فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{من أعرض عنه} فلم يؤمن به {فإنه يحمل يوم القيامة وزرًا} أي: حملًا ثقيلًا من الإثم.
{خالدين فيه} أي: في عذاب الوزر {وساء} أي: وبئس {لهم} أي: ذلك الحمل {يوم القيامة} وقوله: {حملًا} تمييز مفسر للضمير في ساء، والمخصوص بالذم محذوف تقديره وزرهم، واللام للبيان، ومن أقبل عليه كان مذكرًا له بكل ما يريد من العلوم النافعة ويبدل من يوم القيامة.
{يوم ينفخ في الصور} أي: القرن النفخة الثانية، وقرأ أبو عمرو بنونين الأولى مفتوحة، وضم الفاء على إسناد الفعل إلى الآمر به تعظيمًا له، أو إلى النافخ، والباقون بياء مضمومة، وفتح الفاء {ونحشر المجرمين} أي: الكافرين {يومئذٍ زرقًا} أي: عيونهم مع سواد وجوههم؛ لأن زرقة العيون أبغض شيء من ألوان العيون إلى العرب؛ لأن الروم أعداؤهم، وهم زرق العيون، ولذلك قالوا في صفة العدو: أسود الكبد، أصهب السبال، أزرق العين، وقيل: المراد العمى؛ لأن حدقة من يذهب نور بصره تزرق، وقيل: عطاشًا حال كونهم {يتخافتون} أي: يخفضون أصواتهم {بينهم} لما يملأ صدورهم من الرعب والهول، والخفت خفض الصوت وإخفاؤه {إن} أي: يقول بعضهم لبعض ما {لبثتم} أي: مكثتم {إلا عشرًا} أي: من الليالي بأيامها في الدنيا، وقيل: في القبور وقيل: بين النفختين، وهو مقدار أربعين سنة؛ قالوا: ذلك إما استقصارًا لمدة الراحة في جنب ما بدا لهم من المخاوف؛ لأن أيام السرور قصار، وإما لأنها ذهبت عنهم، وانقضت، والذاهب وإن طالت مدته قصيرة بالانتهاء، ومنه توقيع عبد الله بن المعتز أطال الله تعالى بقاءك كفى بالانتهاء قصرًا، وإما لاستطالتهم الآخرة، فإنه يستقصر إليها عمر الدنيا، ويتقال لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة كما قال تعالى: {كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم فاسأل العادين} [المؤمنين: 113]، وإما غلطًا ودهشة قال الله تعالى: {نحن أعلم} أي: من كل أحد {بما يقولون} في ذلك اليوم أي: ليس كما قالوا: {إذ يقول أمثلهم} أي: أعدلهم {طريقة} أي: رأيًا أو عملًا في الدنيا فيما يحسبون {أن} أي: ما {لبثتم إلا يومًا} أي: مبدأ الآحاد لا مبدأ العقود كما قال تعالى في آية أخرى: {يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون} الروم، فلا يزالون في إفك وصرف عن الحق في الدارين؛ لأن الإنسان يموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه، ولما وصف سبحانه وتعالى أمر يوم القيامة حكى سؤال من لا يؤمن بالحشر فقال تعالى: {ويسئلونك} يا أشرف الخلق {عن الجبال} كيف تكون يوم القيامة؟ قال الضحاك: نزلت في مشركي مكة قالوا: يا محمد كيف تكون الجبال يوم القيامة، وكان سؤالهم على سبيل الاستهزاء، ولما كان مقصودهم من هذا السؤال الطعن في الحشر والنشر، فلا جرم أمره الله تعالى بالجواب مقرونًا بحرف التعقيب بقوله: {فقل} لهم {ينسفها ربي نسفًا}؛ لأن تأخير البيان في هذه المسألة الأصولية غير جائز، وأما المسائل الفروعية فجائز فلذلك ذكر هناك في نحو قوله تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون قل العفو} البقرة، وقوله تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} البقرة. بغير حرف التعقيب والنسف التذرية، وقيل: القلع الذي يقلعها من أصلها ويجعلها هباءً منثورًا؛ قال الخليل: ينسفها يذهبها ويطيرها، وفي ضمير {فيذرها} قولان أحدهما: أنه ضمير الأرض أضمرت للدلالة عليها كقوله تعالى: {ما ترك على ظهرها من دابة} فاطر، والثاني: ضمير الجبال، وذلك على حذف مضاف أي: فيذر مراكزها ومقارها، ويذر يجوز أن يكون بمعنى يخليها، فيكون {قاعًا} حالًا وأن يكون بمعنى يترك التصييريه، فيتعدى لاثنين فقاعًا ثانيهما، والقاع هو المكان المستوي، وقيل: الأرض التي لا بناء فيها، ولا نبات، وفي قوله تعالى: {صفصفًا} قولان أحدهما: الأرض الملساء، والثاني: المستوية، والقاع والصفصف قريبان من الترادف، وجمع القاع أقوع وأقواع وقيعان {لا ترى فيها} أي: الأرض أو مواضع الجبال {عوجًا} أي: انخفاضًا {ولا أمتًا} أي: ارتفاعًا بوجه من الوجوه، وعبر هنا في العوج بالكسر، وهو للمعاني، ولم يعبر بالفتح الذي توصف به الأعيان، فإن الأرض أو مواضع الجبال أعيان لا معان نفيًا للاعوجاج على أبلغ وجه بمعنى أنك لو جمعت أهل الخبرة بتسوية الأرض لاتفقوا على الحكم باستوائها، ثم لو جمعت أهل الهندسة فحكموا بمقاييسهم العلمية فيها لحكموا بمثل ذلك.
{يومئذٍ} أي: يوم إذ نسفت الجبال {يتبعون} أي: الناس بعد القيام من القبور بغاية جهدهم {الداعي} أي: إلى المحشر، وهو إسرافيل يضع الصور على فيه ويقف على صخرة بيت المقدس ويقول: أيتها العظام البالية، والجلود الممزقة واللحوم المتفرقة هلموا إلى عرض الرحمن {لا عوج له} أي: الداعي في شيء من قصدهم إليه؛ لأنه ليس في الأرض ما يحوجهم إلى التعويج، ولا يمنع الصوت من النفوذ على السواء، وقيل: لا عوج لدعائه، وهو من المقلوب، أي: لا عوج له عن دعاء الداعي لا يزيغون عنه يمينًا ولا شمالًا، ولا يقدرون عليه، بل يتبعونه سراعًا {وخشعت الأصوات} أي: سكنت وذلت وتطامنت لخشوع أهلها {للرحمن} الذي عمت نعمه، فيرجى كرمه، وتخشى نقمه {فلا} أي: فتسبب عن خشوعها أنك لا {تسمع إلا همسًا} أخفى ما يكون من الأصوات، وقيل: أخفى شيء من أصوات الأقدام في نقلها إلى المحشر كصوت أخفاف الإبل في مشيها.
{يومئذٍ} أي: إذا كان ما تقدم {لا تنفع الشفاعة} أحدًا {إلا من أذن له الرحمن} أن يشفع له {ورضي له قولًا} ولو الإيمان المجرد قال ابن عباس: يعني قال: لا إله إلا الله، فهذا يدل على أنه لا يشفع لغير المؤمن، ولما نفى أن تنفع شفاعة بغير إذنه علل ذلك كما سلف في آية الكرسي بقوله: {يعلم ما بين أيديهم} أي: الخلائق من أمور الآخرة {وما خلفهم} من أمور الدنيا، وقيل: ما بين أيديهم ما قدموا وما خلفهم ما خلفوا من الأعمال {ولا يحيطون به علمًا} أي: لا يحيط علمهم بمعلوماته، وقيل: الضمير إلى ما أي: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، وهم لا يعلمونه، وقيل: راجع إلى الله تعالى أي: ولا يحيطون بالله علمًا. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وسع كل شيء علمًا} يقول: ملأ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي زيد في قوله: {وقد آتيناك من لدنا ذكرًا} قال: القرآن.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {يحمل يوم القيامة وزرًا} قال: إثمًا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وساء لهم يوم القيامة حملًا} يقول: بئس ما حملوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وساء لهم يوم القيامة حملًا} قال: ليس هي، وسألهم موصولة ينبغي أن يقطع، فإنك إن وصلت لم تفهم وليس بها خفاء، ساءلهم حملًا {خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملًا} قال: حمل السوء وبوئ صاحبه النار. قال: وإنما هي {وساء لهم} مقطوعة وساء بعدها لهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، أن رجلًا أتاه فقال: أرأيت قوله: {ونحشر المجرمين يومئذ زرقًا} وأخرى عميًا. قال: إن يوم القيامة فيه حالات: يكونون في حال زرقًا وفي حال عميًا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يتخافتون بينهم} قال: يتسارّون.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في قوله: {إذ يقول أمثلهم طريقة} قال: أعلمهم في نفسه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {إذ يقول أمثلهم طريقة} قال: أعدلهم من الكفار {إن لبثتم} أي في الدنيا {إلا يومًا} لما تقاصرت في أنفسهم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: قالت قريش: يا محمد، كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة؟ فنزلت {ويسألونك عن الجبال} الآية.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فيذرها قاعًا} قال: مستويًا {صفصفًا} قال: لا نبات فيه {لا ترى فيها عوجًا} قال: واديًا {ولا أمتًا} قال: رابية.
وأخرج الطستي عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {فيذرها قاعًا صفصفًا} قال: القاع، الأملس. والصفصف، المستوي، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
ملمومة شهباء لو قذفوا بها ** شماريخ من رضوى إذا عاد صفصفا

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة، أنه سئل عن قوله: {قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا} قال: كان ابن عباس يقول: هي الأرض الملساء التي ليس فيها رابية مرتفعة ولا انخفاض.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {قاعًا صفصفًا} قال: مستويًا {لا ترى فيها عوجًا} قال: خفضًا {ولا أمتًا} قال: إرتفاعًا.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: {صفصفًا} قال: القاع: الأرض، والصفصف: المستوية {لا ترى فيها عوجًا} قال: صدعًا. {ولا أمتًا} قال: أكمة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لا ترى فيها عوجًا} قال: ميلًا {ولا أمتًا} قال: الأمت، الأثر مثل الشراك.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: العوج، الإرتفاع، والأمت، المبسوط.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في الآية قال: يعني بالأمت، حفرًا.
وأخرج ابن الأنباري في الوقف عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى: {لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا} ما الأمت؟ قال: الشي الشاخص من الأرض، قال فيه كعب بن زهير:
فأبصرت لمحة من رأس عكرشة ** في كافر ما به أمت ولا شرف

وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: يحشر الله الناس يوم القيامة في ظلمة تطوى السماء وتتناثر النجوم وتذهب الشمس والقمر، وينادي مناد فيسمع الناس الصوت يأتونه. فذلك قول الله: {يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله: {يتبعون الداعي لا عوج له} قال: لا عوج عنه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {لا عوج له} لا يميلون عنه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لا تسمع إلا همسًا} قال: الصوت الخفي.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فلا تسمع إلا همسًا} قال: صوت وطء الأقدام.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله: {فلا تسمع إلا همسًا} قال: أصوات أقدامهم.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وسعيد في قوله: {فلا تسمع إلا همسًا} قال: وطء الأقدام.
وأخرج عبد بن حميد عن حصين بن عبد الرحمن قال: كنت قاعدًا عند الشعبي فمرت علينا إبل قد كان عليها جص فطرحته، فسمعت صوت أخفافها فقال: هذا الهمس.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فلا تسمع إلا همسًا} قال: هو خفض الصوت بالكلام، يحرك لسانه وشفتيه ولا يسمع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {إلا همسًا} قال: سر الحديث وصوت الأقدام. والله أعلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {فَيَذَرُهَا}:
في هذا الضميرِ قولان: أحدهما: أنه ضميرُ الأرضَ أُضْمِرَتْ للدلالةِ عليها؟ والثاني: ضمير الجبال، وذلك على حَذْفِ مضاف أي: فَيَذَرُ مراكزَها ومَقارَّها. ونَذَرُ يجوز أن يكونَ بمعنى يُخَلِّيها، فيكونَ {قاعًا} حالًا، وأن يكونَ بمعنى يترك التصييريةِ فيتعدَّى لاثنين ف {قاعًا} ثانيهما.
وفي القاع أقوالٌ فقيل: هو مستنقعُ الماء ولا يليقُ معناه هنا. والثاني: أنه المنكشِفُ من الأرض. قاله مكي. الثالث: أنَّه المكانُ المستوي ومنه قول ضرار بن الخطاب:
لَتَكُوْنَنَّ بالبطاحِ قُرَيْشٌ ** فَقْعَةَ القاع في أَكُفِّ الإِماءِ

الرابع: أنه الأرضُ التي لا نباتَ فيها ولا بناءَ.
والصَّفْصَفُ: الأرض المَلْساء. وقيل: المستوية، فهما قريبان من المترادِفِ. وجمعُ القاعِ: أقْوع وأَقْواع وقِيْعان.
قوله: {لاَّ ترى فِيهَا عِوَجًا}:
يجوز في هذه الجملةِ أن تكونَ مستأنفةً، وأن تكونَ حالًا من الجبال، ويجوزُ أن تكونَ صفةً للحال المتقدمةِ وهي {قاعًا} على أحدِ التأويلين، أو صفة للمفعولِ الثاني على التأويل الآخر.
والعِوَج: تقدم الكلامُ عليه. قال الزمخشري هنا: فإنْ قلتَ: قد فَرَّقوا بين العَوَج والعِوَج. قالوا: العِوَج بالكسر في المعاني، وبالفتح في الأَعْيان، والأرضُ عينٌ، فكيف صَحَّ فيها كَسْرُ العينِ؟ قلت: اختيارُ هذا اللفظِ له موقعٌ حَسَنٌ بديعٌ في وصفِ الأرضِ بالاستواءِ والمَلاسة ونفيِ الاعوجاج عنها، على أبلغِ ما يكونُ: وذلك أنك لو عَمَدْتَ إلى قطعةِ أرضٍ فَسَوَّيْتَها، وبالَغْتَ في التسوية على عينِك وعيونِ البُصَراء، واتَّفَقْتُمْ على أنَّه لم يَبْقَ فيها اعوجاجٌ قطٌ، وثم استَطْلَعْتَ رأي المهندس فيها وأمرته أن يَعْرِضَ استواءَها على المقاييسِ الهندسيةِ لَعَثَر فيها على عِوَجٍ في غير موضعٍ، لا يُدْرَكُ ذلك بحاسَّةِ البصرِ، ولكن بالقياسِ الهندسِيِّ، فنفى اللهُ تعالى ذلك العِوَجَ الذي دَقَّ ولَطُفَ عن الإِدراك، اللهم إلاَّ بالقياس الذي يَعْرِفُه صاحبُ التقديرِ الهندسيِّ. وذلك الاعوجاجُ كمَّا لم يُدْرَكْ إلاَّ بالقياسِ دون الإِحساسِ لَحِقَ بالمعاني فقيل فيه عِوج بالكسر.
والأمْتُ: النُّبُوُّ اليسيرُ. يقال: مَدَّ حبلَه حتى ما فيه أَمْتٌ. وقيل: الأمْتُ: التَلُّ، وهو قريبٌ من الأولِ. وقيل: الشُّقوقُ في الأرضِ. وقيل: الأكامُ.
قوله: {يَوْمَئِذٍ}:
منصوبٌ ب {يَتَّبِعُون}. وقيل: بدلٌ من {يَوْمَ القيامة}. قاله الزمخشري. وفيه نظرٌ للفصل الكثير. وأيضًا فإنه يبقى {يَتَّبِعُون} غيرَ مرتبطٍ بما قبلَه، وبه يفوتُ المعنى. والتقدير: يومَ إذ نُسِفت الجبال.
قوله: {لاَ عِوَجَ لَهُ} يجوز أَنْ تكونَ الجملةُ مُستأنفةً، وأن تكونَ حالًا من {الداعي}. ويجوز أن تكونَ الجملةُ نعتًا لمصدرٍ محذوفٍ تقديرُه: يَتَّبِعُونه اتِّباعًا لا عِوَجَ له. والضميرُ في {له} فيه أوجهٌ، أظهرُها: أنه يعودُ على الداعي أي: لا عِوَجَ لدعائِه بل يَسْمع جميعَهم، فلا يميلُ إلى ناسِ دونَ ناسٍ. وقيل: هو عائدٌ على ذلك المصدرِ المحذوفِ أي لا عِوَج لذلك الاتِّباع. الثالث: أنَّ في الكلام قلبًا. تقديرُه لا عِوَجَ لهم عنه.
قوله: {إِلاَّ هَمْسًا} مفعولٌ به وهو استثناءٌ مفرغٌ. والهَمْسُ: الصوتُ الخفيُّ. قيل: هو تحريكُ الشفتين دون نطقٍ. قال الزمخشري: هو الرِّكْزُ الخفيُّ. ومنه الحروفُ المهموسةُ. وقيل: هو ما يُسْمع مِنْ وَقْعِ الأقدامِ على الأرض. ومنه هَمَسَتِ الإِبلُ: إذا سُمع ذلك مِنْ وَقْعِ أخفافِها على الأرض قال:
وهُنَّ يَمْشِيْنَ بنا هَمِيْسا

قوله: {يَوْمَئِذٍ}:
بدلٌ ممَّا تقدم أو منصوب بما بعد {لا} عند مَنْ يُجيز ذلك. والتقديرُ: يومَ إذ يَتَّبِعُون لا تنفعُ الشفاعةُ.
قوله: {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ} فيه أوجه. أحدُها: أنه منصوبٌ على المفعولِ به. والناصبُ له {تَنْفَعُ}. و{مَنْ} حينئذٍ واقعةٌ على المشفوعِ له. الثاني: أنه في محلِّ رفعٍ بدلًا من الشفاعةِ، ولابد مِنْ حذفِ مضافٍ تقديرُه: إلاَّ شفاعةَ مَنْ أَذِن له. الثالث: أنه منصوبٌ على الاستثناءِ من الشفاعةِ بتقدير المضاف المحذوف، وهو استثناءٌ متصلٌ على هذا. ويجوزُ أَنْ يكونَ استثناءً منقطعًا إذا لم تقدِّرْ شيئًا، وحينئذٍ يجوزُ أن يكونَ منصوبًا وهي لغةُ الحجازِ، أو مرفوعًا وهو لغة تميم. وكلُّ هذه الأوجهِ واضحةٌ ممَّا تقدم فلا أُطيل بتقريرها. و{له} في الموضعين للتعليل كقوله: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} [الأحقاف: 11] أي: لأجله ولأجلهم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)}.
كما أنَّ في القيامةِ الموعودةِ تُغَيَّرُ الجبالُ عن أحوالِها فهي كالعِهْن المنفوش فكذلك في القيامة الموجودة... فلا يخبرك عنها إلا الأكابر الذين هم كالرواسي ثباتًا؛ فإنه يُدْخِلُ عليهم من الأحوال مايمحقهم عن شواهدهم، ويأخذهم عن أقرانهم... كذا سُنَّتُه سبحانه.
{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108)}.
تنقطع الأوهام، وتقف الأفهام، وتنخنس العقول، وتندرِِس العلومُ، وتتحير المعارفُ، ويتلاشى ما هو نَعْتُ الخَلْق، ويستولي سلطانُ الحقيقة... فعند ذلك لا عينٌ ولا أَثَرٌ، ولا رسم ولا طلل ولا غَبَرٌ، في الحضور خَرَسٌ، وعلى البِساط فَنَاءٌ، وللرسوم امتحاءُ، وإنما الصحة على الثبات.
{يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)}.
دليلُ الخطابِ أَنَّ مَنْ أَذِنَ له في الشفاعةِ تنفعه الشفاعةُ، وإذا قُبلَتْ شفاعة أحدٍ بإذن الرحنم فَمِنَ المُحالِ ألاَّ تُقْبَلَ شفاعةُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الكافة، وشفاعةُ الأكابر من صفوته مقبولةٌ في الأصاغر في المُؤجَلِّ وفي المُعَجّل. والحقُّ سبحانه يُشَفَّعُ الشيوخَ في مريديهم اليوم.
ويقال شفاعة الرسول عليه السلام غدًا للمطيعين بزيادة الدرجة، وللعاصين بغفران الزَّلَّة، كذلك شفاعة الشيوخ- اليوم- للمريدين على قسمين: للذين هم أصحاب السلوك فبزيادة التحقيق والتوفيق، وللذين هم أصحاب التَّخَبُّطِ والغِرَّة فبالتجاوز عنهم، وعلى هذا يُحْمَلُ قولُ قائلهم:إِذَا مَرِضْتُم أَتْيْناكُم نعودُكُم ** وتُذْنِبُون فنأتيكم ونعتَذِر

وحكاياتُ السَّلفِ من الشيوخ مع مريديهم في أوقات فترتهم معروفة، وهي مُشَاكِلةٌ لهذه الجملة، وإن شفاعتَهم لا تكون إلا بتعريفٍ من قِبَلِ الله في الباطن، ويكون ذلك أدبًا لهم في ذلك.
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)}.
لا يخفى على الحق شيءٌ مما مضى من أحوالهم ولا مِنْ آتيها، ولا يحيطون به عِلْمًا. والكناية في قوله: {به} يحتمل أن يعود إلى ما بين أيديهم وما خلفهم، ويحتمل أن يعود إلى الحقِّ- سبحانه-، وهو طريقة السَّلَف؛ يقولون: يعلم الخلْقَ ولا يحيط به العلم، كما قالوا: إنه يَرَى ولا يُدْرَك. اهـ.