فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمعنى: أدخل في الأرض لأجلكم طرقًا تسلكونها وسهلها لكم.
وفي الآية الأخرى: {الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض مهادا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الزخرف: 10].
ثم قال سبحانه ممتنًا على عباده: {وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاء} هو ماء المطر.
قيل: إلى هنا انتهى كلام موسى، وما بعده هو: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مّن نبات شتى} من كلام الله سبحانه.
وقيل: هو من الكلام المحكيّ عن موسى معطوف على أنزل، وإنما التفت إلى التكلم للتنبيه إلى ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة.
ونوقش بأن هذا خلاف الظاهر مع استلزامه فوت الالتفات لعدم اتحاد المتكلم، ويجاب عنه: بأن الكلام كله محكيّ عن واحد هو موسى، والحاكي للجميع هو الله سبحانه والمعنى: فأخرجنا بذلك الماء بسبب الحرث والمعالجة أزواجًا، أي ضروبًا وأشباهًا من أصناف النبات المختلفة.
وقوله: {من نبات} صفة ل {أزواجًا} أو بيان له، وكذا {شتى} صفة أخرى له، أي متفرّقة جمع شتيت.
وقال الأخفش: التقدير: أزواجًا شتى من نبات.
قال: وقد يكون النبات شتى، فيجوز أن يكون شتى {نعتًا} ل {أزواجًا} ويجوز أن يكون نعتًا للنبات، يقال: أمر شَتٌّ أي متفرّق، وشتّ الأمر شتًا وشتاتًا تفرّق، واستشتّ مثله، والشتيت المتفرّق.
قال رؤبة:
جاءت معًا وأطَّرقتْ شتيتًا

وجملة: {كُلُواْ وارعوا} في محل نصب على الحال بتقدير القول، أي قائلين لهم ذلك، والأمر للإباحة، يقال: رعت الماشية الكلأ ورعاها صاحبها رعاية، أي أسامها وسرّحها يجيء لازمًا ومتعدّيًا.
والإشارة بقوله: {إِنَّ في ذلك لآيات لأُوْلِى النهى} إلى ما تقدّم ذكره في هذه الآيات، والنهى: العقول جمع نهية، وخص ذوي النهى؛ لأنهم الذين يُنتهى إلى رأيهم.
وقيل: لأنهم ينهون النفس عن القبائح، وهذا كله من موسى، احتجاج على فرعون في إثبات الصانع جوابًا لقوله: {فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى} والضمير في: {مِنْهَا خلقناكم} وما بعده راجع إلى الأرض المذكورة سابقًا.
قال الزجاج وغيره: يعني أن آدم خلق من الأرض وأولاده منه.
وقيل: المعنى أن كل نطفة مخلوقة من التراب في ضمن خلق آدم؛ لأن كل فرد من أفراد البشر له حظ من خلقه {وَفِيهَا} أي في الأرض {نُعِيدُكُمْ} بعد الموت فتدفنون فيها وتتفرّق أجزاؤكم حتى تصير من جنس الأرض، وجاء بفي دون إلى؛ للدلالة على الاستقرار {وَمِنْهَا} أي من الأرض {نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى} أي بالبعث والنشور وتأليف الأجسام وردّ الأرواح إليها على ما كانت عليه قبل الموت، والتارة كالمرّة.
{وَلَقَدْ أريناه ءاياتنا كُلَّهَا} أي أرينا فرعون وعرفناه آياتنا كلها، والمراد بالآيات هي: الآيات التسع المذكورة في قوله: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى تِسْعَ ءايات} [الإسراء: 101].
على أن الإضافة للعهد.
وقيل: المراد: جميع الآيات التي جاء بها موسى، والتي جاء بها غيره من الأنبياء، وأن موسى قد كان عرّفه جميع معجزاته ومعجزات سائر الأنبياء، والأوّل أولى، وقيل: المراد بالآيات: حجج الله سبحانه الدالة على توحيده.
{فَكَذَّبَ وأبى} أي كذب فرعون موسى وأبى عليه أن يجيبه إلى الإيمان، وهذا يدل على أن كفر فرعون كفر عناد؛ لأنه رأى الآيات وكذب بها كما في قوله: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14].
وجملة: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ ياموسى} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: فماذا قال فرعون بعد هذا؟ والهمزة للإنكار لما جاء به موسى من الآيات، أي جئت يا موسى لتوهم الناس بأنك نبيّ يجب عليهم اتباعك، والإيمان بما جئت به، حتى تتوصل بذلك الإيهام الذي هو شعبة من السحر إلى أن تغلب على أرضنا وتخرجنا منها.
وإنما ذكر الملعون الإخراج من الأرض؛ لتنفير قومه عن إجابة موسى، فإنه إذا وقع في أذهانهم وتقرّر في أفهامهم أن عاقبة إجابتهم لموسى الخروج من ديارهم وأوطانهم كانوا غير قابلين لكلامه ولا ناظرين في معجزاته ولا ملتفتين إلى ما يدعو إليه من الخير.
{فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مّثْلِهِ} الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها واللام هي الموطئة للقسم، أي والله لنعارضنك بمثل ما جئت به من السحر، حتى يتبين للناس أن الذي جئت به سحر يقدر على مثله الساحر.
{فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا} هو مصدر، أي وعدًا.
وقيل: اسم مكان، أي اجعل لنا يومًا معلومًا، أو مكانًا معلومًا لا نخلفه.
قال القشيري: والأظهر أنه مصدر، ولهذا قال: {لاَّ نُخْلِفُهُ} أي لا نخلف ذلك الوعد.
والإخلاف أن تعد شيئًا ولا تنجزه.
قال الجوهري: الميعاد: المواعدة والوقت والموضع، وكذلك الموعد.
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج: {لاَّ نُخْلِفُهُ} بالجزم على أنه جواب لقوله: {اجعل}.
وقرأ الباقون بالرفع على أنه صفة لموعدًا، أي لا نخلف ذلك الوعد {نَحْنُ وَلا أَنتَ} وفوّض تعيين الموعد إلى موسى؛ إظهارًا لكمال اقتداره على الإتيان بمثل ما أتى به موسى.
وانتصاب: {مَكَانًا سُوًى} بفعل مقدّر يدل عليه المصدر، أو على أنه بدل من موعد.
قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة: {سوى} بضم السين، وقرأ الباقون بكسرها وهما لغتان.
واختار أبو عبيد وأبو حاتم كسر السين، لأنها اللغة العالية الفصيحة، والمراد: مكانًا مستويًا.
وقيل: مكانًا منصفًا عدلًا بيننا وبينك.
قال سيبويه: يقال: سِوًى وسُوًى، أي عدل، يعني عدلًا بين المكانين.
قال زهير:
أرونا خطة لا ضيم فيها ** يسوّى بيننا فيها السواء

قال أبو عبيدة والقتيبي: معناه مكانًا وسطًا بين الفريقين، وأنشد أبو عبيدة لموسى بن جابر الحنفي:
وجدنا أبانا كان حلّ ببلدة ** سوّى بين قيس غيلان والفزر

والفزر: سعد بن زيد مناة.
ثم واعده موسى بوقت معلوم فقال: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} قال مجاهد وقتادة ومقاتل والسديّ: كان ذلك يوم عيد يتزينون فيه.
وقال سعيد بن جبير: كان ذلك يوم عاشوراء.
وقال الضحاك: يوم السبت.
وقيل: يوم النيروز.
وقيل: يوم كسر الخليج.
وقرأ الحسن والأعمش وعيسى الثقفي والسلمي وهبيرة عن حفص: {يوم الزينة} بالنصب، ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو، أي في يوم الزينة إنجاز موعدنا، وقرأ الباقون بالرفع على أنه خبر موعدكم، وإنما جعل الميعاد زمانًا بعد أن طلب منه فرعون أن يكون مكانًا سوى؛ لأن يوم الزينة يدلّ على مكان مشهور يجتمع فيه الناس ذلك اليوم، أو على تقدير مضاف محذوف، أي موعدكم مكان يوم الزينة.
{وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى} معطوف على {يوم الزينة} فيكون في محل رفع، أو على {الزينة} فيكون في محل جرّ، يعني ضحى ذلك اليوم.
والمراد بالناس: أهل مصر.
والمعنى: يحشرون إلى العيد وقت الضحى، وينظرون في أمر موسى وفرعون.
قال الفراء: المعنى إذا رأيت الناس يحشرون من كل ناحية ضحى فذلك الموعد.
قال: وجرت عادتهم بحشر الناس في ذلك اليوم.
والضحى قال الجوهري: ضحوة النهار بعد طلوع الشمس ثم بعده الضحى، وهو حين تشرق الشمس.
وخص الضحى؛ لأنه أوّل النهار، فإذا امتدّ الأمر بينهما كان في النهار متسع.
وقرأ ابن مسعود والجحدري: {وأن يحشر} على البناء للفاعل، أي وأن يحشر الله الناس ضحى.
وروي عن الجحدري أنه قرأ: {وأن نحشر} بالنون وقرأ بعض القرّاء بالتاء الفوقية، أي وأن تحشر أنت يا فرعون، وقرأ الباقون بالتحتية على البناء للمفعول.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إننا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا} قال: يعجل {أَوْ أَن يطغى} قال: يعتدي.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {أَسْمَعُ وأرى} قال: أسمع ما يقول وأرى ما يجاوبكما به، فأوحي إليكما فتجاوبانه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: لما بعث الله موسى إلى فرعون قال: ربّ أي شيء أقول؟ قال: قل أهيا شراهيا.
قال الأعمش: تفسير ذلك الحيّ قبل كل شيء، والحيّ بعد كل شيء.
وجوّد السيوطي إسناده، وسبقه إلى تجويد إسناده ابن كثير في تفسيره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {على مَن كَذَّبَ وتولى} قال: كذب بكتاب الله وتولى عن طاعة الله.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {أعطى كُلَّ شَىء خَلْقَهُ} قال: خلق لكل شيء زوجه {ثُمَّ هدى} قال: هداه لمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لاَّ يَضِلُّ رَبّي} قال: لا يخطىء.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {مّن نبات شتى} قال: مختلف.
وفي قوله: {لأُوْلِي النهى} قال: لأولي التقى.
وأخرج ابن المنذر عنه {لأُوْلِي النهى} قال: لأولي الحجا والعقل.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء الخراساني قال: إن الملك ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه فيذرّه على النطفة، فيخلق من التراب ومن النطفة، وذلك قوله: {مِنْهَا خلقناكم وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ}.
وأخرج أحمد والحاكم عن أبي أمامة قال: لما وضعت أمّ كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{مِنْهَا خلقناكم وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى} بسم الله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله» وفي حديث في السنن: «أنه أخذ قبضة من التراب فألقاها في القبر وقال: {مِنْهَا خلقناكم} ثم أخرى وقال: {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} ثم أخرى وقال: {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى}» وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} قال: يوم عاشوراء.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمرو نحوه. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {مكانًا سوى} قال: منصفًا بينهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {مكانًا سوى} قال: نصفًا بيني وبينك.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي رضي الله عنه في قوله: {مكانًا سوى} قال: عدلًا.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {مكانًا سوى} قال: مكانًا مستويًا يتبين الناس سواء فيه. لا يكون صوت، ولا شيء يتغيب بعض ذلك، عن بعض مستوحين يرى.
{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)}.
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {موعدكم يوم الزينة} قال: يوم عاشوراء.
وأخرج ابن المنذر، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام يوم الزينة أدرك ما فاته من صيام تلك السنة، ومن تصدق يومئذ بصدقة أدرك ما فاته من صدقة تلك السنة» يعني يوم عاشوراء.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {قال موعدكم يوم الزينة} قال: هو يوم عيد كان لهم.
وأخرج عبد بن حميد، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {قال موعدكم يوم الزينة} قال: هو عيدهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: {موعدكم يوم الزينة} قال: يوم السوق.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن زيد رضي الله عنه قال: {موعدكم يوم الزينة} قال: يوم العيد: يوم يتفرغ الناس من الأعمال، ويشهدون ويحضرون ويرون.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وأن يحشر الناس ضحى} قال: يجتمعون لذلك الميعاد الذي واعدوه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي نهيك أنه قرأ {وأن تحشر الناس ضحى} بالتاء وأن تشحر الناس أنت قال: فرعون يحشر قومه. اهـ.