فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قالوا: لأنهم أرادوا أنْ يُسِرُّوا ساعة خروجهم حتى لا يستعد لهم أعداؤهم، وصدُّوهم عن الخروج فأعجلوا عن رَدِّها.
وقال قوم: إن هذه الزينات والحليّ كانت مما قذف به البحر بعد أنْ غرق فرعون وقومه، ولكن هذا القول مردود؛ لأنهم إنْ أخذوها بعد أنْ ألْقَى بها البحر فسوف تكون أسلابًا لا أوزارًا.
ثم يقول تعالى: {فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامري} [طه: 87].
إذا أُطلِقَتْ الزينة تنصرف عادةً إلى الذهب، والقَذْف هو الرَّمْي بشدة، وكأن الرامي يتأفَف أنْ يحمل المرمىّ، وفي ذلك دلالة على أن بني إسرائيل ما يزال عندهم خميرة إيمان فتألموا وحزنوا لأنهم لم يردُّوا الأمانات إلى أهلها.
لذلك دخل عليهم السامري من هذه الناحية، فأفهمهم: إنكم لن تبرأوا من هذه المعصية إلا أنْ ترمُوا بهذه الزينة في النار، وهو يقصد شيئًا آخر، هو أنْ ينصهر الذهب، ويُخرِج ما فيه من الشوائب {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامري} [طه: 87] أي: ألقى ما معه من الحُليّ، لكن فَرْق بين القَذْف والإلقاء، الإلقاء فيه لُطْف وتمهُّل، فهو كبيرهم ومُعلِّمهم.
ثم يقول الحق سبحانه: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ}.
أي: أخرج لهم من هذا الذهب المنصهر {عِجْلًا جَسَدًا} [طه: 88] كلمة جسد وردتْ أيضًا في القرآن في قصة سليمان عليه السلام، حيث قال تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34].
وقد أعطى الله سليمان مُلْكًا عظيمًا لا ينبغي لأحد من بعده، فسخَّر له الطير والجنَّ والإنس والريح يأتمرون بأمره، ويبدو أنه أخذه شيء من الزَّهْو أو الغرور، فأراد الحق سبحانه أنْ يلفته إلى مانح هذا الملْك ويُذكِّره بأن هذا الملْك لا يقوم بذاته، إنما بأمر الله القادر على أن يُقعِدك على كُرسيِّك جسدًا، لا حركة فيه ولا قدرة له حتى على جوارحه وذاته.
كما ترى الرجل والعياذ بالله قد أصابه شلل كُليٌّ أقعده جسدًا، لا حركة فيه، ولا إرادةَ على جوارحه، فإذا لم تكن له إرادة على جارحة واحدة من جوارحه، أفتكون له إرادة على الخارج عنه من طير أو إنس أو جن؟
فلا تغتر بأنْ جعل الله لك إمْره على كل الأجناس؛ لأنه قادر أنْ يسلبكَ هذا كله.
ويُروَى أن سليمان عليه السلام ركب بساط الريح يحمله إلى حيث يريد، كما قال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الريح غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12] فَداخلَه شيء من الفخر والزَّهْو، فسمع من تحته مَنْ يقول: يا سليمان هكذا دون ألقاب أُمِرْنا أنْ نطيعك ما أطعتَ الله، ثم رَدَّه حيث كان.
لذلك استغفر سليمان عليه السلام وأناب.
وكذلك نرى الإنسان ساعة أن يموتَ أولَ ما يُنسَى منه اسمه، فيقولون: الجثة: الجثة هنا، ماذا فعلتم بالجثة، ثم تُنسَى هذه أيضًا بمجرد أن يُوضَع في نعشه فيقولون الخشبة: أين الخشبة الآن، انتظروا الخشبة.. سبحان الله بمجرد أنْ يأخذ الخالق عز وجل سِرَّه من العبد صار جثة، وصار خشبة، فما هذه الدنيا التي تكون نهايتها هكذا؟
ففي قوله تعالى: {عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ} [طه: 88] أي: لا حركة فيه، فهو مجرد تمثال. صُنِع على هيئة معينة، بحيث يستقبل الريح، فيحدث فيه صفيرًا يشبه الخوار أي: صوت البقر.
لكن، لماذا فكَّر السامري هذا التفكير، واختار مسألة العجل هذه؟
قالوا: لأن السامري استغلَّ تشوُّق بني إسرائيل، وميلهم إلى الصنمية والوثنية، وأنها متأصلة فيهم. ألم يقولوا لنبيهم عليه السلام وما زالت أقدامهم مُبتلة من البحر بعد أن أنجاهم الله من فرعون، وكان جديرًا بهم شكر الله، فإذا بهم يقولون وقد أَتَوْا على قوم يعكفون على أصنام لهم: {ياموسى اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138].
فجاءهم بهذا العجل، وقد ترقَّى به من الصنمية، فجعله جسدًا، وجعل له خوارًا وصَوْتًا مسموعًا.
ثم يقول تعالى: {فَقَالُواْ هاذآ إلهكم وإله موسى فَنَسِيَ} [طه: 88] أي: نسي السامري خميرة الإيمان في نفسه، ونسي أن هذا العمل خروجٌ عن الإيمان إلى الكفر، ولَيْتَه يكفر في ذاته، إنما هو يكفر ويُكفِّر الناس. لابد أنه نسي، فلو كان على ذُكْر من الإيمان ومن عاقبه عمله وخيبة ما أقدم عليه ما فعل.
ثم يقول الحق سبحانه: {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ}.
أي: كيف يعبدون هذا العجل، وهو لا يردّ عليهم جوابًا، ولا يملك له شيئًا، كما قال تعالى في آية أخرى: {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء: 6973].
فَمنْ كان لديه ذرة من عقل لا يُقدم على هذه المسألة؛ لذلك فالحق سبحانه يناقش هؤلاء: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله} [البقرة: 28].
أي: أخبرونا بالطريق الذي يحملكم على الكفر، كأنها مسألة عجيبة لا يقبلها العقل ولا يُقرُّها. ألم يخطر ببال هؤلاء الذين عبدوا العجل أنه لا يردّ عليهم إنْ سألوه، ولا يملك لهم ضَرًَّا إنْ كفروا به، ولا نفعًا إن آمنوا به وعبدوه.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ}.
وكان هارون عليه السلام خليفة لأخيه في غَيْبته، كما قال تعالى: {وَقَالَ موسى لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} [الأعراف: 142].
اخْلُفْنِي واعمل الصالح، فكان هذا تفويضًا من موسى لأخيه هارون أن يقضي في القوم بما يراه مناسبًا، وأنْ يُقدِّر المصلحة كما يرى. وقد شُفِع هذا التفويض لهارون أمام أخيه بعد ذلك.
فقوله تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ ياقوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ} [طه: 90].
وهكذا وعظهم هارون على قَدْر استطاعته، وبيّن لهم أن مسألة العِجْل هذه اختبار من الله. وكان تقديره في هذه القضية ألاَّ يدخل مع هؤلاء في معركة؛ لأن القومَ كانوا جميعًا ثلاثمائة ألف، عبد العجل منهم أثنا عشر ألفًا، ولو جعلها هارون عليه السلام معركة لأفْنى كل هذا العدد.
لذلك اكتفى بالوعظ {ياقوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أَمْرِي} [طه: 90] كما أخذتم العهد عند موسى. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)}.
هذا شروع في إنجاء بني إسرائيل وإهلاك عدوّهم، وقد تقدّم في البقرة، وفي الأعراف، وفي يونس واللام في: {لقد} هي الموطئة للقسم، وفي ذلك من التأكيد ما لا يخفى، و{أن} في: {أن أسر بعبادي} إما المفسرة لأن في الوحي معنى القول، أو مصدرية، أي بأن أسر، أي أسر بهم من مصر.
وقد تقدّم هذا مستوفى.
{فاضرب لَهُمْ طَرِيقًا فِي البحر يَبَسًا} أي اجعل لهم طريقًا، ومعنى {يبسًا}: يابسًا، وصف به الفاعل مبالغة، وذلك أن الله تعالى أيبس لهم تلك الطريق حتى لم يكن فيها ماء ولا طين.
وقرىء: {يبسا} بسكون الباء.
على أنه مخفف من يبسا المحرك، أو جمع يابس كصحب في صاحب.
وجملة {لاَّ تَخَافُ دَرَكًا} في محل نصب على الحال، أي آمنا من أن يدرككم العدوّ، أو صفة أخرى لطريق، والدرك اللحاق بهم من فرعون وجنوده.
وقرأ حمزة: {لا تخف} على أنه جواب الأمر، والتقدير: إن تضرب لا تخف، و{لا تخشى} على هذه القراءة مستأنف، أي ولا أنت تخشى من فرعون أو من البحر.
وقرأ الجمهور: {لا تخاف} وهي أرجح لعدم الجزم في: {تخشى} ويجوز أن تكون هذه الجملة على قراءة الجمهور صفة أخرى لطريق، أي لا تخاف منه ولا تخشى منه.
{فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} أتبع هنا مطاوع تبع، يقال: أتبعتهم: إذا تبعتهم، وذلك إذا سبقوك فلحقتهم، فالمعنى: تبعهم فرعون ومعه جنوده.
وقيل: الباء زائدة والأصل أتبعهم جنوده، أي أمرهم أن يتبعوا موسى وقومه، وقرئ {فاتبعهم} بالتشديد أي لحقهم بجنوده وهو معهم كما يقال: ركب الأمير بسيفه، أي معه سيفه، ومحل بجنوده النصب على الحال، أي: سائقًا جنوده معه {فَغَشِيَهُمْ مّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ} أي علاهم وأصابهم ما علاهم وأصابهم، والتكرير للتعظيم والتهويل كما في قوله: {الحاقة مَا الحاقة} [الحاقة: 1 2].
وقيل: غشيهم ما سمعت قصته.
وقال ابن الأنباري: غشيهم البعض الذي غشيهم؛ لأنه لم يغشهم كل ماء البحر، بل الذي غشيهم بعضه.
فهذه العبارة للدلالة على أن الذي غرقهم بعض الماء، والأوّل أولى لما يدل عليه من التهويل والتعظيم.
وقرىء: {فغشاهم من اليمّ ما غشاهم} أي: غطاهم ما غطاهم.
{وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هدى} أي أضلهم عن الرشد، وما هداهم إلى طريق النجاة، لأنه قدّر أن موسى ومن معه لا يفوتونه لكونهم بين يديه يمشون في طريق يابسة، وبين أيديهم البحر، وفي قوله: {وَمَا هدى} تأكيد لإضلاله؛ لأن المضل قد يرشد من يضله في بعض الأمور.
{هدى يابنى إسراءيل قَدْ أنجيناكم مّنْ عَدُوّكُمْ} ذكر سبحانه ما أنعم به على بني إسرائيل بعد إنجائهم، والتقدير قلنا لهم بعد إنجائهم: {يا بني إسرائيل} ويجوز أن يكون خطابًا لليهود المعاصرين لنبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأن النعمة على الآباء معدودة من النعم على الأبناء.
والمراد بعدوّهم هنا: فرعون وجنوده، وذلك بإغراقه وإغراق قومه في البحر بمرأى من بني إسرائيل.
{وواعدناكم جَانِبَ الطور الأيمن} انتصاب {جانب} على أنه مفعول به، لا على الظرفية؛ لأنه مكان معين غير مبهم، وإنما تنتصب الأمكنة على الظرفية إذا كانت مبهمة.
قال مكي: وهذا أصل لا خلاف فيه.
قال النحاس: والمعنى أمرنا موسى أن يأمركم بالخروج معه لنكلمه بحضرتكم فتسمعوا الكلام.
وقيل: وعد موسى بعد إغراق فرعون أن يأتي جانب الطور، فالوعد كان لموسى، وإنما خوطبوا به؛ لأن الوعد كان لأجلهم.
وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب: {ووعدناكم} بغير ألف، واختاره أبو عبيدة؛ لأن الوعد إنما هو من الله لموسى خاصة والمواعدة لا تكون إلا من اثنين، وقد قدّمنا في البقرة هذا المعنى.
و{الأيمن} منصوب على أنه صفة للجانب، والمراد: يمين الشخص؛ لأن الجبل ليس له يمين ولا شمال، فإذا قيل: خذ عن يمين الجبل فمعناه: عن يمينك من الجبل.
وقرئ بجرّ الأيمن على أنه صفة للمضاف إليه {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى} قد تقدّم تفسير المنّ بالترنجبين والسلوى بالسماني وأوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه، وإنزال ذلك عليهم كان في التيه.
{كُلُواْ مِن طيبات مَا رزقناكم} أي وقلنا لهم: كلوا والمراد بالطيبات: المستلذات.
وقيل: الحلال، على الخلاف المشهور في ذلك.
وقرأ حمزة والكسائي والأعمش: {قد أنجيتكم من عدوّكم ووعدتكم جانب الطور كلوا من طيبات ما رزقتكم} بتاء المتكلم في الثلاثة.
وقرأ الباقون بنون العظمة فيها.
{وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ} الطغيان: التجاوز، أي لا تتجاوزوا ما هو جائز إلى ما لا يجوز.
وقيل: المعنى: لا تجحدوا نعمة الله فتكونوا طاغين.
وقيل: لا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكرها، وقيل: لا تعصوا المنعم، أي لا تحملنكم السعة والعافية على المعصية، ولا مانع من حمل الطغيان على جميع هذه المعاني، فإن كل واحد منها يصدق عليه أنه طغيان {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} هذا جواب النهي، أي يلزمكم غضبي وينزل بكم، وهو مأخوذ من حلول الدّين، أي حضور وقت أدائه {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هوى} قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي: {فيحل} بضم الحاء، وكذلك قرؤوا {يحلل} بضم اللام الأولى، وقرأ الباقون بالكسر فيهما وهما لغتان.
قال الفراء: والكسر أحبّ إليّ من الضم؛ لأن الضم من الحلول بمعنى الوقوع.
ويحل بالكسر: يجب، وجاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع، وذكر نحو هذا أبو عبيدة وغيره.
ومعنى {فَقَدْ هوى}: فقد هلك.
قال الزجاج: {فَقَدْ هوى} أي صار إلى الهاوية، وهي قعر النار من هوى يهوي هويًا، أي سقط من علو إلى سفل، وهوى فلان، أي مات.
{وَإِنّي لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالحا} أي لمن تاب من الذنوب التي أعظمها الشرك بالله، وآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وعمل عملًا صالحًا مما ندب إليه الشرع وحسنه {ثُمَّ اهتدى} أي استقام على ذلك حتى يموت كذا قال الزجاج وغيره.
وقيل: لم يشكّ في إيمانه.
وقيل: أقام على السنّة والجماعة، وقيل: تعلم العلم ليهتدي به.
وقيل: علم أن لذلك ثوابًا وعلى تركه عقابًا، والأوّل أرجح مما بعده.
{وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ ياموسى} هذا حكاية لما جرى بين الله سبحانه وبين موسى عند موافاته الميقات.
قال المفسرون: وكانت المواعدة أن يوافي موسى وجماعة من وجوه قومه.
فسار موسى بهم، ثم عجل من بينهم شوقًا إلى ربه، فقال الله له: ما أعجلك؟ أي ما الذي حملك على العجلة، حتى تركت قومك وخرجت من بينهم، فأجاب موسى عن ذلك: {قَالَ هُمْ أُوْلاء على أَثَرِي} أي هم بالقرب مني، تابعون لأثرى واصلون بعدي.
وقيل: لم يرد أنهم يسيرون خلفه، بل أراد أنهم بالقرب منه ينتظرون عوده إليهم.
ثم قال مصرحًا بسبب ما سأله الله عنه فقال: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لترضى} أي لترضى عني بمسارعتي إلى امتثال أمرك أو لتزداد رضا عني بذلك.
قال أبو حاتم: قال عيسى بن عمر: بنو تميم يقولون: {أولى} مقصورة، وأهل الحجاز يقولون: {أولاء} ممدودة.
وقرأ ابن أبي إسحاق ونصر، ورويس عن يعقوب: {على إثري} بكسر الهمزة وإسكان الثاء، وقرأ الباقون بفتحها وهما لغتان.
ومعنى {عجلت إليك}: عجلت إلى الموضع الذي أمرتني بالمصير إليه لترضى عني.
يقال: رجل عجل وعجول وعجلان: بين العجلة.
والعجلة خلاف البطء.
وجملة: {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل فماذا قال الله له؟ فقيل: قال: إنا قد فتنا قومك من بعدك، أي ابتليناهم واختبرناهم وألقيناهم في فتنة ومحنة.
قال ابن الأنباري: صيرناهم مفتونين أشقياء بعبادة العجل من بعد انطلاقك من بينهم، وهم الذين خلفهم مع هارون {وَأَضَلَّهُمُ السامري} أي دعاهم إلى الضلالة، وكان من قوم يعبدون البقر، فدخل في دين بني إسرائيل في الظاهر وفي قلبه ما فيه من عبادة البقر، وكان من قبيلة تعرف بالسامرة، وقال لمن معه من بني إسرائيل: إنما تخلف موسى عن الميعاد الذي بينكم وبينه لما صار معكم من الحليّ، وهي حرام عليكم وأمرهم بإلقائها في النار، فكان من أمر العجل ما كان.