فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فالعذاب الذي تهددهم به موسى، هو عذاب مؤجل ليوم القيامة.. وهذا العذاب لا يدرك مداه إلا من يؤمنون باللّه وباليوم الآخر..
وإذن فالذى وقع في السحرة من هذا التهديد، هو مجرد توقعات لهذا العذاب، كما تصوره فرعون..
أما العذاب الذي سيأخذهم به فرعون، فهو عذاب حاضر واقع في الحال، وهو عذاب- على تلك الصورة- فظيع مهول! ولهذا وازن فرعون بين عذابه، والعذاب الذي توعد موسى السحرة به، وأراهم أن عذابه أشد: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذابًا} أعذابي الحاضر، أم العذاب الذي يهددكم به موسى؟ وأنا، أم موسى {أبقى} لكم، وأملك لأمركم، وأقدر على التسلط عليكم؟
{قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى} وهكذا الإيمان إذا جاء إلى الإنسان، أو جاء إليه الإنسان عن طريق النظر، والبحث، والتحليل، والتعليل.. إنه حينئذ إيمان يخالط المشاعر، ويملك القلوب، ويأسر العقول، ويجعل من الإنسان الفقير الضعيف، قوة هائلة، تتحدى الجبابرة، وتستخف بأعظم الأهوال، وأشد الخطوب وهل كان يقع في الحسبان أن جماعة من رعايا فرعون، وعابديه، الذين ولدوا- كما ولد آباؤهم- في ظل ربوبيته، وسلطان ألوهيته- هل كان يقع في الحسبان أن يجىء يوم يقف فيه هؤلاء العباد في وجه هذا الإله موقف التحدّى، بل والاستخفاف والسخرية؟ ولكنه الإيمان، يفعل المعجزات، ويقلب الأوضاع والمواضعات!.
وقولهم: {وَالَّذِي فَطَرَنا}.. يمكن أن يكون معطوفا على قولهم: {لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ} أي لن نقدمك ونختارك على تلك البينات والدلائل التي كشفت لنا عن وجه الحق، وأرتنا اللّه ربّ العالمين، الذي فطرنا وأوجدنا، والذي حجبتنا عن رؤيته الضلالات والأباطيل التي كنا نعيش فيها.. ويمكن أن يكون هذا قسما منهم باللّه الذي عرفوه منذ الآن، وآمنوا به.
ـ وقولهم: {وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى} هو رد على قول فرعون لهم: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذابًا وَأَبْقى}.
قوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى} هذه الآيات، هى تعقيب، على هذا المشهد من مشاهد القصّه..
وفى هذا التعقيب، إلفات إلى مواقع الإيمان من قلوب المؤمنين، وإلى ما يحصّله المؤمنون من ثمرات لهذا الإيمان.. كما يجد فيه المشاهدون لموقف فرعون من السحرة، ما أعد اللّه للمحرمين من عذاب ونكال وإذن فالقضية هكذا: {مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى} فهذا هو جزاء المجرمين، الذين يلقون اللّه بجرمهم، ولم يتطهروا منه بالإيمان والتوبة.. إن لهم جهنم، لا شىء لهم غيرها.. وهم فيها بين الموت والحياة..
{لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها} (36: فاطر) وأما {مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى}.
وتلك الدرجات هى {جَنَّاتُ عَدْنٍ} أي جنات خلود، {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها} لا يبغون عنها حولا.. {وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى} وتطهر من ذنوبه وآثامه، بالإيمان، والعمل الصالح، فأصبح أهلا لأن ينزل منازل الطهر النور، في جنات النعيم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا}.
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن عكرمة: أن سحرة فرعون كانوا تسعمائة فقالوا لفرعون: إن يكونا هذان ساحرين، فإنا نغلبهم، فإنه لا أسحر منا، وإن كان من رب العالمين، فلما كان من أمرهم {خروا سجدًا} أراهم الله في سجودهم منازلهم التي إليها يصيرون فعندها قالوا: {لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات} إلى قوله: {والله خير وأبقى}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن القاسم بن أبي بزة قال: لما وقعوا سجدًا رأوا أهل النار، وأهل الجنة وثواب أهليهما فقالوا: {لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وما أكرهتنا عليه من السحر} قال: أخذ فرعون أربعين غلامًا من بني إسرائيل، فأمر أن يعلموا السحر بالعوماء، وقال: علموهم تعليمًا لا يغلبهم أحد في الأرض. قال ابن عباس: فهم من الذين قالوا: {إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر}.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي في قوله: {والله خير وأبقى} قال: خير منك أن أطيع وأبقى منك عذابًا إن عصي.
وأخرج مسلم وأحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فأتى على هذه الآية {إنه من يأت ربه مجرمًا فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أهلها الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، وأما الذين ليسوا بأهلها، فإن النار تميتهم إماتة، ثم يقوم الشفعاء فيشفعون، فيؤتى بهم ضبائر على نهر يقال له الحياة أو الحيوان فينبتون كما ينبت القثاء في حميل السبيل» والله أعلم.
وأخرج الطبراني، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه، لم ينل الدرجات العلى: من تكهن، أو استقسم، أو رده من سفره طيرة».
وأخرج الأصبهاني في الترغيب، عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان وصلة لأخيه إلى سلطان في مبلغ بر، أو مدفع مكروه، رفعه الله في الدرجات».
وأخرج ابن المبارك في الزهد وأبو نعيم في الحلية، عن عون بن عبد الله قال: إن الله ليدخل خلقًا الجنة فيعطيهم حتى يملوا، وفوقهم ناس في. فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون: يا ربنا إخواننا كنا معهم فبم فضلتهم علينا؟ فيقال: هيهات..! إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون، ويظمؤون حين تروون، ويقومون حين تنامون، ويستحصون حين تختصون.
وأخرج أحمد في الزهد، عن ابن عمير قال: إن الرجل وعبده يدخلان الجنة، فيكون عبده أرفع درجة منه، فيقول: يا رب هذا كان عبدي في الدنيا؟! فيقال: إنه كان أكثر ذكرًا لله تعالى منك.
وأخرج أبو داود وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الذري في أفق السماء، وأن أبا بكر وعمر منهم وانعما» اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {والذي فَطَرَنَا}:
فيه وجهان، أحدهما: أن الواوَ عاطفةٌ، عَطَفَتْ هذا الموصولَ على {ما جاءنا} أي: لن نؤثرَك على الذي جاءنا، ولا على الذي فطرنا. وإنما أخَّروا ذِكْرَ البارِيْ تعالى لأنه من باب الترقِّي من الأدنى إلى الأعلى. والثاني: أنها واوُ قسمٍ، والموصولُ مقسمٌ به. وجوابُ القسمِ محذوفٌ أي: وحَقِّ الذي فطرنا لا نؤثرك على الحق. ولا يجوز أن يكونَ الجوابُ {لن نُؤْثرك} عند مَنْ يَجَوِّزُ تقديمَ الجواب؛ لأنه لا يُجاب القسمُ ب لن إلاَّ في شذوذٍ من الكلام.
قوله: {مَآ أَنتَ قَاضٍ} يجوز في {ما} وجهان، أظهرُهما: أنها موصولةٌ بمعنى الذي، و{أنت قاضٍ} صلتُها والعائدُ محذوفٌ، اي: قاضِيه. وجاز حَذْفُه، وإنْ كان مخفوضًا، لأنه منصوب المحل. أي: فاقضِ الذي أنت قاضِيْه. والثاني: أنها مصدريةٌ ظرفيةٌ، والتقدير: فاقضِ أمرك مدةَ ما أنتَ قاضٍ. ذكر ذلك أبو البقاء. وقد منع بعضُهم ذلك أعني جَعْلَها مصدريةً قال: لأنَّ: ما المصدريةَ لا تُوْصَلُ بالجملة الاسمية. وهذا المَنْعُ ليس مجمعًا عليه، بل جَوَّز ذلك جماعةٌ كثيرة. ونقل ابنُ مالك أنَّ ذلك يَكْثُر إذا دَلَّتْ ما على الظرفية. وأنشد:
واصِلْ خليلَك ما التواصُلُ مُمْكِنٌ ** فَلأَنْتَ أَوْ هُوَ عن قليلٍ ذاهِبُ

وَيِقلُّ إنْ كانت غيرَ ظرفية. وأنشد:
أحْلامُكُمْ لِسَقَامِ الجَهْلِ شافيةٌ ** كما دِماؤُكُمُ تَشْفي مِن الكَلَبِ

قوله: {إِنَّمَا تَقْضِي هذه الحياة} يجوز في ما هذه وجهان، أحدهما: أن تكونَ المهيئةَ لدخول إنَّ على الفعل و{الحياةَ الدنيا} ظرفٌ ل {تَقضي}، ومفعولُه محذوفٌ أي: تقضي غرضَك وأمرَك. ويجوز أن تكونَ {الحياةَ} مفعولًا به على الاتساع، ويدلُّ لذلك قراءةُ أبي حيوة: {تقضى هذه الحياةُ} ببناء الفعلِ للمفعول ورَفْعِ {الحياة} لقيامها مقام الفاعلِ؛ وذلك أنه اتُّسِع فيه فقام مقامَ الفاعلِ فرُفِعَ.
والثاني: أن تكونَ {ما} مصدريةً هي اسمُ {إنَّ}، والخبرُ الظرفُ. والتقدير: إنَّ قضاءَكَ في هذه الحياةِ الدنيا، يعني: إن لك الدنيا فقط، ولنا الآخرةَ.
وقال أبو البقاء: فإنْ كان قد قُرِيء بالرفع فهو خبرُ إنَّ. يعني لو قرئ برفعِ {الحياة} لكان خبرًا ل إنَّ ويكون اسمُها حينئذٍ {ما}، وهي موصولةٌ بمعنى الذي، وعائدُها محذوفٌ تقديره: إنَّ تَقْضِيه هذه الحياةُ لا غيرُها.
قوله: {وَمَآ أَكْرَهْتَنَا}:
يجوز في ما هذه وجهان، أحدهما: أنها موصولةٌ بمعنى الذي. وفي محلها احتمالان، أحدهما: أنها منصوبةُ المحلِّ نَسَقًا على {خطايانا} اي: ليغفر لنا أيضًا الذي أكرهتنا. والثاني من الاحتمالين: أنها مرفوعةُ المحلِّ على الابتداء والخبرُ محذوفٌ تقديرُه: والذي أكرَهْتَنا عليه مِنَ السحر محطوطٌ عنا، أو لا نؤاخَذُ به ونحوُه.
والوجه الثاني: أنها نافيةٌ. قال أبو البقاء: وفي الكلامِ تقديمٌ، تقديرُه: ليغفر لنا خطايانا من/ السِّحرِ، ولم تُكْرِهْنا عليه وهذا بعيدٌ عن المعنى. والظاهرُ هو الأولُ.
و{من السحرِ} يجوزُ أَنْ يكونَ حالًا من الهاءِ في {عليه} أو من الموصولِ. ويجوزُ أن تكونَ لبيانِ الجنسِ.
قوله: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ}:
الهاءُ ضميرُ الشأنِ. والجملةُ الشرطيةُ خبرُها. و{مُجْرِمًا} حالٌ مِنْ فاعلِ {يأْتِ}. وقولُه: {لاَ يَمُوتُ} يجوز أن يكونَ حالًا مِنَ الهاءِ في {له} وأَنْ يكونَ حالًا من {جهنَّم}؛ لأنَّ في الجملة ضميرَ كلٍ منهما.
قوله: {جَنَّاتُ}: بدلٌ من {الدرجات} أو بيانٌ. قال أبو البقاء: ولا يجوزُ أن يكونَ التقديرُ: هي جناتُ؛ لأن {خالدين} حالٌ. وعلى هذا التقديرِ لا يكونُ في الكلام ما يعملُ في الثاني، وعلى الأولِ يكونُ العاملُ في الحال الاستقرارَ أو معنى الإِشارة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا} أي بالله الذي فطرنا إنَّا لن نُؤْثِرَكَ على ما جاءَنا من البينات. ولما طلعت في أسرارهم شموسُ العرفان، وانبسطت عليهم أنوار العناية أبصروا الحقَّ سبحانه بأسرارهم، فنطقوا ببيان التصديق، وسجدوا بقلوبهم لمشهودهم، ولم يحتشموا مما توعدهم به من العقوبة، ورأوا ذلك من الله فاستعذبوا البلاء، وتحملوا اللأواء، فكانوا في الغَدَاةِ كُفَّارًا سَحَرَةً، وأَمْسَوْا أَخيارًا بَرَرَةَ.
قوله: {فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ} عَلِمُوا أَنَّ البَلاَءَ في لدنيا يَنْقَضي- وإنْ تمادى، وينتهي وإن تناهى.
{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)}.
أَهمُّ الأشياء- على مَنْ عرَفه- مغفرتُه لخطاياه؛ فهذا آدمُ عليه السلام لما استكشف من حاله، وحلَّ به ما حلَّ قال: {رَبِّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى} [القصص: 16] وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [غافر: 55]. وقال صلى الله عليه وسلم: «إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة» ومَنَّ عليه بقوله: {لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 200]. اهـ.

.تفسير الآيات (77- 79):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين سبحانه استكبار فرعون المدعى في قوله: {فكذب وأبى} وختمه سبحانه بأنه يهلك العاصي كائنًا من كان، وينجي الطائع، أتبع ذلك شاهدًا محسوسًا عليه كفيلًا ببيان أنه لم يغن عن فرعون شيء من قوته ولا استكباره، فقال عاطفًا على {ولقد أريناه آياتنا}: {ولقد أوحينا} أي بعظمتنا لتسهيل ما يأتي من الأمور الكبار {إلى موسى} غير مكترثين لشيء من أقوال فرعون ولا أفعاله، وهذا الإيحاء بعد ما تقدم من أمر السحرة بمدة مديدة جرت فيها خطوب طوال كانت بسببها الآيات الكبار، وكأنها حذفت لما تدل عليه من قساوة القلوب، والمراد هنا الانتهاء لما تقدم من مقصود السورة {أن أسر} أي ليلًا، لأن السري سير الليل؛ وشرفهم بالإضافة إليه فقال: {بعبادي} أي بني إسرائيل الذين لفت قلب فرعون حتى أذن في مسيرهم بعد أن كان قد أبى أن يطلقهم أو يكف عنهم العذاب، فاقصد بهم ناحية بحر القلزم {فاضرب لهم} أي اعمل بضرب البحر بعصاك، ولذلك سماه ضربًا.
ولما كان ضرب البحر بالعصا سببًا لوجود الطريق الموصوفة، أوقع الفعل عليها فقال: {طريقًا في البحر} ووصفها بالمصدر مبالغة فقال: {يبسًا} حال كونها أو كونك {لا تخاف} والمراد بها الجنس، فإنه كان لكل سبط طريقًا {دركًا} أي أن يدركك شيء من طغيان البحر أو بأس العدو أو غير ذلك.
ولما كان الدرك مشتركًا بين اللحاق والتبعة، أتبعه بقوله: {ولا تخشى} أي شيئًا غير ذلك أصلًا إنفاذًا لأمري وإنقاذًا لمن أرسلتك لاستنقاذهم، وسوقه على هذا الوجه من إظهار القدرة والاستهانة بالمعاند مع كبريائه ومكنته استدلالًا شهوديًا على ما قرر أول السورة من شمول القدرة وإحاطة العلم للبشارة بإظهار هذا الدين بكثرة الأتباع وإبارة الخصوم والإسعاد برد الأضداد وجعل بغضهم ودًا، وإن كانوا قومًا لدًا؛ ثم أتبع ذلك قوله عطفًا على ما تقديره: فبادر امتثال الأمر في الإسراء وغيره: {فأتبعهم} أي أوجد التبع والمسير وراء بني إسرائيل على ذلهم وضعفهم {فرعون بجنوده} على كثرتهم وقوتهم وعلوهم وعزتهم، فكانوا كالتابع الذي لا معنى له بدون متبوعه {فغشيهم} أي فرعون وقومه {من اليم} أي البحر الذي من شأنه أن يؤم؛ وأوجز فهول فقال: {ما غشيهم} أي أمر لا تحتمل العقول وصفه حق وصفه، فأهلك أولهم وآخرهم؛ وقطع دابرهم، لم يبق منهم أحدًا، وما شاكت أحدًا من عبادنا المستضعفين شوكة {وأضل فرعون} على تحذلقه {قومه} مع ما لهم من قوة الأجساد ومعانيها.
ولما كان إثبات الفعل لا يفيد العموم، نفى ضده ليفيده مع كونه أوكد وأوقع في النفس وأروع لها فقال: {وما هدى} أي ما وقع منه شيء من الهداية، لا لنفسه ولا لأحد من قومه، فتم الدليل الشهودي على تمام القدرة على إنجاء الطائع وإهلاك العاصي. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{لا تخف دركًا} بالجزم: حمزة الباقون {لا تخاف} بالرفع {أنجيتكم} و{واعدتكم} و{رزقكم} على التوحيد: حمزة وعلي وخلف {ووعدناكم} من الوعد. أبو عمرو وسهل ويعقوب {فيحل} {ومن يحلل} بالضم فيهما: عليّ. الآخرون بالكسر {يملكنا} بفتح الميم: أبو جعفر ونافع، وعاصم غير المفضل بضمها حمزة، وعلي وخلف بكسرها الباقون والمفضل {حملنا} بفتح الحاء والميم مخففة: أبو عمرو وسهل ويعقوب وحمزة وعلي وخلف سوى حفص. الآخرون بضم الحاء وكسر الميم مشددة {تتبعني} بالياء الساكنة في الحالين: ابن كثير وسهل ويعقوب وافق أبو عمرو ونافع غير إسماعيل في الوصل، وقرأ يزيد وإسماعيل بفتح الياء. الباقون بحذفها. {يا ابن أم} بكسر الميم: ابن عامر وحمزة وعلي وخلف وعاصم غير حفص. {لم تبصروا} بتاء الخطاب: حمزة وعلي وخلف الباقون على الغيبة {فنبذتها} مدغمًا: أبو عمرو وحمزة وعلي وخلف ويزيد وهشام وسهل {لن تخلفه} بكسر اللام: ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب. الآخرون بفتحها {لنحرقنه} بفتح النون وضم الراء: يزيد. الآخرون من التحريق. {فلا يخف} بالجزم على النهي: ابن كثير {أن نقضي} النون مبنيًا للفاعل {وحيه} بالنصب: يعقوب الباقون بالياء مضمومة وبفتح الضاد {وحيه} بالرفع.

.الوقوف:

{يبسا} ج لأن قوله: {لا تخاف} يصلح صفة للطريق مع حذف الضمير العائد أي لا تخاف فيه، ويصلح مستأنفًا. ومن قرأ {لا تخف} فوقفه أجوز لعدم العاطف ووقوع الحائل مع تعقب النهي الأمر إلا أن يكون جوابًا للأمر فلا يوقف {ولا تخشى} o {ما غشيهم} ط لأن التقدير وقد أضل من قبل على الحال الماضية دون العطف لأنه عندما عشيه لم يتفرغ للإضلال. {وما هدى} o {والسلوى} o {غضبي} ج {هوى} o {اهتدى} o {يا موسى} o {لترضى} o {السامري} o {أسفًا} ج لانتساق الماضي على الماضي بلا ناسق {حسنًا} ط {موعدي} o {السامري} o لا {فنسي} o ط {قولًا} لا للعطف {ولا نفعًا} o ط {فتنتم به} ج للابتداء بأن مع اتصال العطف {أمري} ج {موسى} o {أن لا تتبعن} ط {أمري} o {برأسي} ج للابتداء بأن مع اتصال المعنى واتحاد القائل {قولي} o {يا سامري} o {نفسي} o {لا مساس} ص {لن تخلفه} ج لاختلاف الجملتين {عاكفًا} ط للقسم المحذوف {نسفًا} o {إلا هو} ط {علمًا} o {سبق} ج للإستئناف والحال {ذكرا} ج o لأن الشرطية تصلح صفة للذكر وتصلح مبتدأ بها {وزرًا} o لا لأن قوله: {خالدين} حال من الضمير في {يحمل} وهو عائد إلى {من} ومن للجمع معنى {فيه} ط {حملًا} o لا لأن {يوم ينفخ} بدل من يوم القيامة. {زرقًا} o ج لأن ما بعده يصلح للصفة وللاستئناف {عشرًا} o {يومًا} o {نسفًا} o لا {صفصفًا} o لا {أمتا} o {لا عوج له} ج لاختلاف الجملتين {همسًا} o {قولًا} o {علمًا} o {القيوم} ط {ظلمًا} o {هضمًا} o {ذكرًا} o {الحق} ج {وحيه} ز لعطف الجملتين المتفقتين مع اعتراض الظرف وما أضيف إليه {علمًا} o. اهـ.