فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}.
لما رأى موسى السحرة أراد أنْ يُحذِّرهم مِمَّا هم مُقبِلون عليه، وأنْ يعطيهم المناهي التي تمنعهم، فذكَّرهم بأن لهم ربًا سيحاسبهم كما تقول لشخص، تراه مُقْدِمًا على جريمة، لو فعلتَ كذا سأُبلغ عنك الشرطة، وستُعاقب بكذا وكذا، وتُذكّره بعاقبة جريمته.
{لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِبًا} [طه: 61] افترى أي: جاء بالفِرْية، وهي تعمُّد الكذب {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} [طه: 61] يعني: يستأصلكم بعذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة {وَقَدْ خَابَ مَنِ افترى} [طه: 61] أي: خسر.
ثم يقول الحق سبحانه: {فتنازعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ}.
يبدو أن تخويفَ موسى لهم بقوله: {وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} [طه: 61] قد أثَّر فيهم وأخافهم {فتنازعوا أَمْرَهُمْ} [طه: 62] أخذوا يتساومون القَوْل ويتبادلون الآراء.
{وَأَسَرُّواْ النجوى} [طه: 62] تحدثوا سِرًا، وهذا دليل خوفهم من كلام موسى، ودليل ما فيهم من استعداد للخير، لكن انتهى رأيهم إلى الاستمرار في الشوط إلى آخره.
{قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا}.
توقف العلماء طويلًا حول هذه الآية، لأن فيها قراءتين {إنْ هذان} بسكون {إنْ} والأخرى {إنَّ هذان} بالتشديد.
والقراءة التي نحن عليها قراءة حفص {إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] و{إنْ} شرطية إنْ دخلت على الفعل، كما نقول: إنْ زارني زيد أكرمته، وتأتي نافية بمعنى ما، كما في قوله تعالى: {الذين يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ} [المجادلة: 2].
فالمعنى: ما أمهاتهم إلا اللائي وَلَدْنهم. كذلك في قوله تعالى: {إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] فالمعنى: ما هذان إلا ساحران، فتكون اللام في {لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] بمعنى إلا. كأنك قُلْتَ: ما هذان إلا ساحران.
وتأتي اللام بمعنى إلا، إذا اختلفنا مثلًا على شيء، كل واحد مِنّا يدَّعيه لنفسه، فيأتي الحكم يقول: لَزَيدُ أحقُّ به، كأنه قال: ما هذا الشيء إلا لزيد. إذن: اللام تأتي بمعنى إلا.
وعلى القراءة الثانية بالتشديد {إنَّ هذان لساحران} فإنَّ حرف ناسخ ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، تقول: إنَّ زيدًا مجتهدٌ، أما في الآية بهذه القراءة: {إنّ هذان لساحران} جاء اسم إنَّ هذان بالرفع بالألف؛ لأنه مثنى، والقاعدة تقتضي أن نقول {هذين}.
فكيف يتم توجيه إنَّ المشددة الناسخة وبعدها الاسم مرفوع؟
قالوا: هذه لغة كنانة إحدى قبائل العرب، وكان لكل قبيلة لهجتها الخاصة ولغتها المشهورة فيقولون: جعجعة خزاعة، وطُمْطُمانيّة حِمْيَر، وتَلْتلة بَهْراء، وفحفحة هذيل.. إلخ.
ولما نزل القرآن نزل على جمهرة اللغة القرشية؛ لأن لغات العرب جميعها كانت تصبُّ في لغة قريش في مواسم الحج والشعر والتجارة وغيرها، فكانت لغة قريش هي السائدة بين لغات كل هذه القبائل؛ لذلك نزل بها القرآن، لكن الحق تبارك وتعالى أراد أن يكون للقبائل الأخرى نصيب، فجاءت بعض ألفاض القرآن على لهجات العرب المختلفة للدلالة على أن القرآن ليس لقريش وحدها، ليجعل لها السيادة على العرب، وإنما جاء للجميع.
ومن لهجات القبائل التي نزل بها القرآن لهجة كنانة التي تلزم المثنى الألف في كل أحواله رَفْعًا ونَصْبًا وجرًا. وشاهدهم في كتب النحو قول شاعرهم:
وَاهًَا لِسَلْمى ثُمَّ وَاَهَا وَاهَا ** يَا ليْتَ عَيْناهَا لَنَا وَافَاهَا

هِيَ المُنَى لَوْ أنَّنَا نِلْناهَا ** ومَوْضِع الخُلْخال من قَدمَاهَا

إنَّ أبَاهَا وأبَا أَبَاهَا ** قَدْ بلغَا في المجْدِ غَايتَاهَا

فقال: إنَّ أباها. ولم يقل: إنَّ أبيها؛ لأنه يُلزِم المثنى الألف.
إذن: لم ينزل القرآن بلغة قريش على أنها لغة سيادة، وإنما لأنها تنطوي على زُبْدة فصاحات لغات الجزيرة كلها، وكانت لغة قريش تصفَّى في مواسم الشعر والأدب في عكاظ وذى المجنّة وغيرها.
نعود إلى قول الحق تبارك وتعالى: {قالوا إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا} [طه: 63] ويبدو أن استعداء فرعون لقومه على موسى وهارون جاء بنتيجة ونالتْ حيلته من نفوسهم؛ لذلك يُردِّدون نفس كلام المعلم الكبير فرعون، فيتهمون موسى وهارون بالسحر.
وقولهم: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى} [طه: 63] طريقتهم المثلى. أي: ما ارتضاه القوم للعيش عليه، والمذهب والطريق الذي سلكوه. والمراد بالطريقة المثلى التي ساروا عليها أنهم اتخذوا واحدًا منهم إلهًا يعبدونه ويأتمرون بأمر، تلك هي الطريقة المثلى!! والمثلى: أي الفاضلة مُذكّرها أمثل.
{فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)}.
أي: تنبهوا واشحذوا كل أذهانكم، وكل فنونكم، وحركاتكم في السحر حتى لا يتمكنا من هذين الأمرين: إخراجكم من أرضكم، والقضاء على طريقتكم المثلى.
وهذا قَوْل بعضهم لبعض {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} [طه: 64] فلا يُخفِي أحد فنًا من فنون السحر، وليُقدّم كُلُّ مِنّا ما عنده؛ لأن عادة أهل الحِرَف أن يوجد بينهم تحاسد، فلا يُظهر الواحد منهم كل ما عنده مرة واحدة، أو يحاول أنْ يُخفي ما عنده حتى لا يطلع عليه الآخر، لكن في مثل هذا الموقف لابد لهم من تضافر الجهود فالموقف حرِج ستعمُّ بلواه الجميع إنْ فشلنا في هذه المهمة.
وقوله: {ثُمَّ ائتوا صَفًّا} [طه: 64] يعني: مجتمعين كأنكم يد واحدة، فهذا أهْيَبُ لكم وأدْخَلُ للرعب في قلوب خصمكم، كما أننا إذا جِئْنَا سويًا لم يتمكن أحد من التراجع، فيكون بعضنا رقيبًا على بعض.
{وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} [طه: 64] أفلح: فاز، كما في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} [المؤمنون: 1] وهذا اللفظ مأخوذ من فلح الأرض ومنه الفلاحة؛ لأن الفلاح إذا شقَّ الأرض أو حرثَها ورعاها تعطيه خيرها، فحركتُه فيها حركة ميمونة مباركة.
لذلك، لما أراد الحق تبارك وتعالى أن يُبيِّن لنا مضاعفة الأجر والثواب على الصدقة وعلى فعل الخير ضرب لنا مثلًا بالزرع، فقال تعالى: {مَّثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ والله يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].
فإذا كانت الأرض وهي مخلوقة لله تعالى تعطي كل هذا العطاء، فما بالك بعطاء الخالق لهذه الأرض؟ لذلك عقب المثل بقوله تعالى: {والله يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} [البقرة: 261].
ثم أُخِذَتْ كلمة الفلاح عَلمًا على كل فلاح، ولو لم يكن فيه صِلَة بالأرض؛ لأن قصارى كل حركات الحياة أن تضمن للإنسان بقاء نَوْعه بالأكل، والأرض مصدر هذا كله، فكانت لذلك مصدرًا للفوز.
وقوله: {مَنِ استعلى} [طه: 64] أي: طلب العُلو على خَصْمه. لكن هل الفلاَح يكون لمن طلب العلو أم لمن علا بالفعل؟ طبعًا يكون لمن علا، إذن: مَنْ عَلاَ بالفعل لابد أنْ يشحذَ ذِهْنه على أن يطلب العلو على خصمه، فمهما علا الخصم استعلى عليه أي: طلب العُلو، إذن: قبل علا استعلى. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)}.
قوله: {فَيُسْحِتَكُم}: قرأ الأخَوان وحفص عن عصام {فيُسْحِتَكم} بضم الياء وكسر الحاء. والباقون بفتحهما. فقراءة الأخوين مِنْ أسْحَتَ رباعيًا وهي لغةُ نجدٍ وتميم. قال الفرزدق التميمي:
وعَضُّ زمانٍ يا بنَ مروانَ لم يَدَعْ ** من المالِ إلاَّ مُسْحَتًا أو مُجَلَّفُ

وقراءةُ الباقين مِنْ سَحَتَه ثلاثيًا وهي لغةُ الحجاز. وأصلُ هذه المادةِ الدلالةُ على الاستقصاءِ والنَّفاد. ومنه سَحَتَ الحالقُ الشَّعْرَ أي: استقصاه فلم يتركْ منه شيئًا، ويستعملُ في الإِهلاك والإِذهاب. ونصبُه بإضمار أَنْ في جواب النهي. ولَمَّا أنشد الزمخشريُّ قولَ الفرزدق:
إلاَّ مُسْحَتًا أو مُجْلَّفُ

قال بعد ذلك: في بيتٍ لم تَزَلِ الرُّكَبُ تَصْطَكُّ في تسويةِ إعرابه.
قلت: يعني أن هذا البيتَ صعبُ الإِعرابِ، وإذ قد ذَكَر فَلأَذْكُرْ ما ورد في هذا البيتِ من الروايات، وما قال الناس في ذلك على حسبِ ما يليق بهذا الموضوعِ، فأقولُ وبالله الحَوْلُ: رُوي هذا البيتُ بثلاثِ روايات، كل واحدة لا تَخْلو من ضرورةٍ: الأُولى لم يَدَعْ بفتح الياءِ والدال ونصب مُسْحَت.
وفي هذه خمسةُ أوجه:
الأول: أنَّ معنى لم يَدَعْ من المال إلاَّ مُسْحتًا: لم يَبْقَ إلاَّ مُسْحَت، فلما كان هذا في قوة الفاعل عَطَفَ عليه قوله: أو مُجَلَّفُ بالرفع. وبهذا البيتِ استشهد الزمخشريُّ على قراءة أُبَيّ والأعمش: {فَشربوا منه إلاَّ قليلٌ} برفع {قليل} وقد تقدَّم ذلك. الثاني: أنه مرفوعٌ بفعلٍ مقدرٍ دَلَّ عليه لم يَدَعْ، والتقدير: أو بقي مُجَلَّفٌ. الثالث: أن مُجَلَّفُ مبتدأ، وخبرُه مضمرٌ تقديره: أو مُجَلَّف كذلك وهو تخريج الفراء. الرابع: أنه معطوفٌ على الضميرِ المستتر في مُسْحتًا، وكان مِنْ حقِّ هذا أن يَفْصِل بينهما بتأكيدٍ أو فاصلٍ ما. إلاَّ أنَّ القائلَ بذلك لا يَشْترط وهو الكسائيُّ. وأيضًا فهو جائزٌ في الضرورة عند الكل. الخامس: أن يكونَ مُجَلَّف مصدرًا بزنة اسم المفعول كقولِه تعالى: {كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 19] أي: تَجْليف وتمزيق، وعلى هذا فهو نَسَقٌ علت عَضُّ زمانٍ إذ التقدير: رَمَتْ بنا همومٌ المُنَى وعَضُّ زمانٍ أو تجليف، فهو فاعلٌ لعطفِه على الفاعل، وهو قولُ الفارسيِّ. وهو عندي أحسنُها.
الروايةُ الثانية: فتحُ الياءِ وكسرُ الدال ورفعُ مُسْحت. وتخريجُها واضحٌ: وهو أن تكون مِنْ وَدَع في بيته يَدِع فهو وادع، بمعنى: بقي يبقى فهو باقٍ، فيرتفعُ مُسْحَتٌ بالفاعلية، ويُرْفَعُ مُجَلَّفُ بالعطفِ عليه. ولابد حينئذٍ من ضميرٍ محذوفٍ وتقديرُه: مِنْ أجله أو بسببه.... الكلام.
الرواية الثالثة: يُدَعْ بضمِّ الياء وفتح الدال على ما لم يُسَمَّ فاعلُه، ومُسْحَت بالرفع لقيامِه مَقام الفاعلِ، ومُجَلَّف عطفٌ عليه. وكان مِنْ حَقِّ الواو أن لا تُحْذف، بل تَثْبُتُ لأنها لم تقع بين ياءٍ وكسرة، وإنما حُذِفَتْ حملًا للمبني للمفعول على المبني للفاعل. وفي البيت كلامٌ أطولُ من هذا تركتُه اختصارًا وهذا لُبُّه. وقد ذكرته في البقرة وفَسَّرْت معناه ولغَته، ووَصَلْتُه بما قبله فعليك بالالتفاتِ إليه.
{قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)}.
قوله: {إِنْ هذان}: اختلف القُرَّاءُ في هذه الآيةِ الكريمة: فقرأ ابن كثيرٍ وحدَه {إنْ هذانِّ} بتخفيف إنْ، والألفِ، وتشديدِ النون. وحفصٌ كذلك إلاَّ أنه خَفَّف نونَ {هذانٍ}. وقرأ أبو عمرو {إنَّ} بالتشديد {هذين} بالياء وتخفيفِ النون. والباقون كذلك إلاَّ أنهم قَرَؤوا {هذان} بالألف.
فأَمَّا القراءةُ الأولى وهي قراءةُ ابنِ كثير وحفص فأوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظًا وخَطًَّا؛ وذلك أنهما جعلا {إنْ} المخففةَ من الثقيلة فَأُهْمِلَتْ، ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر. ف {هذان} مبتدأٌ، و{لَساحران} خبرُه، ووافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم هذن بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ وسيأتي بيانُ ذلك.
وأمَّا تشديدُ نونِ {هذان} فعلى ما تقدَّم في سورةِ النساءِ، وقد أَتْقَنتُ ذلك هناك.
وأمَّا الكوفيون فيزعمون أنَّ إنْ نافيةٌ بمعنى ما، واللامُ بمعنى إلاَّ، وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم {ما هذانِ إلاَّ ساحران}.
وأمَّا قراءةُ أبي عمروٍ فواضحةٌ من حيث الإِعرابُ والمعنى. أمَّا الإِعرابُ ف {هذَيْن} اسمُ {إنَّ} وعلامةُ نصبِه الياءُ. و{لَساحِران} خبرُها، ودخَلَتِ اللام توكيدًا. وأمَّا مِنْ حيث المعنى: فإنَّهم أَثْبتوا لهما السحرَ بطريق تأكيديٍّ من طرفيه، ولكنهم استشكلُوها من حيث خَطُّ المصحفِ؛ وذلك أنَّ رَسْمَه هذن بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ، فإثباتُه بالياءِ زيادةٌ على خطِّ المصحفِ. قال أبو إسحاق: لا أُجيز قراءةَ أبي عمرو لأنَّها خلافُ المصحفِ. وقال أبو عبيد: رأيتُهما في الإِمام مصحفِ عثمان هذن ليس فيها ألفٌ، وهكذا رأيتُ رفعَ الاثنين في ذلك المصحفِ بإسقاط الألفِ، وإذا كتبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء، ولا يُسْقِطونها.
قلت: وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياءُ خارجةٌ عن القياسِ، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس. فإن قلتَ: ما نَقَلْتَه عن أبي عبيد مشتركُ الإِلزامِ بين أبي عمروٍ وغيرِه، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادةِ الياء يُعْترض عليهم بزيادةِ الألفِ: فإنَّ الألفَ ثابتةٌ في قراءتِهم، ساقطةٌ من خَطِّ المصحفِ. فالجواب ما تقدَّم مِنْ قولِ أبي عبيدٍ أنهم رآهم يُسْقِطون الألفَ مِنْ رفع الاثنين، فإذا كتُبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء.