فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن عباس لا يسعد حيث كان {فألقي السحرة سجدًا قالوا آمنا برب هارون وموسى} قال صاحب الكشاف سبحان الله ما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود فما أعظم الفرق بين الإلقائين.
وقيل إنهم لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وقيل إنهم لما سجدوا أراهم الله تعالى في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة {قال} يعني فرعون {آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم} أي لرئيسكم وعظيمكم يعني أنه أسحركم وأعلاكم في صناعة السحر ومعلمكم {الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} يعني أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى {ولأصلبنكم في جذوع النخل} يعني على جذوع النخل {ولتعلمن أينا أشد عذابًا} يعني على إيمانكم به أنا أو رب موسى على ترك الإيمان به {وأبقى} يعني أدوم {قالوا} يعني السحرة {لن نؤثرك} يعني لن نختارك {على ما جاءنا من البينات} يعني الدلالات الواضحات، قيل هي اليد البيضاء والعصا وقيل كان استدلالهم أنهم قالوا لو كان هذا سحر فأين حبالنا وعصينا.
وقيل إنهم لما سجدوا رأوا الجنة والنار ورأوا منازلهم في الجنة فعند ذلك قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات {والذي فطرنا} قيل هو قسم، وقيل معناه لن نؤثرك على الله الذي فطرنا {فاقض ما أنت قاض} يعني فاصنع ما أنت صانع {إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} يعني إنما أمرك وسلطانك في الدنيا سيزول عن قريب {إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر} فإن قلت كيف قالوا هذا وقد جاؤوا مختارين غير مكرهين.
قلت كان فرعون أكرههم في الابتداء على تعلمهم السحر لكي لا يذهب أصله.
وقيل كانت السحرة اثنين وسبعون اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل، وكان فرعون أكره الذين هم من بني إسرائيل على تعلم السحر.
وقيل قال السحرة لفرعون أرنا موسى إذا هو نام فأراهم موسى نائمًا وعصاه تحرسه فقالوا لفرعون هذا ليس بساحر إن الساحر إذا نام بطل سحره.
فأبى عليهم فأكرههم على أن يعملوا فذلك قولهم وما أكرهتنا عليه من السحر {والله خير وأبقى} يعني خير منك ثوابًا وأبقى عقابًا وقيل خير منك إن أطيع وأبقى عذابًا إن عصي وهذا جواب لقوله: {ولتعلمن أينا اشد عذابًا وأبقى} {إنه من يأت ربه مجرمًا} قيل هذا ابتداء كلام من الله تعالى وقيل هو من تمام قول السحرة معناه من مات على الشرك {فإن له جهنم لا يموت فيها} فيستريح {ولا يحيى} حياة ينتفع بها {من يأته مؤمنًا} يعني من مات على الإيمان {قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى} يعني الرفيعة العلية.
فسر الدرجات بقوله: {جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فهيا وذلك جزاء من تزكى} يعني تطهر من الذنوب، وقيل أعطى زكاة نفسه وقال لا إله إلا الله عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما» أخرجه الترمذي.
قوله وأنعما يقال أحسن فلان إلى فلان وأنعم يعني أفضل وزاد في الإحسان، والمعنى أنهما منهم وزادوا تناهيًا إلى غايته.
قوله تعالى: {ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي} يعني أسر بهم ليلًا من أرض مصر {فاضرب لهم طريقًا} يعني اجعل لهم طريقًا {في البحر} بالضرب بالعصا {يبسًا} يعني يابسًا ليس فيه ماء ولا طين وذلك أن الله تعالى أيبس لهم الطريق في البحر {لا تخاف دركًا ولا تخشى} يعني لا تخاف أن يدركك فرعون من ورائك ولا تخشى أن يغرقك البحر أمامك {فأتبعهم} يعني فلحقهم {فرعون بجنوده فغشيهم} يعني أصابهم {من اليم ما غشيهم} وهو الغرق وقيل علاهم وسترهم من اليم ما لم يعلم كنهه إلا الله تعالى فغرق فرعون وجنوده ونجا موسى وقومه {وأضل فرعون قومه وما هدى} يعني وما أرشدهم وهو تكذيب لفرعون في قوله: {وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} قوله: {يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى} ذكرهم الله النعمة في نجاتهم وهلاك عدوهم وفيما وعد موسى من المناجاة بجانب الطور وكتب التوراة في الألواح.
وإنما قال وواعدناكم لأنها اتصلت بهم حيث كانت لنبيهم، ورجعت منافعها إليهم وبها قوام دينهم وشريعتهم وفيها أفاض الله عليهم من سائر نعمه وأرزاقه {كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه} قال ابن عباس لا تظلموا، وقيل لا تكفروا النعمة فتكونوا طاغين، وقيل لا تتقووا بنعمتي على المعاصي، وقيل لا تدخروا {فيجعل عليكم غضبي} يعني يجب عليكم غضبي {ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} يعني هلك وسقط في النار {وإني لغفار لمن تاب} قال ابن عباس تاب عن الشرك {وآمن} يعني وحد الله وصدق رسوله {وعمل صالحًا} يعني أدى الفرائض {ثم اهتدى} قال ابن عباس علم أن ذلك توفيق من الله تعالى، وقيل لزم الإسلام حتى مات عليه، وقيل علم أن لذلك ثوابًا، وقيل أقام على السنة. اهـ.

.قال ابن جزي:

{ولقد أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا} يعني الآيات التي رآها فرعون وهي تسع آيات، وليس يريد جميع آيات الله على العموم، فالإضافة في قوله: {آيَاتِنَا} تجري مجرى التعريف بالعهد: أي آياتنا التي أعطينا موسى كلها، وإنما أضافها الله إلى نفسه تشريفًا.
{فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا} يحتمل أن يكون الموعد اسم مصدر أو اسم زمان أو اسم مكان، ويدل على أنه اسم مكان قوله: {مَكَانًا سُوًى}، ولكن يضعف بقوله: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة}، لأنه أجاب بظرف الزمان، ويدل على أن الموعد اسم زمان قوله: {يَوْمُ الزينة} ولكن يضعفه بقوله: {مَكَانًا سُوًى}. ويدل على أنه اسم مصدر بمعنى الوعد قوله: {لاَّ نُخْلِفُهُ} لأن الإخلاف إنما يوصف به الوعد لا الزمان ولا المكان. ولكن يضعف ذلك بقوله: {مَكَانًا} وبقوله: {يَوْمُ الزينة}، فلابد على كل وجه من تأويل أو إضمار، ويختلف إعراب قوله: مكانًا باختلاف تلك الوجوه. فأما إن كان الموعد اسم مكان فيكون قوله: {مَوْعِدًا} و{مَكَانًا} مفعولين لقوله: {فاجعل}، ويطابقه قوله: {يَوْمُ الزينة} من طريق المعنى، لا من طريق اللفظ، وذلك أن الاجتماع في المكان يقتضي الزمان ضرورة، وإن كان الموعد اسم زمان فينتصب قوله: {مَكَانًا} على أنه ظرف زمان، والتقدير: موعدًا كائنًا في مكان وإن كان الموعد اسم مصدر فينتصب {مَكَانًا} على أنه مفعول بالمصدر وهو الموعد، أو بفعل من معناه، ويطابقه قوله: {يَوْمُ الزينة} على حذف مضاف تقديره موعدكم وعد يوم الزينة، وقرأ الحسن يوم الزينة بالنصب وذلك يطابق أن يكون الموعد اسم مصدر من غير تقدير محذوف {مَكَانًا سُوًى} معناه: مستو في القرب منا ومنكم، وقيل: معناه مستوي الأرض ليس فيه انخفاض ولا ارتفاع، وقرئ بكسر السين وضمها، والمعنى متفق {يَوْمُ الزينة} يوم عيد لهم وقيل يوم عاشوراء {وَأَن يُحْشَرَ} عطف على الزينة، فهو في موضع خفض أو على اليوم فهو في موضع رفع وقصد موسى أن يكون موعدكم عند اجتماع الناس على رؤوس الأشهاد لتظهر معجزته ويستبين الحق للناس.
{فَيُسْحِتَكُم} معناه يهلككم، يقال سحت وأسحت، وقد قرئ بفتح الياء وضمها، والمعنى متفق.
{قالوا إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ} قرأ إن هذين بالياء ولا إشكال في ذلك، وقرأ بتخفيف إنْ وهي مخففة من الثقيلة، وارتفع بعدها هذان بالابتداء، وأما قراءة نافع وغيره بتشديد إنّ ورفع هذان، فقيل {إِنْ} هنا بمعنى نعم فلا تنصب، ومنه ما روي في الحديث أن الحمد بالرفع، وقيل: اسم إن ضمير الأمر والشأن تقديره: إن الأمر، و{هذان لَسَاحِرَانِ} مبتدأ وخبر في موضع خبر إن.
وقيل: جاء القرآن في هذه الآية بلغة بني الحرث بن كعب وهو إبقاء التثنية بالألف حال النصب، والخفض، وقالت عائشة رضي الله عنها، هذا مما لحن فيه كتاب المصحف {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى} أي يذهب بسيرتكم الحسنة {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} أي اعزموا وأنفذوه.
{يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى} استدل بعضهم بهذه الآية على أن السحر تخييل لا حقيقة، وقال بعضهم: إن حيلة السحرة في سعي الحبال والعصيّ هو أنهم حشوها بالزئبق، وأوقدوا تحتها نارًا وغطوا النار لئلا يراها الناس، ثم وضعوا عليها حبالهم وعصيهم، وقيل: جعلوها للشمس، فلما أحسّ الزئبق بحر النار أو الشمس سال، وهو في حشو الحبال والعصيّ فحملها، فتخيل للناس أنها تمشي، فألقى موسى عصاه فصارت ثعبانًا فابتلعتها.
{إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ} ما هنا موصولة وهي اسم إن وكيد خبرها {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى} قدم هارون لتعادل رؤوس الآي {مِّنْ خِلاَفٍ} أي قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى {والذي فَطَرَنَا} معطوف على {مَا جَاءَنَا مِنَ البينات}، وقيل: هي واو القسم {هذه الحياة} نصب على الظرفية: أي: إنما قضاؤك في هذه الدنيا.
{إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} قيل: إن هنا وما بعدها من كلام السحرة لفرعون على وجه الموعظة، وقيل: هو من كلام الله.
{أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} يعني ببني إسرائيل، وأضافهم إلى نفسه تشريفًا لهم، وكانوا فيما قيل ستمائة ألف {يَبَسًا} أي يابسًا، وهو مصدر وصف به {لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تخشى} أي لا تخاف أن يدركك فرعون وقومه، ولا تخشى الغرق في البحر {مَا غَشِيَهُمْ} إبهام لقصد التهويل {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هدى} إن قيل: إن قوله: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ} يغني عن قوله: {وَمَا هدى}، فالجواب أنه مبالغة وتأكيد، وقال الزمخشري: هو تهكم بفرعون في قوله: {وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} [غافر: 29].
{يابني إِسْرَائِيلَ} خطاب لهم بعد خروجهم من البحر، وإغراق فرعون، وقيل: هو خطاب لمن كان منهم في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأول أظهر {وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطور الأيمن} لما أهلك الله فرعون وجنوده أمر موسى وبني إسرائيل أن يسيروا إلى جانب طور سيناء ليكلم فيه ربه، والطور هو الجبل، واختلف هل هذا الطور هو الذي رأى فيه موسى النار في أول نبوّته، أو هو غيره {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى} ذكر في [البقرة: 57] {فَقَدْ هوى} استعارة من السقوط من علو إلى سفل {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًَا ثُمَّ اهتدى} المغفرة لمن تاب حاصلة ولابد، والمغفرة للمؤمن الذي لم يتب في مشيئة الله عند أهل السنة، وقالت المعتزلة: لا يغفر إلا لمن تاب {ثُمَّ اهتدى} أي استقام ودام على الإيمان والتوبة والعمل الصالح، ويحتمل أن يكون الهدى هنا عبارة عن نور وعلم؛ يجعله الله في قلب من تاب وآمن وعمل صالحًا. اهـ.

.قال النسفي:

{قَالُواْ إِنْ هاذان لساحران} يعني موسى وهارون.
قرأ أبو عمرو {إن هَذينِ لساحران} وهو ظاهر ولكنه مخالف للإمام، وابن كثير وحفص والخليل وهو أعرف بالنحو واللغة {إِنْ هاذان لساحران} بتخفيف {إن} مثل قولك إن زيد لمنطلق واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة.
وقيل: هي بمعنى ما واللام بمعنى إلا أي ما هذان إلا ساحران دليله قراءة أبيّ {إن ذان إلا ساحران} وغيرهم {إِنْ هاذان لساحران} قيل هي لغة بلحارث بن كعب وخثعم ومراد وكنانة فالتثنية في لغتهم بالألف أبدًا فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب كعصا وسعدى قال:
إن أباها وأبا أباها ** قد بلغا في المجد غايتاها

وقال الزجاج: إن بمعنى نعم، قال الشاعر:
ويقلن شيب قد علا ** ك وقد كبرت فقلت إنه

أي نعم والهاء للوقف.
و{هذان} مبتدأ و{ساحران} خبر مبتدأ محذوف واللام داخلة على المبتدأ المحذوف تقديره: هذان لهما ساحران فيكون دخولهما في موضعها الموضوع لها وهو الابتداء، وقد يدخل اللام في الخبر كما يدخل في المبتدأ قال:
خالي لأنت ومن جرير خاله

قال: فعرضته على المبرد فرضيه وقد زيفه أبو عليّ.
{يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ} مصر {بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ} بدينكم وشريعتكم {المثلى} الفضلى تأنيث الأمثل وهو الأفضل {فَأَجْمِعُواْ} فأحكموا أي اجعلوه مجمعًا عليه حتى لا تختلفوا.
{فَأَجْمِعُواْ} أبو عمرو ويعضده {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} {كَيْدَكُمْ} هو ما يكاد به {ثُمَّ ائتوا صَفًّا} مصطفين حال أمروا بأن يأتوا صفًا لأنه أهيب في صدور الرائين {وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} وقد فاز من غلب وهو اعتراض.
{قَالُواْ} أي السحرة {ياموسى إِمَّا أَن تُلْقِيَ} عصاك أولًا {وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألقى} ما معنا وموضع أن مع ما بعده فيهما نصب بفعل مضمر، أو رفع بأنه خبر مبتدأ محذوف معناه اختر أحد الأمرين، أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا.
وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه وكأنه تعالى ألهمهم ذلك وقد وصلت إليهم بركته وعلم موسى اختيار إلقائهم أولًا حتى {قَالَ بَلْ أَلْقُواْ} أنتم أولًا ليبرزوا ما معهم من مكايد السحر ويظهر الله سلطانه ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه، ويسلط المعجزة على السحر فتمحقه فيصير آية نيرة للناظرين وعبرة بينة للمعتبرين فألقوا {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ} يقال في {إِذَا} هذه: إذا المفاجأة والتحقيق أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصبًا لها وجملة تضاف إليها، وخصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلًا مخصوصًا وهو فعل المفاجأة والجملة ابتدائية لا غير والتقدير: ففاجأ موسى وقت تخيل سعي حبالهم وعصيهم والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي {يُخَيَّلُ} وبالتاء: ابن ذكوان {إِلَيْهِ} إلى موسى {مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى} رفع بدل اشتمال من الضمير في {يُخَيَّلُ} أي يخيل الملقى.
رُوي أنهم لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت فخيلت ذلك.
{فَأَوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفَةً موسى} أضمر في نفسه خوفًا ظنًّا منه أنها تقصده للجبلة البشرية أو خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه {قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى} الغالب القاهر.
وفي ذكر إن وأنت وحرف التعريف ولفظ العلو وهو الغلبة الظاهرة مبالغة بينة.
{وَأَلْقِ مَا في يَمِينِكَ تَلْقَفْ} بسكون اللام والفاء وتخفيف القاف: حفص و{تَلْقَفْ}: ابن ذكوان، الباقون {تَلْقَفْ} {مَا صَنَعُواْ} زورًا وافتعلوا أي اطرح عصاك تبتلع عصيهم وحبالهم.
ولم يقل عصاك تعظيمًا لها أي لا تحتفل بما صنعوا فإن ما في يمينك أعظم منها، أو تحقيرًا أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويد الفرد الذي في يمينك فإنه بقدرتنا يتلقفها على وحدته وكثرتها {إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ} كوفي غير عاصم سحر بمعنى ذي سحر أو ذوي سحر أو هم لتوغلهم في السحر كأنهم السحر، و{كَيْدَ} بالرفع على القراءتين وما موصولة أو مصدرية.
وإنما وحد {ساحر} ولم يجمع لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية لا إلى معنى العدد، فلو جمع لخيل أن المقصود هو العدد ألا ترى إلى قوله: {وَلاَ يُفْلِحُ الساحر} أي هذا الجنس {حَيْثُ أتى} أينما كان فألقى موسى عصاه فتلقفت ما صنعوا فلعظم ما رأوا من الآية وقعوا إلى السجود فذلك قوله: {فَأُلْقِىَ السحرة سُجَّدًا} قال الأخفش: من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا فما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين.
رُوي أنهم رأوا الجنة ومنازلهم فيها في السجود فرفعوا رؤوسهم ثم {قَالُواْ امَنَّا بِرَبّ هارون وموسى} وإنما قدم {هارون} هنا وأخر في الشعراء محافظة للفاصلة ولأن الواو لا توجب ترتيبًا {قَالَ ءامَنتُمْ} بغير مد: حفص، وبهمزة ممدودة: بصري وشامي وحجازي، وبهمزتين: غيرهم {لَهُ قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ لَكُمْ} أي لموسى.