فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}.
شاء الله سبحانه أن يجعل الإنسان مختارا.. ومن هنا فإن له الاختيار في أن يؤمن أو لا يؤمن.. أن ينصر الحق أو ينصر الباطل.. أن يفعل الخير أو يفعل الشر.. كل هذه اختبارات شاء الله أن يعطيها للإنسان في الدنيا بحيث يستطيع أن يفعل أو لا يفعل.. ولكن هذا لن يبقى إلي الأبد إن هذا الاختيار موجود في الحياة الدنيا.
ولكن بشرية الإنسان تنتهي ساعة الاحتضار فعند مواجهة الموت ونهاية العمر يصبح الإنسان مقهورا وليس مختارا.. فهو لا يملك شيئا لنفسه ولا يستطيع أن يقول لن أموت الآن.. انتهت بشريته وسيطرته على نفسه حتى أعضاؤه تشهد عليه.. ففي الحياة الدنيا كل واحد يختار الوجهة التي يتجه إليها، هذا يختار الكفر وهذا يختار الإيمان.. هذا يختار الطاعة وهذا يختار المعصية، فمادام للإنسان اختيار فكل واحد له وجهة مختلفة عن الآخر.. والذي يهديه الله يتجه إلي الخيرات وكأنه يتسابق إليها.. لماذا؟ لأنه لا يعرف متى يموت ولذلك كلما تسابق إلي خير كان ذلك حسنة أضافها لرصيده.
إن المطلوب من المؤمنين في الحياة الدنيا أن يتسابقوا إلي الخيرات قبل أن يأتيهم الأجل ولا يحسب واحد منهم أنه سيفلت من الله.. لأنه كما يقول عز وجل: {أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا}.. أي أنه ليس هناك مكان تستطيعون أن تختفوا فيه عن علم الله تبارك وتعالى بل هو يعرف أماكنكم جميعا واحدا واحدا وسيأتي بكم جميعا مصداقا لقوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)} سورة الكهف.
وقوله سبحانه: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50)} سورة الذاريات.
أي أن الحق جل جلاله يريدنا أن نعرف يقينا أننا لا نستطيع أن نفر من علمه ولا من قدره ولا من عذابه.. وأن الطريق الوحيد المفتوح أمامنا هو أن نفر إلي الله.. وأنه لا منجاة من الله إلا إليه.. ولذلك لا يظن كافر أو عاص أنه سيفلت من الله.. ولا يظن أنه لن يكون موجودا يوم القيامة أو أنه لن يحاسب أو أنه يستطيع أن يختفي.
إن غرور الدنيا قد يركب بعض الناس فيظنون أنهم في منعة من الله وأنهم لن يلاقوه.. نقول لهم إنكم ستفاجأون في الآخرة حين تعرفون أن الحساب حق والجنة حق والنار حق. ستفاجأون بما سيحدث لكم.. ومن لم يؤمن ولم يسارع إلي الخير سيلقى الخزي والعذاب الأليم.. إن الله ينصحنا أن نؤمن وأن نسارع في الخيرات لننجوا من عذابه، ويقول لنا لن يفلت واحد منكم ولا ذرة من ذرات جسده من الوقوف بين يدي الله للحساب.. ولذلك ختم الله هذه الآية الكريمة بقوله: {إن الله على كل شيء قدير} أي أن الله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء ولا يخرج عن طاعته شيء.. إنه سبحانه على كل شيء قدير. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)}.
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {الذين آتيناهم الكتاب} قال: اليهود والنصارى {يعرفونه} أي يعرفون رسول الله في كتابهم {كما يعرفون أبناءهم}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} قال: يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة.
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} قال: يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة التي أمروا بها {وإن فريقًا منهم ليكتمون الحق} يعني القبلة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وإن فريقًا منهم} قال: أهل الكتاب {ليكتمون الحق وهم يعلمون} قال: يكتمون محمدًا وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإِنجيل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه} قال: زعموا أن بعض أهل المدينة من أهل الكتاب ممن أسلم قال: والله لنحن أعرف به منا بأبنائنا من الصفة والنعت الذي نجده في كتابنا، وأما ابناؤنا فلا ندري ما أحدث النساء.
وأخرج الثعلبي من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن سلام: قد أنزل الله على نبيه {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} فكيف يا عبد الله هذه المعرفة؟ فقال عبد الله بن سلام: يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني إذا رأيته مع الصبيان، وأنا أشد معرفة بمحمد مني بإبني. فقال عمر: كيف ذلك؟ قال: إنه رسول الله حق من الله، وقد نعته الله في كتابنا ولا أدري ما تصنع النساء. فقال له عمر: وفقك الله يا ابن سلام.
وأخرج الطبراني عن سلمان الفارسي قال: خرجت أبتغي الدين، فوقعت في الرهبان بقايا أهل الكتاب، قال الله تعالى: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} فكانوا يقولون: هذا زمان نبي قد أظل يخرج من أرض العرب له علامات، من ذلك شامة مدوّرة بين كتفيه خاتم النبوّة.
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)}.
أخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير عن أبي العالية قال: قال الله لنبيه {الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} يقول: لا تكونن في شك يا محمد أن الكعبة هي قبلتك، وكانت قبلة لأنبياء قبلك.
{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولكل وجهة} يعني بذلك أهل الأديان. يقول: لكل قبلة يرضونها ووجه الله حيث توجه المؤمنون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ {ولكل وجهة هو موليها} مضاف قال: مواجهها قال: صلوا نحو بيت المقدس مرة ونحو الكعبة قبله.
وأخرج أبو داود في ناسخه عن قتادة {ولكل وجهة هو موليها} قال: هي صلاتهم إلى بيت المقدس وصلاتهم إلى الكعبة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي داود في المصاحف عن منصور قال: نحن نقرأها «ولكل جعلنا قبلة يرضونها».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ولكل وجهة هو موليها} قال: لكل صاحب ملة قبلة وهو مستقبلها.
وأخرج أبو داود في ناسخة عن أبي العالية {ولكل وجهة هو موليها} قال: لليهود وجهة هو موليها، وللنصارى وجهة هو موليها فهداكم الله أنتم ايتها الأمة القبلة التي هي القبلة.
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ {ولكل وجهة هو مولاها}.
وأما قوله تعالى: {فاستبقوا الخيرات} الآية.
أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {فاستبقوا الخيرات} يقول: لا تغلبن على قبلتكم.
وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في قوله: {فاستبقوا الخيرات} قال: فسارعوا في الخيرات {أينما تكونوا يأت بكم الله جميعًا} قال: يوم القيامة.
وأخرج البخاري والنسائي والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}.
جمهور القراء على تنوين كل، وتنوينهُ للعوض من المضاف إيله، والجار خبر مقدم، و{وِجْهَة} مبتدأ مؤخر.
واختلف في المضاف إليه كل المحذوف.
فقيل: تقديره: ولكل طائفة من أهل الأديان يعني: أن الله يفعل ما يعلمه صلاحًا، فالجهات من الله تعالى وهو الذي ولَّى وجوه عباده إليها فانقادوا لأمر الله تعالى، فإن انقيادكم خيرات لكم، ولا تلتفتوا إلى طعن هؤلاء، وقولهم: ما ولاّهم عن قبلتهم أي التي كانوا عليها فإن الله يجمعهم وإياكم في القيامة.
وقيل: ولكل أهل موضع من المسلمين وِجْهَتُه إلى جهة الكعبة يمينًا وشمالًا ووراء وقدّام فهي كجهة واحدة، ولا يخفى على الله نيّاتهم؛ فهو يحشرهم جميعًا ويثيبهم على أعمالهم.
وفي {وجهة} قولان:
أحدهما: ويعزى للمبرد، والفارسي، والمازني في أحد قوليه: أنها اسم المكان المتوجه إليه، وعلى هذا يكون إثبات الواو قياسًا إذ هي غير مصدر.
قال سيبويه ولو بنيت فِعْلَة من الوعد لقلت: وعدة، ولو بنيت مصدرًا لقلت: عدة.
والثاني: أنه مصدر، ويعزى للمازني، وهو ظاهر كلام سيبويه، فإنه قال بعد ذكر حذف الواو من المصادر: وقد أثبتوا فقالوا: وجهة في الجهة وعلى هذا يكون إثبات الواو شاذًّا مَنْبَهَةٌ على ذلك الأصل المتروك في عدة ونحوها، والظاهر أن الذي سوغ إثبات الواو وإن كانت مصدرًا أنها مصدر جاءت على حذف الزوائد؛ إذ الفعل المسموع من هذه المادة تَوَجَّه واتَّجَهَ، ومصدرهما التوجه والاتجاه، ولم يسمع في فعله: وَجَهَ يَجِهُ ك وعد يَعِدُ، وكان الموجب لحذف الواو من عدة وزنة الحمل على المضارع لوقوع الواو بين ياء وكسرة، وهنا لم يسمع فيه مضارع يحمل مصدره عليه، فلذلك قلت: إن {وِجْهَة} مصدر على حذف الزوائد لتوجه أو اتجه، وقد ألم أبو البقاء بشيء من هذا.
قال القرطبي: الوِجْهَة وزنها فِعْلَة من المُوَاجهة.
والوجهة والجهة والوجه بمعنى واحد، والمراد القِبْلة، أي: أنهم لا يتبعون قبلتك، وأنت لا تتبع قبلتهم، ولك وجهة: إما بحق، وإما بهوى.

.فصل في لفظ الوجه:

قال أبو العباس المقرئ: ورد لفظ الوجه في القرآن الكريم على أربعة أضرب:
الأول: بمعنى الملّة، قال تبارك وتعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} أي: ملّة.
الثاني: بمعنى الإخلاص في العمل، قال تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} [الأنعام: 79] أي: أخلصت عملي، ومثله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: 122] أي: أخلص عمله لله.
الثالث: بمعنى الرِّضَا، قال تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] أي: رضاه، ومثله: {واصبر نَفْسَكَ} [الكهف: 28] الآية الكريمة، ومثله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُو عِندَ الله وَمَا آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله} [الروم: 29] أي: رضاه.
الرابع: الوجه هو الله تعالى كقوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} [البقرة: 115]، ومثله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله} [الإنسان: 9]، وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] أي: إلاّ إياه.
قوله تعالى: {هُوَ مُوَلِّيهَا} جملة مبتدأ وخبر في محلّ رفع؛ لأنها صفة لوجهة وهي قراءة الجمهور واختلف في {هو} على قولين:
أحدهما: أنه يعود على لفظ كل لا على معناها، ولذلك أفرد قال القرطبي: ولو كان على المعنى لقال: هم مولوها وجوههم فالهاء والألف مفعول أول.
والمفعول الثاني محذوف لفهم المعنى تقديره: هو موليها وجهه أو نفسه، ويؤيد هذا قراءة ابن عامر: {مُوَلاَّها} على ما لم يسم فاعله.
والثاني: أنه يعود على الله تعالى أي: الله مولّي القبلة إياه، أي ذلك الفريق.
وقرأ الجمهور: {مُوَليها} على اسم فاعل، وقد تقدم أنه حذف أحد مفعوليه، وقرأ ابن عامر- ويعزى لابن عباس- {مُوَلاَّها} على اسم المفعول، وفيه ضمير مرفوع قائم مقام الفاعل والثاني: هو الضمير المتصل به وهو ها العائد على الوجهة.
وقيل: على التولية ذكره أبو البقاء، وعلى هذه القراءة يتعيّن عود هو إلى الفريق؛ إذ يستحيل في المعنى عوده على الله تعالى.
ولقراءة ابن عامر معنيان:
أحدهما: ما وليته فقد ولاّك؛ لأن معنى وليته أي: جعلته بحيث يليه، وإذا صار بحيث يلي ذاك، فذاك أيضًا يلي هذا، فإذًا قد يفيد كل واحد منهما الآخر.
فهو كقوله تعالى: {فتلقى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] فهذا قول الفراء.
الثاني: {هُوَ مُوَلِّيها} أي: قد زينت لك تلك الجهة أي صارت بحيث تتبعها وترضاها.
وقرأ بعضهم: {وَلَكُلِّ وجهة} بالإضافة، ويعزى لابن عامر، واختلفوا فيها على ثلاثة أقوال:
أحدها، وهو قول الطبري: أنها خطأ، وهذا ليس بشيء؛ إذ الإقدام على تخطئة ما ثبت عن الأئمة لا يسهل.
قال ابن عطية: وخطأها الطبري وهي متّجهة أي: فاستبقوا الخيرات لكل وجهة ولاكموها، ولا تعترضوا فيما أمركم من هذه وهذه أي: إنما عليكم الطاعة في الجميع وقدم قوله: {ولكلٍّ وجهةٌ} على الأمر في قوله: {فَاسْتَبقوا الخيرات} للاهتمام بالوجهة كما يقدم المفعول.
وذكر أبو عمرو الدَّاني هذه القراءة عن ابن عَبَّاس.
والثاني: وهو قول الزمخشري وأبي البقاء أن اللام زائدة في الأصل.
قال الزمخشري: المعنى وكلّ وجهة اللَّهُ مولّيها، فزيدت اللام لتقدم المفعول، كقولك: لزيد ضربت، ولزيد أبوه ضاربه.
قال أبو حيان: وهذا فاسد؛ لأن العامل إذا تعدَّى لضمير الاسم لم يتعد إلى ظاهره المجرور باللام لا تقول: لزيد ضربته، ولا: لزيد أنا ضاربه، لئلا يلزم أحد محذورين، وهما: إما لأنه يكون العامل قويًا ضعيفًا.
وذلك أنه من حيث تعدّى للضمير بنفسه يكون قويًّا ومن حيثُ تعدى للظاهر باللام يكون ضعيفًا، وإما لأنه يصير المتعدي لواحد متعديًا لاثنين، ولذلك تأويل النحويون ما يوهم ذلك وهو قوله: البسيط:
هَذَا سُرَاقَةُ لِلْقُرآنِ يَدْرُسُهُ ** وَالْمَرْءُ عِنْدَ الرُّشَا إِنْ يَلْقَهَا ذِيْبُ

على أن الضمير في يدرسه للمصدر أي: يدرس الدرس لا للقرآن؛ لأن الفعل قد تعدى غليه.
وأام تمثيله بقوله: لزيد ضربت، فليس نظير الآية؛ لأنه لم يتعدّ في هذا المثال إلى ضميرهن ولا يجوز أن تكون المسألة من باب الاشتغال، فتقدر عاملًا في: {لكل وجهة} يفسره {موليها}؛ لأن الاسم المشتغل عنه إذا كان ضميره مجرورًا بحرف ينتصب ذلك الاسم بفعل يوافق العامل الظاهر في المعنى، ولا يجوز جر المشتغل عنه إذا كان ضميره مجرورًا بحرف تقول: زيدًا مررت به، أي: لابست زيدًا مررت به، ولا يجوز: لزيد مررت به.
قال تعالى: {والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ} [الإنسان: 31]، وقال:
أَثَعْلَبَةَ الْفَوارِسِ أَمْ رِيَاحًا ** عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ وَالْخِشَابَا

فأتى بالمشتغل عنه منصوبًا، وأما تمثيله بقوله: لزيد أبوه ضاربه، فتركيب غير عربي.
الثالث: أن {لكلّ وجهة} متعلق بقوله: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} أي: فاستبقوا الخيرات لكل وجهة، وإنما قدم على العامل للاهتمام به، كما تقدم المفعول، كا ذكره ابن عطية.
ولا يجوز أن توجه هذه القراءة على أن {لكل وجهة} في موضع المفعول الثاني ل {مولّيها}، والمفعول الأول هو المضاف إليه اسم الفاعل الذي هو مولّ، وهو ها، وتكون عائدة على الطوائف، ويكون التقدير: وكلَّ وجهة اللَّهُ مولِّي الطوائف أصحاب القِبْلاَت، وزيدت اللام في المفعول لتقدمه، ويكون العامل فرعًا؛ لأن النحويين نصُّوا على أنه لا يجوز زيادة اللام للتقوية إلا في المتعدي لواحد فقط، ومولّ مما يتعدّى لاثنين، فامتنع ذلك فيه، وهذا المانع هو الذي منع من الجواب عن الزمخشري فيما اعترض به أبو حيان عليه من كون الفعل إذا تعدى للظاهر، فلا يتعدى لضميره، وهو أنه كان يمكن أن يجاب عنه بأن الضمير المتصل بمول ليس بضمير المفعول، بل ضمير المصدر وهو التَّولية، يكون المفعول الأول محذوفًا والتقدير: الله مولي التولية كلَّ وجهةٍ أَصْحَابَها، فلما قدم المفعول على العامل قوي باللام لولا أنهم نصوا على المنع من زيادتها في المتعدي لاثنين وثلاثة.
قوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} {الخيرات} منصوبة على إسقطا حرف الجر، التقدير: إلى الخيرات، كقوله الراعي: الطويل:
ثَنَائِي عَلَيْكُمْ آلَ حَرْبٍ وَمَنْ يَمِلْ ** سِوَاكُمْ فَإِنِّي مُهْتَدٍ غَيرُ مَائلِ

أي: إلى سواكم، وذلك لأن استبق: إما بمعنى سبق المجرد، أو بمعنى: تسابق لا جائز أن يكون بمعنى: سبق؛ لأن المعنى ليس على اسبقوا الخيرات، فبقي أن يكون بمعنى: تسابق ولا يتعدى بنفسه.
و{الخيرات} جمع: خيرة، وفيها احتمالان:
أحدهما: أن تكون مخففة من خَيِّرة بالتشديد بوزن فَيْعِلة نحو: مَيْت في مَيِّت.
والثاني: أن تكون غير مخففة، بل تثبت على فَعْلَة بوزن جفْنَة، يقال: رجل خير وامرأة خير، وعلى كلا التقديرين فليسا للتفضيل.
والسبق: الوصول إلى الشيء أولًا، وأصله التقدم في السير، ثم تجوز به في كل ما تقدم.
قوله: {أَيْنَمَا تَكُونُوا} أين اسم شرط تجزم فعلين ك إن، وما مزيدة عليها على سبيل الجواز، وهي ظرف مكان، وهي هنا في محلّ نصب خبرًا لكان، وتقديمها واجب لتضمنها معنى ما له صدر الكلام.
وتكونوا أيضًا مجزوم بها على الشرط، وهو الناصب لها، و{يأت} جوابها، وتكون أيضًا استفهامًا فلا تعمل شيئًا، وهي مبنية على الفتح لتضمن معنى حرف الشرط أو الاستفهام.
ودلت الآية على أنه قادر على جميع الممكنات، فوجب أن يكون قادرًا على الإعادة؛ لأنها ممكنة، وهذا وَعْدٌ لأهل الطاعة، ووعيد لأهل المعصية. اهـ. باختصار.