فصل: تفسير الآيات (72- 76):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فالحبط: أن تأكل الناقة في المرعي فتكثر حتى تنتفخ بطنها. ولذلك قيل لقوم من العرب: الحبطات، لأن أباهم كان أكل صمغا حتى حبط بطنه فسمى: الحبط. وهو الحارث بن تميم.
وقوله: أو يلمّ، يعني يقارب أن يقتل.
وإنما نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن الاستكثار من الدنيا ومن غضارتها وحسنها إذا كان في ذلك ما يهلك. فضرب استكثار البهيمة من العشب في الربيع حتى يقلتها حبطا مثلا لذلك.
3- وقوله للضّحّاك بن سفيان: «إذا أتيتهم فاربض في دارهم ظبيا».
يراد: أقم ولا تحدث شيئا كأنك ظبي قد استقر في الكناس.
4- وقوله: «الكاسيات العاريات لا يدخلن الجنّة».
يعني النساء اللّواتي يلبسن رقاق الثّياب، فهنّ كاسيات إذا لبسن، عاريات إذا كن لا يسترهنّ.
5- وقوله في كتاب صلح: «وإنّ بيننا وبينهم عيبة مكفوفة».
يريد: صدرا نقيّا من الغلّ والعداوة، منطويا على الوفاء. والعرب تسمي الصّدور: العياب. قال الشاعر:
وكادت عياب الودّ منّا ومنكم ** وإن قيل أبناء العمومة تصفر

تصفر: تخلو من المحبة.
والمكفوفة: المشرجة: يقال: أشرج صدره على كذا، أي طوى. قال الشّمّاخ:
وكادت غداة البين ينطق طرفها بما ** تحت مكنون من الصّدر مشرج

6- وقوله صلّى اللّه عليه وسلم: «أجد نفس ربّكم من قبل اليمن».
يريد: أجد الفرج يأتيني من قبل اليمن فأتاه اللّه من جهة الأنصار.
وكذلك قوله: «لا تسبّوا الرّيح فإنها من نفس الرحمن».
يريد: أن اللّه ينفّس بها، ويفرّج بها. وقد فرّج اللّه بها عنه ليلة الأحزاب، قال اللّه جل اسمه: {فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْها} [الأحزاب: 9].
وقال: اللهم نفّس عني الكرب، ونفّس عني الأذى. كما قال: فرّج عني.
ومما يزيد ذلك وضوحا تقول عمر رضي اللّه عنه: الريح من روح اللّه فلا تسبّوها.
7- وقول أبي بكر رضي اللّه عنه: نحن حفنة من حفنات اللّه.
يريد: نحن وإن كنا كثيرا في العدد قليل عند اللّه، كالحفنة، والحفنة: ما حفنه الرجل بيده فألقاه. يقال: حفن له من المال، إذا أعطاه بكفّه.
8- وقول عمر رضي اللّه عنه للعريف الذي أتاه بالمنبوذ: عسى الغوير أبؤسا.
فقال بعضهم: هو تصغير غار. وهو مثل للعرب. ويقال: إن أول من قاله بيهس الذي يلقب بالنّعامة في حمقه، وكان قد وجد قاتلي إخوته في غار فهجم عليهم في ذلك الغار فقتلهم، فهو أحد من طلب بثأر فلحقه. وإنما عسى أن يكون الغوير أضمر لنا وأخفى أبؤسا، وهو جمع بائس. ويقال: الغوير: ماء.
9- وقول عليّ كرم اللّه وجه: من يطل هن أبيه ينتطق به.
يريد: من كثر إخوته عزّ بهم فامتنع. وضرب النّطاق مثلا لذلك، لأنه يشدّ الظهر. ومثله قول الشاعر:
فلو شاء ربي كان أير أبيكم ** طويلا كأير الحارث بن سدوس

والحارث بن سدوس من شيبان، وكان له أحد وعشرون ذكرا.
10- وقول عمر رضي اللّه عنه: أيّما رجل بايع عن غير مشاورة، فلا يؤمّر واحد منهما تغرّة أن يقتلا.
يريد: إذا بايع الرجل رجلا عن غير مشاورة الناس، يعني مبايعة الإمرة، فلا يؤمّر واحد منهما، لا المبايع ولا المبايع حتى يكون ذلك عن اجتماع ملإ من الناس، لأنه لا يؤمن أن يقتلا جميعا.
وتغرّة هاهنا: مصدر غررت به تغرّة وتغريرا، مثل عللّته تعلّة وتعليلا. وهذا قول أبي عبيدة.
11- والعرب تقول: حور في محارة.
والحور، النّقصان. والمحارة: المنقصة، وهذا كما يقول الناس: هذا نقصان في نقصان، وخسران في خسران.
12- وقولهم: جري المذكّيات غلاب.
فالمذكّيات: الخيل المسانّ. والغلاء: أن تتغالى في الجري، أي كأنها تتبارى في ذلك، وليست كالصغيرة التي لا تتغالى. وقد يروى: غلاب مكان غلاء.
13- وقوله: عيل ما هو عائله، مثل.
ومعنى عيل: أي أثقل. يقال: عالني الشيء أي أثقلني. كأنه قال: أثقل ما هو مثله. كأنه يدعى له ويدعى على الذي أثقله.
قال ابن مقبل يصف فرسا:
خدى مثل خدي الفالجيّ ينوشني ** بخبط يديه عيل ما هو عائله

14- وقولهم: وإنّه لشرّاب بأنقع.
قاله الحجّاج لأهل العراق: إنكم يا أهل العراق شاربون بأنقع.
وأصله في الطير، وذلك أن الطائر إذا كان حذرا منكرا لم يرد المياه التي يردها الناس-: لأن الأشراك تنصب عندها.- وورد النّقاع، والمناقع التي في الفلوات.
15- وقولهم: عاط بغير أنواط.
العاطي: المتناول. ويقال عطوت: إذا تناولت، أعطو. ومنه قول الشاعر في صفة الظبية:
وتعطو بظلفيها إذا الغصن طالها

والأنواط: المعاليق، واحد نوط. أراد أن هذا يصعب عليه ما يرومه كمن تناول بغير معلاق.
16- وقوله: إلّا ده فلا ده.
يريدون: إن لم يكن هذا الأمر لم يكن غيره. وهو مثل قول رؤبة:
وقوّل إلّا ده فلا ده يروي أهل العربية أن الدال فيه مبدلة من ذال، كأنهم أرادوا: إن لم تكن هذه لم تكن أخرى.
17- وقولهم: النّفاض يقطّر الجلب.
النّفاض: الفقر، يقال: أنفض القوم وأنفدوا: إذا ذهب ما عندهم.
وقولهم: يقطّر الجلب، يريدون: أنهم يجلبون من البادية إلى المصر، ليبيعوها من فقرهم.
18- وقولهم: به داء ظبي.
يريدون: أنه صحيح لاداء به، كما أن الظبي لا داء به.
19- وقولهم: أراك بشر ما أحار مشفر.
يريدون: بشرة البعير- ومشفره: سمته- تدلك على جودة أكله، وأحار. ردّ إلى جوفه.
20- وقولهم: أفلت فلان بجريعة الذّقن.
يريدون: أنه أفلت نفسه فيه، كما قال الهذليّ:
نجا سالم والنّفس منه بشدقه ** ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا

21- وقولهم: غبار ذيل المرأة الفاجرة يورث السّلّ.
يريدون: من اتبع الفواجر ذهب ماله. ضرب السل في البدن مثلا لذهاب المال.
22- وقولهم: كبارح الأرويّ.
يريدون أنه مشؤوم من وجهتيه، وذلك أن الأروي يتشاءم بها من حيث أتت. وإذا برحت كان أعظم لشؤمها.
23- وقولهم: عبد وخلى في يديه.
وهذا مثل يضرب للئيم البطر. والخلى: وهو... عندهم الكلأ خصبوا، والعبد لئيم، فإذا وقع في الخصب بطر وهذا مثل قوله:
قوم إذا نبت الرّبيع لهم ** نبتت عداوتهم مع البقل

وقال آخر:
يا ابن هشام أفسد النّاس اللّبن ** فكلّهم يمشي بقوس وقرن

24- وقولهم: رمّدت الضّأن فربّق ربّق، ورمدّت المعزى فرنّق رنّق.
الترميد: نزول اللّبن في الضّرع.
وقولهم في الضأن: أي هي الأرباق لأولادها.
والأرباق: عرا تجعل في حبال وتدخل في أعناق الصغار لئلا تتبع الأمهات في المرعى، وهي الرّبق أيضا، واحدها ربقة. ومنه قيل: من فعل كذا وكذا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.
وإنما أراد أن الضأن ترمّد، أي تنزل اللبن في ضروعها في وقت وضع الحمل.
والمعزى ترمّد في أول الحمل.
يقول: رنّق رنّق، أي انتظر، يقال: رنّق الطائر في الهواء: إذا دار في طيرانه ولم يجر ورنّقت السفينة: إذا دارت مكانها ولم تسر.
25- وقولهم: أفواهها مجاسّها.
يريد: أنها إذا كانت كثيرة الأكل أغنتك بذلك عن أن تجسها فتعرف: كيف هي؟
لأن كثرة الأكل تدل على السّمن.
26- وقولهم: نجارها نارها.
النار هاهنا: السّمة. ويقال لكل شيء وسم بالمكوى: نار.
قال الشاعر:
حتى سقوا آبالهم بالنّار ** والنار قد تشفي من الأوار

الأوار: العطش. وسقيهم آبالهم النار تريد أنهم قدموها على هو اسمها في الشرب. فقدموا الأعزّ منها فالأعزّ أربابا. والنّجار: الطبيعة والجوهر، فأراد أن سماتها تدلك على جواهرها.
تمّ كتاب مشكل القرآن وتفسير المشكل والأمثال التي فيه، بحمد اللّه ومنّه وحسن توفيقه، سلخ جمادى الأولى من شهور. سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين. اهـ.

.تفسير الآيات (72- 76):

قوله تعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما علموا ما خيل به على عقول الضعفاء، نبهوهم فأخبر تعالى عن ذلك بقوله مستأنفًا: {قالوا لن نؤثرك} أي نقدم أثرك بالاتباع لك لنسلم من عذابك الزائل {على ما جاءنا} به موسى عليه السلام {من البينات} التي عايناها وعلمنا أنه لا يقدر أحد على مضاهاتها.
ولما بدؤوا بما يدل على الخالق من الفعل الخارق، ترقوا إلى ذكره بعد معرفته بفعله، إشارة إلى عليّ قدره فقالوا: {والذي} أي ولا نؤثرك بالاتباع على الذي {فطرنا} أي ابتدأ خلقنا، إشارة إلى شمول ربوبيته سبحانه وتعالى لهم وله ولجميع الناس، وتنبيهًا على عجز فرعون عند من استحقه، وفي جميع أقوالهم هذه من تعظيم الله تعالى عبارة وإشارة وتحقير فرعون أمر عظيم.
ولما تسبب عن ذلك أنهم لا يبالون به، علمًا بأن ما فعله فهو بإذن الله، قالوا: {فاقض ما} أي فاصنع في حكمك الذي {أنت قاض} ثم عللوا ذلك بقولهم: {إنما تقضي} أي تصنع بنا ما تريد أن قدرك الله عليه {هذه الحياة الدنيا} أي إنما حكمك في مدتها على الجسد خاصة، فهي ساعة تعقب راحة، ونحن لانخاف إلا ممن يحكم على الروح وإن فني الجسد، فذاك هو الشديد العذاب، الدائم الجزاء بالثواب أو العقاب، ولعلهم أسقطوا الجار تنزلًا إلى أن حكمه لو فرض أنه يمتد إلى آخر الدنيا لكان أهلًا لأن لا يخشى لأنه زائل وعذاب الله باق.
ثم عللوا تعظيمهم لله واستهانتهم بفرعون بقولهم: {إنا ءامنا بربنا} أي المحسن إلينا طول أعمارنا مع إساءتنا بالكفر وغيره {ليغفر لنا} من غير نفع يلحقه بالفعل أو ضرر يدركه بالترك {خطايانا} التي قابلنا بها إحسانه: ثم خصوا بعد العموم فقالوا: {وما أكرهتنا عليه} وبينوا ذلك بقولهم: {من السحر} لتعارض به المعجزة، فإن كان الأكمل لنا عصيانك فيه لأن الله أحق بأن يتقى.
روي أن الذي كان من القبط من السحرة اثنان فقط، والباقون من بني إسرائيل أكرههم فرعون على تعلم السحر، وروي أنهم رأوا موسى عليه السلام نائمًا وعصاه تحرسه فقالوا لفرعون إن الساحر إذا نام بطل سحره، فهذا لا يقدر على معارضته، فأبى عليهم وأكرههم على المعارضة.
ولما كان التقدير: فربنا أهل التقوى وأهل المغفرة، عطفوا عليه مستحضرين لكماله: {والله} أي الجامع لصفات الكمال {خير} جزاء منك فيما وعدتنا به {وأبقى} ثوابًا وعقابًا، والظاهر أن الله تعالى سلمهم من فرعون، ويؤيده قوله تعالى: {أنتما ومن اتبعكما الغالبون} [القصص: 35] - قاله أبو حيان.
وسيأتي في آخر الحديد ما هو صريح في نجاتهم؛ ثم عللوا هذا الختم بقولهم: {إنه من يأت ربه} أي الذي رباه وأحسن إليه بأن أوجده وجعل له جميع ما يصلحه {مجرمًا} أي قاطعًا ما أمره به أن يوصل {فإن له جهنم} دار الإهانة {لا يموت فيها} أبدًا مع شدة عذابها.
بخلاف عذابك الذي إن اشتد أمات فزال سريعًا، وإن خف لم يُخِفْ وكان آخره الموت وإن طال {ولا يحيى} فيها حياة ينتفع بها {ومن يأته} أي ربه الذي أوجده ورباه {مؤمنًا} أي مصدقًا به.
ولما قدم أن مجرد الكفر يوجب العذاب.
كان هذا محلًا يتوقع فيه الإخبار عن الإيمان بمثل ذلك فقال: {قد} أي ضم إلى ذلك تصديقًا لإيمانه أنه {عمل} أي في الدنيا {الصالحات} التي أمر بها فكأن صادق الإيمان مستلزم لصالح الأعمال {فأولئك} أي العالو الرتبة {لهم} أي لتداعي ذواتهم بمقتضى الجبلة. التي لا نسبة لدرجاتك التي وعدتنا بها منها؛ ثم بينوها بقولهم: {جنات عدن} أي أعدت للإقامة وهيئت فيها أسبابها {تجري من تحتها الأنهار} أي من تحت غرفها وأسرتها وأرضها؛ فلا يراد موضع منها لأن يجري فيه نهر إلا جرى؛ ثم بين بقوله: {خالدين فيها} أن أهلها هيئوا أيضًا للإقامة.
ولما أرشد السياق والعطف على غير معطوفٍ عليه ظاهر إلى أن التقدير: ذلك الجزاء العظيم والنعيم المقيم جزاء الموصوفين، لتزكيتهم أنفسهم، عطف عليه قوله: {وذلك جزاء} كل {من تزكى} أي طهر نفسه بما ذكر من الإيمان والأعمال الصالحة، وفي هذا تسلية للصحابة رضوان الله عليهم فيما كان يفعل بهم عند نزول هذه السورة إذ كانوا مستضعفين. اهـ.