فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{يَوْمَ يُنفَخُ في الصور}.
بدلٌ من يوم القيامة أو منصوبٌ بإضمار اذكُر أو ظرفٌ لمضمر قد حُذف للإيذان بضيق العبارةِ عن حصره وبيانِه حسبما مر في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل} وقوله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْدًا} وقرئ ننفخ بالنون على إسناد النفخِ إلى الآمرِ به تعظيمًا له، وبالياء المفتوحة على أن ضميره لله عز وجل أو لإسرافيلَ عليه السلام وإن لم يجْرِ ذكرُه لشهرته {وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ} أي يوم إذ يُنفخ في الصور، وذكرُه صريحًا مع تعيّن أن الحشرَ لا يكون إلا يومئذ للتهويل، وقرئ ويُحشَر المجرمون {زُرْقًا} أي حالَ كونهم زُرْقَ العيون وإنما جعلوا كذلك لأن الزُّرقةَ أسوأُ ألوانِ العين وأبغضُها إلى العرب فإن الرومَ الذين كانوا أعدى عدوِّهم زُرقٌ، ولذلك قالوا في صفة العدو: أسودُ الكِبد وأصهبُ السِّبال وأزرقُ العين، أو عُميًا لأن حدَقةَ الأعمى تزرقّ.
وقوله تعالى: {يتخافتون بَيْنَهُمْ} أي يخفِضون أصواتَهم ويُخفونها لما يملأ صدورَهم من الرعب والهول، استئنافٌ ببيان ما يأتون وما يذرون حينئذ، أو حالٌ أخرى من المجرمين أي يقول بعضُهم لبعض بطريق المخافتة: {إِن لَّبِثْتُمْ} أي ما لبثتم في الدنيا {إِلاَّ عَشْرًا} أي عشرَ ليالٍ استقصارًا لمدة لبثهم فيها لزوالها أو لاستطالتهم مدةَ الآخرة لتأسفهم عليها لمّا عاينوا الشدائدَ وأيقنوا أنهم استحقوها على إضاعتها في قضاء الأوطارِ واتّباعِ الشهوات، أو في القبر وهو الأنسبُ بحالهم فإنهم حين يشاهدون البعثَ الذي كانوا يُنكِرونه في الدنيا ويعُدّونه من قبيل المُحالات لا يتمالكون من أن يقولوا ذلك اعترافًا به وتحقيقًا لسرعة وقوعِه، كأنهم قالوا: قد بُعثتم وما لبثتم في القبر إلا مدةً يسيرة، وإلا فحالُهم أفظعُ من أن تمكّنهم من الاشتغال بتذكر أيامِ النعمة والسرورِ واستقصارِها والتأسف عليها.
{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} وهو مدةُ لبثهم {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} أي أعدلُهم رأيًا أو عملًا {إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْمًا} ونسبةُ هذا القولِ إلى أمثلهم استرجاحٌ منه تعالى له لكن لا لكونه أقربَ إلى الصدق بل لكونه أدلَّ على شدة الهول. اهـ.

.قال الألوسي:

{يَوْمَ يُنفَخُ في الصور}.
منصوب بإضمار اذكر، وجوز أن يكون ظرف المضمر حذف للإيذان بضيق العبارة عن حصره وبيانه أو بدلًا من {يَوْمُ القيامة} [طه: 101] أو بيانًا له أو ظرفًا لِ {يتخافتون} [طه: 103]، وقرأ أبو عمرو، وابن محيصن، وحميد {ننفخ} بنون العظمة على إسناد الفعل إلى الآمر به وهو الله سبحانه تعظيمًا للنفخ لأن ما يصدر من العظم عظيم أو للنافخ يجعل فعله بمنزلة فعله تعالى وهو إنما يقال لمن له مزيد اختصاص وقرب مرتبة، وقيل: إنه يجوز أن يكون لليوم الواقع هو فيه.
وقرئ {يَوْمَ يُنفَخُ} بالياء المفتوحة على أن ضميره لله عز وجل أو لإسرافيل عليه السلام وإن لم يجر ذكره لشهرته؛ وقرأ الحسن وابن عياض في جماعة {فِى الصور} بضم الصاد وفتح الواو جمع صورة كغرفة وغرف، والمراد به الجسم المصور.
وأورد أن النفخ يتكرر لقوله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى} [الزمر: 68] والنفخ في الصورة إحياء والإحياء غي متكرر بعد الموت وما في القبر ليس بمراد من النفخة الأولى بالاتفاق.
وأجيب بأنه لا نسلم أن كل نفخ إحياء، وبعضهم فسر الصور على القراءة المشهورة بذلك أيضًا، والحق تفسيره بالقرن الذي ينفخ فيه {وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ} أي يوم إذ ينفخ في الصور، وذكر ذلك صريحًا مع تعين أن الحشر لا يكون إلا يومئذ للتهويل، وقرأ الحسن {يُحْشَرُ} بالياء والبناء للمفعول و{المجرمون} بالرفع على النيابة عن الفاعل، وقرئ أيضًا {يُحْشَرُ} بالياء والبناء للفاعل وهو ضميره عز وجل أي ويحشر الله تعالى المجرمين {زُرْقًا} حال كونهم زرق الأبدان وذلك غاية في التشويه ولا تزرق الأبدان إلا من مكابدة الشدائد وجفوف رطوبتها، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما زرق العيون فهو وصف للشيء بصفة جزئه كما يقال غلام أكحل وأحول والكحل والحول من صفات العين، ولعله مجاز مشهور، وجوز أن يكون حقيقة كرجل أعمى وإنما جعلوا كذلك لأن الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب فإن الروم الذين كانوا أشد أعدائهم عداوة زرق، ولذلك قالوا في وصف العدو أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين، وقال الشاعر:
وما كنت أخشى أن تكون وفاته ** بكفي سبنتي أزرق العين مطرق

وكانوا يهجون بالزرقة كما في قوله:
لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر ** الأكل ضبي من اللؤم أزرق

وسئل ابن عباس عن الجمع بين {زُرْقًا} على ما روى عنه و{عميا} [الإسراء: 97] في آية أخرى فقال: ليوم القيامة حالات فحالة يكونون فيها عميًا وحالة يكونون فيها زرقًا.
وعن افراء المراد من {زُرْقًا} عميًا لأن العين إذا ذهب نورها أزرق ناظرها، ووجه الجمع عليه ظاهر، وعن الإهري المراد عطاشًا لأن العطش الشديد يغير سواد العين فيجعله كالأزرق، وقيل: يجعله أبيض، وجاء الأزرق بمعنى الأبيض ومنه سنان أزرق، وقوله:
فلما وردنا الماء زرقًا جمامه

ويلائم تفسيره بعطاشا قوله تعالى على ما سمعت {نَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مريم: 86].
{يتخافتون بَيْنَهُمْ} أي يخفضون أصواتهم ويخفونها لشدة هول المطلع، والجملة استئناف لبيان ما يأتون وما يذرون حينئذ أو حال أخرى من {المجرمين} [طه: 102]، وقوله تعالى: {إِن لَّبِثْتُمْ} بتقدير قول وقع حالًا من ضمير {يتخافتون} أي قائلين ما لبثتم في القبور {إِلاَّ عَشْرًا} أي عشر ليال أو عشرة أيام، ولعله أوفق بقول الأمثل.
والمذكر إذا حذف وأبقى عدده قد لا يؤتى بالتاء حكى الكسائي صمنًا من الشهر خمسًا، ومنه ما جاء في الحديث {ثُمَّ أَتَّبِعْهُ} فإن المراد ستة أيام، وحسن الحذف هنا كون ذلك فاصلة، ومرادهم من هذا القول استقصار المدة وسرعة انقضائها والتنديم على ما كانوا يزعمون حيث تبين الأمر على خلاف ما كانوا عليه من إنكار البعث وعده من قبيل المحالات كأنهم قالوا: قد بعثتم وما لبثتم في القبر إلا مدة يسيرة وقد كنتم تزعمون أنكم لن تقوموا منه أبدًا، وعن قتادة أنهم عنوا لبثهم في الدنيا وقالوا ذلك استقصارًا لمدة لبثهم فيها لزوالها ولاستطالتهم مدة الآخرة أو لتأسفهم عليها لما عاينوا الشدائد وأيقنوا أنهم استحقوها على إضاعة الأيام في قضاء الأوطار واتباع الشهوات، وتعقب بأنهم في شغل شاغل عن تذكر ذلك فالأوفق بحالهم ما تقدم، وبأن قوله تعالى: {لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كتاب الله إلى يَوْمِ البعث} [الروم: 56] صريح في أنه اللبث في القبور وفيه بحث.
وفي مجمع البيان عن ابن عباس وقتادة أنهم عنوا لبثهم بين النفختين يلبثون أربعين سنة مرفوعًا عنهم العذاب {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} أي بالذي يقولونه وهو مدة لبثهم.
{إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} أي أعدلهم رأيًا وأرجحهم عقلًا و{إِذْ} ظرف يقولون {إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْمًا} واحدًا وإليه ينتهي العدد في القلة.
وقيل: المراد باليوم مطلق الوقت وتنكيره للتقليل والتحقير فالمراد إلا زمنًا قليلًا، وظاهر المقابلة بالعشر يبعهد، ونسبة هذا القول إلى {أمثالهم} استرجاح منه تعالى له لكن لا لكونه أقرب إلى الصدق بل لكونه أعظم في التنديم أو لكونه أدل على شدة الهول وهذا يدل على كون قائله أعلم بفظاعة الأمر وشدة العذاب. اهـ.

.قال القاسمي:

{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ}.
بدل من يوم القيامة أو منصوب بمحذوف. والنفخ في الصور تمثيل لبعث الله للناس يوم القيامة بسرعة لا يمثلها إلا نفخة في بوق: {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68]، وعلينا أن يؤمن بما ورد من النفخ في الصور. وليس علينا أن نعلم ما هي حقيقة ذلك الصور. والبحث وراء هذا، عبث لا يسوغ للمسلم. أفاده بعض المحققين.
{وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ} أي: نسوقهم إلى جهنم: {يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} أي: زرق الوجوه. الزرقة تقرب من السواد. فهو بمعنى آية: {وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عِمْرَان: 106].
وقال أبو مسلم: المراد بهذه الزرقة شخوص أبصارهم. والأزرق شاخص، لأنه لضعف بصره، يكون محدقًا نحو الشيء يريد أن يتبينه. وهذه حال الخائف المتوقع لما يكره. وهو كقوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42]، نقله الرازي. والأول أظهر {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ} أي: يتسارّون من الرعب والهول، أو من الضعف، قائلين: {إِنْ لَبِثْتُمْ} أي: في الدنيا: {إِلَّا عَشْرًا} أي: عشر ليال.
قال الزمخشري: يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا، إما لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم أيام النعمة والسرور، فيتأسّفون عليها ويصفونها بالقصر. لأن أيام السرور قصار. وإما لأنها ذهبت عنهم وتَقَضَّتْ. والذاهب، وإن طالت مدته، قصير بالانتهاء. ومنه توقيع عبد الله بن المعتز تحت: أطال الله بقاءك كفى بالانتهاء قصرًا. وإما لاستطالتهم الآخرة، وأنها أبد سرمد، يستقصر إليها عمر الدنيا، ويتقالّ لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة. وقد استرجح الله قول من يكون أشد تقالًا منهم، في قوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} أي: أعدلهم رأيًا: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} ونحوه قوله تعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون: 112- 113]، انتهى.
قال أبو السعود: ونسبة هذا القول إلى أمثلهم، استرجاع منه تعالى له، لكن لا لكونه أقرب إلى الصدق، بل لكونه أدلّ على شدة الهول. أي: ولكونه منتهى الأعداد القليلة. وكذلك لبثهم بالنسبة إلى الخلود السرمديّ، وإلى تقضي الغائب الذي كأن لم يكن. ولا ينافي هذا ما جاء في آية: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55]، لأن المراد بالساعة الحصة من الزمان القليل، فتصدق باليوم. كما أن المراد باليوم مطلق الوقت. ولذلك نكر، تقليلًا له وتحقيرًا.
قال الشهاب: ليس المراد بحكاية قول من قال عَشْرًا أو يَوْمًَا أو سَاعَةً حقيقة اختلافهم في مدة اللبث، ولا الشك في تعيينه. بل المراد أنه لسرعة زواله، عبّر عن قلّته بما ذكر. فتفنن في الحكاية، وأتى في كل مقام بما يليق به. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَوْمَ يُنفَخُ في الصُّورِ}.
بدل من {يومَ القيامة} [طه: 101] في قوله: {وسَاءَ لهم يوم القيامة حملًا} [طه: 101]، وهو اعتراض بين جملة {وقد ءَاتيناك من لدُنَّا ذِكرًا} [طه: 99] وما تبعها وبين جملة {وكذلك أنزلناه قرآنًا عربيًا} [طه: 113]، تخلّص لذكر البعث والتذكير به والنذارةِ بما يحصل للمجرمين يومئذ.
والصُور: قَرن عظيم يُجعل في داخله سِداد لبعض فضائه فإذا نفخ فيه النافخ بقوة خرج منه صوت قوي، وقد اتخذ للإعلام بالاجتماع للحرب.
وتقدم عند قوله تعالى: {قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور} في سورة الأنعام (73).
وقرأ الجمهور يُنفخ بياء الغيبة مبنيًا للمجهول، أي ينفخ نافخ، وهو الملك الموكل بذلك.
وقرأه أبو عمرو وحده ننفخ بنون العظمة وضم الفاء وإسناد النفخ إلى الله مجاز عقلي باعتبار أنّه الآمر به، مثل: بنى الأمير القلعة.
والمجرمون: المشركون والكفرة.
والزرق: جمع أزرق، وهو الذي لونه الزُّرقة.
والزرقة: لون كلون السماء إثر الغروب، وهو في جلد الإنسان قبيح المنظر لأنه يشبه لون ما أصابه حرقُ نارٍ.
وظاهر الكلام أن الزرقة لون أجسادهم فيكون بمنزلة قوله يوم {تبيض وجود وتسود وجوه} [آل عمران: 106]، وقيل: المراد لون عيونهم، فقيل: لأنّ زرقة العين مكروهة عند العرب.
والأظهر على هذا المعنى أن يراد شدّة زرقة العين لأنّه لون غير معتاد، فيكون كقول بشّار:
وللبخيل على أمواله عِلل ** زُرْق العُيون عليها أوْجه سُودُ

وقيل: المراد بالزُّرق العُمْي، لأن العمى يلوّن العين بزرقة.
وهو محتمل في بيت بشّار أيضًا.
والتخافت: الكلام الخفي من خوف ونحوه.
وتخافتهم لأجل ما يملأ صدورهم من هول ذلك اليوم كقوله تعالى: {وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسًا} [طه: 108].
وجملة {إن لَّبِثْتُم إلاَّ عَشْرًا} مبيّنة لجملة {يتخافتون}، وهم قد علموا أنهم كانوا أمواتًا ورفاتًا فأحياهم الله فاستيقنوا ضلالهم إذ كانوا ينكرون الحشر.
ولعلهم أرادوا الاعتذار لخطئهم في إنكار الإحياء بعد انقراض أجزاء البدن مبالغة في المكابرة، فزعموا أنهم ما لبثوا في القبور إلاّ عشرَ ليال فلم يصيروا رفاتًا، وذلك لما بقي في نفوسهم من استحالة الإحياء بعد تفرق الأوصال، فزعموا أن إحياءهم ما كان إلا بردّ الأرواح إلى الأجساد.
فالمراد باللبث: المكث في القبور، كقوله تعالى: {قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم} في سورة المؤمنين (112، 113)، وقوله: {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون} في سورة الروم (55).
و{إذ} ظرف، أي يتخافتون في وقت يقول فيه أمثلهم طريقةً.
والأمثل: الأرجح الأفضل.
والمَثالة: الفضل، أي صاحب الطريقة المثلى لأن النسبة في الحقيقة للتمييز.
والطريقة: الحالة والسنّة والرأي، والمراد هنا الرأي، وتقدم في قوله: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} [طه: 63] في هذه السورة، ولم يأت المفسرون في معنى وصف القائل {إن لبثتم إلا يومًا} بأنه أمثل طريقة بوجه تطمئن له النفس.
والذي أراه: أنه يحتمل الحقيقة والمجاز؛ فإن سلكنا به مسلك الحمل على الحقيقة كان المعنى أنه أقربهم إلى اختلاق الاعتذار عن خطئهم في إنكارهم البعث بأنهم ظنوا البعث واقعًا بعد طول المكث في الأرض طولًا تتلاشى فيه أجزاء الأجسام، فلما وجدوا أجسادهم كاملة مثل ما كانوا في الدنيا قال بعضهم {إن لبثتم إلا عشرًا}، فكان ذلك القول عذرًا لأن عشر الليالي تتغيّر في مثلها الأجسام.
فكان الذي قال: {إن لبثتم إلا يومًا} أقرب إلى رواج الاعتذار.
فالمراد: أنه الأمثل من بينهم في المعاذير، وليس المراد أنه مصيب.
وإن سلكنا به مسلك المجاز فهو تهكم بالقائل في سوء تقديره من لبثهم في القبور، فلما كان كلا التقديرين متوغّلًا في الغلظ مؤذنًا بجهل المقدّرين واستِبهام الأمر عليهم دالًا على الجهل بعظيم قدرة الله تعالى الذي قَضّى الأزمانَ الطويلة والأممَ العظيمة وأعادهم بعد القرون الغابرة، فكان الذي قدر زمن المكث في القبور بأقلِّ قَدْر أوغل في الغلط فعُبر عنه ب {أمْثَلُهُم طَرِيقَةً} تهكمًا به وبهم معًا إذ استوى الجميع في الخطأ.
وجملة {نحنُ أعلَمُ بما يَقُولُونَ} معترضة بين فعل {يتخافتون وظرفِية إذْ يَقُولُ أمْثَلُهُم}، أي إنهم يقولون ذلك سرًا ونحن أعلم به وإننا نخبر عن قولهم يومئذ خبر العليم الصادق. اهـ.