فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال قتادة: كان في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحبه {وَلِتُصْنَعَ} معطوف على محذوف تقديره وألقيت عليك محبة لتحب ولتصنع {على عَيْنِى} أي لتربى بمرأى مني وأصله من صنع الفرس أي أحسن القيام عليه يعني أنا مراعيك ومراقبك كما يراعي الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به {وَلِتُصْنَعَ} بسكون اللام والجزم: يزيد على أنه أمر منه.
{إِذْ تَمْشِى} بدل من {إِذْ أَوْحَيْنَا} لأن مشي أخته كان منة عليه {أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ على مَن يَكْفُلُهُ} رُوي أن أخته مريم جاءت متعرفة خبره فصادفتهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها وكان لا يقبل ثدي امرأة فقالت: هل أدلكم على من يضمه إلى نفسه فيربيه وأرادت بذلك المرضعة الأم.
وتذكير الفعل للفظ {مِنْ}، فقالوا: نعم فجاء بالأم فقبل ثديها وذلك قوله: {فرجعناك} فرددناك {إلى أُمّكَ} كما وعدناها بقولنا {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} [القصص: 7] {كَى تَقَرَّ عَيْنُها} بلقائك {وَلاَ تَحْزَنْ} على فراقك {وَقَتَلْتَ نَفْسًا} قبطيًا كافرًا {فنجيناك مِنَ الغم} من القود.
قيل الغم: القتل بلغة قريش وقيل: اغتم بسبب القتل خوفًا من عقاب الله تعالى ومن اقتصاص فرعون فغفر الله له باستغفاره {قَالَ رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فاغفر لِى} [القصص: 16] ونجاه من فرعون بأن ذهب به من مصر إلى مدين {وفتناك فُتُونًا} ابتليناك ابتلاء بإيقاعك في المحن وتخليصك منها، والفتون مصدر كالقعود أو جمع فتنة أي فتناك ضروبًا من الفتن، والفتنة المحنة وكل ما يبتلي الله به عباده فتنة.
{وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] {فَلَبِثْتَ سِنِينَ في أَهْلِ مَدْيَنَ} هي بلدة شعيب عليه السلام على ثمان مراحل من مصر.
قال وهب: لبث عند شعيب ثمانيًا وعشرين سنة، عشر منها مهر لصفوراء، وأقام عنده ثمان عشرة سنة بعدها حتى ولد له أولاد.
{ثُمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ ياموسى} أي موعد ومقدار للرسالة وهو أربعون سنة {واصطنعتك لِنَفْسِي} اخترتك واصطفيتك لوحي ورسالتي لتتصرف على إرادتي ومحبتي.
قال الزجاج: اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي كأني أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم.
{اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بئاياتى} بمعجزاتي {وَلاَ تَنِيَا} تفترا من الونى وهو الفتور والتقصير {فِى ذِكْرِى} أي اتخذا ذكري جناحًا تطيران به أو أريد بالذكر تبليغ الرسالة فالذكر يقع على سائر العبادات وتبليغ الرسالة من أعظمها {اذهبا إلى فِرْعَوْنَ} كرر لأن الأول مطلق والثاني مقيد {إِنَّهُ طغى} جاوز الحد بإدعائه الربوبية {فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيّنًا} الطفا له في القول لما له من حق تربية موسى، أو كنياه وهو من ذوي الكنى الثلاث: أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة.
أو عداه شبابًا لا يهرم بعده وملكًا لا ينزع عنه إلا بالموت، أو هو قوله: {هَل لَّكَ إلى أَن تزكى وَأَهْدِيَكَ إلى رَبّكَ فتخشى} [النازعات: 19] أي يخاف أن يكون الأمر كما تصفان فيجره إنكاره إلى الهلكة.
وإنما قال: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} مع علمه أنه لا يتذكر لأن الترجي لهما، أي اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الأمر مباشرة من يطمع أن يثمر عمله.
وجدوى إرسالهما إليه مع العلم بأنه لن يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة.
وقيل: معناه لعله يتذكر متذكر أو يخشى خاش وقد كان ذلك من كثير من الناس.
وقيل: {لَعَلَّ} من الله تعالى واجب وقد تذكر ولكن حين لم ينفعه التذكر.
وقيل: تذكر فرعون وخشي وأراد اتباع موسى فمنعه هامان وكان لا يقطع أمرًا دونه.
وتليت عند يحيى بن معاذ فبكى وقال: هذا رفقك بمن يقول أنا إله فكيف بمن قال أنت الإله؟ وهذا رفقك بمن قال أنا ربكم الأعلى فكيف بمن قال سبحان ربي الأعلى.
{قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا} يعجل علينا بالعقوبة ومنه الفارط يقال فرط عليه أي عجل {أَوْ أَن يطغى} يجاوز الحد في الإساءة إلينا {قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا} أي حافظكما وناصركما {أَسْمِعْ} أقوالكما {وأرى} أفعالكما.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أسمع دعاءكما فأجيبه وأرى ما يراد بكما فأمنع لست بغافل عنكما فلا تهتما {فَأْتِيَاهُ} أي فرعون {فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ} إليك {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسراءيل} أي أطلقهم عن الاستعباد والاسترقاق {وَلاَ تُعَذّبْهُمْ} بتكليف المشاق {قَدْ جئناك بِئَايَةٍ مّن رَّبّكَ} بحجة على صدق ما ادعيناه، وهذه الجملة جارية من الجملة الأولى وهي {إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ} مجرى البيان والتفسير والتفصيل لأن دعوى الرسالة لا تثبث إلا ببينتها وهي المجيء بالآي فقال فرعون: وما هي؟ فأخرج يده لها شعاع كشعاع الشمس {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} أي سلم من العذاب من أسلم وليس بتحية.
وقيل: وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين.
{إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ العذاب} في الدنيا والعقبى {على مَن كَذَّبَ} بالرسل {وتولى} أعرض عن الإيمان وهي أرجى آي القرآن لأنه جعل جنس السلام للمؤمن وجنس العذاب على المكذب وليس وراء الجنس شيء، فأتياه وأديا الرسالة وقالا له ما أمرا به.
{قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى} خاطبهما ثم نادى أحدهما لأن موسى هو الأصل في النبوة وهارون تابعه {قَالَ رَبُّنَا الذى أعطى كُلَّ شَىء خَلْقَهُ} {خَلَقَهُ} أول مفعولي {أعطى} أي أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به، أو ثانيهما أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع، وكذا الأنف والرجل واليد كل واحد منها مطابق للمنفعة المنوطة بها، وقرأ نصير {خَلَقَهُ} صفة للمضاف أو للمضاف إليه أي أعطى كل شيء مخلوق عطاء {ثُمَّ هدى} عرف كيف يرتفق بما أعطى للمعيشة في الدنيا والسعادة في العقبى.
{قَالَ فَمَا بَالُ القرون الأولى} فما حال الأمم الحالية والرمم البالية، سأله عن حال من تقدم من القرون وعن شقاء من شقي منهم وسعادة من سعد {قَالَ} موسى مجيبًا {عِلْمُهَا عِندَ رَبّى} مبتدأ وخبر {فِى كتاب} أي اللوح خبر ثانٍ أي هذا سؤال عن الغيب وقد استأثر الله به لا يعلمه إلا هو وما أنا إلا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به علام الغيوب، وعلم أحوال القرون مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ {لاَّ يَضِلُّ رَبّى} أي لا يخطىء شيئًا يقال: ضللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهتد له أي لا يخطىء في سعادة الناس وشقاوتهم {وَلاَ يَنسَى} ثوابهم وعقابهم.
وقيل: لا ينسى ما علم فيذكره الكتاب ولكن ليعلم الملائكة أن معمول الخلق يوافق معلومه.
{الذى} مرفوع صفة ل {رَبّى} أو خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح {جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْدًا} كوفي وغيرهم {مهادا} وهما لغتان لما يبسط ويفرش {وَسَلَكَ} أي جعل {لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} طرقًا {وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاء} أي مطرًا {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} بالماء.
نقل الكلام من الغيبة إلى لفظ المتكلم المطاع للافتنان.
وقيل: تم كلام موسى ثم أخبر الله تعالى عن نفسه بقوله: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} وقيل: هذا كلام موسى أي فأخرجنا نحن بالحراثة والغرس {أزواجا} أصنافًا {مّن نبات} هو مصدر سمي به النابت فاستوى فيه الواحد والجمع {شتى} صفة للأزواج أو للنبات جمع شتيت كمريض ومرضى أي إنها مختلفة النفع واللون والرائحة والشكل بعضها للناس وبعضها للبهائم، ومن نعمة الله تعالى أن أرزاقنا تحصل بعمل الأنعام وقد جعل الله علفها مما يفضل عن حاجاتنا مما لا نقدر على أكله قائلين {كُلُواْ وارعوا أنعامكم} حال من الضمير في {فَأَخْرَجْنَا} والمعنى أخرجنا أصناف النبات آذنين في الانتفاع بها مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها {إِنَّ في ذَلِكَ} في الذي ذكرت {لآيَاتٍ} لدلالات {لأُِوْلِي النهى} لذوي العقول واحدها نهية لأنها تنهى عن المحظور أو ينتهى إليها في الأمور {مِنْهَا} من الأرض {خلقناكم} أي أباكم آدم عليه السلام.
وقيل: يعجن كل نطفة بشيء من تراب مدفنه فيخلق من التراب والنطفة معًا أو لأن النطفة من الأغذية وهي من الأرض {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} إذا متم فدفنتم {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ} عند البعث {تَارَةً أخرى} مرة أخرى والمراد بإخراجهم أنه يؤلف أجزاءهم المتفرقة المختلطة بالتراب ويردهم كما كانوا أحياء ويخرجهم إلى المحشر، عدد الله عليهم ما علق بالأرض من مرافقهم حيث جعلها لهم فراشًا ومهادًا يتقلبون عليها، وسوى لهم فيها مسالك يترددون فيها كيف شاؤوا، وأنبت فيها أصناف النبات التي منها أقواتهم وعلوفات بهائمهم وهي أصلهم الذي منه تفرعوا، وأمهم التي منها ولدوا وهي كفانهم إذا ماتوا. اهـ.

.قال البيضاوي:

{بسم الله الرحمن الرحيم}.
{طه}.
فخمها قالون وابن كثير وابن عامر وحفص ويعقوب على الأصل، وفخم الطاء وحده أبو عمرو وورش لاستعلائه وأمالهما الباقون. وهما من أسماء الحروف. وقيل معناه يا رجل على لغة عك، فإن صح فلعل أصله يا هذا فتصرفوا فيه بالقلب والاختصار والاستشهاد بقوله:
إِنَّ السفاهَةَ طَاهَا في خَلائِقِكُمْ ** لاَ قَدَّسَ الله أَخْلاقَ المَلاَعِين

ضعيف لجواز أن يكون قسمًا كقوله حم لا ينصرون، وقرئ {طه} على أنه أمر للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يطأ الأرض بقدميه، فإنه كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه وأن أصله طأ فقلبت همزته هاء أو قلبت في يطأ الفًا كقوله: لا هناك المرتع. ثم بني عليه الأمر وضم إليه هاء السكت وعلى هذا يحتمل أن يكون أصل {طه} طأها والألف مبدلة من الهمزة والهاء كناية الأرض، لكن يرد ذلك كتابتهما على صورة الحرف وكذا التفسير بيا رجل أو اكتفى بشطري الكلمتين وعبر عنهما باسمهما.
{مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرءان لتشقى} خبر {طه} إن جعلته مبتدأ على أنه مؤول بالسورة، أو {القرءان} والقرآن فيه واقع موقع العائد وجوابه إن جعلته مقسمًا به ومنادى له إن جعلته نداء، واستئناف إن كانت جملة فعلية أو اسمية بإضمار مبتدأ، أو طائفة من الحروف محكية والمعنى: ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب بفرط تأسفك على كفر قريش إذ ما عليك إلا أن تبلغ، أو بكثرة الرياضة وكثرة التهجد والقيام على ساق. والشقاء شائع بمعنى التعب ومنه أشقى من رائض المهر، وسيد القوم أشقاهم. ولعله عدل إليه للإِشعار بأنه أنزل عليه ليسعد. وقيل رد وتكذيب للكفرة، فإنهم لما رأوا كثرة عبادته قالوا إنك لتشقى بترك ديننا وإن القرآن أنزل عليك لتشقى به.
{إِلاَّ تَذْكِرَةً} لكن تذكيرًا، وانتصابها على الاستثناء المنقطع، ولا يجوز أن يكون بدلًا من محل {لتشقى} لاختلاف الجنسين ولا مفعولًا له ل {أَنزَلْنَا}، فإن الفعل الواحد لا يتعدى إلى علتين. وقيل هو مصدر في موقع الحال من الكاف أو القرآن، أو مفعول له على أن {لتشقى} متعلق بمحذوف هو صفة القرآن أي ما أنزلنا عليك القرآن المنزل لتتعب بتبليغه إلا تذكرة. {لِّمَن يخشى} لمن في قلبه خشية ورقة تتأثر بالإِنذار، أو لمن علم الله منه أنه يخشى بالتخويف منه فإنه المنتفع به.
{تَنْزِيلًا} نصب بإضمار فعله أو ب {يخشى}، أو على المدح أو البدل من {تذكرة} إن جعل حالًا، وإن جعل مفعولًا له لفظًا أو معنى فلا لأن الشيء لا يعلل بنفسه ولا بنوعه. {مِّمَّنْ خَلَق الأرض والسماوات العلى} مع ما بعده إلى قوله: {لَهُ الأسماء الحسنى} تفخيم لشأن المنزل بفرط تعظيم المنزل بذكر أفعاله وصفاته على الترتيب الذي هو عند العقل، فبدأ بخلق الأرض والسموات التي هي أصول العالم، وقدم الأرض لأنها أقرب إلى الحس وأظهر عنده من السموات العلى، وهو جمع العليا تأنيث الأعلى، ثم أشار إلى وجه إحداث الكائنات وتدبير أمرها بأن قصد العرش فأجرى منه الأحكام والتقادير، وأنزل منه الأسباب على ترتيب ومقادير حسب ما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيئته فقال: {الرحمن عَلَى العرش استوى لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثرى} ليدل بذلك على كمال قدرته وإرادته، ولما كانت القدرة تابعة للإرادة وهي لا تنفك عن العلم عقب ذلك بإحاطة علمه تعالى بجليات الأمور وخفياتها على سواء فقال: {وَإِن تَجْهَرْ بالقول فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى} أي وإن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم أنه غني عن جهرك فإنه سبحانه يعلم السر وأخفى منه، وهو ضمير النفس. وفيه تنبيه على أن شرع الذكر والدعاء والجهر فيما ليس لإِعلام الله بل لتصوير النفس بالذكر ورسوخه فيها ومنعها عن الاشتغال بغيره وهضمها بالتضرع والجؤار، ثم إنه لما ظهر بذلك أنه المستجمع لصفات الألوهية بين أنه المتفرد بها والمتوحد بمقتضاها فقال: {الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الأسماء الحسنى} ومن في {مِّمَّنْ خَلَق الأرض} صلة ل {تَنْزِيلًا} أو صفة {لَهُ}، والانتقال من التكلم إلى الغيبة للتفنن في الكلام وتفخيم المنزل من وجهين إسناد إنزاله إلى ضمير الواحد العظيم الشأن، ونسبته إلى المختص بصفات الجلال والإِكرام والتنبيه على أنه واجب الإِيمان به والانقياد له من حيث إنه كلام من هذا شأنه، ويجوز أن يكون أنزلناه حكاية كلام جبريل والملائكة النازلين معه. وقرئ {الرحمن} على الجر صفة لمن خلق فيكون {عَلَى العرش استوى} خبر محذوف، وكذا إن رفع {الرحمن} على المدح دون الإِبتداء، ويجوز أن يكون خبرًا ثانيًا، والثرى الطبقة الترابية من الأرض وهي آخر طبقاتها، و{الحسنى} تأنيث الأحسن، وفضل أسماء الله تعالى على سائر الأسماء في الحسن لدلالتها على معان هي أشرف المعاني وأفضلها.
{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ موسى} قفى تمهيد نبوته صلى الله عليه وسلم بقصة موسى ليأتم به في تحمل أعباء النبوة وتبليغ الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد، فإن هذه السورة من أوائل ما نزل.
{إِذْ رَأَى نَارًا} ظرف لل {حَدِيثُ} لأنه حدث أو مفعول لأذكر. قيل إنه استأذن شعيبًا عليهما الصلاة والسلام في الخروج إلى أمه، وخرج بأهله فلما وافى وادي طوى وفيه الطور ولد له ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة، وكانت ليلة الجمعة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته إذا رأى من جانب الطور نارًا. {فَقَالَ لأَهْلِهِ امكثوا} أقيموا مكانكم. وقرأ حمزة {لأهله امكثوا ها هنا}، وفي القصص بضم الهاء في الوصل والباقون بكسرها. {إِنّى آنَسْتُ نَارًا} أبصرتها إبصارًا لا شبهة فيه، وقيل الإيناس إبصار ما يؤنس به. {لَّعَلِّي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ} بشعلة من النار وقيل جمرة. {أَوْ أَجِدُ عَلَى النار هُدًى} هاديًا يدلني على الطريق أو يهديني أبواب الدين، فإن أفكار الأبرار مائلة إليها في كل ما يعن لهم. ولما كان حصولهما مترتبًا بني الأمر فيهما على الرجاء بخلاف الإيناس، فإنه كان محققًا ولذلك حققه لهم ليوطنوا أنفسهم عليه، ومعنى الاستعلاء في {عَلَى النار} أن أهلها مشرفون عليها أو مستعلون المكان القريب منها كما قال سيبويه في: مررت بزيد إنه لصوق بمكان يقرب منه.
{فَلَمَّا أتاها} أي النار وجد نارًا بيضاء تتقد في شجرة خضراء. {نُودِىَ ياموسى}.
{إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ} فتحه ابن كثير وأبو عمرو أي بأني وكسره الباقون بإضمار القول أو إجراء النداء مجراه، وتكرير الضمير للتوكيد والتحقيق. قيل إنه لما نودي قال: من المتكلم قال: إني أنا الله، فوسوس إليه إبليس لعلك تسمع كلام شيطان فقال: أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع الجهات وبجميع الأعضاء. وهو إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام تلقى من ربه كلامه تلقيًا روحانيًا، ثم تمثل ذلك الكلام لبدنه وانتقل إلى الحس المشترك فانتقش به من غير اختصاص بعضو وجهة. {فاخلع نَعْلَيْكَ} أمره بذلك لأن الحفوة تواضع وأدب ولذلك طاف السلف حافين. وقيل لنجاسة نعليه فإنهما كانتا من جلد حمار غير مدبوغ. وقيل معناه فرغ قلبك من الأهل والمال. {إِنَّكَ بالواد المقدس} تعليل للأمر باحترام البقعة والمقدس يحتمل المعنيين. {طُوًى} عطف بيان للوادي ونونه ابن عامر والكوفيون بتأويل المكان. وقيل هو كثني من الطي مصدر ل {نُودِىَ} أو {المقدس} أي: نودي نداءين أو قدس مرتين.
{وَأَنَا اخترتك} اصطفيتك للنبوة وقرأ حمزة {وإنا اخترناك}. {فاستمع لِمَا يُوحَى} للذي يوحى إليك، أو للوحي واللام تحتمل التعلق بكل من الفعلين.
{إِنَّنِى أَنَا الله لا إله إِلا أَنَاْ فاعبدنى} بدل مما يوحى دال على أنه مقصور على تقرير التوحيد الذي هو منتهى العلم والأمر بالعبادة التي هي كمال العمل. {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} خصها بالذكر وأفردها بالأمر للعلة التي أناط بها إقامتها، وهو تذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره.