فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال أبو عبيدة: هو اسم للمكان النصف فيما بين الفريقين، والمعنى: مكانًا تستوي مسافته على الفريقين، فتكون مسافة كل فريق إِليه كمسافة الفريق الآخر.
{قال موعدكم يومُ الزينة} قرأ الجمهور برفع الميم.
وقرأ الحسن، ومجاهد، وقتادة، وابن أبي عبلة، وهبيرة عن حفص بنصب الميم.
وفي هذا اليوم أربعة أقوال:
أحدها: يوم عيد لهم، رواه أبو صالح عن ابن عباس، والسدي عن أشياخه، وبه قال مجاهد، وقتادة، وابن زيد.
والثاني: يوم عاشوراء، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثالث: يوم النيروز، ووافق ذلك يوم السبت أول يوم من السنة، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والرابع: يوم سوق لهم، قاله سعيد بن جبير.
وأما رفع اليوم، فقال البصريون: التقدير: وقتُ موعدكم يومُ الزينة، فناب الموعد عن الوقت، وارتفع به ما كان يرتفع بالوقت إِذا ظهر.
فأما نصبه، فقال الزجاج: المعنى: موعدُكم يقع يوم الزينة، {وأن يُحْشَر الناس} موضع {أن} رفع، المعنى: موعدكم حشر الناس {ضحى} أي: إِذا رأيتم الناس قد حُشروا ضحى.
ويجوز أن تكون {أن} في موضع خفض عطفًا على الزينة، المعنى: موعدكم يوم الزينة ويوم حشر الناس ضحىً.
وقرأ ابن مسعود، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: {وأن تَحْشُر} بتاء مفتوحة ورفع الشين ونصب {الناسَ}.
وعن ابن مسعود، والنخعي: {وأن يَحشُر} بالياء المفتوحة ورفع الشين ونصب {الناسَ}.
قال المفسرون: أراد بالناس: أهلَ مصر، وبالضحى: ضحى اليوم، وإِنما علَّقه بالضحى، ليتكامل ضوء الشمس واجتماع الناس، فيكون أبلغَ في الحجة وأبعدَ من الريبة.
{فتولَّى فرعون} فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى: تولَّى عن الحق الذي أُمِر به.
والثاني: أنه انصرف إِلى منزله لاستعداد ما يلقى به موسى، {فجمع كيده} أي: مكره وحيلته {ثم أتى} أي: حضر الموعد. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا} أي المعجزات الدالة على نبوّة موسى.
وقيل: حجج الله الدالة على توحيده.
{فَكَذَّبَ وأبى} أي لم يؤمن.
وهذا يدل على أنه كفر عِنادًا، لأنه رأى الآيات عِيانًا لا خبرًا.
نظيره {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14].
قوله تعالى: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يا موسى} لما رأى الآيات التي أتاه بها موسى قال: إنها سحر؛ والمعنى: جئت لتوهم الناس أنك جئت بآية توجب اتباعك والإيمان بك، حتى تغلب على أرضنا وعلينا.
{فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ} أي لنعارضنك بمثل ما جئت به ليتبين للناس أن ما أتيت به ليس من عند الله.
{فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا} هو مصدر؛ أي وعدًا.
وقيل: الموعد اسم لمكان الوعد؛ كما قال تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 43] فالموعد هاهنا مكان.
وقيل: الموعد اسم لزمان الوعد؛ كقوله تعالى: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح} [هود: 81] فالمعنى: اجعل لنا يومًا معلومًا، أو مكانًا معروفًا.
قال القشيري: والأظهر أنه مصدر ولهذا قال: {لاَّ نُخْلِفُهُ} أي لا نخلف ذلك الوعد، والإخلاف أن يعد شيئًا ولا ينجزه.
وقال الجوهري: والميعاد المواعدة والوقت والموضع وكذلك المَوْعِد.
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج {لاَ نُخْلِفْهُ} بالجزم جوابًا لقوله: {اجْعَلْ}.
ومن رفع فهو نعت لموعد والتقدير: موعدًا غير مخلف.
{مَكَانًا سُوًى} قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة {سُوًى} بضم السين.
الباقون بكسرها؛ وهما لغتان مثل عُدًا وعِدًا وطُوًى وطِوًى.
واختار أبو عبيد وأبو حاتم كسر السين لأنها اللغة العالية الفصيحة.
وقال النحاس: والكسر أعرف وأشهر.
وكلهم نوّنوا الواو، وقد روي عن الحسن، واختلف عنه ضم السين بغير تنوين.
واختلف في معناه فقيل: سوى هذا المكان؛ قاله الكلبي.
وقيل: مكانًا مستويًا يتبيّن للناس ما بينّاه فيه؛ قاله ابن زيد.
ابن عباس: نصفًا.
مجاهد: منصفًا؛ وعنه أيضًا وقتادة عَدلًا بيننا وبينك.
وقال النحاس: وأهل التفسير على أن معنى {سُوًى} نَصَف وعَدْل وهو قول حسن؛ قال سيبويه يقال: سِوى وسُوًى أي عَدْل؛ يعني مكانًا عَدْلًا بين المكانين فيه النَّصَفة؛ وأصله من قولك: جلس في سَواء الدار بالمدّ أي في وسطها؛ ووسط كل شيء أعدله؛ وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] أي عدلًا، وقال زهير:
أَرُونَا خُطَّةً لا ضَيْمَ فِيها ** يُسَوِّي بيننا فيها السَّوَاءُ

وقال أبو عبيدة والقتبي: وسطا بين الفريقين؛ وأنشد أبو عبيدة لموسى بن جابر الحنفي:
وإنَّ أبانا كان حَلّ ببلدةٍ سِوًى ** بين قيسٍ قيسِ عَيْلاَنَ والفِزْرِ

والفِزْر: سعد بن زيد مَناة بن تميم.
وقال الأخفش: {سِوًى} إذا كان بمعنى غير أو بمعنى العدل يكون فيه ثلاث لغات: إن ضممت السين أو كسرت قصرت فيهما جميعًا.
وإن فتحت مددت، تقول: مكان سِوًى وسُوًى وسَواء؛ أي عدل ووسط فيما بين الفريقين.
قال موسى بن جابر:
وجدنا أبانا كان حَلَّ ببلدةٍ

البيت.
وقيل: {مكانًا سوى} أي قصدًا؛ وأنشد صاحب هذا القول:
لو تَمنَّتْ حَبِيبتي ما عَدَتْنِي ** أو تَمنَّيتُ ما عَدوتُ سِواها

وتقول: مررت برجل سِواك وسُوَاك وسَوَائِك أي غيرك.
وهما في هذا الأمر سواء وإن شئت سواءان.
وهم سواء للجميع وهم أسواء؛ وهم سواسية مثل ثمانية على غير قياس.
وانتصب {مكانًا} على المفعول الثاني ل {جعل}.
ولا يحسن انتصابه بالموعد على أنه مفعول أو ظرف له؛ لأن الموعد قد وصف، والأسماء التي تعمل عمل الأفعال إذا وصفت أو صغِّرت لم ينبغ أن تعمل لخروجها عن شبه الفعل، ولم يحسن حمله على أنه ظرف وقع موقع المفعول الثاني؛ لأن الموعد إذا وقع بعده ظرف لم تجره العرب مجرى المصادر مع الظروف، لكنهم يتسعون فيه كقوله تعالى: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح} [هود: 81] و{مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة}.
واختلف في يوم الزينة، فقيل هو يوم عيد كان لهم يتزيَّنون ويجتمعون فيه؛ قاله قتادة والسدي وغيرهما.
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: كان يوم عاشوراء.
وقال سعيد بن المسيّب: يوم سوق كان لهم يتزيَّنون فيها؛ وقاله قتادة أيضًا.
وقال الضحاك: يوم السبت.
وقيل: يوم النيروز؛ ذكره الثعلبي.
وقيل: يومٌ يكسر فيه الخليج؛ وذلك أنهم كانوا يخرجون فيه يتفرجون ويتنزهون؛ وعند ذلك تأمن الديار المصرية من قِبل النيل.
وقرأ الحسن والأعمش وعيسى الثقفي والسُّلَمي وهبيرة عن حفص {يَوْمَ الزِّينَةِ} بالنصب.
ورويت عن أبي عمرو؛ أي في يوم الزينة إنجاز موعدنا.
والباقون بالرفع على أنه خبر الابتداء.
{وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى} أي وجمع الناس؛ ف {أَنْ} في موضع رفع على قراءة من قرأ {يَوْمُ} بالرفع.
وعطف {وَأَن يُحْشَرَ} يقوّي قراءة الرفع؛ لأن {أَنْ} لا تكون ظرفًا، وإن كان المصدر الصريح يكون ظرفًا كمقدم الحاج؛ لأن من قال: آتيك مقدم الحاج لم يقل آتيك أن يقدم الحاج.
النحاس: وأولى من هذا أن يكون في موضع خفض عطفًا على الزينة.
والضحا مؤنثة تصغرها العرب بغير هاء لئلا يشبه تصغيرها تصغير ضحوة؛ قاله النحاس.
وقال الجوهري: ضحوة النهار بعد طلوع الشمس، ثم بعده الضُّحَا وهي حين تُشرق الشمس؛ مقصورة تؤنث وتذكّر؛ فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة؛ ومن ذكّر ذهب إلى أنه اسم على فُعَل مثل صُرَد ونُغَر؛ وهو ظرف غير متمكن مثل سحر؛ تقول: لقيته ضُحًا؛ وضُحَا إذا أردت به ضُحَا يومك لم تنوّنه، ثم بعده الضَّحاء ممدود مذكر، وهو عند ارتفاع النهار الأعلى.
وخصّ الضُّحا لأنه أول النهار، فلو امتد الأمر فيما بينهم كان في النهار متَّسع.
وروي عن ابن مسعود والجحدري وغيرهما وأن {يَحْشُرَ النَّاسَ} على معنى وأن يحشر الله الناس ونحوه.
وعن بعض القراء {وَأَنْ تَحْشُرَ الناس} والمعنى وأن تحشر أنت يا فرعون الناس.
وعن الجحدري أيضًا {وَأَنْ نَحْشُرَ} بالنون.
وإنما واعدهم ذلك اليوم؛ ليكون علو كلمة الله، وظهور دينه، وكبت الكافر، وزهوق الباطل على رؤوس الأشهاد، وفي المجمع الغاصّ لتقوى رغبة من رغب في الحقّ، ويكلّ حدّ المبطلين وأشياعهم، ويُكثر المحدّثُ بذلك الأمر العلم في كل بدو وحضر، ويشيع في جمع أهل الوَبَر والمدَر.
قوله تعالى: {فتولى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} أي حِيَله وسحره؛ والمراد جَمْع السّحرة.
قال ابن عباس: كانوا اثنين وسبعين ساحرًا، مع كل ساحر منهم حبال وعصيّ.
وقيل: كانوا أربعمائة.
وقيل: كانوا اثني عشر ألفًا.
وقيل: أربعة عشر ألفًا.
وقال ابن المنكدر: كانوا ثمانين ألفًا.
وقيل: كانوا مجتمعين على رئيس يقال له شمعون.
وقيل: كان اسمه يوحنا معه اثنا عشر نقيبًا، مع كل نقيب عشرون عريفًا، مع كل عريف ألف ساحر.
وقيل: كانوا ثلاثمائة ألف ساحر من الفيوم، وثلاثمائة ألف ساحر من الصعيد، وثلاثمائة ألف ساحر من الريف، فصاروا تسعمائة ألف، وكان رئيسهم أعمى.
{ثُمَّ أتى} أي أتى الميعاد. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولقد أريناه آياتنا كلها}.
هذا إخبار من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن قوله: {فأخرجنا} إنما هو خطاب له عليه السلام {أريناه آياتنا} هي المنقولة من رأي البصرية، ولذلك تعدت إلى اثنين بهمزة النقل و{آياتنا} ليس عامًا إذ لم يره تعالى جميع الآيات، وإنما المعنى آياتنا التي رآها، فكانت الإضافة تفيد ما تفيده الألف واللام من العهد.
وإنما رأى العصا واليد والطمسة وغير ذلك مما رآه فجاء التوكيد بالنسبة لهذه الآيات المعهودة.
وقيل: المعنى آيات بكمالها وأضاف الآيات إليه على حسب التشريف كأنه قال آيات لنا.
وقيل: يكون موسى قد أراه آياته وعدد عليه ما أوتي غيره من الأنبياء من آياتهم ومعجزاتهم، وهو نبي صادق لا فرق بين ما يخبر عنه وبين ما يشاهد به {فكذب بها} جميعًا {وأبى} أن يقبل شيئًا منها انتهى.
وقاله الزمخشري وفيه بعد لأن الإخبار بالشيء لا يسمى رؤية إلا بمجاز بعيد.
وقيل: {أريناه} هنا من رؤية القلب لا من رؤية العين، لأنه ما كان أراه في ذلك الوقت إلا العصا واليد البيضاء أي ولقد أعلمنا {آياتنا كلها} هي الآيات التسع.
قيل: ويجوز أن يكون أراد بالآيات آيات توحيده التي أظهرها لنا في ملكوت السموات والأرض فيكون من رؤية العين.
وقال ابن عطية وأُبيّ: يقتضي كسب فرعون وهذا الذي يتعلق به الثواب والعقاب، ومتعلق التكذيب محذوف فالظاهر أنه الآيات واحتمل أن يكون التقدير {فكذب} موسى {وأَبَى} أن يقبل ما ألقاه إليه من رسالته.
قيل: ويجوز أن يكون أراد وكذب أنها من آيات الله وقال: من سحر، ولهذا {قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى} ويبعد هذا القول قوله: {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلاّ رب السموات والأرض بصائر} وقوله: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا} فيظهر أنه كذب لظلمه لا أنه التبس عليه أنها آيات سحر.
وفي قوله: {أجئتنا لتخرجنا} وهن ظهر منه كثير واضطراب لما جاء به موسى إذ علم أنه على الحق وأنه غالبه على ملكه لا محالة، وذكر علة المجيء وهي إخراجهم وألقاها في مسامع قومه ليصيروا مبغضين له جدًا إذ الإخراج من الموطن مما يشق وجعله الله مساويًا للقتل في قوله: {أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم} وقوله: {بسحرك} تعلل وتحير لأنه لا يخفى عليه أن ساحرًا لا يقدر أن يخرج ملكًا مثله من أرضه ويغلبه على ملكه بالسحر، وأورد ذلك على سبيل الشبهة الطاعنة في النبوة، وأن المعجز إنما يتميز عن السحر بكون المعجز مما تتعذر معارضته فقال: {فلنأتينك بسحر مثله} ويدل على أن أمر موسى عليه السلام كان قد قَوِيَ وكثر منعته من بني إسرائيل ووقع أمره في نفوس الناس، إذ هي مقالة من يحتاج إلى الحجة لا من يصدع بأمر نفسه، وأرضهم هي أرض مصر وخاطبه بقوله: {بسحرك} لأن الكلام كان معه والعصا واليد إنما ظهرتا من قبله {فلنأتينك} جواب لقسم محذوف، أوهم الناس أن ما جاء به موسى إنما هو من باب السحر وأن عنده من يقاومه في ذلك، فطلب ضرب موعد للمناظرة بالسحر.
والظاهر أن {موعدًا} هنا هو زمان أي فعين لنا وقت اجتماع ولذلك أجاب بقوله: {قال موعدكم يوم الزينة} ومعنى {لا نخلفه} أي لا نخلف ذلك الوقت في الاجتماع فيه وقدره بعضهم مكانًا معلومًا وينبوعه قوله: {موعدكم يوم الزينة}.
وقال القشيري: الأظهر أنه مصدر ولذلك قال: {لا نخلفه} أي ذلك الموعد والإخلاف أن يعد شيئًا ولا ينجزه.
وقال الزمخشري: إن جعلته زمانًا نظرًا في قوله: {موعدكم يوم الزينة} مطابق له لزمك شيئان أن نجعل الزمان مخلفًا وأن يعضل عليك ناصب {مكانًا} وإن جعلته مكانًا لقوله: {مكانًا سُوى} لزمك أيضًا أن يقع الإخلاف على المكان وأن لا يطابق قوله: {موعدكم يوم الزينة} وقراءة الحسن غير مطابقة له {مكانًا} جميعًا لأنه قرأ {يوم الزينة} بالنصب فبقي أن يجعل مصدرًا بمعنى الوعد، ويقدر مضاف محذوف أي مكان موعد.