فصل: (سورة طه: الآيات 11- 14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة طه: الآيات 11- 14]:

{فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14)}.
قرأ أبو عمرو وابن كثير إِنِّي بالفتح، أي: نودي بأنى أَنَا رَبُّكَ وكسر الباقون، أي: نودي فقيل يا موسى. أو لأنّ النداء ضرب من القول فعومل معاملته. تكرير الضمير في إِنِّي أَنَا رَبُّكَ لتوكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة. روى أنه لما نودي يا مُوسى قال: من المتكلم؟ فقال له اللّه عز وجل: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ، وأن إبليس وسوس إليه فقال: لعلك تسمع كلام شيطان. فقال: أنا عرفت أنه كلام اللّه بأنى أسمعه من جميع جهاتى الست، وأسمعه بجميع أعضائى. وروى أنه حين انتهى رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها كأنها نار بيضاء تتقد، وسمع تسبيح الملائكة، ورأى نورا عظيما فخاف وبهت، فألقيت عليه السكينة ثم نودي، وكانت الشجرة عوسجة. وروى: كلما دنا أو بعد لم يختلف ما كان يسمع من الصوت.
وعن ابن إسحاق: لما دنا استأخرت عنه، فلما رأى ذلك رجع وأوجس في نفسه خيفة، فلما أراد الرجعة دنت منه، ثم كلم. قيل: أمر بخلع النعلين لأنهما كانتا من جلد حمار ميت غير مدبوغ عن السدى وقتادة. وقيل: ليباشر الوادي بقدميه متبركا به. وقيل: لأن الحفوة تواضع للّه، ومن ثم طاف السلف بالكعبة حافين، ومنهم من استعظم دخول المسجد بنعليه، وكان إذاندر منه الدخول منتعلا تصدق، والقرآن يدل على أن ذلك احترام للبقعة وتعظيم لها وتشريف لقدسها. وروى أنه خلع نعليه وألقاهما من وراء الوادي طُوىً بالضم والكسر منصرف وغير منصرف بتأويل المكان والبقعة. وقيل: مرتين، نحو ثنى، أي نودي نداءين أو قدس الوادي كرة بعد كرة وَأَنَا اخْتَرْتُكَ اصطفيتك للنبوة. وقرأ حمزة: وإنا اخترناك.
لِما يُوحى للذي يوحى. أو للوحى. تعلق اللام باستمع، أو باخترتك لِذِكْرِي لتذكرني فإن ذكرى أن أعبد ويصلى لي. أو لتذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأذكار عن مجاهد. أو:
لأنى ذكرتها في الكتب وأمرت بها. أو لأن أذكرك بالمدح والثناء وأجعل لك لسان صدق.
أو لذكرى خاصة لا تشوبه بذكر غيرى أو لإخلاص ذكرى وطلب وجهى لا ترائى بها ولا تقصد بها غرضا آخر. أو لتكون لي ذاكرا غير ناس فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم وتوكيل هممهم وأفكارهم به، كما قال لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. أو لأوقات ذكرى وهي مواقيت الصلاة، كقوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا واللام مثلها في قولك: جئتك لوقت كذا، وكان ذلك لست ليال خلون. وقوله تعالى يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي وقد حمل على ذكر الصلاة بعد نسيانها من قوله عليه السلام «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» وكان حق العبارة أن يقال: لذكرها، كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «إذا ذكرها» ومن يتمحل له يقول: إذا ذكر الصلاة فقد ذكر اللّه. أو بتقدير حذف المضاف، أي: لذكر صلاتي. أو لأن الذكر والنسيان من اللّه عز وجل في الحقيقة. وقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {للذكرى}.

.[سورة طه: آية 15]:

{إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (15)}.
أى أكاد أخفيها فلا أقول هي آتية لفرط إرادتى إخفاءها ولولا ما في الإخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من اللطف لما أخبرت به. وقيل: معناه أكاد أخفيها من نفسي، ولا دليل في الكلام على هذا المحذوف، ومحذوف لا دليل عليه مطرح. والذي غرهم منه أن في مصحف أبى: أكاد أخفيها من نفسي. وفي بعض المصاحف: أكاد أخفيها من نفسي فكيف أظهركم عليها وعن أبى الدرداء وسعيد بن جبير: أخفيها بالفتح، من خفاه إذا أظهره، أي: قرب إظهارها كقوله تعالى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وقد جاء في بعض اللغات: أخفاه بمعنى خفاه. وبه فسر بيت امرئ القيس:
فإن تدفنوا الدّاء لا نخفه ** وإن تبعثوا الحرب لا نقعد

فأكاد أخفيها محتمل للمعنيين لِتُجْزى متعلق بآية بِما تَسْعى بسعيها.

.[سورة طه: آية 16]:

{فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (16)}.
أي: لا يصدنك عن تصديقها والضمير للقيامة. ويجوز أن يكون للصلاة. فإن قلت: العبارة لنهى من لا يؤمن عن صدّ موسى، والمقصود نهى موسى عن التكذيب بالبعث أو أمره بالتصديق فكيف صلحت هذه العبارة لأداء هذا المقصود؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن صد الكافر عن التصديق بها سبب للتكذيب. فذكر السبب ليدل على المسبب. والثاني أن صد الكافر مسبب عن رخاوة الرجل في الدين ولين شكيمته، فذكر المسبب ليدل على السبب، كقولهم: لا أرينك هاهنا، المراد نهيه عن مشاهدته والكون بحضرته، وذلك سبب رؤيته إياه. فكان ذكر المسبب دليلا على السبب، كأنه قيل: فكن شديد الشكيمة صليب المعجم، حتى لا يتلوح منك لمن يكفر بالبعث أنه يطمع في صدك عما أنت عليه، يعنى: أن من لا يؤمن بالآخرة هم الجم الغفير إذ لا شيء أطم على الكفرة ولا هم أشد له نكيرا من البعث، فلا يهولنك وفور دهمائهم ولا عظم سوادهم، ولا تجعل الكثرة مزلة قدمك، واعلم أنهم وإن كثروا تلك الكثرة فقدوتهم فيما هم فيه هو الهوى واتباعه، لا البرهان وتدبره. وفي هذا حث عظيم على العمل بالدليل، وزجر بليغ عن التقليد، وإنذار بأن الهلاك والردى مع التقليد وأهله.

.[سورة طه: الآيات 17- 18]:

{وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18)}.
{وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى} كقوله تعالى: {وَهذا بَعْلِي شَيْخًا} في انتصاب الحال بمعنى الإشارة: ويجوز أن تكون تِلْكَ اسما موصولا صلته بِيَمِينِكَ إنما سأله ليريه عظم ما يخترعه عز وعلا في الخشبة اليابسة من قلبها حية نضناضة وليقرر في نفسه المباينة البعيدة بين المقلوب عنه والمقلوب إليه، وينبهه على قدرته الباهرة. ونظيره أن يريك الزرّاد زبرة من حديد ويقول لك: ما هي؟ فتقول: زبرة حديد، ثم يريك بعد أيام لبوسا مسردا فيقول لك: هي تلك الزبرة صيرتها إلى ما ترى من عجيب الصنعة وأنيق السرد. قرأ ابن أبى إسحاق: عصىّ، على لغة هذيل.
ومثله يا بُشْرى أرادوا كسر ما قبل ياء المتكلم فلم يقدروا عليه، فقلبوا الألف إلى أخت الكسرة وقرأ الحسن عَصايَ بكسر الياء لالتقاء الساكنين، وهو مثل قراءة حمزة: {بِمُصْرِخِيَّ} وعن ابن أبى إسحاق: سكون الياء {أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها} أعتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع وعند الطفرة. هش الورق: خبطه، أي: أخبطه على رؤس غنمي تأكله. وعن لقمان ابن عاد: أكلت حقا وابن لبون وجذع. وهشة نخب وسيلا دفع، والحمد للّه من غير شبع، سمعته من غير واحد من العرب. ونخب: واد قريب من الطائف كثير السدر. وفي قراءة النخعي: أهش، وكلاهما من هش الخبز يهش: إذا كان ينكسر لهشاشته. وعن عكرمة: أهس بالسين، أي: أنحى عليها زاجرا لها. والهس: زجر الغنم. ذكر على التفصيل والإجمال المنافع المتعلقة بالعصا، كأنه أحس بما يعقب هذا السؤال من أمر عظيم يحدثه اللّه تعالى فقال: ما هي إلا عصا لا تنفع إلا منافع بنات جنسها وكما تنفع العيدان، ليكون جوابه مطابقا للغرض الذي فهمه من فحوى كلام ربه. ويجوز أن يريد عزّ وجلّ أن يعدّد المرافق الكثيرة التي علقها بالعصا ويستكثرها ويستعظمها، ثم يريه على عقب ذلك الآية العظيمة، كأنه يقول له: أين أنت عن هذه المنفعة العظمى والمأربة الكبرى المنسية عندها كل منفعة ومأربة كنت تعتدّ بها وتحتفل بشأنها، وقالوا: إنما سأله ليبسط منه ويقلل هيبته. وقالوا: إنما أجمل موسى ليسأله عن تلك المآرب فيزيد في إكرامه، وقالوا: انقطع لسانه بالهيبة فأجمل، وقالوا: اسم العصا نبعة. وقيل في المآرب: كانت ذات شعبتين ومحجن، فإذا طال الغصن حناه بالمحجن، وإذا طلب كسره لواه بالشعبتين، وإذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته من القوس والكنانة والحلاب وغيرها، وإذا كان في البرية ركزها وعرض الزندين على شعبتيها وألقى عليها الكساء واستظلّ وإذا قصر رشاؤه وصله بها، وكان يقاتل بها السباع عن غنمه. وقيل: كان فيها من المعجزات أنه كان يستقى بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلوا، وتكونان شمعتين بالليل، وإذا ظهر عدوّ حاربت عنه، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت، وكان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه، ويركزها فينبع الماء، فإذا رفعها نضب، وكانت تقيه الهوام.

.[سورة طه: الآيات 19- 20]:

{قالَ أَلْقِها يا مُوسى (19) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20)}.
السعى: المشي بسرعة وخفة حركة. فإن قلت: كيف ذكرت بألفاظ مختلفة: بالحية، والجان، والثعبان؟ قلت: أمّا الحية فاسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير. وأمّا الثعبان والجان فبينهما تناف، لأنّ الثعبان العظيم من الحيات، والجان الدقيق. وفي ذلك وجهان:
أحدهما أنها كانت وقت انقلابها حيه تنقلب حية صفراء دقيقة، ثم تتورم ويتزايد جرمها حتى تصير ثعبانا، فأريد يا لجان أوّل حالها، وبالثعبان مآلها. الثاني: أنها كانت في شخص الثعبان وسرعة حركة الجان. والدليل عليه قوله تعالى: فلما رآها تهترّ كأنها جانّ. وقيل كان لها عرف كعرف الفرس. وقيل كان بين لحييها أربعون ذراعا.

.[سورة طه: آية 21]:

{قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (21)}.
لما رأى ذلك الأمر العجيب الهائل ملكه من الفزع والنفاز ما يملك البشر عند الأهوال والمخاوف. وعن ابن عباس: انقلبت ثعبانا ذكرا يبتلع الصخر والشجر، فلما رآه يبتلع كل شيء خاف ونفر. وعن بعضهم: إنما خافها لأنه عرف ما لفي آدم منها. وقيل: لما قال له ربه لا تَخَفْ بلغ من ذهاب خوفه وطمأنينة نفسه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحيها. السيرة من السير: كالركبة من الركوب. يقال: سار فلان سيرة حسنة، ثم اتسع فيها فنقلت إلى معنى المذهب والطريقة. وقيل: سير الأوّلين، فيجوز أن ينتصب على الظرف، أي: سنعيدها في طريقتها الأولى، أي: في حال ما كانت عصا، وأن يكون. أعاد منقولا من عاده بمعنى عاد إليه. ومنه بيت زهير:
وعادك أن تلاقيها عداء

فيتعدى إلى مفعولين. ووجه ثالث حسن: وهو أن يكون سَنُعِيدُها مستقلا بنفسه غير متعلق بسيرتها، بمعنى أنها أنشئت أوّل ما أنشئت عصا، ثم ذهبت وبطلت بالقلب حية، فسنعيدها بعد ذهابها كما أنشأناها أوّلا. ونصب سيرتها بفعل مضمر، أي: تسير سيرتها الأولى: يعنى سنعيدها سائرة سيرتها الأولى حيث كنت تتوكأ عليها ولك فيها المآرب التي عرفتها.

.[سورة طه: الآيات 22- 23]:

{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (23)}.
قيل لكل ناحيتين: جناحان، كجناحى العسكر لمجنبتيه، وجناحا الإنسان: جنباه، والأصل المستعار منه جناحا الطائر. سميا جناحين لأنه يجنحهما عند الطيران. والمراد إلى جنبك تحت العضد، دل على ذلك قوله: {تَخْرُجْ}. السوء: الرداءة والقبح في كل شيء، فكنى به عن البرص كما كنى عن العورة بالسوأة، وكان جذيمة صاحب الزباء أبرص فكنوا عنه بالأبرش والبرص أبغض شيء إلى العرب، وبهم عنه نفرة عظيمة، وأسماعهم لاسمه مجاجة، فكان جديرا بأن يكنى عنه، ولا نرى أحسن ولا ألطف ولا أحز للمفاصل من كنايات القرآن وآدابه.
يروى أنه كان آدم فأخرج يده من مدرعته بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس يعشى البصر.
{بَيْضاءَ} و{آيَةً} حالان معا. و{مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} من صلة لبيضاء، كما تقول ابيضت من غير سوء، وفي نصب آيَةً وجه آخر، وهو أن يكون بإضمار نحو: خذ، ودونك، وما أشبه ذلك، حذف لدلالة الكلام، وقد تعلق بهذا المحذوف {لِنُرِيَكَ} أي خذ هذه الآية أيضا بعد قلب العصاحية لنريك بهاتين الآيتين بعض آياتنا الكبرى. أو لنريك بهما الكبرى من آياتنا.
أو لنريك من آياتنا الكبرى فعلنا ذلك.

.[سورة طه: الآيات 24- 35]:

{اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (24) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيرًا (35)}.
لما أمره بالذهاب إلى فرعون الطاغي لعنه اللّه عرف أنه كلف أمرا عظيما وخطبا جسيما يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلا ذو جأش رابط وصدر فسيح، فاستوهب ربه أن يشرح صدره ويفسح قلبه، ويجعله حليما حمولا يستقبل ما عسى يرد عليه من الشدائد التي يذهب معها صبر الصابر بجميل الصبر وحسن الثبات، وأن يسهل عليه في الجملة أمره الذي هو خلافة اللّه في أرضه وما يصحبها من مزاولة معاظم الشؤون ومقاساة جلائل الخطوب. فإن قلت: لِي في قوله: {اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} ما جدواه والكلام بدونه مستتب؟ قلت: قد أبهم الكلام أولا فقيل: اشرح لي ويسر لي، فعلم أن ثم مشروحا وميسرا، ثم بين ورفع الإبهام بذكرهما، فكان آكد لطلب الشرح والتيسير لصدره وأمره، من أن يقول: اشرح صدري ويسر أمرى على الإيضاح الساذج، لأنه تكرير للمعنى الواحد من طريقى الإجمال والتفصيل. عن ابن عباس: كان في لسانه رتة لما روى من حديث الجمرة. ويروى أن يده احترقت، وأن فرعون اجتهد في علاجها فلم تبرأ، ولما دعاه قال: إلى أي رب تدعوني؟ قال: إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنها. وعن بعضهم: إنما لم تبرأ يده لئلا يدخلها مع فرعون في قصعة واحدة فتنعقد بينهما حرمة المواكلة. واختلف في زوال العقدة بكمالها فقيل: ذهب بعضها وبقي بعضها، لقوله تعالى: {وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسانًا} وقوله تعالى: {وَلا يَكادُ يُبِينُ} وكان في لسان الحسين بن على رضي اللّه عنهما رتة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «ورثها من عمه موسى» وقيل: زالت بكمالها لقوله تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى} وفي تنكير العقدة- وإن لم يقل عقدة لساني-: أنه طلب حل بعضها إرادة أن يفهم عنه فهما جيدا، ولم يطلب الفصاحة الكاملة. و{مِنْ لِسانِي} صفة للعقدة كأنه قيل: عقدة من عقد لساني.
الوزير من الوزر، لأنه يتحمل عن الملك أو زاره ومؤنة. أو من الوزر، لأن الملك يعتصم برأيه ويلجئ إليه أموره. أو من المؤازرة وهي المعاونة. عن الأصمعى قال: وكان القياس أزيرا، فقلبت الهمزة إلى الواو، ووجه قلبها أنّ فعيلا جاء في معنى مفاعل مجيئا صالحا، كقولهم: عشير وجليس وقعيد وخليل وصديق ونديم، فلما قلبت في أخيه قلبت فيه، وحمل الشيء على نظيره ليس بعزيز، ونظرا إلى يوازر وأخواته، وإلى الموازرة. {وَزِيرًا} و{هارُونَ} مفعولا قوله اجْعَلْ قدم ثانيهما على أولهما عناية بأمر الوزارة. أو {لِي وَزِيرًا} مفعولاه، وهرون عطف بيان للوزير. وأَخِي في الوجهين بدل من هرون، وإن جعل عطف بيان آخر جاز وحسن.
قرءوا جميعا {اشْدُدْ}، {وَأَشْرِكْهُ} على الدعاء. وابن عامر وحده: اشدد. وأشركه، على الجواب.
وفي مصحف ابن مسعود: أخى واشدد. وعن أبى بن كعب: أشركه في أمرى، واشدد به أزرى.
ويجوز فيمن قرأ على لفظ الأمر: أن يجعل أَخِي مرفوعا على الابتداء: و{اشْدُدْ بِهِ} خبره، ويوقف على هارُونَ. الأزر: القوة. وأزره: قواه، أي: اجعله شريكي في الرسالة حتى نتعاون على عبادتك وذكرك، فإن التعاون- لأنه مهيج الرغبات- يتزايد به الخير ويتكاثر {إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيرًا} أي عالما بأحوالنا وبأن التعاضد مما يصلحنا، وأن هرون نعم المعين والشادّ لعضدى، بأنه أكبر منى سنا وأفصح لسانا.