فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومع ذلك كانت النتيجة {فَكَذَّبَ وأبى} [طه: 56] كذَّب: يعني نسبها إلى الكذب، والكذب قَوْل لا واقعَ له، وكان تكذيبه لموسى عِلَّة إبائه {وأبى} [طه: 56] امتنعَ عن الإيمان بما جاء به موسى.
ولو ناقشنا فرعون في تكذيبه لموسى عندما قال: {رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} [طه: 50].
لما كذبتَ يا فرعون؟ الحق سبحانه قال: خلقتُ هذا الكون بما فيه، ولم يَأْتِ أحد لينقضَ هذا القول، أو يدَّعيه لنفسه، حتى أنت يا مَنْ ادعيْتَ الألوهية لم تدَّعِ خَلْق شيء، فهي إذن قضية مُسلَّم بها للخالق عز وجل لم ينازعه فيها أحد، فأنت إذن كاذب في تكذيبك لموسى، وفي إبائك الإيمان به.
ثم يقول الحق سبحانه: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا}.
عاش المصريون قديمًا على ضفاف النيل؛ لذلك يقولون: مصر هِبَة النيل، حتى إذا ما انحسر الماء بذروا البذور وانتظروها طوال العام، ليس لهم عمل ينشغلون به، وهذه الحياة الرتيبة عوَّدتهم على شيء من الكسل، إلا أنهم أحبُّوا هذا المكان، ولو قلت لواحد منهم: اترك هذه الأرض لمدة يوم أو يومين يثور عليك ويغضب.
لذلك استغلّ فرعون ارتباط قومه بأرض مصر، وحاول أن يستعدي هؤلاء الذين يمثّل عليهم أنه إله، يستعديهم على موسى وهارون فقال مقولته هذه {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ ياموسى} [طه: 57].
وهنا ثار القوم، لا لألوهية فرعون المهددة، إنما دفاعًا عن مصلحتهم الاقتصادية، وما ينتفعون به على ضفاف هذه النيل المبارك، الذي لا يضنّ عليهم في فيضانه ولا في انحساره، فكان القوم يسمونه: ميمون الغَدَوات والروحَات، ويجري بالزيادة والنقصان كجرْي الشمس والقمر، له أوان.
وهكذا نقل فرعون مجال الخلاف مع موسى وهارون إلى رعيته، فأصبحت المسألة بين موسى وهارون وبين رعية فرعون؛ لأنه خاف من كلام موسى ومِمّا يعرضه من قضايا إنْ فهمها القوم كشفوا زَيْفه، وتنمَّروا عليه، وثاروا على حكمه، ورفضوا ألوهيته لهم، فأدخلهم طرفًا في هذا الخلاف.
ثم يقول الحق سبحانه: {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ}.
فسمَّى فرعون ما جاء به موسى سِحْرًا؛ لذلك قال: {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ} [طه: 58] وهذه التسمية خاطئة في حق موسى، وإنْ كانت صحيحة بالنسبة لقوم فرعون. فما الفرق إذن بين ما جاء به موسى وما جاء به قوم فرعون؟
السحر لا يقلب حقيقة الشيء، بل يظل الشيء على حقيقته، ويكون السحر للرائي، فيرى الأشياء على غير حقيقتها، كما قال تعالى: {سحروا أَعْيُنَ الناس} [الأعراف: 116] فلما ألقى السحرةُ حبالهم كانت حبالًا في الحقيقة، وإنْ رآها الناظر حيّات وثعابين تسعى، أما عصا موسى فعندما ألقاها انقلبت حية حقيقية، بدليل أنه لما رآها كذلك خاف منها.
وقوله: {فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ} [طه: 58] أي: نتفق على موعد لا يُخلفه واحد منّا {مَكَانًا سُوًى} [طه: 58] أي: مُسْتويًا؛ لأنه سيكون مشهدًا للناس جميعًا فتستوي فيه مرائي النظارة، بحيث لا تحجب الرؤية عن أحد. أو سُوىً يعني: سواء بالنسبة لنا ولك، كما نقول: نلتقي في منتصف الطريق، لا أنا أتعب ولا أنت.
ثم يقول الحق سبحانه: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة}.
معلوم أن الحدث يحتاج إلى مُحدِث له، ويحتاج إلى مكان يقع عليه، ويحتاج إلى زمان يحدث فيه، وقد عرفنا المحدِث لهذا اللقاء، وهما موسى وهارون من ناحية، وفرعون وسحرته من ناحية.
وقد حدد فرعون المكان، فقال: {مَكَانًا سُوًى} [طه: 58] بقي الزمان لإتمام الحدث؛ لذلك حدده موسى، فقال: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} [طه: 59]؛ لأن الحدث لا يتم إلا في زمان ومكان.
لذلك لا نقول: متى الله ولا: أين الله؟ فالحق تبارك وتعالى ليس حَدَثًا، ومتى وأين مخلوقة لله تعالى، فكيف يحدُّه الزمان أو المكان؟
وقول موسى {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} [طه: 59] ولم يقُلْ: يوم الاثنين أو الثلاثاء مثلًا، ويوم الزينة يوم يجتمع فيه كل سُكَّان مصر، يظهر أنه يوم وفاء النيل، فيخرجون في زينتهم مسرورين بفيضان النيل وكثرة خيره وبركاته، وما زالت مصر تحتفل بهذا اليوم.
وكان القاضي لا يقضي بأمر الخراج إلا بعد أنْ يطّلع على مقياس النيل، فإنْ رآه يُوفي بريٍّ البلاد حدَّد الخراج وإلاَّ فلا.
لكن، لماذا اختار موسى هذه اليوم بالذات؟ لماذا لم يحدد أي يوم آخر؟ ذلك؛ لأن موسى عليه السلام كان على ثقة تامة بنصر الله له، ويريد أن تكون فضيحة فرعون على هذا الملأ، ووسط هذه الجمع، فمِثْل هذا التجمع فرصة لا يضيعها موسى؛ لأن النفس في هذا اليوم تكون مسرورة منبسطة، فهي أقرب في السرور لقبول الحق من أيٍّ وقت آخر.
وقوله: {وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى} [طه: 59] أي: ضاحين، ويوم الزينة يمكن أن يكون في الصباح الباكر، أو في آخر النهار، لكن موسى متمكِّن واثق من الفوز، يريد أن يتم هذا اللقاء في وضح النهار، حتى يشهده الجميع.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {فتولى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ}.
تولى: أي: ترك موسى وانصرف ليُدبِّر شأنه {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} [طه: 60] الكيد: التدبير الخفي للخَصْم، والتدبير الخفيّ هنا ليس دليلَ قوة، بل دليل ضَعْف؛ لأنه قوةَ له على المجابهة الواضحة، مثل الذي يدسُّ السُّم للآخر لعدم قدرته على مواجهته.
إذن: الكيد دليل ضَعْف؛ لذلك نفهم من قوله تعالى عن النساء: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: 28] أنه ليس دليلًا على قوة المرأة، إنما دليلٌ على ضعفها، فكما أن كيدهُنّ عظيم، فكذلك ضعفُهن عظيم.
فمعنى {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} [طه: 60] أدار فِكْره على ألوان الكَيْد المختلفة، ليختار منها ما هو أنكَى لخَصْمه، كما جاء في آية أخرى في شَأْنِ نوح عليه السلام {فأجمعوا أَمْرَكُمْ} [يونس: 71].
وكأن الأمر الذي هو بصدده يتطلب وجهات نظر متعددة: نفعل كذا، أو نفعل كذا؟ ثم ينتهي من هذه المشاورة إلى رَأْي يجمع كل الاحتمالات، بحيث لا يفاجئه شيء بعد أنْ احتاط لكل الوجوه.
فالمعنى: اتفِقُوا على الخطة الواضحة التي تُوحِّد آراءكم عند تحقيق الهدف.
ومن ذلك قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام: {وأجمعوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابت الجب} [يوسف: 15]. أي: اتفقوا على هذا الرأي، وأجمعوا عليه، بعد أن قال أحدهم {اقتلوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضًا} [يوسف: 9]، فكان الرأي النهائي أنْ يجعلوه في غيابة الجب.
فهُمْ على آية حال سلالة نُبوة، لم يتأصل الشرُّ في طباعهم؛ لذلك يتضاءل شرُّهم من القتل إلى الإلقاء في متاهات الأرض إلى أهْوَن هذه الأخطار، أنْ يُلْقوه في الجُبِّ، وهذه صفة الأخيار، أما الأشرار الذين تأصل الشر في نفوسهم وتعمّق، فشرُّهم يتزايد ويتنامى، فيقول أحدهم: أريد أنْ أقابل فلانًا، فأبصق في وجهه، أو أضربه، أو أُقطّعه، بل رصاصة تقضي عليه فيُصعِّد ما عنده من الشر.
وبعد ذلك يرجُونَ له النجاة، فيقولون: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة} [يوسف: 10].
ثم يقول تعالى في شأن فرعون: {ثُمَّ أتى} [طه: 60] أي: أتى الموعد الذي سبق تحديده، مكانًا وزمانًا. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)}.
قرأ الجمهور: {أن يفرط} بفتح الياء وضم الراء، ومعنى ذلك: أننا نخاف أن يعجل ويبادر بعقوبتنا، يقال: فرط منه أمر، أي بدر، ومنه الفارط، وهو الذي يتقدّم القوم إلى الماء، أي يعذبنا عذاب الفارط في الذنب، وهو المتقدّم فيه، كذا قال المبرد، وقال أيضًا: فرط منه أمر وأفرط: أسرف، وفرط: ترك.
وقرأ ابن محيصن: {يفرط} بضم الياء وفتح الراء، أي يحمله حامل على التسرّع إلينا، وقرأت طائفة بضم الياء وكسر الراء، ومنهم ابن عباس ومجاهد، وعكرمة من الإفراط، أي يشتطّ في أذيتنا.
قال الراجز:
قد أفرط العلج علينا وعجل

ومعنى {أَوْ أَن يطغى} قد تقدّم قريبًا، وجملة: {قَالَ لاَ تَخَافَا} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، نهى لهما عن الخوف الذي حصل معهما من فرعون، ثم علل ذلك بقوله: {إِنَّنِى مَعَكُمَا} أي بالنصر لهما، والمعونة على فرعون، ومعنى {أَسْمَعُ وأرى}: إدراك ما يجري بينهما وبينه، بحيث لا يخفى عليه سبحانه منه خافية، وليس بغافل عنهما، ثم أمرهما بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعد أمرهما بالذهاب إليه فلا تكرار.
{فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ} أرسلنا إليك {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إسراءيل} أي خلّ عنهم وأطلقهم من الأسر {وَلاَ تُعَذّبْهُمْ} بالبقاء على ما كانوا عليه، وقد كانوا عند فرعون في عذاب شديد: يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، ويكلفهم من العمل ما لا يطيقونه، ثم أمرهما سبحانه أن يقولا لفرعون: {قَدْ جئناك بِئَايَةٍ مّن رَّبّكَ} قيل: هي العصا واليد.
وقيل إن فرعون قال لهما: وما هي؟ فأدخل موسى يده في جيب قميصه، ثم أخرجها لها شعاع كشعاع الشمس، فعجب فرعون من ذلك، ولم يره موسى العصا إلا يوم الزينة {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} أي السلامة.
قال الزجاج: أي من اتبع الهدى سلم من سخط الله عزّ وجلّ ومن عذابه، وليس بتحية، قال: والدليل على ذلك أنه ليس بابتداء لقاء ولا خطاب.
قال الفراء: السلام على من اتبع الهدى، ولمن اتبع الهدى سواء.
{إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَا} من جهة الله سبحانه {أَنَّ العذاب على مَن كَذَّبَ وتولى} المراد بالعذاب: الهلاك والدمار في الدنيا والخلود في النار.
والمراد بالتكذيب: التكذيب بآيات الله وبرسله.
والتولي: الإعراض عن قبولها والإيمان بها.
{قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى} أي قال فرعون لهما: فمن ربكما؟ فأضاف الربّ إليهما ولم يضفه إلى نفسه؛ لعدم تصديقه لهما ولجحده للربوبية.
وخص موسى بالنداء لكونه؛ الأصل في الرسالة وقيل: لمطابقة رؤوس الآي.
{قَالَ رَبُّنَا الذى أعطى كُلَّ شَيء خَلْقَهُ} أي: قال موسى مجيبًا له، و{ربنا} مبتدأ، وخبره {الذي أعطى كُلَّ شَيء خَلْقَهُ}، ويجوز أن يكون {ربنا} خبر مبتدأ محذوف، وما بعده صفته.
قرأ الجمهور: {خلقه} بسكون اللام، وروى زائدة عن الأعمش أنه قرأ: {خلقه} بفتح اللام على أنه فعل، وهي قراءة ابن أبي إسحاق، ورواها نصير عن الكسائي.
فعلى القراءة الأولى يكون خلقه ثاني مفعولي أعطى.
والمعنى: أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به المطابقة له كاليد للبطش، والرجل للمشي واللسان للنطق، والعين للنظر، والأذن للسمع، كذا قال الضحاك وغيره.
وقال الحسن وقتادة: أعطى كل شيء صلاحه وهداه لما يصلحه.
وقال مجاهد: المعنى لم يخلق خلق الإنسان في خلق البهائم، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان، ولكن خلق كل شيء فقدّره تقديرًا، ومنه قول الشاعر:
وله في كل شيء خِلْقُهُ ** وكذاك الله ما شاء فعل

وقال الفراء: المعنى خلق للرجل المرأة، ولكل ذكر ما يوافقه من الإناث.
ويجوز أن يكون خلقه على القراءة الأولى هو المفعول الأوّل لأعطى، أي أعطى خلقه كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به، ومعنى {ثُمَّ هدى}: أنه سبحانه هداهم إلى طرق الانتفاع بما أعطاهم فانتفعوا بكل شيء فيما خلق له، وأما على القراءة الآخرة، فيكون الفعل صفة للمضاف أو للمضاف إليه، أي أعطى كل شيء خلقه الله سبحانه ولم يخله من عطائه، وعلى هذه القراءة يكون المفعول الثاني محذوفًا، أي أعطى كل شيء خلقه ما يحتاج إليه، فيوافق معناها معنى القراءة الأولى.
{قَالَ فَمَا بَالُ القرون الاولى} لما سمع فرعون ما احتج به موسى في ضمن هذا الكلام على إثبات الربوبية كما لا يخفى من أن الخلق والهداية ثابتان بلا خلاف، ولابد لهما من خالق وهادٍ، وذلك الخالق والهادي هو الله سبحانه لا ربّ غيره.
قال فرعون: فما بال القرون الأولى؟ فإنها لم تقرّ بالربّ الذي تدعو إليه يا موسى بل عبدت الأوثان ونحوها من المخلوقات، ومعنى البال: الحال والشان، أي ما حالهم وما شأنهم؟ وقيل: إن سؤال فرعون عن القرون الأولى مغالطة لموسى لما خاف أن يظهر لقومه أنه قد قهره بالحجة أي: ما حال القرون الماضية، وماذا جرى عليهم من الحوادث؟ فأجابه موسى، فقال: {عِلْمُهَا عِندَ رَبّى} أي إن هذا الذي سألت عنه ليس مما نحن بصدده، بل هو من علم الغيب الذي استأثر الله به لا تعلمه أنت ولا أنا.
وعلى التفسير الأوّل يكون معنى {عِلْمُهَا عِندَ رَبّي}: أن علم هؤلاء الذين عبدوا الأوثان ونحوها محفوظ عند الله في كتابه سيجازيهم عليها، ومعنى كونها في كتاب: أنها مثبتة في اللوح المحفوظ.
قال الزجاج: المعنى أن أعمالهم محفوظة عند الله يجازي بها، والتقدير: علم أعمالها عند ربي في كتاب.
وقد اختلف في معنى {لاَّ يَضِلُّ رَبّي وَلاَ يَنسَى} على أقوال: الأوّل: أنه ابتداء كلام تنزيه لله تعالى عن هاتين الصفتين.
وقد تمّ الكلام عند قوله: {في كتاب} كذا قال الزجاج، قال: ومعنى {لاَّ يَضِلُّ}: لا يهلك من قوله: {أَءذَا ضَلَلْنَا في الأرض} [السجدة: 10] {وَلاَ يَنسَى} شيئًا من الأشياء، فقد نزّهه عن الهلاك والنسيان.
القول الثاني: أن معنى {لاَّ يَضِلُّ}: لا يخطىء.
القول الثالث: أن معناه لا يغيب.
قال ابن الأعرابي: أصل الضلال الغيبوبة.
القول الرابع: أن المعنى: لا يحتاج إلى كتاب، ولا يضلّ عنه علم شيء من الأشياء، ولا ينسى ما علمه منها، حكي هذا عن الزجاج أيضًا.
قال النحاس: وهو أشبهها بالمعنى.
ولا يخفى أنه كقول ابن الأعرابي.
القول الخامس: أن هاتين الجملتين صفة لكتاب، والمعنى: أن الكتاب غير ذاهب عن الله ولا هو ناس له.
{الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مهادا} الموصول محل رفع على أنه صفة لربي متضمنة لزيادة البيان، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أو في محل نصب على المدح.
قرأ الكوفيون {مهدًا} على أنه مصدر لفعل مقدّر، أي مهدها مهدًا، أو على تقدير مضاف محذوف، أي ذات مهد، وهو اسم لما يمهد كالفراش لما يفرش.
وقرأ الباقون: {مهادًا} واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم قالا: لاتفاقهم على قراءة: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا} [النبأ: 6].
قال النحاس: والجمع أولى من المصدر؛ لأن هذا الموضع ليس وضع المصدر إلا على حذف المضاف.
قيل: يجوز أن يكون مهادًا مفردًا كالفراش، ويجوز أن يكون جمعًا.
ومعنى الهاد: الفراش، فالمهاد جمع المهد، أي جعل كل موضع منها مهدًا لكل واحد منكم.
{وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} السلك: إدخال الشيء في الشيء.