فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



كما أن إعلان إيمانهم جاء بالفعل المرئي المشاهد للجميع {فَأُلْقِيَ السحرة سُجَّدًا} [طه: 70]، ثم بالقول المسموع {قالوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى} [طه: 70] وفي آية أخرى: {قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ العالمين رَبِّ موسى وَهَارُونَ} [الشعراء: 4748].
ونعلم أن موسى عليه السلام هو الأصل، ثم أُرسِل معه أخوه هارون، ولما عرضَ القرآن موقف السحرة مع موسى حكى قولهم: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى} [طه: 70] وقولهم: {آمَنَّا بِرَبِّ العالمين رَبِّ موسى وَهَارُونَ} [الشعراء: 4748].
لذلك كانت هذه المسألة مثارَ جَدَل من خصوم الإسلام، يقولون: ماذا قال السحرة بالضبط؟ أقالوا الأولى أم الثانية؟
ولك أن تتصور جمهرة السحرة الذين حضروا هذه المعركة، فكان رؤساؤهم وصفوتهم سبعين ساحرًا، فما بالك بالمرؤوسين؟ إذن: هم كثيرون، فهل يُعقل مع هذه الكثرة وهذه الجمهرة أن يتحدوا في الحركة وفي القول؟ أم يكون لكل منهم انفعاله الخاص على حَسْب مداركه الإيمانية؟
لا شَكَّ أنهم لم يتفقوا على قول واحد، فمنهم مَنْ قال: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى} [طه: 70] وآخرون قالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ العالمين رَبِّ موسى وَهَارُونَ} [الشعراء: 4748].
كذلك كان منهم سطحيّ العبارة، فقال: {آمَنَّا بِرَبِّ العالمين رَبِّ موسى وَهَارُونَ} [الشعراء: 4748] ولم يفطن إلى أن فرعون قد ادّعى الألوهية وقال أنا ربكم الأعلى فربما يُفهم من قوله: {رَبِّ موسى وَهَارُونَ} [الشعراء: 48] أنه فرعون، فهو الذي ربّى موسى وهو صغير.
وآخر قد فطن إلى هذه المسألة، فكان أدقَّ في التعبير، وأبعد موسى عن هذه الشبهة، فقال: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى} [طه: 70] وجاء أولًا بهارُون الذي لا علاقة لفرعون بتربيته، ولا فضل له عليه، ثم جاء بعده بموسى.
إذن: هذه أقوال متعددة ولقطات مختلفة لمجتمع جماهيري لا تنضبط حركاته، ولا تتفق تعبيراته، وقد حكاها القرآن كما كانت فليس لأحد بعد ذلك أن يقول: إنْ كان القول الأول صحيحًا، فالقول الآخر خطأ أو العكس.
وما أشبه هذا الموقف الآن بمباراة رياضية يشهدها الآلاف ويُعلِّقون عليها، تُرى أتتفق تعبيراتهم في وصف هذه المباراة؟
نقول: إذن، تعددت اللقطات وتعددت الأقوال للقصة الواحدة لينقل لنا القرآن كل ما حدث.
ثم يقص الحق سبحانه رد فعل فرعون على ما حدث، فيقول: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ}.
طبيعي أن يشتاط فرعون غضبًا بعدما سمعه من سحرته، فقد جمعهم لينصروه فإذا بهم يخذلونه، بل ويُقوِّضون عرشه من أساسه فيؤمنون بإله غيره، ويا ليتهم لما خذلوه سكتوا، إنما يعلنونها صريحة عالية مدوية: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى} [طه: 70].
{قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ} [طه: 71] فمع الخيبة التي مُنِي بها ما يزال يتمسك بفرعونيته وألوهيته، ويهرب من الاستخزاء الذي حاق به، يريد أن يعطي للقوم صورة المتماسك الذي لم تُؤثّر فيه هذه الأحداث، فقال: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ} [طه: 71] فأنا كبيركم الذي علّمكم السحر، وكان عليكم أنْ تحترموا أستاذيته، وقد كنت سآذنُ لكم.
وكلمة {آمنتم} مادتها: أمِنَ. وقد أخذت حيزًا كبيرًا في القرآن الكريم، والأصل فيها: أمِنَ فلان آمنًا يعني: اطمأن. فليس هناك ما يُخوّفه. لكن هذه المادة تأتي مرة ثلاثية أَمِنَ وتأتي مزيدة بالهمزة آمن.
وهذا الفعل يأتي متعديًا إلى المفعول مباشرة، كما في قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 34] يعني: آمن سكان مكة من الخوف.
وقد يتعدى بالباء كما في: آمنت بالله، أو يتعدى باللام كما في قوله تعالى: {فَمَآ آمَنَ لموسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ} [يونس: 83] وآمن له يعني: صدَّقه فيما جاء به.
إذن: لدينا: آمَنَهُ يعني أعطاه الأمن، وآمن به: يعني اعتقده، وآمن له: يعني صَدَّقه.
وقد تأتي أَمن وآمن بمعنى واحد، كما في قول سيدنا يعقوب: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ مِن قَبْلُ} [يوسف: 64].
فلماذا اختلفت الصيغة من آمن إلى أمِن؟
قالوا: لأن قوله: {كَمَآ أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ مِن قَبْلُ} [يوسف: 64] كانت تجربة أولى، فجاء الفعل أَمن مُجرّدًا على خلاف الحال في المرة الثانية، فقد احتاجت إلى نوع من الاحتياط للأمر، فقال: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ} [يوسف: 64] فزاد الهمزة للاحتياط.
فمعنى قول فرعون: {آمَنتُمْ لَهُ} [طه: 71] يعني أي: صدَّقتموه.
وتأمل هنا بلاغة القرآن في هذا التعبير {قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ} [طه: 71] ومَنِ الذي يقولها؟ إنه فرعون الآمر الناهي في قومه يتحدث الآن عن الإذن. وفَرْق بين أمر وأذن، أمر بالشيء يعني: أنه يحب ما أمر به، ويجب عليك أنت التنفيذ. أما الإذن فقد يكون في أمر لا يحبه ولا يريده، فهو الآن يأذن؛ لأنه لا يقدر على الأمر.
وما دُمْتُمْ قد آمنتم له قبل أن آذن لكم فلابد أن يكون هو كبيركم الذي علّمكم السحر، فكان وفاؤكم له، واحترمتم هذا الكِبَر وساعدتموه على الفوز.
وهذا من فرعون سوء تعليل لواقع الإيمان، ففي نظره أن موسى تفوّق عليهم، لا لأنه يُجيد فنَّ السحر أكثر منهم، إنما تفوّق عليهم لأنهم جاملوه وتواطأوا معه؛ لأنه كبيرهم ومُعلِّمهم.
لذلك يتهدَّدهم قائلا: {فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} [طه: 71].
جاء هذا التهديد والوعيد جزاءً لهم؛ لأنهم في نظره هزموه وخذوله في معركته الفاصلة أمام موسى عليه السلام، ومعنى: {مِّنْ خِلاَفٍ} [طه: 71] الخِلاَف أن يأتي شيء على خلاف شيء آخر، والكلام هنا عن الأيدي والأرجل، فيكون المراد اليد اليمنى مع الرِّجْل اليسرى، أو اليد اليُسْرى مع الرِّجْل اليُمْنى.
وقوله: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} [طه: 71] المعروف أن التَّصلْيب يكون على الجذوع؛ لذلك حاول بعض المفسرين الخروج من هذا الإشكال فقالوا: {في} هنا بمعنى على. لكن هذا تفسير لا يليق بالأسلوب الأعلى للبيان القرآنيّ، ويجب أن نتفق أولًا على معنى التصليب: وهو أن تأتي بالمصلوب عليه وهو الخشب أو الحديد مثلًا، ثم تأتي بالشخص المراد صَلْبه، وتربطه في هذا القائم رباطًا قويًا، ثم تشدّ عليه بقوة.
ولك أنْ تُجرِّب هذه المسألة، فتربط مثلًا عود كبريت على إصبعك، ثم تشدُّ عليه الرباط بقوة، وسوف تجد أن العود يدخل في اللحم، ساعتها تقول: العود في إصبعك، لا على إصبعك.
إذن قوله تعالى: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} [طه: 71] {في} هنا على معناها الأصلي للدلالة على المبالغة في الصَّلْب تصليبًا قويًا، بحيث يدخل المصلوب في المصلوب فيه، كأنه ليس عليه، بل داخل فيه.
ثم يقول: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابًا وأبقى} [طه: 71] أينا: المراد فرعون وموسى، أو فرعون ورب موسى الذي أرسله {أَشَدُّ عَذَابًا وأبقى} [طه: 71] فجمع في العذاب شدته من حيث الكيفية، ودوامه وبقاءه في الزمن. ولم يذكر القرآن شيئًا عن تهديد فرعون، أفعله أم لا؟ والأقرب أنه نفّذ ما هدد به.
وكان من المفروض في تهديد فرعون أن يأخذ من قلوب السَّحرة ويُرهبهم، فيحاولون على الأقل الاعتذار عَمَّا حدث، لكن شيئًا من هذا لم يحدث، بل قالوا ما أهاجه أكثر: {قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَاءَنَا}. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)}.
قوله: {فتولى فِرْعَوْنُ} أي انصرف من ذلك المقام ليهيىء ما يحتاج إليه مما تواعدوا عليه وقيل: معنى: تولى أعرض عن الحق، والأوّل أولى {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} أي جمع ما يكيد به من سحره وحيلته.
والمراد: أنه جمع السحرة.
قيل: كانوا اثنين وسبعين.
وقيل: أربعمائة.
وقيل: اثنا عشر ألفًا.
وقيل: أربعة عشر ألفًا.
وقال ابن المنذر: كانوا ثمانين ألفًا {ثُمَّ أتى} أي أتى الموعد الذي تواعدا إليه مع جمعه الذي جمعه، وجملة {قَالَ لَهُمْ موسى} مستأنفة جواب سؤال مقدّر {وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِبًا} دعا عليهم بالويل، ونهاهم عن افتراء الكذب.
قال الزجاج: هو منصوب بمحذوف، والتقدير: ألزمهم الله ويلًا.
قال: ويجوز أن يكون نداء، كقوله: {ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [ياس: 52].
{فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} السحت: الاستئصال، يقال: سحت وأسحت بمعنى، وأصله استقصاء الشعر.
وقرأ الكوفيون إلا شعبة: {فيسحتكم} بضم حرف المضارعة من أسحت، وهي لغة بني تميم، وقرأ الباقون بفتحه من سحت، وهي لغة الحجاز، وانتصابه على أنه جواب للنهي {وَقَدْ خَابَ مَنِ افترى} أي: خسر وهلك، والمعنى: قد خسر من افترى على الله أي: كذب كان {فتنازعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي السحرة لما سمعوا كلام موسى، تناظروا وتشاوروا وتجاذبوا أطراف الكلام في ذلك {وَأَسَرُّواْ النجوى} أي من موسى، وكانت نجواهم هي قولهم: {إِنْ هاذان لساحران}.
وقيل: إنهم تناجوا فيما بينهم فقالوا: إن كان ما جاء به موسى سحرًا فسنغلبه، وإن كان من عند الله فسيكون له أمر.
وقيل: الذي أسروه: أنه إذا غلبهم اتبعوه، قاله الفرّاء والزجاج.
وقيل: الذي أسروه: أنهم لما سمعوا قول موسى: {ويلكم لا تفتروا على الله} قالوا: ما هذا بقول ساحر.
والنجوى: المناجاة يكون اسمًا ومصدرًا.
قرأ أبو عمرو: {إن هذين لساحران} بتشديد الحرف الداخل على الجملة وبالياء في اسم الإشارة على إعمال إن عملها المعروف، وهو نصب الاسم ورفع الخبر.
ورويت هذه القراءة عن عثمان وعائشة وغيرهما من الصحابة، وبها قرأ الحسن وسعيد بن جبير والنخعي وغيرهم من التابعين، وبها قرأ عاصم الجحدري وعيسى بن عمر كما حكاه النحاس، وهذه القراءة موافقة للإعراب الظاهر مخالفة لرسم المصحف فإنه مكتوب بالألف.
وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه: {إن هذان} بتخفيف إن على أنها نافية، وهذه القراءة موافقة لرسم المصحف وللإعراب.
وقرأ ابن كثير مثل قراءتهم إلا أنه يشدّد النون من هذان.
وقرأ المدنيون والكوفيون وابن عامر: {إنّ هذان} بتشديد إن وبالألف، فوافقوا الرسم وخالفوا الإعراب الظاهر.
وقد تكلم جماعة من أهل العلم في توجيه قراءة المدنيين والكوفيين وابن عامر، وقد استوفى ذكر ذلك ابن الأنباري والنحاس، فقيل إنها لغة بني الحارث بن كعب وخثعم وكنانة يجعلون رفع المثنى ونصبه وجره بالألف، ومنه قول الشاعر:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ** مساغًا لناباه الشجاع لصمما

وقول الآخر:
تزوّد منا بين أذناه ضربة

وقول الآخر:
إن أباها وأبا أباها ** قد بلغا في المجد غايتاها

ومما يؤيد هذا تصريح سيبويه والأخفش وأبي زيد والكسائي والفراء: إن هذه القراءة على لغة بني الحارث بن كعب وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أنها لغة بني كنانة.
وحكى غيره أنها لغة خثعم.
وقيل: إن {إنّ} بمعنى نعم ها هنا، كما حكاه الكسائي عن عاصم، وكذا حكاه سيبويه.
قال النحاس: رأيت الزجاج والأخفش يذهبان إليه، فيكون التقدير: نعم هذان لساحران، ومنه قول الشاعر:
ليت شعري هل للمحبّ شفاء ** من جوى حبهنّ إنّ اللقاء

أي نعم اللقاء.
قال الزجاج: والمعنى في الآية: أن هذا لهما ساحران، ثم حذف المبتدأ وهو هما.
وأنكره أبو علي الفارسي وأبو الفتح بن جني، وقيل: إن الألف في {هذان} مشبهة بالألف في يفعلان فلم تغير.
وقيل: إن الهاء مقدّرة، أي إنه هذان لساحران، حكاه الزجاج عن قدماء النحويين، وكذا حكاه ابن الأنباري.
وقال ابن كيسان: إنه لما كان يقال: هذا بالألف في الرفع والنصب والجرّ على حال واحدة، وكانت التثنية لا تغير الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فثبت الألف في الرفع والنصب والجر، فهذه أقوال تتضمن توجيه هذه القراءة توجيها تصح به وتخرج به عن الخطأ، وبذلك يندفع ما روي عن عثمان وعائشة أنه غلط من الكاتب للمصحف.
{يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ} وهي أرض مصر {بِسِحْرِهِمَا} الذي أظهراه {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى} قال الكسائي: بطريقتكم: بسنّتكم.
و{المثلى} نعت، كقولك: امرأة كبرى، تقول العرب: فلان على الطريقة المثلى، يعنون: على الهدى المستقيم.
قال الفراء: العرب تقول هؤلاء طريقة قومهم وطرائق قومهم لأشرافهم، والمثلى تأنيث الأمثل، وهو الأفضل، يقال: فلان أمثل قومه، أي أفضلهم، وهم الأماثل.
والمعنى: أنهما إن يغلبا بسحرهما مال إليهما السادة والأشراف منكم، أو يذهبا بمذهبكم الي هو أمثل المذاهب.
{فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} الإجماع: الإحكام، والعزم على الشيء قاله الفراء.
تقول: أجمعت على الخروج مثل أزمعت.
وقال الزجاج: معناه ليكن عزمكم كلكم كالكيد مجمعًا عليه.
وقد اتفق القراء على قطع الهمزة في أجمعوا إلا أبا عمرو، فإنه قرأ بوصلها وفتح الميم من الجمع.
قال النحاس: وفيما حكي لي عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال: يجب على أبي عمرو أن يقرأ بخلاف هذه القراءة، وهي القراءة التي عليها أكثر الناس.
{ثُمَّ ائتوا صَفًّا} أي مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأمورهم وأشد لهيبتهم، وهذا قول جمهور المفسرين.
وقال أبو عبيدة: الصف: موضع المجمع ويسمى المصلى الصف.
قال الزجاج: وعلى هذا معناه: ثم ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم، يقال: أتيت الصف بمعنى: أتيت المصلى، فعلى التفسير الأول يكون انتصاب {صفًا} على الحال، وعلى تفسير أبي عبيدة يكون انتصابه على المفعولية.