فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إذن: حدودك في مُقوِّمات حياتك الحلال، ولو استقرأنا ما أحلَّ الله وما حرَّم لوجدنا الأصل في الأشياء أنها حلال، والكثير هو المحلل لك، أما المحرم عليك فهو القليل المحصور الذي يمكن تحديده.
لذلك يقول عز وجل: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 151] ولم يقُلْ مثلًا في آية أخرى: تعالوا أَتْلُ ما أحل الله لكم؛ لأنها مسألة تطول ولا تحصى.
إذن: ساعةَ أعطاك ربك قال لك: هذا رِزْقُك الحلال الخالص، ومنه وقودك ومُقوِّمات حياتك، وبه بقاؤك ونشاط حركتك.
فلا تتعدَّ الحلال على كثرته إلى الحرام على قِلَّته وانحصاره في عِدَّة أنواع، بيَّنها لك وحذَّرك منها.
وبالغذاء تتم في الجسم عملية الأَيْض يعني: الهدم والبناء، وهي عملية مستمرة في كل لحظة من لحظاتك، فإياك أنْ تبني ذَرَّة من ذراتك من الحرام؛ لأن ذرة الحرام هذه تظل تُشاغبك وتُلِح عليك كي تُوقِعك في أصلها.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يا أيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات واعملوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وقال: {يا أيها الذين آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، ثم يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك».
ذلك لأن ذرات بنائه غير منسجمة، لأنها نَمتْ على وقودٍ ما أحله الله له.
لذلك تسمع من بعض المتمحكين: ما دام أن الله خلق الخنزير فلماذا حرَّمه؟ نقول: لقد فهمتَ أن كل مخلوق خُلِق ليؤكل، وهذا غير صحيح، فالله خلق البترول الذي تعمل به الآلات، أتستطيع أن تشربه كالسيارة؟
إذن: فَرْق بين شيء مخلوق لشيء، وأنت توجهه لشيء آخر، هذه تسمى إحالة أي: تحويل الشيء إلى غير ما جُعِل له، وهذا هو الطغيان في القُوت؛ لأنك نقلتَ الحرام إلى الحلال.
وقد يأتي الطغيان في صورة أخرى، كأن تأكل ما أحلَّ الله من الطيبات، لكنك تحصل عليها بطريق غير مشروع، وتُعوِّد نفسك الكسل عن الكسْب الحلال، فتأخذ مجهود غيرك وتعيش عالةً عليه، فإلى جانب أنك تتغذَّى على الحرام فأنت أيضًا تُزهّد غيرك في الحركة والإنتاج والمِلك، وما فائدة أن يتعب الإنسان ويأخذ غيره ثمرة تعبه؟
وقد أخذ الطغيان بهذا المعنى صُورًا متعددة في مجتمعاتنا، فيمكن أن ندرج تحته: الغصب، والخطف، والسرقة، والاختلاس، والرشوة، وخيانة الأمانة، وخداع مَن استأجرك إلى غير ذلك من أخْذ أموال الناس بالباطل ودون وَجْه حق، وكل عمل من هذه التعديات له صورته.
فالخطف: أنْ تخطف مال غيرك دون أنْ يكون في متناول يد المخطوف منه ثم تَفِر منه، فإنْ كان في متناول يده وأنت غالبته عليه، وأخذته عُنْوةً فهو غَصْب مأخوذ من: غَصْب الجلد عن الشاة أي: سلخه عنها. فإنْ كان أخذ المال خُفْية وهو في حِرْزه فهي سرقة. وإن كنت مُؤتمنًا على مال بين يديك فأخذتَ منه خفية فهو اختلاس.. إلخ.
إذن: أحل الله لك أشياءً، وحرَّم عليك أخرى، فإنْ كان الشيء في ذاته حلالًا فلا تأخذه إلا بحقِّه حتى يحترم كل مِنّا عمل الآخر وحركته في الحياة وملكيته للأشياء، وبذلك تستقيم بِنَا حركة الحياة، ويسعد الجميع ونعين المنفق، ونأخذ على يد المتسبِّب البلطجي.
وللإسلام منهج قويم في القضاء على مسألة البطالة، تأخذ منه بعض النظم الحديثة الآن، وهو أن الشرع يأمر للقضاء على البطالة أن تحفر بئرًا وتطُمَّها: أي احفرها وأرْدِمها ثم اعْطِ الأجير فيها أجره. كيف هذا؟ تحفر البئر ولا تستفيد منها وتردمها فما الفائدة؟ ولماذا لم نعط الأجير أجره دون حفر ودون ردم؟
قالوا: حتى لا يتعوَّد على الخمول والكسل، وحتى لا يأكل إلاّ من عرقه وكَدَّه، وإلا فسد المجتمع.
وللطغيان في القوت صورة أخرى، هي أن تستخدم القوت الذي جعله الله طاقة لك في حركة الحياة النافعة، فإذا بك تصرف هذه الطاقة التي أنعم الله بها عليك في معصيته.
وهكذا، كان الطغيان هو علّة {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} [النحل: 118] أي: بالعقوبة {ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: 118] أي: بالطغيان.
ثم يقول تعالى: {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: 81] الفعل: حَلَّ، يحلّ يأتي بمعنى: صار حلالًا، كما تقول للسارق: حلال فيه السجن. وتأتي حلَّ يحل بمعنى: نزل في المكان، تقول: حَلَّ بالمكان أي: نزل به. فيكون المعنى: {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: 81] أي: صار حلالًا، ووجب لكم، أو بمعنى: ينزل بكم. وقد يكون المعنى أعمَّ من هذا كله.
والغضب انفعال نفسيٌّ يُحدِث تغييرًا في كيماوية الجسم، فترى الغاضب قد انتفختْ أوداجه واحمرَّ وجهه، وتغيّرت ملامحه، فهذه أغيار تصاحب هذا الانفعال. فهل غضب الله عز وجل من هذا النوع؟
بالطبع لا؛ لأنه تعالى ليس عنده أغيار، وإذا كان الغضب يتناسب وقدرة الغاضب على العذاب، فما بالك إنْ كان الغضب من الله؟
ثم يقول تعالى: {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هوى} [طه: 81] مادة: هَوَى لها استعمالان، الأول: هَوَى يهْوِي: يعني سقط من أَعْلى سقوطًا لا إرادةَ له في منعه، كأن يسقطَ فجأة من على السطح مثلًا، ومن ذلك قوله:
هُوِىّ الدلو أَسْلَمَها الرِّشَاء ** إذا انقطع الحبل الذي يُخرِج الدَّلُو

والآخر: هَوِىَ يَهْوَى: أي أحبَّ.
فيكون المعنى {فَقَدْ هوى} [طه: 81] سقط إلى القاع سقوطًا لا يبقى له قيمة في الحياة، أو هَوَى في الدنيا، ويَهوي في الآخرة، كما جاء في قوله تعالى: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: 9] فأمه ومصدر الحنان له هاوية، فكيف به إذا هوى في الهاوية؟
هذه كلها عِظَات ومواعظ للمؤمن، يُبيِّنها الحق سبحانه وتعالى له كي يبني حركة حياته على ضَوْئها وهُدَاها.
ولما كان الإنسان عُرْضة لأغيار لا يثبتُ على حال يتقلَّب بين عافية ومرض، بين غِنىً وفقرٍ، فكُلُّ ما فيه موهوب له لا ذاتيّ فيه، لذلك إياك أن تحزن حين يفوتك شيء من النعمة؛ لأنها لن تبقى ولن تدوم، وهَبْ أنك بلغتَ قمة النعيم، فماذا تنتظر إلا أنْ تزول، كما قال الشاعر:
إذَا تَمَّ شَيْءٌ بَدَا نَقْصُه ** تَرقَّبْ زَوَالًا إِذَا قِيلَ تَمّ

فإذا تَمَّ لك الشيء، وأنت ابْنُ أغيار، ولا يدوم لك حال فلابد لك أن تنحدر إلى الناحية الأخرى.
فكأن نقْصَ الإنسان في آماله في الحياة هي تميمة حراسة النِّعَم، وما فيه من نَقْص أو عيب يدفع عنه حَسَد الحاسد، كما قال الشاعر في المدح:
شَخَصَ الأنَامُ إلى كَمَالِكَ ** فَاسْتِعذْ مِنْ شَرِّ أعينهِمْ بِعيْبٍ وَاحِدٍ

أي: أن الأعين متطلعة إليك، فاصرفها عنك، ولو بعيب واحد يذكره الناس وينشغلون به.
وفي الريف يعيش بعض الفلاحين على الفطرة، فإنْ رُزِق أحدهم بولد جميل وسيم يُلفِت نظر الناس إليه. وتراهم يتعمدون إهمال شكله ونظافته، أو يضعونَ له فاسوخة دَفْعًا للحسد وللعين.
لذلك فالمرأة التي دخلت على الخليفة، فقالت له: أتمَّ الله عليك نعمته، وأقرَّ عينك، ففهم الحضور أنها تدعو له، فلما خرجتْ قال الخليفة: أعرفتم ما قالت المرأة؟ قالوا: تدعو لك، قال: بل تدعو عليَّ، فقد أرادت بقولها: أتمَّ الله عليك نعمته تريد أزالها؛ لأن النعمة إذا تمت لم يَبْقَ لها إلا الزوال، وقولها: أقَرَّ الله عينكَ تريد: أسكنها عن الحركة.
إذن: لا تغضَب إنْ قالوا عنك: ناقص في كذا، فهذا النقص هو تميمة الكمال، ويريدها الله لك لمصلحتك أنت.
وما دام الإنسان ابن أغيار، فلابد أنْ يغفل عن منهج الله، فتكون له سَقَطات وهَفَوات تحتاج إلى غفران؛ لذلك يقول تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ}.
غفار: صيغة مبالغة من غفر، فإذا أثبت المبالغة فالترتيب اللغوي بالتالي يُثبتِ الأقلَّ وهو غافر، هذا في الإثبات: وكذلك في النفي في مثل قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] فنفى المبالغة في الظلم، فهل يعني ذلك أنه تعالى يمكن أن يكون ظالمًا؟
والشيء يُبالغ فيه لأمرين: الأول: أن تبالغ في نفس الحدث، كأن تأكلَ رغيفًا في الوجبة أو رغيفين، وآخر يأكل خمسة أرغفة، فهذه منه مبالغة في نفس الحدث وهو الأكل، والثاني: قد تكون المبالغة بتكرار الحدَث، فالعادة أن نأكل ثلاث مرات، وهناك مَنْ يأكل سِتّ وجبات، ونسميه أكول أي: كثير الأكل، لا في الوجبة الواحدة، إنما في عدد الوجبات.
فمعنى {غَفَّارٌ} غافر لي، وغافر لك، وغافر لهذا وهذا.. غافر لكل الخَلْق، فتكررت مغفرته عز وجل لخَلْقه.
وقد شرع الحق سبحانه وتعالى المغفرة والتوبة ليحمي المجتمعات من شرار الناس فيها، فالشرير إذا ارتكب جريمة ولم يجد له فرصة للمغفرة والتوبة، فإنه يستمرىء الجريمة، بل ويبالغ فيها.
أما إذا فُتِح له باب التوبة والمغفرة فإن هذا يرحم المجتمع من شراسة أصحاب السوء.
والله عز وجل ليس غافرًا للذنوب فحسب، بل هو غفار لها، وكلما عدت إليه غفر لك، ولكن وَطِّن نفسك أنك إذا فعلت الذنب وتُبْت منه فلا تعد إليه، ولا ترتب وتخطط لمعصيتك على أمل أن تتوب، فما يدريك أن تعيش إلى أن تتوب؟
والمغفرة تكون {لِّمَن تَابَ وَآمَنَ} [طه: 82] وما دام قال: {تَابَ وَآمَنَ} [طه: 82] فلابد أن التوبة هنا عن الكُفْر، ثم أنشأ إيمانًا بالله وبرسوله. والإيمان هو الينبوع الذي يصدر عنه السُّلوك البشري، وهذا يقتضي أن تسمع كلامه وتُنفِّذ أوامره، وتجتنب نواهيه، وهذا هو المراد بقوله: {وَعَمِلَ صَالِحًَا} [طه: 82].
لكن، أليس العمل الصالح هداية؟ فلماذا قال بعدها {ثُمَّ اهتدى} [طه: 82] قالوا: لأن الهداية أنْ تستمر على هذا العمل الصالح، وأنْ تستزيدَ منه، كما قال تعالى: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17]. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

ثم رجع إلى قصة فرعون فقال: {وَلَقَدْ أريناه كُلَّهَا فَكَذَّبَ}.
يعني: العلامات والدلائل، {فَكَذَّبَ} بالآيات، {وأبى} أن يسلم.
{قَالَ} فرعون وقومه: {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ ياموسى موسى فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مّثْلِهِ فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لاَّ نُخْلِفُهُ}، يعني: ميعادًا لا نخلفه {نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَانًا سُوًى} أي: لا نجاوزه مكانًا سوى ذلك المكان، وهذه قراءة نافع؛ وأبي عمرو والكسائي وابن كثير يقرؤون بالكسر قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة {سُوًى} بضم السين معناه الإنصاف، وقال بعضهم: سُوى وسِوَى لغتان، وقال مجاهد: مكانًا منصفًا بينهم، وقال السدي: أي: عدلًا بينهم وقال القتبي: أي: وسطًا بين الفريقين.
{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة}، يعني: يوم عيد لهم وهو يوم النيروز؛ وروي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: هو يوم عاشوراء.
{وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى}، يعني: إذا حشر الناس واجتمعوا على وقت الضحى، {فتولى فِرْعَوْنُ}؛ يعني: رجع إلى أهله، {فَجَمَعَ كَيْدَهُ}؛ يعني: سحرته، {ثُمَّ أتى}؛ يعني: أتى الميعاد.
قرأ بعضهم: {يَوْمُ الزينة} بنصب الميم، والمعنى يقع في {يَوْمُ الزينة} وقراءة العامة يوم الزينة رفع على معنى خبر الابتداء.
{قَالَ لَهُمْ موسى وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِبًا}، يعني: ضيّق الله عليكم الدنيا، لا تفتروا على الله كذبًا قال الزجاج: {وَيْلَكُمْ} منصوب على أن ألزمهم الله ويلًا، ويجوز أن يكون على النداء كما قال: {قَالَتْ يا ويلتى ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهذا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هذا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ} [هود: 72] قوله: {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ}، يعني: يأخذكم بعذاب ويهلككم.
قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص {فَيُسْحِتَكُم} بضم الياء وكسر الحاء، والباقون {فَيُسْحِتَكُم} بالنصب؛ وهما لغتان.
يقال: سحته وأسحته إذا استأصله وأهلكه.
{وَقَدْ خَابَ مَنِ افترى}، يعني: خسر من اختلق على الله كذبًا.
{فتنازعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي: تناظروا أمرهم بينهم، يعني: اختلفوا فيما بينهم سرًا من فرعون وهم السحرة، وقالوا فيما بينهم: إن كان ما يقول موسى حقًا واجبًا فيكون الغلبة لموسى، وذلك قوله عز وجل: {فتنازعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ}، يعني: تناظروا أمرهم بينهم.
فذلك قوله: {وَأَسَرُّواْ النجوى}، أي: أخفوا الكلام.
{قَالُواْ إِنْ هاذان لساحران}، يعني: موسى وهارون، {يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا}؛ قرأ أبو عمرو: {إن هذان لساحران} لأن إن تنصب ما بعدها.
وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص {إِنْ هاذان} بجزم إن وتشديد نون هذانّ عند ابن كثير خاصة، والباقون إنَّ بالنصب والتشديد {هاذان لساحران} بالتخفيف.
وقال أبو عبيد: نقرأ بهذا ورأيت في مصحف عثمان {إن} بهذا الخط ليس فيه ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في جميع المصاحف بإسقاط الألف وإذا كتبوا بالنصب والخفض كتبوها بالياء.
وحكى الكسائي، عن أبي الحارث بن كعب وخثعم وزيد وأهل تلك الناحية، الرفع مكان النصب قال القائل:
أَي قلوص راكب تراها ** طاروا علاهن فطر علاها

وقال آخر:
إنَّ أبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ** قَدْ بَلَغَا فِي الجِدِّ غَايَتَاهَا

وقال آخر:
فَمَنْ يَكُ بِالْمَدِينَةِ أَمْسَى رَحْلُه ** فَإِنِّي وَقَيَّارٍ بِهَا لَغَرِيبُ

وروى وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم قالوا: كانوا يريدون أن الألف والياء في القراءة سواء {قَالُواْ إِنْ هاذان لساحران} و{إن} سواء.
وفي مصحف عبد الله {إِنْ هاذان} وفي مصحف أبي {إِنْ هاذان إِلا}.
ثم قال الله عز وجل: {بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى}، يقول برجالكم الأمثل، فالأمثل.
يقول: ليغلبا على الرجال من أهل العقول والشرف، وقال القتبي: يقال: هؤلاء طريقة القوم، أي: أشرافهم، ويقال: أراد سنتكم ودينكم، وقال الزجاج: معناه يذهبا بأهل طريقتكم، كما قال: {واسئل القرية التى كُنَّا فِيهَا والعير التى أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لصادقون} [يوسف: 82].
ثم قال عز وجل: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ}؛ قرأ أبو عمرو {فَأَجْمِعُواْ} بجر الألف ونصب الميم، يعني: جيئوا بكل كيد تقدرون عليه، لا تبقوا منه شيئًا؛ وقرأ الباقون {فَأَجْمِعُواْ} بقطع الألف وكسر الميم، ومعناه ليكن عزمكم كلكم على الكيد مجمعًا عليه، ولا تختلفوا فتخذلوا؛ وقال أبو عبيد: بهذا نقرأ، لأن الناس عليها ولصحتها في العربية يقال: أجمعت الأمر واجتمعت عليه؛ وإنما يقال: جمعت الشيء المتفرق فتجمّع.
{ثُمَّ ائتوا صَفًّا}، يعني: جميعًا.
قال أبو عبيد: الصف المصلى؛ وقال الزجاج: ثم ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم.