فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومنه يقال: الغواء لسوء الرضاع.
وقرئ {فغوى} بفتح الغين وكسر الواو وفتح الياء أي فبشم من كثرة الأكل من غوى الفصيل إذا اتخم من اللبن وبه فسرت القراءة الأخرى، وتعقب ذلك الزمخشري: فقال وهذا وإن صح على لغة من يقلب الياء المكسوء ما قبلها ألفا فيقول في فنى وبقى فنا وبقا بالألف وهم بنو طيء تفسير خبيث، وظاهر الآية يدل على أن ما وقع من الكبائر وهو المفهوم من كلام الإمام فإن كان صدوره بعد البعثة تعمدًا من غير نسيان ولا تأويل أشكل على ما اتفق عليه المحققون والأئمة المتقنون من وجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام بعد البعثة عن صدور مثل ذلك منهم على ذلك الوجه، ولا يكاد يقول بذلك إلا الأزارقة من الخوارج فإنهم عليهم ما يستحقون جوزوا الكفر عليهم وحاشاهم فما دونه أولى بالتجويز، وإن كان صدوره قبل البعثة كام قال به جمع وقال الإمام: إنه مذهبنا فإن كان تعمدًا أشكل على قول أكثر المعتزلة والشيعة بعصمتهم عليهم السلام عن صدور مثل ذلك تعمدًا قبل البعثة أيضًا.
نعم لا اشكال فيه على ما قاله القاضي أبو بكر من أنه لا يمتنع عقلًا ولا سمعًا أن يصدر من النبي عليه السلام قبل نبوته معصية مطلقًا بل لا يمتنع عقلًا إرسال من أسلم بعد كفره، ووافقه على ذلك كما قال الآمدي في أباكر الأفكار أكثر الأصحاب وكثير من المعتزلة وإن كان سهوًا كما يدل عليه قوله تعالى: {فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] بناء على أحد القولين فيه اشكل على ما نقل عن الشيعة من منع صدور الكبيرة سهوًا قبل البعثة أيضًا، ولا إشكال فيه على ما سمعت عن القاضي أبي بكر، وإن كان بعد البعثة سهوًا أشكل أيضًا عند بعض دون بعض، فقد قال عضد الملة في المواقف أن الأكثرين جوزوا صدور الكبيرة يعني ما عدا الكفر والكذب فيما دلت المعجزة على صدقهم عليهم السلام فيه سهوًا وعلى سبيل الخطأ منهم، وقال العلامة الشريف المختار: خلافه، وذهب كثير إلى أن ما وقع صغيرة والأمر عليه هين فإن الصغائر الغير المشعرة بالخسة يجوز على ما ذكره العلامة الثاني في شرح العقائد صدورها منهم عليهم السلام عمدًا بعد البعثة عند الجمهور خلافًا للجبائي وأتباعه ويجوز صدورها سهوًا بالاتفاق لكن المحققون اشترطوا أن ينبهوا على ذلك فينتهوا عنه. نعم ذكر في شرح المقاصد عصمتهم عن صدور ذلك عمدًا.
والأحوط نظرًا إلى مقام عليهم السلام أن يقال: إن صدور ما ذكر منه كان قبل النبوة وكان سهوًا أو عن تأويل إلا أنه عظم الأمر عليه وعظم لديه نظرًا إلى علو شأنه ومزيد فضل الله تعالى عليه، وإحسانه وقد شاع حسنات الأبرار سيآت المقربين، ومما يدل على استعظام ذلك منه لعلو شأنه عليه السلام ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي عبد الله المغربي قال: تفكر إبراهيم في شأن آدم عليهما السلام فقال: يا رب خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك ثم بذنب واحد ملأت أفواه الناس من ذكر معصيته فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم أما علمت أن مخالفة الحبيب على الحبيب شديدة.
وذكر بعضهم أن في استعظام ذلك منه عليه الملام زجرًا بليغًا لأولاده عن أمثاله، وعلى العلات لا ينبغي لأحد أن ينسب إليه العصيان اليوم وأن يخبر بذلك إلا أن يكون تاليًا لما تضمن ذلك أو راويًا له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أن يكون مبتدئًا من قبل نفسه فلا، وقد صرح القاضي أبو بكر بن العربي بعدم جواز نسبة العصيان للآباء الأدنين إلينا المماثلين لنا فكيف يجوز نسبته للأنبياء الاقدام والنبي المقدم الأكرم، وارتضى ذلك القرطبي وادعى أن ابتداء الأخبار بشيء من صفات الله تعالى المتشابهة كاليد والأصبع والنزول أولى بالمنع وعدم الجواز، ثم إن ما وقع كان في الحقيقة بمحض قضاء الله تعالى وقدره، وإلا فقد روي عن أبي إمامة الباهلي والحسن أن عقله عليه السلام مثل عقل جميع ولده وعداوة إبليس عليه اللعنة له عليه السلام في غاية الظهور، وفي ذلك دليل على أنه لا ينفع عقل ولا يغني شيء في جنب تقدير الله تعالى وقضائه {ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ} أي اصطفاه سبحانه وقربه إليه بالحمل على التوبة والتوفيق لها من اجتبى الشيء جباه لنفسه أي جمعه كقولك: اجتمعته أو من جبى إلى كذا فاجتبيته مثل جليت على العروس فاجتليتها، وأصل معنى الكلمة الجمع فالمجتبى كأنه في الأصل من جمعت فيه المحاسن حتى اختاره غيره وقربه، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام مزيد تشريف له عليه السلام {فَتَابَ عَلَيْهِ} أي رجع عليه بالرحمة وقبل توبته حين تاب وذلك حين قال هو وزوجته: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} [الأعراف: 23] {وهدى} أي إلى الثبات على التوبة والتمسك بما يرضى المولى سبحانه وتعالى، وقيل إلى كيفية التوبة بتعليم الكلمات والواو لمطلق الجمع فلا يضر كون ذلك قبل التوبة عليه، وقيل: إلى النبوة والقيام بما تقتقضيه، وقدم أبو حيان هذا على سائر الاحتمالات التي ذكرها، والنيسابوري فسر الاجتباء بالاختيار للرسالة وجعل الآية دليلًا على أن ما جري كان قبل البعثة ولم يصرح سبحانه بنسبة العصيان والغواية إلى حواء بأن يسندهما إلى ضمير التثنية الذي هو عبارة عنها، وعن آدم عليه السلام كما أسند الأكل وما بعده إلى ذلك إعراضًا عن مزيد النعي على الحرم وأن الأهم نظرًا إلى مساق القصة التصريح بما أسند إلى آدم عليه السلام ويتضمن ذلك رعاية الفواصل وحيث لم يصرح جل وعلا بعصيانها لم يتعرض لتوفيقها للتوبة وقبولها منها، وقال بعضهم: إنه تعالى اكتفى بذكر شأن آدم عليه السلام لما أن حواء تبع له في الحكم ولذا طوى ذكر النساء في أكثر مواقع الكتاب والسنة. اهـ.

.قال القاسمي:

{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ}.
أي: من أكل منها خلد ولم يمت: {وَمُلْكٍ لا يَبْلَى فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا} أي: يلزقان: {مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} أي: لهما هذا الخزي، بدل عزّ الملك المخلد. وهذه الأوراق الفانية، بدل نفائس الملابس الخالدة: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ} أي: بارتكاب النهي، وترك العزم في حفظ العهد: {فَغَوَى} أي: عن المأمور به. حيث اعتز بقول العدوّ.
{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ} أي: اصطفاه ووفقّه للإنابة: {فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)}.
الوسوسة والوسواس: الصوت الخفي. ويقال لهمس الصائد والكلاب، وصوت الحلي: وسواس. والوسوس بكسر الواو الأولى مصدر، وبفتحها الاسم، وهو أيضًا من أسماء الشيطان، كما في قوله تعالى: {مِن شَرِّ الوسواس الخناس} [الناس: 4] ويقال لحديث النفس: وسواس ووسوسة. ومن إطلاق الوسواس على صوت الحلي قول الأعشى:
تسمع للحلي وسواسًا إذا انصرفت ** كما استعان بريح عشرق زجل

ومن إطلاقه على همس الصائد قول ذي الرمة:
فبات يشئزه تأد ويسهره ** تذؤب الريح والوسواس والهضب

وقول رؤبة:
وسوس يدعو مخلصًا رب الفلق ** سرا وقد أون تأوين العقق

في الزرب لو يمضغ شربا ما بصق

وإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان} أي كلمه كلامًا خفيًا فسمعه منه آدم وفهمه. والدليل على أن الوسوسة المذكورة في هذه الآية الكريمة كلام من إبليس سمعه آدم وفهمه أنه فسر الوسوسة في هذه الآية بأنها قول، وذلك في قوله: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان قَالَ ياآدم هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد} الآية. فالقول المذكور هو الوسوسة المذكورة. وقد أوضح هذا في سورة الأعراف وبين أنه وسوس إلى حواء أيضًا مع آدم، وذلك في قوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان} [الأعراف: 20] إلى قوله: {وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف: 21-22] لأن تصريحه تعالى في آية الأعراف هذه بأن إبليس قاسمهما أي حلف لهما على أنه ناصح لهما فيما ادعاه من الكذب دليل واضح على أن الوسوسة المذكورة كلام مسموع. واعلم أن في وسوسة الشيطان إلى آدم إشكالًا معروفًا، وهو أن يقال: إبليس قد أخرج من الجنة صاغرًا مذمومًا مدحورًا، فكيف أمكنه الرجوع إلى الجنة حتى وسوس لآدم؟ والمفسرون يذكرون في ذلك قصة الحية، وأنه دخل فيها فأدخلته الجنة، والملائكة الموكلون بها لا يشعرون بذلك. وكل ذلك من الإسرائيليات. والواقع أنه لا إشكال في ذلك، لإمكان أن يقف إبليس خارج الجنة قريبًا من طرفها بحيث يسمع آدم كلامه وهو في الجنة، وإمكان أن يدخله الله إياها لامتحان آدم وزوجه، لا لكرامة إبليس. فلا محال عقلًا في شيء من ذلك. والقرآن قد جاء بأن إبليس كلم آدم، وحلف له حتى غره وزوجه بذلك.
وقوله في هذه الآية الكريمة {على شَجَرَةِ الخلد} أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود. لأن من أكل منها يكون في زعمه الكاذب خالدًا لا يموت ولا يزول، وكذلك يكون له في زعمه ملك لا يبلى أي لا يفنى ولا ينقطع. وقد قدمنا أن قوله هنا {وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} يدل لمعنى قراءة من قرأ {إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ} [الأعراف: 20] بكسر اللام. وقوله: {أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} [الأعراف: 20] هو معنى قوله في طه: {هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد}.
والحاصل أن إبليس لعنه الله كان من جملة ما وسوس به إلى آدم وحواء: أنهما أن أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها نالا الخلود والملك، وصارا ملكين، وحلف لهما أنه ناصح لهما في ذلك، يريد لهما الخلود والبقاء والملك فدلاهما بغرور. وفي القصة: أن آدم لما سمعه يحلف بالله اعتقد من شدة تعظيمه لله أنه لا يمكن أن يحلف به أحد على الكذب، فأنساه ذلك العهد بالنهي عن الشجرة.
تنبيه:
في هذه الآية الكريمة سؤال معروف، وهو أن يقال: كيف عدى فعل الوسوسة في طه بإلى في قوله: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان} مع أنه عداه في الأعراف بالام في قوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان} [الأعراف: 20]. وللعلماء عن هذا السؤال أجوبة.
أحدها أن حروف الجر يخلف بعضها بعضًا. فاللام تأتي بمعنى إلى كعكس ذلك.
قال الجوهري في صحاحه: وقوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان} يريد إليهما، ولكن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل. اهـ. وتبعه ابن منظور في اللسان. ومن الأجوبة عن ذلك: إرادة التضمين، قال الزمخشري في تفسير هذه الآية: فإن قلت كيف عدى {وسوس} تارة باللام في قوله: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان} [الأعراف: 20] وأخرى بإلى؟ قلت: وسوسة الشيطان كولولة الثكلى، ووعوعة الذئب، ووقوقة الدجاجة، في أنها حكايات للأصوات، وحكمها حكم صوت وأجرس. ومنه وسوس المبرسم وهو موسوس بالكسر والفتح لحن. وأنشد ابن الأعرابي:
وسوس يدعو مخلصا رب الفلق

فإن قلت: وسوس له. فمعناه لأجله. كقوله:
أجرس لها يا ابن أبي كباش ** فما لها الليلة من إنفاش

غير السرى وسائق نجاش

ومعنى {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ} أنهى إليه الوسوسة. كقوله: حدث إليه وأسر إليه. اهـ منه. وهذا الذي أشرنا إليه هو معنى الخلاف المشهور بين البصريين والكوفيين في تعاقب حروف الجرّ. وإتيان بعضها مكان بعض هل هو بالنظر إلى التضمين، أو لأن الحروف يأتي بعضها بمعنى بعض؟ وسنذكر مثالًا واحدًا من ذلك يتضح به المقصود. فقوله تعالى مثلًا: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} [الأنبياء: 77] الآية، على القول بالتضمين. فالحرف الذي هو {من} وارد في معناه لكن نصر هنا مضمنة معنى الإنجاء والتخليص، أي أنجيناه وخلصناه من الذين كذبوا بآياتنا. والإنجاء مثلًا يتعدى بمن. وعلى القول الثاني فنصر وارد في معناه، لكن {من} بمعنى على، أي نصرناه على القوم الذين كذبوا الآية، وهكذا في كل ما يشاكله.
وقد قدمنا في سورة الكهف أن اختلاف العلماء في تعيين الشجرة التي نهى الله آدم عن الأكل منها اختلاف لا طائل تحته، لعدم الدليل على تعيينها، وعدم الفائدة في معرفة عينها. وبعضهم يقول: هي السنبلة. وبعضهم يقول: هي شجرة الكرم. وبعضهم يقول: هي شجرة التين، إلى غير ذلك من الأقوال.
{فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}.
الفاء في قوله: {فَأَكَلاَ} تدل على أن سبب أكلها هو وسوسة الشيطان المذكورة قبله في قوله: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان} [طه: 120] أي فأكلا منها بسبب تلك الوسوسة. وكذلك الفاء في قوله: {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} تدل على أن سبب ذلك هو أكلهما من الشجرة المذكورة، فكانت وسوسة الشيطان سببًا للأكل من تلك الشجرة. وكان الأكل منها سببًا لبدو سوءاتهما. وقد تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه: أن الفاء تدل على التعليل كقولهم: سها فسجد، أي لعلة سهوه. وسرق فقطعت يده، أي لعلة سرقته. كما قدمناه مرارًا. وكذلك قوله هنا: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان قَالَ ياآدم هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى فَأَكَلاَ مِنْهَا} أي بسبب تلك الوسوسة فبدت لهما سوءاتهما، أي بسبب ذلك الأكل، ففي الآية ذكر السبب وما دلت عليه الفاء هنا كما بينا من أن وسوسة الشيطان هي سبب ما وقع من آدم وحواء جاء مبينًا في مواضع من كتاب الله، كقوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: 36] فصرح بأن الشيطان هو الذي أزلهما. وفي القراءة الأخرى «فأزالهما» وأنه هو الذي أخرجهما مما كانا فيه، أي من نعيم الجنة، وقوله تعالى: {يا بني آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الجنة} [الأعراف: 27] الآية، وقوله: {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف: 22] إلى غير ذلك من الآيات.
وما ذكره جل وعلا في آية طه هذه من ترتب بدو سوءاتهما على أكلهما من تلك الشجرة أوضحه في غير هذا الموضع، كقوله في الأعراف: {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف: 22] إلى غير ذلك من الآيات.
وما ذكره جل وعلا في آية طه هذه من ترتب بدو سوءاتهما على أكلهما من تلك الشجرة أوضحه في غير هذا الموضع، كقوله في الأعراف: {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} [الأعراف: 22]، وقوله فيها. أيضًا: {كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الجنة يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ} [الأعراف: 27].
وقد دلت الآيات المذكورة على أن آدم وحواء كانا في ستر من الله يستر به سوءاتهما، وأنهما لما أكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عنهما انكشف ذلك الستر بسبب تلك الزلة. فبدت سوءاتهما أي عوراتهما. وسميت العورة سوءة لأن انكشافها يسوء صاحبها، وصارا يحاولان ستر العورة بورق شجر الجنة، كما قال هنا: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة}، وقال في الأعراف: {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} [الأعراف: 22] الآية.
وقوله: {وَطَفِقَا} أي شرعا. فهي من أفعال الشروع، ولا يكون خبر أفعال الشروع إلا فعلًا مضارعًا غير مقترن ب {أن} وإلى ذلك أشار في الخلاصة بقوله:
وترك أن مع ذي الشروع وجبا

كأنشأ السائق يحدو وطفق ** وكذا جعلت وأخذت وعلق

فمعنى قوله: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} أي شرعا يلزقان عليهما من ورق الجنة بعضه ببعض ليسترا به عوراتهما. والعرب تقول: خصف النعل يخصفها: إذا خرزها: وخصف الورق على بدنه: إذا ألزقها وأطبقها عليه ورقة ورقة. وكثير من المفسرين يقولون: إن ورق الجنة التي طفق آدم وحواء يخصفان عليهما منه إنه ورق التين. والله تعالى أعلم.
واعلم أن الستر كان على آدم وحواء، وانكشف عنهما لما ذاقا الشجرة اختلف العلماء في تعيينه.
فقالت جماعة من أهل العلم: كان عليهما لباس من جنس الظفر. فلما أكلا من الشجرة أزاله الله عنهما إلا ما أبقى منه على رؤوس الأصابع. وقال بعض أهل العلم: كان لباسهما نورًا يستر الله به سوءاتهما. وقيل: لباس من ياقوت، إلى غير ذلك من الأقوال. وهو من الاختلاف الذي لا طائل تحته، ولا دليل على الواقع فيه كما قدمنا كثيرًا من أمثلة ذلك في سورة الكهف. وغاية ما دل عليه القرآن: أنهما كان عليهما لباس يسترهما الله به. فلما أكلا من الشجرة نزع عنهما فبدت لهما سوءاتهما. ويمكن أن يكون اللباس المذكور الظفر أو النور، أو لباس التقوى، أو غير ذلك من الأقوال المذكورة فيه.