليه بعد هلاك فرعون فقال: {علمها عند ربي}.
وقيل: مراده من السؤال عنها لم عبدت الأصنام ولم تعبد الله إن كان الحق ما وصفت؟ وقيل: مراده ما لها لا تبعث ولا تحاسب ولا تُجَازَى فقال: {علمها عند ربي} فأجابه بأن هذا سؤال عن الغيب وقد استأثر الله به لا يعلمه إلاّ هو.
وقال النقاش: إنما سأل لما سمع وعظ مؤمن آل فرعون {يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب} الآية فرد علم ذلك إلى الله لأنه لم يكن نزلت عليه التوراة.
وقيل لما قال: {إنّا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى} قال فرعون {فما بال القرون الأولى} فإنها كذبت ثم إنهم ما عذبوا.
وقيل: لما قرر أمر المبدأ والدلالة القاطعة على إثبات الصانع قال فرعون: إن كان ما ذكرت في غاية الظهور فما بال القرون الأولى نسوه وتركوه، فلو كانت الدلالة واضحة وجب على القرون الماضية أن لا يكونوا غافلين عنها.
فعارض الحجة النقلية، ويجوز أن يكون فرعون قد نازعه في إحاطة الله بكل شيء وتبينه لكل معلوم فتعنت وقال: ما تقول في سوالف القرون وتمادي كثرتهم وتباعد أطراف عددهم، كيف أحاط بهم وبأجزائهم وجواهرهم، فأجاب بأن كل كائن محيط به علمه وهو مثبت عنده {في كتاب} ولا يجوز عليه الخطأ والنسيان كما يجوز عليك أيها العبد الذليل والبشر الضئيل، أي {لا يضل} كما تضل أنت {ولا ينسى} كما تنسى يا مدّعي الربوبية بالجهل والوقاحة قاله الزمخشري.
والظاهر عود الضمير في {علمها} إلى {القرون الأولى} أي مكتوب عند ربي في اللوح المحفوظ لا يجوز عليه أن يخطىء شيئًا أو ينساه، يقال: ضللت الشيء إذا أخطأته في مكانه، وضللته لغتان فلم يهتد إليه كقولك: ضللت الطريق والمنزل ولا يقال أضللته إلاّ إذا ضاع منك كالدابة إذا انفلتت وشبهها قاله الفراء.
وقال الزجاج: ضللته أضله إذا جعلته في مكان ولم تدر أين هو، وأضللته والكتاب هنا اللوح المحفوظ.
وقيل {في كتاب} فيما كتبته الملائكة من أحوال البشر.
وقيل: الضمير في {علمها} عائد على القيامة لأنه سأله عن بعث الأمم.
وقال السدّي {لا يضل} لا يغفل.
وقال ابن عيسى {لا يضل} لا يذهب عليه تقول العرب ضل منزله بغير ألف.
وفي الحيوان أضل بعيره بالألف.
وقيل: التقدير {لا يضل ربي} الكتاب {ولا ينسى} ما فيه قاله مقاتل.
وقال القفال {لا يضلْ} عن معرفة الأشياء فيحيط بكل المعلومات {ولا ينسى} إشارة إلى بقاء ذلك العلم أبد الآباد على حاله لا يتغير.
وقال الحسن: لا يخطىء وقت البعث ولا ينساه.
وقال مجاهد: معنى الجملتين واحد وهو إشارة إلى أنه لا يعرض في علمه ما يغيره.
وقال ابن جرير: لا يخطىء في التدبير فيعتقد في غير الصواب صوابًا وإذا عرفه لا ينساه، وقال أبو عبد الله الرازي: علم الله صفة قائمة به ولا تكون حاصلة في الكتاب لأن ذلك لا يعقل، فالمعنى أن بقاء تلك المعلومات في علمه كبقاء المكتوبات في الكتاب، فالغرض التوكيد بأن أسرارها معلومة له لا يزول شيء منها، ويتأكد هذا بقوله: {لا يضل ربي ولا ينسى} أو المعنى أنه أثبت تلك الأحكام في كتاب عنده يظهر للملائكة زيادة لهم في الاستدلال على أنه عالم بكل المعلومات منزه عن السهو والغفلة انتهى. وفيه بعض تلخيص.
وقرأ الحسن وقتادة والجحدري وحماد بن سلمة وابن محيصن وعيسى الثقفي لا يُضِلُّ بضم الياء أي {لا يضلّ} الله ذلك الكتاب فيضيع {ولا ينسى} ما أثبته فيه. وقرأ السلمي لا يُضِلُّ ربِيَ ولا يُنْسَى مبنيتين للمفعول، والظاهر أن الجملتين استئناف وإخبار عنه تعالى بانتفاء هاتين الصفتين عنه.
وقيل: هما في موضع وصف لقوله: {في كتاب} والضمير العائد على الموصوف محذوف أي لا يضله ربي ولا ينساه.
والظاهر أن الضمير في {ولا ينسى} عائد على الله.
وقيل: يحتمل أن يعود على {كتاب} أي لا يدع شيئًا فالنسيان استعارة كما قال: {إلاّ أحصاها} فأسند الإحصاء إليه من حيث الحصر فيه، وعن ابن عباس لا يترك من كفر به حتى ينتقم منه ولا يترك من وحده حتى يجازيه.
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا}.
شت الأمر شتًا وشتاتًا تفرّق، وأمر شتّ متفرّق؛ وشتى فعلى من الشت وألفه للتأنيث جمع شتيت كمريض ومرضى، ومعناه متفرقة، وشتان اسم فاعل سحت: لغة الحجاز وأسحت لغة نجد وتميم، وأصله استقصاء الحلق للشعر.
وقال الفرزدق وهو تميمي:
وعض زمان يا ابن مروان لم يك ** من المال إلا مسحت أو محلق

ثم استعمل في الإهلاك والإذهاب.
الخيبة: عدم الظفر بالمطلوب.
الصف: موضع المجمع قاله أبو عبيدة، وسمي المصلى الصف وعن بعض العرب الفصحاء ما استطعت أن آتي الصف أي المصلى، وقد يكون مصدرًا ويقال جاؤوا صفًا أي مصطفين.
التخييل: إبداء أمر لا حقيقة له، ومنه الخيال وهو الطيف الطارق في النوم.
قال الشاعر:
ألا يا لقومي للخيال المشوق ** وللدار تنأى بالحبيب ونلتقي

{الذي جعل لكم الأرض مهادًا وسلك لكم فيها سبلًا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجًا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدًا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانًا سوى قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبًا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا أمرهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفًا وقد أفلح اليوم من استعلى}.
ولما ذكر موسى دلالته على ربوبية الله تعالى وثم كلامه عند قوله: {ولا ينسى} ذكر تعالى ما نبه به على قدرته تعالى ووحدانيته، فأخبر عن نفسه بأنه تعالى هو الذي صنع كيت وكيت، وإنما ذهبنا إلى أن هذا هو من كلام الله تعالى لقوله تعالى: {فأخرجنا} وقوله: {كلوا وارعوا أنعامكم}.
وقوله: {ولقد أريناه} فيكون قوله: {فأخرجنا} و{أريناه} التفاتًا من الضمير الغائب في {جعل} وسلك إلى ضمير المتكلم المعظم نفسه، ولا يكون الالتفات من قائلين وأبعد من ذهب إلى أن الذي نعت لقوله: {ربي} فيكون في موضع رفع أو يكون في موضع نصب على المدح وقالهما الحوفي والزمخشري لكونه كان يكون كلام موسى فلا يتأتى الالتفات في قوله: {فأخرجنا} {ولقد أريناه}.
وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون {فأخرجنا} من كلام موسى حكاية عن الله تعالى على تقدير يقول عز وجل: {فأخرجنا} ويحتمل أن يكون كلام موسى تم عند قوله: {وأنزل من السماء ماء} ثم وصل الله كلام موسى بإخباره لمحمد صلى الله عليه وسلم والمراد بالخطاب في لكم الخلق أجمع نبههم على هذه الآيات.
وقرأ الأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وعاصم وحمزة والكسائي {مَهْدًا} بفتح الميم وإسكان الهاء، وباقي السبعة مهادًا وكذا في الزخرف فقال المفضل: مصدران مهد مهدًا ومهادًا.
وقال أبو عبيد: مهاد اسم، ومهد الفعل يعني المصدر.
وقال آخر {مهدًا} مفرد ومهاد جمعه، ومعنى ذلك أنه تعالى جعلها لهم يتصرفون عليها في جميع أحوالهم ومنافعهم، ونهج لكم فيها طرقًا لمقاصدكم حتى لا تتعذر عليكم مصالحكم.
والضمير في {به} عائد على الماء أي بسببه.
{أزواجًا} أي أصنافًا وهذا الالتفات في أخرجنا كهو في قوله: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا} {أمّن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا} {وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء} وفي هذا الالتفات تخصيص أيضًا بأنا نحن نقدر على مثل هذا، ولا يدخل تحت قدرة احد والأجود أن يكون {شتى} في موضع نصب نعتًا لقوله: {أزواجًا} لأنها المحدث عنها.
وقال الزمخشري: يجوز أن يكون صفة للنبات، والنبات مصدر سُمِّيَ به النابت كما سُمِّيَ بالنبت فاستوى فيه الواحد والجمع، يعني أنها {شتى} مختلفة النفع والطعم واللون والرائحة والشكل، بعضها يصلح للناس وبعضها للبهائم.
قالوا: من نعمته عز وجل أن أرزاق العباد إنما تحصل بعمل الأنعام وقد جعل الله علفها مما يفضل عن حاجتهم ولا يقدرون على أكله {كلوا وارعوا أنعامكم} أمر إباحة معمول لحال محذوفة أي {فأخرجنا} قائلين أي آذنين في الانتفاع بها، مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها، عُدِيّ هنا {وارعوا} ورعى يكون لازمًا ومتعديًا تقول: رعت الدابة رعيًا، ورعاها صاحبها رعاية إذا سامها وسرحها وأراحها قاله الزجاج.
وأشار بقوله: {إن في ذلك} للآيات السابقة من جعل الأرض مهدًا وسلك سبلها وإنزال الماء وإخراج النبات.
وقالوا {النُّهى} جمع نهية وهو العقل سُمِّيَ بذلك لأنه ينهى عن القبائح، وأجاز أبو على أن يكون مصدرًا كالهدى.
والضمير في {منها} يعود على الأرض، وأراد خلق أصلهم آدم.
وقيل: ينطلق الملك إلى تربة المكان الذي يدفن فيه من يخلق فيبددها على النطفة فيخلق من التراب والنطفة معًا قاله عطاء الخراساني.
وقيل: من الأغذية التي تتولد من الأرض فيكون ذلك تنبيهًا على ما تولدت منها الأخلاط المتولد منها الإنسان فهو من باب مجاز المجاز {وفيها نعيدكم} أي بالدفن بها أو بالتمزيق عليها {ومنها نخرجكم تارة} بالبعث {تارة} مرة {أخرى} يؤلف أجزاءهم المتفرقة ويردّهم كما كانوا أحياء.
وقوله: {أخرى} أي إخراجة أخرى لأن معنى قوله: {منها خلقناكم} أخرجناكم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالَ} أي فرعون بعد ما أتياه وبلَّغاه ما أُمرا به، وإنما طُوي ذكرُه للإيجاز والإشعارِ بأنهما كما أُمرا بذلك سارعا إلى الامتثال به من غير تلعثم، وبأن ذلك من الظهور بحيث لا حاجة إلى التصريح به {فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى} لم يُضِف الربَّ إلى نفسه ولو بطريق حكاية ما في قوله تعالى: {إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ} وقوله تعالى: {قَدْ جئناك بِئَايَةٍ مّن رَّبّكَ} لغاية عتوِّه ونهاية طُغيانه بل أضافه إليهما لما أن المرسِلَ لابد أن يكون ربًا للرسول، أو لأنهما قد صرحا بربوبيته تعالى للكل بأن قالا: {إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين} كما وقع في سورة الشعراءِ، والاقتصارُ هاهنا على ذكر ربوبيته تعالى لفرعون لكفايته فيما هو المقصودُ والفاءُ لترتيب السؤال على ما سبق من كونهما رسولَيْ ربِّهما، أي إذا كنتما رسولَي ربِّكما فأخبِراني مَنْ ربُّكما الذي أرسلكما، وتخصيصُ النداء بموسى عليه الصلاة والسلام مع توجيه الخطابِ إليهما لما أنه الأصلُ في الرسالة وهارونُ وزيرُه، وأما ما قيل من أن ذلك لأنه قد عرف أن له عليه الصلاة والسلام رُتّةً فأراد أن يُفحِمه فيردُّه ما شاهده منه عليه الصلاة والسلام من حسن البيانِ القاطعِ لذلك الطمعِ الفارغ، وأما قوله: {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} فمن غلوّه في الخُبث والدعارة كما مر.
{قَالَ} أي موسى عليه الصلاة والسلام مجيبًا له: {رَبَّنَا} إما مبتدأٌ وقوله تعالى: {الذى أعطى كُلَّ شَىء خَلْقَهُ} خبرُه أو هو خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ والموصولُ صفتُه، وأيًا ما كان فلم يريدا بضمير المتلكم أنفسَهما فقط حسبما أراد اللعينُ بل جميعَ المخلوقاتِ تحقيقًا للحق وردًا عليه كما يُفصح عنه ما في حيز الصلة، أي هو ربُّنا الذي أعطى كلَّ شيء من الأشياء خلقَه أي صورتَه وشكلَه اللائقَ بما نيط به من الخواصّ والمنافِع، أو أعطى مخلوقاتِه كلَّ شيء تحتاج هي إليه وترتفق به، وتقديمُ المفعول الثاني للاهتمام به، أو أعطى كلَّ حيوان نظيرَه في الخلق والصورة حيث زوّج الحصانَ بالحِجْر والبعيرَ بالناقة والرجلَ بالمرأة ولم يزوِّج شيئًا من ذلك بخلاف جنسِه، وقرئ خَلَقه على صيغة الماضي على أن الجملة صفةٌ للمضاف أو المضافِ إليه، وحَذفُ المفعولِ الثاني إما للاقتصار على الأول أي كلَّ شيء خلقه الله تعالى لم يحرِمْه من عطائه وإنعامِه، أو للاختصار من كونه منويًا مدلولًا عليه بقرينة الحالِ أي أعطى كلَّ شيء خلقه الله تعالى ما يحتاج إليه.
{ثُمَّ هدى} أي إلى طريق الانتفاعِ والارتفاق بما أعطاه وعرّفه كيف يَتوصّل إلى بقائه وكماله إما اختيارًا كما في الحيوانات أو طبعًا كما في الجمادات والقُوى الطبيعية النباتية والحيوانية، ولمّا كان الخلقُ الذي هو عبارةٌ عن تركيب الأجزاءِ وتسويةِ الأجسام متقدمًا على الهداية التي هي عبارةٌ عن إيداع القُوى المحرِّكةِ والمدْرِكة في تلك الأجسامِ وُسِّط بينهما كلمةُ التراخي، ولقد ساق عليه الصلاة والسلام جوابَه على نمط رائقٍ وأسلوب لائقٍ حيث بين أنه تعالى عالمٌ قادرٌ بالذات خالقٌ لجميع الأشياء مُنعِمٌ عليها بجميع ما يليق بها بطريق التفضلِ، وضمّنه أن إرسالَه تعالى إياه إلى الطاغية من جملة هداياته سبحانه إياه بعد أن هداه إلى الحق بالهدايات التكوينيةِ حيث ركّب فيه العقلَ وسائرَ المشاعرِ والآلاتِ الظاهرةِ والباطنة.