فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يا موسى}.
حكايةٌ لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه الصلاة والسلام من الكلام عند ابتداءِ موافاته الميقاتَ بموجب المواعدةِ المذكورة، أي قلنا له: أيُّ شيءٍ أعجلك منفردًا عن قومك؟ وهذا كما ترى سؤالٌ عن سبب تقدمه على النقباء مَسوقٌ لإنكار انفرادِه عنهم لما في ذلك بحسب الظاهر من مخايل إغفالهم وعدمِ الاعتداد بهم مع كونه مأمورًا باستصحابهم وإحضارِهم معه، لا لإنكاره نفسَ العجلة الصادرةِ عنه عليه الصلاة والسلام لكونها نقيصةً منافية للحزم اللائقِ بأولي العزم، ولذلك أجاب عليه الصلاة والسلام بنفي الانفرادِ المنافي للاستصحاب والمعية حيث {قَالَ هُمْ أُوْلاء على أَثَرِى} يعني إنهم معي وإنما سبقتهم بخُطًا يسيرة ظننتُ أنها لا تُخِل بالمعية ولا تقدح في الاستصحاب، فإن ذلك مما لا يعتد به فيما بين الرفقةِ أصلًا، وبعد ما ذكرَ عليه الصلاة والسلام أن تقدّمَه ذلك ليس لأمر منكر ذكَر أنه لأمر مَرضيّ حيث قال: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لترضى} عنّي بمسارعتي إلى الامتثال بأمرك واعتنائي بالوفاء بعهدك، وزيادةُ ربِّ لمزيد الضراعةِ والابتهال رغبةً في قَبول العذر.
{قَالَ} استئنافٌ مبني على سؤال نشأ من حكاية اعتذارِه عليه الصلاة والسلام وهو السرُّ في وروده على صيغة الغائبِ، لا أنه التفاتٌ من التكلم إلى الغَيبة لما أن المقدرَ فيما سبق من الموضعين على صيغة التكلم، كأنه قيل من جهة السامعين: فماذا قال له ربه حينئذ؟ فقيل: قال: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ} أي ابتليناهم بعبادة العِجل من بعد ذهابك من بينهم وهم الذين خلّفهم مع هارونَ عليه الصلاة والسلام، وكانوا ستَّمائة ألفٍ ما نجا منهم من عبادة العجل إلا اثنا عشرَ ألفًا، والفاءُ لترتيب الإخبار بما ذكر من الابتلاء على إخبار موسى عليه الصلاة والسلام بعجَلته لكن لا لأن الإخبارَ بها سببٌ موجبٌ للإخبار به، بل لما بينهما من المناسبة المصحِّحة للانتقال من أحدهما إلى الآخر من حيث إن مدارَ الابتلاءِ المذكور عجَلةُ القوم، فإنه روي أنهم أقاموا على ما وصّى به موسى عليه الصلاة والسلام عشرين ليلةً بعد ذهابه فحسَبوها مع أيامها أربعين، وقالوا: قد أكملنا العدةَ وليس من موسى عليه الصلاة والسلام عينٌ ولا أثر {وَأَضَلَّهُمُ السامرى} حيث كان هو المدبرَ في الفتنة فقال لهم: إنما أخلفَ موسى عليه الصلاة والسلام ميعادَكم لما معكم من حُلِيّ القوم وهو حرامٌ عليكم فكان من أمر العجل ما كان، فإخبارُه تعالى بوقوع هذه الفتنةِ عند قدومِه عليه الصلاة والسلام إما باعتبار تحققِها في علمه تعالى ومشيئتِه، وإما بطريق التعبيرِ عن المتوقَّع بالواقع كما في قوله تعالى: {وَنَادَى أصحاب الجنة} ونظائرِه، أو لأن السامريَّ كان قد عزم على إيقاع الفتنةِ عند ذهاب موسى عليه الصلاة والسلام وتصدّى لترتيب مبانيها وتمهيدِ مباديها فكانت الفتنةُ واقعةً عند الإخبار بها، وقرئ وأضلُّهم السامريُّ على صيغة التفضيلِ أي أشدُّهم ضلالًا لأنه ضالٌّ ومُضلٌّ، والسامريُّ منسوبٌ إلى قبيلة من بني إسرائيلَ يقال لها السامرة، وقيل: كان عِلْجًا من كَرْمان، وقيل: من أهل باجرما واسمُه موسى بنُ ظفر وكان منافقًا قد أظهر الإسلام وكان من قوم يعبدون البقر.
{فَرَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ} عند رجوعِه المعهود أي بعدما استوفى الأربعين وأخذ التوراة لا عَقيبَ الإخبار بالفتنة، فسببيةُ ما قبل الفاء لما بعدها إنما هي باعتبار قيد الرجوعِ المستفاد من قوله تعالى: {غضبان أَسِفًا} لا باعتبار نفسه وإن كانت داخلةً عليه حقيقةً فإن كونَ الرجوعِ بعد تمام الأربعين أمرٌ مقرّرٌ مشهورٌ لا يذهب الوهمُ إلى كونه عند الإخبار بالفتنة، كما إذا قلتَ: شايعتُ الحُجاجَ ودعوتُ لهم بالسلامة فرجعوا سالمين، فإن أحدًا لا يرتاب في أن المراد رجوعُهم المعتادُ لا رجوعُهم إثرَ الدعاء وأن سببيةَ الدعاءِ باعتبار وصفِ السلامة لا باعتبار نفس الرجوعِ، والأسِفُ: الشديدُ الغضب، وقيل: الحزين {قَالَ} استئنافٌ مبني على سؤال ناشىء من حكاية رجوعِه كذلك، كأنه قيل: فماذا فَعل بهم؟ فقيل: قال: {قَالَ ياقوم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا} بأن يُعطيَكم التوارةَ فيها ما فيها من النور والهدى، والهمزةُ لإنكار عدم الوعدِ ونفيِه وتقريرِ وجودِه على أبلغ وجه وآكَدِه، أي وعَدكم بحيث لا سبيلَ لكم إلى إنكاره، والفاء في قوله تعالى: {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العهد} أي الزمان للعطف على مقدر والهمزةُ لإنكار المعطوفِ ونفيه فقط، أي أوعدكم ذلك فطال زمانُ الإنجاز فأخطأتم بسببه {أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ} أي يجبَ {عَلَيْكُمْ غَضَبٌ} شديدٌ لا يقادرَ قدرُه كائنٌ {مّن رَّبّكُمْ} أي من مالك أمرِكم على الإطلاق {فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِى} أي وعْدَكم إياي بالثبات على ما أمرتُكم به إلى أن أرجِع من الميقات على إضافة المصدرِ إلى مفعوله للقصد إلى زيادة تقبيحِ حالِهم، فإن إخلافَهم الوعدَ الجاريَ فيما بينهم وبينه عليه السلام من حيث إضافتُه إليه عليه السلام أشنعُ منه من حيث إضافتُه إليهم، والفاءُ لترتيب ما بعدها على كل واحد من شِقَّي الترديد على سبيل البدلِ، كأنه قيل:
أنسيتم الوعدَ بطول العهد فأخلفتموه خطًا أم أردتم حلولَ الغضب عليكم فأخلفتموه عمْدًا؟ وأما جعلُ الموعدِ مضافًا إلى فاعله وحملُ إخلافه على معنى وجدانِ الخلُف فيه، أي فوجدتم الخُلفَ في موعدي لكم بالعَود بعد الأربعين فما لا يساعده السباقُ ولا السياق أصلًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83)}.
حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة المذكورة سابقًا أي وقلنا له أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم.
والمراد بهم هنا عند كثير ومنهم الزمخشري النقباء السبعون.
والمراد بالتعجيل تقدمه عليهم لا الإتيان قبل تمام الميعاد المضروب خلافًا لبعضهم والاستفهام للإنكار ويتضمن كما في الكشف إنكار السبب الحامل لوجود مانع في البين وهو إيهام اغفال القوم وعدم الاعتداد بهم مع كونه عليه السلام مأمورًا باستصحابهم واحضارهم معه وإنكار أصل الفعل لأن العجلة نقيصة في نفسها فكيف من أولي العزم اللائق بهم مزيد الحزم، وقوله تعالى: {قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)}.
متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد كأنه عليه السلام قال: إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة وظني أن مثل ذلك لا ينكر وقد حملني عليه استدامة رضاك أو حصول زيادته وظني أن مثل هذا الحامل يصلح للحمل على مثل ما ذكر ولم يخطر أن هناك مانعًا لينكر على.
ونحو هذا الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبًا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة التي فيها رضا الرب تعالى فإنهم قالوا: إن ذلك غير مشروع، وقدم عليه السلام الاعتذار عن إنكار أصل الفعل لأنه أهم، وقال بعضهم: إن الاستفهام سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها لأنها في نفسها نقيصة انضم إليها الاغفال وإيهام التعظيم فأجاب عليه السلام عن السبب بأنه استدامة الرضا أو حصول زيادته وعن الإنكار بما محصله أنهم لم يبعدوا عني وظننت أن التقدم اليسير لكونه معتادًا بين الناس لا ينكر ولا يعد نقيصة وعلل تقديم هذا الجواب بما مر.
واعترض بأن مساق كلامه بظاهره يدل على أن السؤال عن السبب على حقيقته وأنت خبير بأن حقيقة الاستفهام محال على الله تعالى فلا وجه لبناء الكلام عليه، وأجيب بأن السؤال من علام الغيوم محال إن كان لاستدعاء المعرفة أما إذا كان لتعريف غيره أو لتبكيته أو تنبيهه فليس محالًا، وتعقب بأنه لا يحسن هنا أن يكون السؤال لأحد المذكورات والمتبادر أن يكون للإنكار، وفي الانتصاف أن المراد من سؤال موسى عليه السلام عن سبب العجلة وهو سبحانه أعلم أن يعلمه أدب السفر وهو أنه ينبغي تأخر رئيس القوم عنهم ليكون بصره بهم ومهيمنًا عليهم وهذا المعنى لا يصحل مع التقدم ألا ترى كيف علم الله تعالى هذا الأدب لوطًا فقال سبحانه {واتبع أدبارهم} فأمره عز وجل أن يكون آخرهم وموسى عليه السلام إنما أغفل هذا الأمر مبادرة إلى رضا الله تعالى ومسارعة إلى الميعاد وذلك شأن الموعود بما يسره يود لو ركب أجنحة الطير ولا أسر من مواعد الله تعالى له عليه الصلاة والسلام انتهى.
وأنت تعلم أن السؤال عن السبب ما لم يكن المراد منه انكار المسبب لا يتسنى هذا التعليم، وقال بعضهم: الذي يلوح بالبال أن يكون المعنى أي شيء أعجلك منفردًا عن قومك، والإنكار بالذات للإنفراد عنهم فهو منصب على القيد كما عرف في أمثاله، وإنكار العجلة ليس إلا لكونها وسيلة فاعتذر موسى عليه السلام عنه بأني أخطأت في الاجتهاد وحسبت أن القدر اليسير من التقدم لا يخل بالمعية ولا يعد انفرادًا ولا يقدح بالاستصحاب والحامل عليه طلب استدامة مرضاتك بالمبادرة إلى امتثال أمرك فالجواب هو قوله: {هُمْ أُوْلاء على أَثَرِى}، وقوله: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لترضى} كالتتميم له اه وهو عندي لا يخلو عن حسن.
وقيل: إن السؤال عن السبب والجواب إنما هو قوله: {وَعَجِلْتُ}.. إلخ. وما قبله تمهيد له وفيه نظر، وعلى هذا وما قبله لم يكن جواب موسى عليه السلام عن أمرين ليجيء سؤال الترتيب فيجاب بما مر أو بما ذكره الزمخشري من أنه عليه السلام حار لما ورد عليه من التهيب لعتاب الله عز وجل فأذهله ذلك عن الجواب المنطبق المترتب على حدود الكلام لكن قال في البحر: إن في هذا الجواب إساءة الأدب مع الأنبياء عليهم السلام، وذلك شأن الزمخشري معهم صلى الله عليه وسلم عليهم، والمراد من {إِلَيْكَ} إلى مكان وعدك فلا يصلح دليلًا للمجسمة على إثبات مكان له عز وجل.
ونداؤه تعالى بعنوان الربوبية لمزيد الضراعة والابتهال رغبة في قبول العذر و{أُوْلاء} اسم إشارة كما هو المشهور مرفوع المحل على الخبرية لهم و{على أَثَرِى} خبر بعد خبر أو حال كما قال أبو حيان؛ وجوز الطبرسي كون {أُوْلاء} بدل من {هُمْ} و{على أَثَرِى} هو الخبر، وقال أبو البقاء: {أُوْلاء} اسم موصول و{على أَثَرِى} صلته وهو مذهب كوفي.
وقرأ الحسن وابن معاذ عن أبيه {أولاي} بياء مكسورة.
وابن وثاب وعيسى في رواية {أُوْلِى} بالقصر، وقرأت فرقة {أولاي} بياء مفتوحة.
وقرأ عيسى ويعقوب وعبد الوارث عن أبي عمرو وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {على إثرى} بكسر الهمزة وسكون الثاء، وحكى الكسائي {أثرى} بضم الهمزة وسكون الثاء وتورى عن عيسى، وفي الكشاف إن الأثر بفتحتين أفصح من الأثر بكسر فسكون، وأما الأثر فمسموع في فرند السيف مدون في الأصوال يقال؛ أثر السيف وأثره وهو بمعنى الأثر غريب.
{قَالَ} استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية اعتذاره عليه السلام وهو السر في وروده على صيغة الغائب لا أنه التفات من التكلم إلى الغيبة لما أن المقدر فيما سبق على صيغة التكلم كأنه قيل من جهة السامعين: فماذا قال له ربه تعالى حينذئذ؟ فقيل: قال سبحانه {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ} أي اختبرناهم بما فعل السامري أو أوقعناهم في فتنة أي ميل مع الشهوات ووقوع في اختلاف {مِن بَعْدِكَ} من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم {وَأَضَلَّهُمُ السامرى} حيث أخرج لهم عجلًا جسدًا له خوار ودعاهم إلى عبادته.
وقيل: قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة: إنه قد كملت الأربعون فجعل العشرين مع أيامها أربعين ليلة.
وليس من موسى عين ولا أثر وليس اخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلى القوم وهو حرام عليكم فجمعوه وكان من أمر العجل ما كان.
والمراد بقومك هنا الذين خلفهم مع هارون عليه السلام، وكانوا على ما قيل ستمائة ألف ما نجا منهم من عبادة العجل إلا اثنا عشر ألفًا فالمراد بهم غير المراد بقومك فيما تقدم، ولذا لم يؤت بضميرهم، وقيل: المراد بالقوم في الموضعين المتخلفتين لتعين إرادتهم هنا، والمعرفة المعادة عين الأولى.
ومعنى {هم أولاء على أثرى} [طه: 84] هم بالقرب مني ينتظرونني.
وتعقبه في الكشف بأنه غبر ملائم للفظ الأثر ولا هو مطابق لتمهيد عذر العجلة ومن أين لصاحب هذا التأويل النقل بأنهم كانوا على القرب من الطور وحديث المعرفة المعادة إنما هو إذا لم يقم دليل التغاير وقد قام.
على أن لنا أن تقول: هي عين الأولى لأن المراد بالقوم الجنس في الموضعين لكن المقصود منه أولا النقباء وثانيًا المتخلفون ومثله كثير في القرآن انتهى.
وما ذكره من نفي النقل الدال على القرب فيه مقال، وسيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا من الأخبار ما يدل بظاهره على القرب إلا أنا لم نقف على تحصيحه أو تضعيفه.
وما ذكر من تفسير {هُمْ أُوْلاء على أَثَرِى} [طه: 84] على إرادة المتخلفين في الأول أيضًا نقله الطبرسي عن الحسن، ونقل عنه أيضًا تفسيره بأنهم على ديني ومنهاجي والأمر عليه أهون.
والفاء لتعليل ما يفهمه الكلام السابق كأنه قيل: لا ينبغي عجلتك عن قومك وتقدمك عليهم وإهمال أمرهم لوجه من الوجوه فانهم لحداثة عهدهم باتباعك ومزيد بلاهتهم وحماقتهم بمكان يحيق فيه مكر الشيطان ويتمكن من إضلالهم فإن القوم الذين خلفتهم مع أخيك قد فتنوا وأضلهم السامري بخروجك من بينهم فكيف تأمن على هؤلاء الذي أغفلتهم وأهملت أمرهم.
وفي إرشاد العقل السليم إنها لترتيب الأخبار بما ذكر من الابتلاء على أخبار موسى عليه السلام بعجلته لكن لا لأن الأخبار بها سبب موجب للأخبار به بل لما بينهما من المناسبة المصححة للانتقال من أحدهما إلى الآخر من حيث أن مدار الابتلاء المذكور عجلة القوم وليس بذاك.
وأما قول الخفاجي: إنها للتعقيب من غير تعليل أي أقول لك عقب ما ذكر إنا قد فتنا إلى آخره ففيه سهو ظاهر لأن هذا المعنى إنما يتسنى لو كانت الفاء داخلة على القول لكنها داخلة على ما بعده وظاهر الآية يدل على أن الفتن وإضلال السامري إياهم قد تحققا ووقعا قبل الاخبار بهما إذ صيغة الماضي ظاهرة في ذلك، والظاهر أيضًا على ما قررنا أن الأخبار كان عند مجيئه عليه السلام للطور لم يتقدمه إلا العتاب والأعتذار.
وفي الآثار ما يدل على أن وقوع ما ذكرنا كان بعد عشرين ليلة من ذهابه عليه السلام لجناب الطور، وقيل: بعد ست وثلاثين يومًا وحينئذ يكون التعبير عن ذلك بصيغة الماضي لاعتبار تحققه في علم الله تعالى ومشيئته أو لأنه قريب الوقوع مترقبه أو لأن السامري كان قد عزم على إيقاع الفتنة عند ذهاب موسى عليه السلام وتصدى لترتيب مباديها وتمهيد مبانيها فنزل مباشرة الأسباب منزلة الوقوع.