فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم بين تعالى أن موسى عليه السلام قدم قبل كل شيء الوعيد والتحذير مما قالوه وأقدموا عليه فقال: {وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِبًا} بأن تزعموا بأن الذي جئت به ليس بحق وأنه سحر فيمكنكم معارضتي، قال الزجاج: يجوز في انتصاب ويلكم أن يكون المعنى ألزمهم الله ويلا إن افتروا على الله كذبا ويجوز على النداء كقوله: {يا ويلتى ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ} [هود: 72]، {ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [يس: 52] وقوله: {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} أي يعذبكم عذابًا مهلكًا مستأصلًا وقرأ حمزة وعاصم والكسائي برفع الياء من الإسحات والباقون بفتحها من السحت والإسحات لغة أهل نجد وبني تميم والسحت لغة أهل الحجاز فكأنه تعالى قال: من افترى على الله كذبًا حصل له أمران: أحدهما: عذاب الاستئصال في الدنيا أو العذاب الشديد في الآخرة وهو المراد من قوله: {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ}.
والثاني: الخيبة والحرمان عن المقصود وهو المراد بقوله: {وَقَدْ خَابَ مَنِ افترى} ثم بين سبحانه وتعالى أنه لم قال موسى عليه السلام ذلك أعرضوا عن قوله: {فتنازعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} وفي تنازعوا قولان: أحدهما: تفاوضوا وتشاوروا ليستقروا على شيء واحد.
والثاني: قال مقاتل: اختلفوا فيما بينهم ثم قال بعضهم: دخل في التنازع فرعون وقومه ومنهم من يقول: بل هم السحرة وحدهم والكلام محتمل وليس في الظاهر ما يدل على الترجيح وذكروا في قوله: {وَأَسَرُّواْ النجوى} وجوهًا:
أحدها: أنهم أسروها من فرعون وعلى هذا التقدير فيه وجوه.
الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما إن نجواهم قالوا: إن غلبنا موسى اتبعناه.
والثاني: قال قتادة إن كان ساحرًا فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمر.
الثالث: قال وهب لما قال: {وَيْلَكُمْ} الآية قالوا ما هذا بقول ساحر.
القول الثاني: أنهم أسروا النجوى من موسى وفرعون ونجواهم هو قولهم: {إِنْ هاذان لساحران يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ} [طه: 63] وهو قول السدي.
الوجه الثالث: أنهم أسروا النجوى من موسى وهرون ومن فرعون وقومه أيضًا وكان نجواهم أنهم كيف يجب تدبير أمر الحبال والعصي وعلى أي وجه يجب إظهارها فيكون أوقع في القلوب وأظهر للعيوب وهو قول الضحاك.
{قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)}.
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
القراءة المشهورة: {إِنْ هاذان لساحران} ومنهم من ترك هذه القراءة وذكروا وجوهًا أخر.
أحدها: قرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر: {إن هذين لساحران} قالوا: هي قراءة عثمان وعائشة وابن الزبير وسعيد بن جبير والحسن رضي الله تعالى عنه واحتج أبو عمرو وعيسى على ذلك بما روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سئلت عن قوله: {إِنْ هاذان لساحران} وعن قوله: {إِنَّ الذين ءَامَنُواْ والذين هَادُواْ والصابئون والنصارى} [المائدة: 69] في المائدة، وعن قوله: {لكن الراسخون في العلم مِنْهُمْ} [النساء: 162] إِلى قوله: {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكواة} [النساء: 162] فقالت يا ابن أخي هذا خطأ من الكاتب، وروي عن عثمان أنه نظر في المصحف فقال: أرى فيه لحنًا وستقيمه العرب بألسنتها، وعن أبي عمرو أنه قال: إني لأستحي أن أقرأ: {إِنْ هاذان لساحران}، وثانيها: قرأ ابن كثير: {إن هذان} بتخفيف إن وتشديد نون هذان.
وثالثها: قرأ حفص عن عاصم إن هذان بتخفيف النونين.
ورابعها: قرأ عبد الله بن مسعود: {وَأَسَرُّواْ النجوى أنْ هاذان} بفتح الألف وجزم نونه وساحران بغير لام.
وخامسها: عن الأخفش: {إِنْ هاذان لساحران} خفيفة في معنى ثقيلة وهي لغة قوم يرفعون بها ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما.
وسادسها: روى عن أبي بن كعب: {ما هذان إلا ساحران} وروي عنه أيضًا: {إن هذان لساحران} وعن الخليل مثل ذلك، وعن أبي أيضًا: {إن ذان لساحران} فهذه هي القراءات الشاذة المذكورة في هذه الآية، واعلم أن المحققين قالوا: هذه القراءات لا يجوز تصحيحها لأنها منقولة بطريق الآحاد، والقرآن يجب أن يكون منقولًا بالتواتر إذ لو جوزنا إثبات زيادة في القرآن بطريق الآحاد لما أمكننا القطع بأن هذا الذي هو عندنا كل القرآن لأنه لما جاز في هذه القراءات أنها مع كونها من القرآن ما نقلت بالتواتر جاز في غيرها ذلك، فثبت أن تجويز كون هذه القراءات من القرآن يطرق جواز الزيادة والنقصان والتغيير إلى القرآن وذلك يخرج القرآن عن كونه حجة ولما كان ذلك باطلًا فكذلك ما أدى إليه، وأما الطعن في القراءة المشهورة فهو أسوأ مما تقدم من وجوه: أحدها: أنه لما كان نقل هذه القراءة في الشهرة كنقل جميع القرآن فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن وذلك يفضي إلى القدح في التواتر وإلى القدح في كل القرآن وأنه باطل، وإذا ثبت ذلك امتنع صيرورته معارضًا بخبر الواحد المنقول عن بعض الصحابة.
وثانيها: أن المسلمين أجمعوا على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى وكلام الله تعالى لا يجوز أن يكون لحنًا وغلطًا فثبت فساد ما نقل عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما أن فيه لحنًا وغلطًا.
وثالثها: قال ابن الأنباري إن الصحابة هم الأئمة والقدوة فلو وجدوا في المصحف لحنًا لما فوضوا إصلاحه إلى غيرهم من بعدهم مع تحذيرهم من الإبتداع وترغيبهم في الاتباع، حتى قال بعضهم: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.
فثبت أنه لابد من تصحيح القراءة المشهورة.
واختلف النحويون فيه وذكروا وجوهًا: الوجه الأول: وهو الأقوى أن هذه لغة لبعض العرب وقال بعضهم هي لغة بلحارث بن كعب، والزجاج نسبها إلى كنانة وقطرب نسبها إلى بلحارث بن كعب ومراد وخثعم وبعض بني عذرة، ونسبها ابن جني إلى بعض بني ربيعة أيضًا وأنشد الفراء على هذه اللغة:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ** مساغًا لناباه الشجاع لصمما

وأنشد غيره:
تزود منا بين أذناه ضربة ** دعته إلى هابي التراب عقيم

قال الفراء وحكى بعض بني أسد أنه قال هذا خط يدا أخي أعرفه.
وقال قطرب هؤلاء يقولون: رأيت رجلان واشتريت ثوبان قال رجل من بني ضبة جاهلي:
أعرف منها الجيد والعينانا ** * ومنخرين أشبها ظبيانا

وقوله: ومنخرين على اللغة الفاشية وما وراء ذلك على لغة هؤلاء.
وقال آخر:
طاروا علاهن فطر علاها ** واشدد بمثنى حقب حقواها

وقال آخر:
كأن صريف ناباه إذا ما ** أمرهما صرير الأخطبان

قال بعضهم: الأخطبان ذكر الصردان، فصيرهما واحدًا فبقي الاستدلال بقوله صريف ناباه، قال: وأنشدني يونس لبعض بني الحرث:
كأن يمينًا سحبل ومصيفه ** مراق دم لن يبرح الدهر ثاويا

وأنشدوا أيضًا:
إن أباها وأبا أباها ** قد بلغا في المجد غايتاها

وقال ابن جني روينا عن قطرب:
هناك أن تبكي بشعشعان ** رحب الفؤاد طائل اليدان

ثم قال الفراء وذلك وإن كان قليلًا أقيس لأن ما قبل حرف التثنية مفتوح، فينبغي أن يكون ما بعده ألفًا ولو كان ما بعده ياء ينبغي أن تنقلب ألفًا لانفتاح ما قبلها وقطرب ذكر أنهم يفعلون ذلك فرارًا إلى الألف التي هي أخف حروف المد هذا أقوى الوجوه في هذه الآية ويمكن أن يقال أيضًا: الألف في هذا من جوهر الكلمة والحرف الذي يكون من جوهر الكلمة لا يجوز تغييره بسبب التثنية والجمع لأن ما بالذات لا يزول بالعرض فهذا الدليل يقتضي أن لا يجوز أن يقال: إن هذين فلما جوزناه فلا أقل من أن يجوز معه أن يقال إن هذان.
الوجه الثاني: في الجواب أن يقال إن هاهنا بمعنى نعم قال الشاعر:
ويقلن شيب قد علا ** ك وقد كبرت فقلت إنه

أي فقلت نعم فالهاء في إنه هاء السكت كما في قوله تعالى: {هَلَكَ عَنّي سلطانيه} [الحاقة: 29] وقال أبو ذؤيب:
شاب المفارق إن إن من البلى ** شيب القذال مع العذار الواصل

أي نعم إن من البلى فصار إن كأنه قال نعم هذان لساحران، واعترضوا عليه فقالوا: اللام لا تدخل في الخبر على الاستحسان إلا إذا كانت إن داخلة في المبتدأ، فأما إذا لم تدخل أن على المبتدأ فمحل اللام المبتدأ إذ يقال لزيد اعلم من عمرو ولا يقال زيد لأعلم من عمرو، وأجابوا عن هذا الاعتراض من وجهين، الأول: لا نسلم أن اللام لا يحسن دخولها على الخبر والدليل عليه قوله:
أم الحليس لعجوز شهر به ** ترضى من اللحم بعظم الرقبه

وقال آخر:
خالي لأنت ومن جرير خاله ** ينل العلاء ويكرم الأخوالا

وأنشد قطرب:
ألم تكن حلفت بالله العلي ** أن مطاياك لمن خير المطي

وإن رويت إن بالكسر لم يبق الاستدلال إلا أن قطربًا قال: سمعناه مفتوح الهمزة وأيضًا فقد أدخلت اللام في خبر أمسى، قال ابن جني أنشدنا أبو علي:
مروا عجالى فقالوا كيف صاحبكم ** فقال من سئلوا أمسى لمجهودا

وقال قطرب وسمعنا بعض العرب يقول: أراك المسالمي وإني رأيته لشيخًا وزيد والله لواثق بك وقال كثير:
وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها ** لكالهائم المقصى بكل بلاد

وقال آخر:
ولكنني من حبها لعميد

وقال المعترض هذه الأشعار من الشواذ وإنما جاءت كذا لضرورة الشعر وجل كلام الله تعالى عن الضرورة وإنما تقرر هذا الكلام إذا بينا أن المبتدأ إذا لم يدخل عليه إن وجب إدخال اللام عليه لا على الخبر وتحقيقه أن اللام تفيد تأكيد موصوفية المبتدأ بالخبر واللام تدل على حالة من حالات المبتدأ وصفة من صفاته فوجب دخولها على المبتدأ لأن العلة الموجبة لحكم في محل لابد وأن تكون مختصة بذلك المحل لا يقال هذا مشكل بما إذا دخلت إن على المبتدأ فإن هاهنا يجب إدخال اللام على الخبر مع أن ما ذكرتموه حاصل فيه لأنا نقول ذلك لأجل الضرورة وذلك لأن كلمة إن للتأكيد واللام للتأكيد فلو قلنا: إن لزيدًا قائم لكنا قد أدخلنا حرف التأكيد على حرف التأكيد وذلك ممتنع فلما تعذر إدخالها على المبتدأ لا جرم أدخلناها على الخبر لهذه الضرورة، وأما إذا لم يدخل حرف إن على المبتدأ كانت هذه الضرورة زائلة فوجب إدخال اللام على المبتدأ لا يقال إذا جاز إدخال حرف النفي على حرف النفي في قوله:
ما إن رأيت ولا سمعت به ** كاليوم طالبني أنيق أجرب

والغرض به تأكيد النفي فلم لا يجوز إدخال حرف التأكيد على حرف التأكيد والغرض به تأكيد الإثبات لأنا نقول الفرق بين البابين أن قولك زيد قائم يدل على الحكم بموصوفية زيد بالقيام فإذا قلت إن زيدًا قائم فكلمة إن تفيد تأكيد ذلك الحكم فلو ذكرت مؤكدًا آخر مع كلمة إن صار عبثًا، أما لو قلت: رأيت فلانًا فهذا للثبوت فإذا أدخلت عليه حرف النفي أفاد حرف النفي معنى النفي ولا يفيد التأكيد لأنه مستقل بإفادة الأصل فكيف يفيد الزيادة فإذا ضممت إليه حرف نفي آخر صار الحرف الثاني مؤكدًا للأول فلا يكون عبثًا فهذا هو الفرق بين البابين فهذا منتهى تقرير هذا الاعتراض وهو عندي ضعيف، لأن الكل اتفقوا على أنه إذا اجتمع النقل والقياس فالنقل أولى، ولأن هذه العلل في نهاية الضعف فكيف يدفع بها النقل الظاهر.
الوجه الثاني: في الجواب عن قولهم اللام لا يحسن دخولها على الخبر إلا إذا دخلت كلمة إن على المبتدأ كما ذكره الزجاج فقال: إن وقعت موقع نعم واللام في موقعها والتقدير نعم هذان لهما ساحران فكانت اللام داخلة على المبتدأ لا على الخبر.
قال: وعرضت هذا القول على محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحق فارتضياه وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا.
قال ابن جنى: هذا القول غير صحيح لوجوه: الوجه الأول: أن الأصل أن المبتدأ إنما يجوز حذفه لو كان أمرًا معلومًا جليًا ولولا ذلك لكان في حذفه مع الجهل به ضرب من تكليف علم الغيب للمخاطب وإذا كان معروفًا فقد استغنى بمعرفته عن تأكيده باللام لأن التأكيد إنما يحتاج إليه حيث لم يكن العلم به حاصلًا.
الوجه الثاني: أن الحذف من باب الاختصار والتأكيد من باب الإطناب فالجمع بينهما غير جائز ولأن ذكر المؤكد وحذف التأكيد أحسن في العقول من العكس.
الوجه الثالث: امتناع أصحابنا البصريين من تأكيد الضمير المحذوف العائد على المبتدأ في نحو قولك زيد ضربت فلا يجيزون زيد ضربت نفسه على أن يجعل النفس توكيدًا للهاء المؤكدة المقدرة في ضربت أي ضربته لأن الحذف لا يكون إلا بعد التحقيق والعلم به، وإذا كان كذلك فقد استغنى عن تأكيده فكذا ههنا.
الوجه الرابع: أن جميع النحويين حملوا قول الشاعر:
أم الحليس لعجوز شهر به

على أن الشاعر أدخل اللام على الخبر ضرورة ولو كان ما ذهب إليه الزجاج جائزًا لما عدل عنه النحويون ولما حملوا الكلام عليه على الإضطرار إذا وجدوا له وجهًا ظاهرًا، ويمكن الجواب عن اعتراض ابن جنى بأنه إنما حسن حذف المبتدأ لأن في اللفظ ما يدل عليه وهو قوله: هذان أما لو حذف التأكيد فليس في اللفظ ما يدل عليه فلا جرم كان حذف المبتدأ أولى من حذف التأكيد، وأما امتناعهم من تأكيد الضمير في قولهم: زيد ضربت نفسه فذاك إنما كان لأن إسناد الفعل إلى المظهر أولى من إسناده إلى المضمر فإذا قال زيد: ضربت نفسه كان قوله نفسه مفعولًا فلا يمكن جعله تأكيدًا للضمير فتأكيد المحذوف إنما امتنع هاهنا لهذه العلة لا لأن تأكيد المحذوف مطلقًا ممتنع وأما قوله: النحويون حملوا قول الشاعر:
أم الحليس لعجوز شهر به

على أن الشاعر أدخل اللام على الخبر ضرورة فلو جاز ما قاله الزجاج لما عدل عنه النحويون، فهذا اعتراض في نهاية السقوط لأن ذهول المتقدمين عن هذا الوجه لا يقتضي كونه باطلًا فما أكثر ما ذهل المتقدم عنه وأدركه المتأخر فهذا تمام الكلام في شرح هذا.
الوجه الثالث: في الجواب أن كلمة إن ضعيفة في العمل لأنها تعمل بسبب مشابهة الفعل فوجب كونها ضعيفة في العمل وإذا ضعفت جاز بقاء المبتدأ على إعرابه الأصلي وهو الرفع.
المقدمة الأولى: أنها تشبه الفعل وهذه المشابهة حاصلة في اللفظ والمعنى.
أما اللفظ فلأنها تركبت من ثلاثة أحرف وانفتح آخرها ولزمت الأسماء كالأفعال، وأما المعنى فلأنها تفيد حصول معنى في الاسم وهو تأكيد موصوفيته بالخبر كما أنك إذا قلت: قام زيد فقولك قام أفاد حصول معنى في الاسم.
المقدمة الثانية: أنها لما أشبهت الأفعال وجب أن تشبهها في العمل فذلك ظاهر بناء على الدوران.
المقدمة الثالثة: أنها لم تنصب الاسم وترفع الخبر فتقريره أن يقال: إنها لما صارت عاملة فإما أن ترفع المبتدأ والخبر معًا أو تنصبهما معًا أو ترفع المبتدأ وتنصب الخبر أو بالعكس والأول باطل لأن المبتدأ والخبر كانا قبل دخول إن عليهما مرفوعين فلو بقيا كذلك بعد دخولها عليهما لما ظهر له أثر ألبتة ولأنها أعطيت عمل الفعل، والفعل لا يرفع الإسمين فلا معنى للاشتراك.
والقسم الثاني: أيضًا باطل لأن هذا أيضًا مخالف لعمل الفعل لأن الفعل لا ينصب شيئًا مع خلوه عما يرفعه.
والقسم الثالث: أيضًا باطل لأنه يؤدي إلى التسوية بين الأصل والفرع فإن الفعل يكون عمله في الفاعل أولًا بالرفع وفي المفعول بالنصب فلو جعل النصب هاهنا كذلك لحصلت التسوية بين الأصل والفرع، ولما بطلت الأقسام الثلاثة تعين.
القسم الرابع: وهو أنها تنصب الاسم وترفع الخبر، وهذا مما ينبه على أن هذه الحروف دخيلة في العمل لا أصيلة لأن تقديم المنصوب على المرفوع في باب العمل عدول عن الأصل فذلك يدل على أن العمل بهذه الحروف ليس بثابت بطريق الأصالة بل بطريق عارض.
المقدمة الرابعة: لما ثبت أن تأثيرها في نصب الاسم بسبب هذه المشابهة وجب جواز الرفع أيضًا، وذلك لأن كون الاسم مبتدأ يقتضي الرفع ودخول إن على المبتدأ لا يزيل عنه وصف كونه مبتدأ لأنه يفيد تأكيد ما كان لا زوال ما كان إذا ثبت هذا فنقول: وصف كونه مبتدأ يقتضي الرفع وحرف إن يقتضي النصب ولكن المقتضى الأول أولى بالاقتضاء من وجهين: أحدهما: أن وصف كونه مبتدأ صفة أصلية للمبتدأ ودخول إن عليه صفة عرضية والأصل راجح على العارض.
والثاني: أن اقتضاء وصف المبتدأ للرفع أصلي واقتضاء حرف إن للنصب صفة عارضة بسبب مشابهتها بالفعل فيكون الأول أولى فثبت بمجموع ما قررنا أن الرفع أولى من النصب فإن لم تحصل الأولوية فلا أقل من أصل الجواز ولهذا السبب إذا جئت بخبر إن ثم عطفت على الاسم إسمًا آخر جاز فيه الرفع والنصب معًا.