فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فذكر موسى ما وعده الله عز وجل، فضرب البحر بعصاه فانفلق البحر اثنتي عشرة فرقة.
فلما جاوز أصحاب موسى كلهم ودخل أصحاب فرعون كلهم، التقم البحر عليهم، فقال أصحاب موسى: إنا نخاف أن لا يكون فرعون.
فدعا موسى ربه فأخرجه حتى استيقنوا، فمضوا حتى أنزلهم منزلًا، ثم قال لهم: أطيعوا هارون فإني استخلفته عليكم، وإني ذاهب إلى ربي.
وأجَّلهم ثلاثين يومًا وصامهن.
وكره أن يكلمه ربه وريح فمه ريح فم الصائم فتناول موسى من نبات الأرض شيئًا فمضغه، فقال له ربه حين أتاه: لم أفطرت؟ وهو أعلم.
قال: يا رب إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح.
قال الله تعالى: أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك ارجع حتى تصوم عشرة أيام، ثم ائتني.
ففعل موسى الذي أمره ربه تعالى، فلما رأى قوم موسى أنه لم يأتهم للأجل، ساءهم ذلك.
وأخرج لهم السامري عجلًا جسدًا، له خوار من حلي آل فرعون فتفرقت بنو إسرائيل، فقالت فرقة للسامري: ما هذا؟ قال: هذا ربكم، ولكن موسى أخطأ الطريق.
فقالوا: لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى.
وقالت فرقة: هذا من عمل الشيطان، وليس هذا بربنا.
وأسرت فرقة في قلوبهم التصديق، وقال لهم هارون: إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن.
فلما كلم الله موسى، أخبره بما لقي قومه بعده، فرجع موسى إلى قومه غضبان أَسِفًا، وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه كما قصَّ الله عز وجل في هذه السورة؛ وذلك من الفتون يا ابن جبير.
ويقال: {وفتناك فُتُونًا}، أي: اختبرناك اختبارًا، ويقال: أخلصناك إخلاصًا.
كما قال تعالى: {واذكر في الكتاب موسى إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} [مريم: 51].
ثم قال عز وجل: {فَلَبِثْتَ سِنِينَ في أَهْلِ مَدْيَنَ}، أي: عشر سنين عند شعيب {ثُمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ ياموسى موسى}؛ يعني: على وقت مقدور عليك يا موسى، وهذا قول ابن عباس، وقال مقاتل: على قدر، أي: على ميقات، ويقال: على موعد، ويقال: على قدر من تكلمي إياك، ويقال: على قضاء قضيته، ويقال: على تمام الذي يوحى للأنبياء أربعين سنة.
{واصطنعتك لِنَفْسِى}، يعني: اخترتك للرسالة والنبوة ولإقامة حجتي.
فقال موسى: يا رب حسبي حسبي فقد تمت كرامتي، فقال الله تعالى: {اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بئاياتى}، يعني: آياتي التسع، {وَلاَ تَنِيَا في ذِكْرِى}؛ يعني: لا تفترا ولا تعجزا ولا تضعفا عن أداء رسالتي.
{اذهبا إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى}، يعني: تكبر وعلا.
{فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيّنًا}، يعني: كلامًا باللين والشفقة والرفق، لأن الرؤساء بكلام اللين أقرب إلى الانقياد من الكلام العنيف.
أي: قولا له: أيها الملك، ويقال: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيّنًا} لوجوب حقه عليك بما رباك، وإن كان كافرًا.
وروى أسباط عن السدي قال: القول اللين أن موسى جاءه، فقال له: تسلم وتؤمن بما جئت به وتعبد رب العالمين، على أن لك شبابًا لا تهرم أبدًا، ويكون لك ملك لا ينزع منك أبدًا حتى تموت، ولا ينزع منك لذة الطعام والشراب والجماع أبدًا حتى تموت؛ فإذا مت دخلت الجنة.
قال: فكأنه أعجبه ذلك وكان لا يقطع أمرًا دون هامان، وكان هامان غائبًا فقال له فرعون: إن لي من أوامره وهو غائب حتى يقدم.
فلم يلبث أن قدم هامان فقال له فرعون: علمت بأن ذلك الرجل أتاني؟ فقال هامان: ومن ذلك الرجل؟ فقال فرعون: هو موسى.
قال: فما قال؟ فأخبره بالذي دعاه إليه.
قال: فما قلت له؟ قال: لقد دعاني إلى أمر أعجبني.
فقال له هامان: قد كنت أرى لك عقلًا وأن لك رأيًا بينًا أنت رب، أفتريد أن تكون مربوبًا، وبينا أنت تعبد أفتريد أن تعبد غيرك؟ فغلبه على رأيه فأبى.
ثم قال تعالى: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى}، يعني: يتعظ أو يسلم.
وقال الزجاج: لعل في اللغة للترجي والتطمع، يقول: لعله يصير إلى خير.
والله سبحانه وتعالى خاطب العباد بما يعقلون، والمعنى عند سيبوبه اذهبا على رجائكما وطمعكما، وقد علم الله تعالى أنه لا يتذكر ولا يخشى؛ إلا أن الحجة إنما تجب بإبائه؛ وقال بعض الحكماء: إذا أردت أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فعليك باللين لأنك لست بأفضل من موسى وهارون، ولا الذي تأمره بالمعروف ليس بأسوأ من فرعون؛ وقد أمرهما الله تعالى بأن يأمراه باللين، فأنت أولى أن تأمر وتنهى باللين.
ثم قال عز وجل: {قَالاَ}، أي: موسى وهارون: {رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا}؛ يعني: أن يبادر بعقوبتنا.
يقال: قد فرط منه أمر، أي: قد بدر منه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ».
ويقال: أن يفرط علينا، يعني: أن يضر بنا.
{أَوْ أَن يطغى}، يعني: يقتلنا: قال: كان هذا القول من موسى وهارون حين رجع موسى إلى مصر، وأوحى إليهما فقالا عند ذلك: إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى؛ وقال بعضهم: قد قال الله ذلك لموسى عند طور سيناء؛ فأجابه موسى عن نفسه وعن هارون، فأضاف القول إليهما جميعًا.
{قَالَ} الله تعالى: {لاَ تَخَافَا}، أي: لا تخافا عقوبة فرعون عند أداء الرسالة.
{إِنَّنِى مَعَكُمَا}، أي: معينكما.
{أَسْمَعُ وأرى}، أي: أسمع ما يرد عليكما، وأرى ما يصنع بكما {فَأْتِيَاهُ}، يعني: فاذهبا إلى فرعون، {فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ}.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: في الآية دليل أنه يجوز رواية الأخبار بالمعنى، وإنما العبرة للمعنى دون اللفظ، لأن الله تعالى حكى معنى واحدًا بألفاظ مختلفة، وقال في آية أخرى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فقولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين} [الشعراء: 16] وقال هاهنا: {إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ} وقال في آية أخرى: {قالوا ءَامَنَّا بِرَبِّ العالمين رَبِّ موسى وهارون} [الأعراف: 121/122]، وقال في موضع: {امَنَّا بِرَبّ هارون وموسى}.
ثم قال تعالى: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسراءيل وَلاَ تُعَذّبْهُمْ}، يعني: لا تستعبدهم.
{قَدْ جئناك بِئَايَةٍ مّن رَّبّكَ}، يعني: باليد والعصا.
{والسلام على مَنِ اتبع الهدى}، أي: على من طلب الحق ورغب في الإسلام.
قال الزجاج: {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} معناه أن من اتبع الهدى، فقد سلم من عذاب الله وسخطه {إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَا أَنَّ العذاب} في الآخرة بالدوام {على مَن كَذَّبَ وتولى} عن التوحيد، والإيمان ولم يذكر في الآية أنهما فرعون، لأن في الكلام دليلًا عليه حيث ذكر قول فرعون، ومعناه أنهما أتيا فرعون وأديا إليه الرسالة وقالا: {إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ}.
{قَالَ} فرعون: {فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى موسى}، ولم يقل من ربي تكبرًا منه.
{قَالَ} موسى: {رَبُّنَا الذى أعطى كُلَّ شَىء خَلْقَهُ}، يعني: شكله؛ ويقال: خلق لكل ذكر أنثى شبهه؛ {ثُمَّ هدى}، يعني: ألهمه الأكل والشرب والجماع، وقال القتبي: الإهداء أصله الإرشاد، كقوله: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عسى ربى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاءَ السبيل} [القصص: 22].
ثم الإرشاد مرة يكون بالدعاء، ومرة بالبيان.
وقد ذكرناه في سورة الأعراف، ومرة بالإلهام كقوله: {أعطى كُلَّ شَىء خَلْقَهُ} أي: صورته {ثُمَّ هدى} أي: ألهمه إتيان الإناث.
ويقال: ألهمه طلب المرعى وتوقي المهالك.
وقال الحسن: أعطى كل شيء من خلقه ما يصلح له، ثم هداه أن موسى أخبره بالبعث والجزاء وأمر الآخرة.
وقال فرعون: {فَمَا بَالُ القرون الاولى}؟ يعني: ما حال القرون الماضية وما شأنها؟ {قَالَ} موسى: {عِلْمُهَا عِندَ رَبّى في كتاب}، يعني: في اللوح المحفوظ.
{لاَّ يَضِلُّ رَبّى} يعني: لا يخفى على ربي، {وَلاَ يَنسَى} ما كان من أمرهم.
وقال مجاهد {لاَّ يَضِلُّ رَبّى}، أي: لا يخفى على ربي شيء واحد.
قال السدي: أي: لا يغفل ولا يترك، وكان الحسن يقرأ {لاَّ يَضِلُّ} بضم الياء، يعني: لا يضله الله، يعني به الكتاب.
وإلى هذا الموضع حكاية كلام موسى.
ثم إن الله تبارك وتعالى قال لمشركي مكة: {الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْدًا}، يعني: موضع القرار، وهو الرب الذي ذكر موسى لفرعون ودعاه إلى عبادته.
قرأ حمزة والكسائي وعاصم {مهادا} والباقون {مهادا} أي: فراشًا وبساطًا.
قال أبو عبيد: المهد الفعل، يقال: مهدت مهدًا؛ والمهاد اسم الموضع.
{وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا}، يعني: حصل لكم فيها طرقًا، {وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاء}؛ يعني: المطر، {فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا}؛ يعني: أنبتنا بالمطر أصنافًا وألوانًا.
{مّن نبات شتى} مختلف ألوانه.
{كُلُواْ وارعوا أنعامكم}.
اللفظ لفظ الأمر ومعناه معنى الخبر، يعني: لتأكلوا منه وترعوا أنعامكم.
{إِنَّ في ذَلِكَ}، يعني: إن في اختلاف ألوانه {لاَيَاتٍ}، أي: لعبرات {لاِوْلِى النهى}، يعني: لذوي العقول من الناس.
{مِنْهَا خلقناكم}، يعني: آدم خلقناه من الأرض، {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} أي: بعد موتكم، {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ}؛ يعني: نحييكم ونخرجكم من الأرض {تَارَةً أخرى}. اهـ.

.قال الثعلبي:

قوله عز وجل: {طه}.
قرأ أبو عمرو بفتح الطاء وكسر الهاء، وقرأ أهل المدينة والشام بين الكسر والفتح فيهما، وقرأ الأعمش وحمزه والكسائي بكسر الهاء والطاء، وقرأ عاصم وابن كثير بالتفخيم فيهما وكلها لغات صحيحة.
أخبرنا عبد الله بن حامد عن محمد بن عمر بن حميد الأزدي عن محمد بن الجهم السمري، عن يحيى بن زياد الفرّاء عن عيسى بن الربيع عن زرّ بن حبيش قال: قرأ رجل على عبد الله بن مسعود {طه} فقال له عبد الله: {طِه} فقال له الرجل: يا أبا عبد الرَّحْمن أليس أُمر أن يطأ قدميه؟ فقال عبد الله: طِه، هكذا أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واختلفوا في تفسيره، فروى عبد الله بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو قسم أقسم الله به وهو اسم من أسماء الله، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: هو كقولك: افعل، وقال مجاهد والحسن وعطاء والضحاك: معناه يا رجل، وقال عكرمة: هو كقولك: يا رجل بلسان الحبشة يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم وقال قتادة: هو يا رجل بالسريانيّة، وقال سعيد بن جبير: يا رجل بالنبطية. وروى السدّي عن أبي مالك وعكرمة: طه، قالا: يا فلان، وقال الكلبي: هو بلغة عكّ: يا رجل، قال شاعرهم:
إن السفاهة طه في خلائقكم ** لا قدّس الله أرواح الملاعين

وقال آخر:
هتفت بطه في القتال فلم يجب ** فخفت لعمرك أن يكون موائلا

مقاتل بن حيان معناه: طئ الأرض بقدميك، يريد في التهجّد، وقال محمد بن كعب القرظي: أقسم الله تعالى بطَوله وهدايته، وموضع القاسم قوله: {مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى}.
وقال جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه: طه: طهارة أهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم ثم {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] وقيل: الطاء شجرة طوبى، والهاء هاويه. والعرب تعبّر ببعض الشيء عن كلّه فكأنّه أقسم بالجنة والنار.
وقال سعيد بن جبير: الطاء افتتاح اسمه طاهر وطيب، والهاء افتتاح اسمه هادي. وقيل: الطاء يا طامع الشفاعة للأُمة، والهاء يا هادي الخلق إلى الملّة.
وقيل: الطاء من الطهارة، والهاء: من الهداية، وكأنه تعالى يقول لنبيّه صلى اللّه عليه وسلم: يا طاهرًا من الذنوب، ويا هاديًا إلى علاّم الغيوب، وقيل: الطاء: طبول الغزاة، والهاء: هيبتهم في قلوب الكفار، قال الله تعالى {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} [آل عمران: 151]. وقال: وقذف في قلوبهم الرعب، وقيل: الطاء: طرب أهل الجنة، والهاء: هوان أهل النار في النار، وقيل: الطاء تسعة في حساب الجمل والهاء خمسة، أربعة عشر، ومعناها يا أيّها البدر {مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى} قال مجاهد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يربطون الحبال في صدورهم في الصلاة بالليل ذلك بالفرض، وأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي: لمّا نزل على رسول الله الوحي بمكّة اجتهد في العبادة واشتدّت عبادته فجعل يصلّي الليل كله، فكان بعد نزول هذه الآية ينام ويصلّي.
أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد الهروي عن بشر بن موسى الحميدي عن سفيان بن زياد بن علاقة قال: سمعت المغيرة بن شعبة يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، وقيل له: يا رسول الله أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أفلا أكون عبدًا شكورًا».
وقال مقاتل: قال أبو جهل بن هشام والنصر بن الحرث للنبىّ صلى الله عليه وسلم إنّك لتسعى بترك ديننا وذلك لما رأوا من طول عبادته وشدّة اجتهاده فإننا نراه أنّه ليس لله وأنّك مبعوث إلينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل بعثت رحمة للعالمين، قالوا: بل أنت شقيّ، فأنزل الله تعالى {طه مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى} وأصل لكن أنزلناه عظة لمن يخشى.
قال الحسين بن الفضل: فيه تقديم وتأخير مجازه: ما أنزلنا عليك القرآن إّلا تذكرة لمن يخشى ولئلاّ تشقى، تنزيلًا بدل من قوله تذكرةً.
وقرأ أبو الشامي: تنزيل بالرفع يعني هذا {تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الأرض والسماوات العلى} يعني العالية الرفيعة وهو جمع العُليا كصغرى وصغر وكبرى وكبر {الرحمن عَلَى العرش استوى لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثرى} يعني التراب الذي تحت الأرضين وهو التراب الندي، تقول العرب: شبر ندىّ وسهر نديّ وسهر مرعىّ.
قال ابن عباس: الأرض على ظهر النون والنون على بحر وإنّ طرفي النون رأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش على صخرة خضراء، وخضرة السماء منها وهي الصخرة التي ذكرها الله تعالى في القرآن في قصة لقمان {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} [لقمان: 16] الصخرة على قرن ثور، والثور على الثرى {وَمَا تَحْتَ الثرى} لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ، وذلك الثور فاتح فاهُ فإذا جعل الله عزّ وجلّ البحار بحرًا واحدًا سالت في جوف ذلك الثور، فإذا وقعت في جوفه يبست.