فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قَالُواْ يا موسى} يريد السحرة.
{إِمَّآ أَن تُلْقِيَ} عصاك من يدك {وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألقى} تأدبوا مع موسى فكان ذلك سبب إيمانهم.
{قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ} في الكلام حذف، أي فألقوا؛ دل عليه المعنى.
وقرأ الحسن {وَعُصِيُّهُمْ} بضم العين.
قال هارون القارئ: لغة بني تميم {وعُصِيُّهُمْ} وبها يأخذ الحسن.
الباقون بالكسر اتباعًا لكسرة الصاد.
ونحوه دُلِيّ ودِلِيّ وقُسي وقِسي.
{يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى}.
وقرأ ابن عباس وأبو حيوة وابن ذكوان وروح عن يعقوب {تُخَيَّلُ} بالتاء؛ وردّوه إلى العصيّ والحبال إذ هي مؤنثة.
وذلك أنهم لطخوا العصيّ بالزئبق، فلما أصابها حرّ الشمس ارتهشت واهتزّت.
قال الكلبي: خُيّل إلى موسى أن الأرض حيّات وأنها تسعى على بطنها.
وقرئ {تَخَيِّلُ} بمعنى تتخيل وطريقه طريق {تُخَيَّلُ} ومن قرأ {يُخَيَّلُ} بالياء رده إلى الكيد.
وقرئ {نُخَيِّل} بالنون على أن الله هو المخيِّل للمحنة والابتلاء.
وقيل: الفاعل {أَنَّهَا تَسْعَى} ف {أنّ} في موضع رفع؛ أي يخيّل إليه سعيها؛ قاله الزجاج.
وزعم الفراء أن موضعها موضع نصب؛ أي بأنها ثم حذف الباء.
والمعنى في الوجه الأوّل: تشبّه إليه من سحرهم وكيدهم حتى ظن أنها تسعى.
وقال الزجاج: ومن قرأ بالتاء جعل {أنّ} في موضع نصب أي تَخيّل إليه ذاتَ سعي.
قال: ويجوز أن تكون في موضع رفع بدلًا من الضمير في {تخيّل} وهو عائد على الحبال والعصيّ، والبدل فيه بدل اشتمال.
و{تسعى} معناه تمشي.
قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً موسى} أي أضمر.
وقيل: وجد.
وقيل: أحسّ.
أي من الحيات وذلك على ما يعرض من طباع البشر على ما تقدم.
وقيل: خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي عصاه.
وقيل: خاف حين أبطأ عليه الوحي بإلقاء العصا أن يفترق الناس قبل ذلك فيفتتنوا.
وقال بعض أهل الحقائق: إنما كان السبب أن موسى عليه السلام لما التقى بالسحرة وقال لهم: {وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} [طه: 61] التفت فإذا جبريل على يمينه فقال له يا موسى تَرفَّق بأولياء الله.
فقال موسى: يا جبريل هؤلاء سحرة جاؤوا بسحر عظيم ليبطلوا المعجزة، وينصروا دين فرعون، ويردّوا دين الله، تقول: تَرفَّق بأولياء الله! فقال جبريل: هم من الساعة إلى صلاة العصر عندك، وبعد صلاة العصر في الجنة.
فلما قال له ذلك، أُوجس في نفس موسى، وخَطَر أن ما يُدريني ما عِلْم الله فيّ، فلعلّي أكون الآن في حالة، وعِلْم الله فيّ على خلافها كما كان هؤلاء.
فلمّا علم الله ما في قلبه أوحى الله إليه {لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى} أي الغالب لهم في الدنيا، وفي الدرجات العلا في الجنة؛ للنبوّة والاصطفاء الذي آتاك الله به.
وأصل {خِيفة} خِوْفة فَانقلبت الواو ياء لانكسار الخاء.
قوله تعالى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صنعوا} ولم يقل وألق عصاك، فجائز أن تكون تصغيرًا لها؛ أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيّهم، وألق العُوَيد الفَرْد الصغير الجِرْم الذي في يمينك، فإنه بقدرة الله يتلقّفها على وحدته وكثرتها، وصغره وعظمها.
وجائز أن يكون تعظيمًا لها أي لا تحفل بهذه الأجرام الكثيرة الكبيرة فإن في يمينك شيئًا أعظم منها كلها، وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عندها؛ فألقه يتلقّفها بإذن الله ويمحقها.
و{تَلَقَّفْ} بالجزم جواب الأمر؛ كأنه قال: إن تلقه تتلقّف؛ أي تأخذ وتبتلع.
وقرأ السُّلَميّ وحفص {تَلْقَفْ} ساكنة اللام من لَقِف يَلْقَف لَقْفَا.
وقرأ ابن ذكوان وأبو حيوة الشامي ويحيى بن الحرث {تَلْقَفُ} بحذف التاء ورفع الفاء، على معنى فإنها تتلقف.
والخطاب لموسى.
وقيل: للعصا.
واللقْف الأخذ بسرعة.
يقال: لَقفتُ الشيء بالكسر ألقَفه لَقْفَا، وتلقّفته أيضًا أي تناولته بسرعة.
عن يعقوب: يقال رجل لَقِف ثَقِف أي خفيف حاذق.
واللَّقَف بالتحريك سقوط الحائط.
ولقد لقِف الحوضُ لَقَفا أي تَهوّر من أسفله واتسع.
وتَلْقف وتَلقَم وتَلهَم بمعنى.
وقد مضى في الأعراف.
لقِمت اللُّقمة بالكسر لَقْما، وتَلقّمتها إذا ابتلعتها في مهلة.
وكذلك لَهِمه بالكسر إذا ابتلعه.
{مَا صنعوا} أي الذي صنعوه وكذا {إِنَّمَا صَنَعُواْ} أي إن الذي صنعوه.
{كَيْدُ} بالرفع {سِحْرٍ} بكسر السين وإسكان الحاء؛ وهي قراءة الكوفيين إلا عاصمًا.
وفيه وجهان: أحدهما: أن يكون الكيد مضافًا إلى السحر على الإتباع من غير تقدير حذف.
والثاني: أن يكون في الكلام حذف أي كيد ذي سحر.
وقرأ الباقون {كَيْدَ} بالنصب بوقوع الصنع عليه، و{ما} كافة ولا تضمر هاءً {ساحِرٍ} بالإضافة.
والكيد في الحقيقة على هذه القراءة مضاف للساحر لا للسحر.
ويجوز فتح {أنّ} على معنى لأن ما صنعوا كيد ساحر.
{وَلاَ يُفْلِحُ الساحر حَيْثُ أتى} أي لا يفوز ولا ينجو حيث أتى من الأرض.
وقيل: حيث احتال.
وقد مضى في البقرة حكم الساحر ومعنى السحر فتأمله هناك. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)}.
في الكلام حذف تقديره فجاؤوا مصطفين إلى مكان الموعد، وبيد كل واحد منهم عصا وحبل، وجاء موسى وأخوه ومعه عصاه فوقفوا و{قالوا يا موسى إما أن تلقي} وذكروا الإلقاء لأنهم علموا أن آية موسى في إلقاء العصا.
قيل: خيروه ثقة منهم بالغلب لموسى، وكانوا يعتقدون أن أحدًا لا يقاومهم في السحر.
وقال الزمخشري: وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه وتواضع له وخفض جناح، وتنبيه على إعطائهم النصفة من أنفسهم، وكان الله عز وجل ألهمهم ذلك وعلم موسى عليه السلام اختيار إلقائهم أولًا مع ما فيه من مقابلة الأدب بأدب حتى يبرزوا ما معهم من مكائد السحر ويستنفذوا أقصى طرقهم ومجهودهم، فإذا فعلوا أظهر الله سلطانه وقذف بالحق على الباطل فدمغه وسلط المعجزة على السحر فمحقته، وكانت آية بينة للناظرين بينة للمعتبرين انتهى.
وهو تكثير وخطابة وإن ما بعده ينسبك بمصدر فإما أن يكون مرفوعًا وإما أن يكون منصوبًا والمعنى أنك تختار أحد الأمرين، وقدّر الزمخشري الرفع الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا فجعله خبر المبتدأ محذوف، واختار أن يكون مبتدأ والخبر محذوف تقديره إلقاؤك أول ويدل عليه قوله: {وإما أن نكون أول من ألقى} فتحسن المقابلة من حيث المعنى وإن كان من حيث التركيب اللفظي لم تحصل المقابلة لأنا قدّرنا إلقاؤك أول، ومقابلة كونهم يكونون أول من يلقي لكنه يلزم من ذلك أن يكون إلقاؤهم أول فهي مقابلة معنوية.
وفي تقدير الزمخشري الأمر إلقاؤك لا مقابلة فيه.
وقدّر الزمخشري النصب اختر أحد الأمرين وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب، وتفسير الإعراب {إما} نختار {أن تلقي} وتقدم نحو هذا التركيب في الأعراف.
{قال بل ألقوا} لا يكون الأمر بالإلقاء من باب تجويز السحر والأمر به لأن الغرض في ذلك الفرق بين إلقائهم والمعجزة، وتعين ذلك طريقًا إلى كشف الشبهة إذ الأمر مقرون بشرط أي ألقوا إن كنتم محقين لقوله: {فأتوا بسورة من مثله} ثم قال: {إن كنتم صادقين} وفي الكلام حذف تقديره فألقوا فإذا.
قال أبو البقاء: {فإذا حبالهم} الفاء جواب ما حذف وتقديره فألقوا وإذا في هذا ظرف مكان، والعامل فيه ألقوا انتهى.
فقوله: {فإذا} الفاء جواب ما حذف وتقديره فألقوا ليست هذه فاء جواب لأن فألقوا لا تجاب، وإنما هي للعطف عطفت جملة المفاجأة على ذلك المحذوف.
وقوله وإذا في هذا ظرف مكان يعني أن إذا التي للمفاجأة ظرف مكان وهو مذهب المبرد وظاهر كلام سيبويه، وقوله: والعامل فيه ألقوا ليس بشيء لأن الفاء تمنع من العمل ولأن إذا هذه إنما هي معمولة لخبر المبتدأ الذي هو {حبالهم وعصيهم} إن لم يجعلها هي في موضع الخبر، لأنه يجوز أن يكون الخبر يخيل، ويجوز أن تكون إذا ويخيل في موضع الحال، وهذا نظير: خرجت فإذا الأسد رابض ورابضًا فإذا رفعنا رابضًا كانت إذا معمولة، والتقدير فبالحضرة الأسد رابض أو في المكان، وإذا نصبتا كانت خبرًا ولذلك تكتفي بها، وبالمرفوع بعدها كلامًا نحو خرجت فإذا الأسد.
وقال الزمخشري: يقال في إذا هذه إذا المفاجأة والتحقيق فيها أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصبًا لها وجملة تضاف إليها خصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلًا مخصوصًا وهو فعل المفاجأة، والجملة ابتدائية لا غير فتقدير قوله تعالى: {فإذا حبالهم وعصيهم} ففاجأ موسى وقت تخييل حبالهم وعصيهم، وهذا تمثيل والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي انتهى.
فقوله: والتحقيق فيها إذا كانت الكائنة بمعنى الوقت هذا مذهب الرياشي أن إذا الفجائية ظرف زمان وهو قول مرجوح، وقول الكوفيين أنها حرف قول مرجوح أيضًا وقوله الطالبة ناصبًا لها صحيح، وقوله: وجملة تضاف إليها هذا عند أصحابنا ليس بصحيح لأنها إما أن تكون هي خبر المبتدأ وإما معمولة لخبر المبتدأ، وإذا كان كذلك استحال أن تضاف إلى الجملة لأنها إما أن تكون بعض لجملة أو معمولة لبعضها، فلا تمكن الإضافة.
وقوله خصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلًا مخصوصًا وهو فعل المفاجأة قد بينا الناصب لها، وقوله والجملة ابتدائية لا غير هذا الحصر ليس بصحيح بل قد نص الأخفش في الأوسط على أن الجملة المصحوبة بقد تليها وهي فعلية تقول: خرجت فإذا قد ضرب زيد عمرًا وبنى على ذلك سأله الاشتغال خرجت فإذا زيد قد ضربه عمرو، برفع زيد ونصبه، وأما قوله: والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي فهذا بعكس ما قدّر بل المعنى على مفاجأة حبالهم وعصيهم إياه.
فإذا قلت: خرجت فإذا السبع، فالمعنى أنه فاجأني السبع وهجم ظهوره.
وقرأ الحسن وعيسى عُصِيَهُم بضم العين حيث كان وهو الأصل لأن الكسر اتباع لحركة الصاد وحركة الصاد لأجل الياء.
وفي كتاب اللوامح الحسن وعُصْيهم بضم العين وإسكان الصاد وتخفيف الياء مع الرفع فهو أيضًا جمع كالعامّة لكنه على فعل.
وقرأ الزهري والحسن وعيسى وأبو حيوة وقتادة والجحدري وروح والوليدان وابن ذكوان تخيل بالتاء مبنيًا للمفعول وفيه ضمير الحبال والعصي و{أنها تسعى} بدل اشتمال من ذلك الضمير.
وقرأ أبو السماك تخيل بفتح التاء أي تتخيل وفيها أيضًا ضمير ما ذكر و{أنها تسعى} بدل اشتمال أيضًا من ذلك الضمير لكنه فاعل من جهة المعنى.
وقال ابن عطية: إنها مفعول من أجله.
وقال أبو القاسم بن حبارة الهذلي الأندلسي في كتاب الكامل من تأليفه عن أبي السماك أنه قرأ تخيل بالتاء من فوق المضمومة وكسر الياء والضمير فيه فاعل، و{أنها تسعى} في موضع نصب على المفعول به.
ونسب ابن عطية هذه القراءة إلى الحسن والثقفي يعني عيسى، ومن بني تخيل للمفعول فالمخيل لهم ذلك هو الله للمحنة والابتلاء وروى الحسن بن أيمن عن أبي حيوة نخيل بالنون وكسر الياء، فالمخيل لهم ذلك هو الله والضمير في {إليه} الظاهر أنه يعود على موسى لقوله قبل {قال بل ألقوا} ولقوله بعد {فأوجس في نفسه خيفة موسى} وقيل: يعود على فرعون، والظاهر من القصص أن الحبال والعصي كانت تتحرك وتنتقل الانتقال الذي يشبه انتقال من قامت به الحياة، ولذلك ذكر السعي وهو وصف من يمشي من الحيوان، فروى أنهم جعلوا في الحبال زئبقًا وألقوها في الشمس فأصاب الزئبق حرارة الشمس فتحرك فتحركت العصي والحبال معه.
وقيل: حفروا الأرض وجعلوا تحتها نارًا وكانت العصي والحبال مملوءة بزئبق، فلما أصابتها حرارة الأرض تحركت وكان هذا من باب الدّرك.
وقيل: إنها لم تتحرك وكان ذلك من سحر العيون وقد صرح تعالى بهذا فقالوا {سحروا أعين الناس} فكان الناظر يخيل إليه أنها تنتقل.
وتقدم شرح أوجس.
وقال الزمخشري: كان ذلك لطبع الجبلة البشرية وأنه لا يكاد يمكن الخلو من مثله وهو قول الحسن.
وقيل: كان خوفه على الناس أن يفتتنوا لهول ما رأى قبل أن يلقي عصاه وهو قول مقاتل، والإيجاس هو من الهاجس الذي يخطر بالبال وليس يتمكن و{خيفة} أصله خوفة قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها.
وقال ابن عطية: يحتمل أن تكون خوفه بفتح الخاء قلبت الواو ياء ثم كسرت الخاء للتناسب.
{إنك أنت الأعلى} تقرير لغلبته وقهره وتوكيد بالاستئناف وبكلمة التوكيد وبتكرير الضمير وبلام التعريف، وبالأعلوية الدالة على التفضيل {وألق ما في يمينك} لم يأت التركيب وألق عصاك لما في لفظ اليمين من معنى اليمن والبركة.
قال الزمخشري: وقوله: {ما في يمينك} ولم يقل عصاك جائز أن يكون تصغيرًا لها أي لا تبالِ بكثرة حبالهم وعصيهم، وألق العُوَيد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك فإنه بقدرة الله يتلقفها على حدته وكثرتها وصغره وعظمها، وجائز أن يكون تعظيمًا لها أي لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة فإن في يمينك شيئًا أعظم منها كلها وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عندها، فألقه تتلقفها بإذن الله وتمحقها انتهى.
وهو تكثير وخطابه لا طائل في ذلك.
وفي قوله: {تلقف} جمل على معنى ما لا على لفظها إذ أطلقت ما على العصا والعصا مؤنثة، ولو حمل على اللفظ لكان بالياء.
وقرأ الجمهور تَلَقَّف بفتح اللام وتشديد القاف مجزومًا على جواب الأمر.
وقرأ ابن عامر كذلك وبرفع الفاء على الاستئناف أو على الحال من الملقى.
وقرأ أبو جعفر وحفص وعصمة عن عاصم {تَلْقَفْ} بإسكان اللام والفاء وتخفيف القاف وعن قنبل أنه كان يشدد من تلقّف يريد يتلقف.
وقرأ الجمهور: {كيد} بالرّفع على أن {ما} موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف، ويحتمل أن تكون {ما} مصدرية أي أن صنعتم كيد، ومعنى {صنعوا} هنا زوّروا وافتعلوا كقوله: {تلقف ما يأفكون} وقرأ مجاهد وحميد وزيد بن عليّ {كيد سحر} بالنصب مفعولًا لصنعوا وما مهيئة.
وقرأ أبو بحرية والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وخلف في اختياره وابن عيسى الأصبهاني وابن جبير الأنطاكي وابن جرير وحمزة والكسائي سِحْر بكسر السين وإسكان الحاء بمعنى ذي سحر أو ذوي سحر، أو هم لتوغلهم في سحرهم كأنهم السحر بعينه أو بذاته، أو بين الكيد لأنه يكون سحرًا وغير سحر كما تبين المائة بدرهم ونحوه علم فقه وعلم نحو.
وقرأ الجمهور ساحر اسم فاعل من سحر، وأفرد ساحر من حيث إن فعل الجميع نوع واحد من السحر، وذلك الحبال والعصي فكأنه صدر من ساحر واحد لعدم اختلاف أنواعه.
وقال الزمخشري: لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية لا إلى معنى العدد، فلو جمع لخيل أن المقصود هو العدد ألا ترى أن قوله: {ولا يفلح الساحر} أي هذا الجنس انتهى.
وعرف في قوله: {ولا يفلح الساحر} لأنه عاد على ساحر النكرة قبله كقوله: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولًا فعصى فرعون الرسول} وقال الزمخشري: إنما نكر يعني أولًا من أجل تنكير المضاف لا من أجل تنكيره في نفسه كقول العجاج:
في سعي دنيا طال ما قد مدت

وفي حديث عمر رضي الله عنه: لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة المراد تنكير الأمر كأنه قال: إنما صنعوا كيد سحري وفي سعي دنياوي وأمر دنياوي وأخراوي انتهى.
وقول العجاج.
في سعي دنيا، محمول على الضرورة إذ دنيا تأنيث الأدنى، ولا يستعمل تأنيثه إلاّ بالألف واللام أو بالإضافة وأما قول عمر فيحتمل أن يكون من تحريف الرواة.
ومعنى {ولا يفلح} لا يظفر ببغيته {حيث أتى} أي حيث توجه وسلك.
وقالت فرقة معناه أن الساحر بقتل حيث ثقف وهذا جزاء من عدم الفلاح.
وقرأت فرقة أين أتى وبعد هذا جمل محذوفة، والتقدير فزال إيجاس الخيفة وألقى ما في يمينه وتلقفت حبالهم وعصيهم ثم انقلبت عصا، وفقدوا الحبال والعصي وعلموا أن ذلك معجز ليس في طوق البشر. اهـ.