فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا}.
والضمير في {اهبطا} ضمير تثنية وهو أمر لآدم وحواء جعل هبوطهما عقوبتهما و{جميعًا} حال منهما.
وقال ابن عطية: ثم أخبرهما بقوله: {جميعًا} أن إبليس والحية مهبطان معهما، وأخبرهما أن العداوة بينهم وبين أنسالهم إلى يوم القيامة انتهى.
ولا يدل قوله: {جميعًا} أن إبليس والحية يهبطان معهما لأن {جميعًا} حال من ضمير الاثنين أي مجتمعين، والضمير في {بعضكم لبعض} ضمير جمع.
قيل: يريد إبليس وبنيه وآدم وبنيه.
وقيل: أراد آدم وذريته، فالعداوة واقعة بينهم والبغضاء لاختلاف الأديان وتشتت الآراء.
وقيل: آدم وإبليس والحية.
وقال أبو مسلم الأصبهاني: الخطاب لآدم عليه السلام ولكونهما جنسين صح قوله: {اهبطا} ولأجل اشتمال كل واحد من الجنسين على الكثرة صح قوله: {فإما يأتينكم مني هدى}.
وقال الزمخشري: لما كان آدم وحواء عليهما السلام أصلي البشر والسببين اللذين منهما نشؤوا وتفرعوا جعلا كأنهما البشر في أنفسهما فخوطبا مخاطبتهم، فقيل {فإما يأتينكم} على لفظ الجماعة، ونظيره إسنادهم الفعل إلى السبب وهو في الحقيقة للمسبب انتهى.
و{هدى} شريعة الله.
وعن ابن عباس ضمن الله لمن اتبع القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ثم تلا {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} والمعنى أن الشقاء في الآخرة هو عقاب من ضل في الدنيا عن طريق الدين، فمن اتبع كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى عن نواهيه نجا من الضلال ومن عقابه.
وعن ابن جبير من قرأ القرآن واتبع ما فيه عصمه الله من الضلالة ووقاه سوء الحساب.
وقال أبو عبد الله الرازي: وهذه الآية تدل على أن المراد بالهدى الذي ذكره الله تعالى اتباع الأدلة واتباعها لا يتكامل إلاّ بأن يستدل بها، وبأن يعمل بها، ومن هذه حاله فقد ضمن تعالى أن لا يضل ولا يشقى في الآخرة لأنه تعالى يهديه إلى الجنة.
وقيل {لا يضل ولا يشقى} في الدنيا.
فإن قيل: المنعم بهدى الله قد يلحقه الشقاء في الدنيا.
قلنا: المراد لا يضل في الدين ولا يشقى بسبب الدين فإن حصل بسبب آخر فلا بأس انتهى.
ولما ذكر تعالى من اتبع الهدى أتبعه بوعيد من أعرض عن ذكره، والذكر يقع على القرآن وعلى سائر الكتب الإلهية.
وضنك: مصدر يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع، والمعنى النكد الشاق من العيش والمنازل ومواطن الحرب ربحوها.
ومنه قول عنترة:
إن المنية لو تمثل مثلت ** مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل

وعن ابن عباس: نزلت هذه الآية في الأسود بن عبد الأسد المخزومي، والمراد ضغطة القبر تختلف فيه أضلاعه.
وقال الحسن وقتادة والكلبي: هو الضيق في الآخرة في جهنم فإن طعامهم فيها الضريع والزقوم وشرابهم الحميم والغسلين، ولا يموتون فيها ولا يحيون، وقال عطاء: المعيشة الضنك معيشة الكافر لأنه غير موقن بالثواب والعقاب.
وقال ابن جبير: يسلب القناعة حتى لا يشبع.
وقال أبو سعيد الخدري والسدّي: هو عذاب القبر، ورواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال الجوهري: المعيشة الضنك في الدنيا، والمعنى أن الكافر وإن كان متسع الحال والمال فمعه من الحرص والأمل والتعذيب بأمور الدنيا والرغبة وامتناع صفاء العيش لذلك ما تصير معيشته ضنكًا وقالت فرقة {ضنكًا} بأكل الحرام.
ويستدل على أن المعيشة الضنك قبل يوم القيامة {ونحشره يوم القيامة أعمى} وقوله: {ولَعذاب الآخرة أشد وأبقى} فكأنه ذكر نوعًا من العذاب، ثم ذكر أن عذاب الآخرة أشد وأبقى، وحسن قول الجمهور الزمخشري فقال: ومعنى ذلك أن مع الدين التسليم والقناعة والتوكل على الله وعلى قسمته، فصاحبه ينفق ما رزقه بسماح وسهولة فيعيش عيشًا طيبًا كما قال تعالى: {فلنحيينه حياة طيبة} والمعرض عن الدين مستول عليه الحرص الذي لا يزال يطيح به إلى الازدياد من الدنيا مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق، فعيشه ضنك وحاله مظلمة انتهى.
وقرأ الحسن ضنكي بألف التأنيث ولا تنوين وبالإمالة بناؤه صفة على فعلى من الضنك.
وقرأ الجمهور: {ضنكًا} بالتنوين وفتحة الكاف فتحة إعراب.
وقرأ الجمهور: {ونحشره} بالنون، وفرقة منهم أبان بن تغلب بسكون الراء فيجوز أن يكون تخفيفًا، ويجوز أن يكون جرمًا بالعطف على موضع {فإن له معيشة ضنكًا} لأنه جواب الشرط، وكأنه قيل {ومن أعرض عن ذكري} تكن له معيشة ضنك {ونحشره} ومثله: {من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم} في قراءة من سكن ويذرهم.
وقرأت فرقة ويحشره بالياء.
وقرئ ويحشره بسكون الهاء على لفظ الوقف قاله الزمخشري.
ونقل ابن خالويه هذه القراءة عن أبان بن تغلب والأحسن تخريجه على لغة بني كلاب وعقيل فإنهم يسكنون مثل هذه الهاء.
وقرئ {لربه لكنود} والظاهر أن قوله: {أعمى} المراد به عمى البصر كما قال: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميًا} وقيل: أعمى البصيرة.
قال ابن عطية: ولو كان هذا لم يحس الكافر بذلك لأنه مات أعمى البصيرة ويحشر كذلك.
وقال مجاهد والضحاك ومقاتل وأبو صالح وروي عن ابن عباس: {أعمى} عن حجته لا حجة له يهتدي بها.
وعن ابن عباس يحشر بصيرًا ثم إذا استوى إلى المحشر {أعمى}.
وقيل: {أعمى} عن الحيلة في دفع العذاب عن نفسه كالأعمى الذي لا حيلة له فيما لا يراه.
وقيل {أعمى} عن كل شيء إلاّ عن جهنم.
وقال الجبائي: المراد من حشره {أعمى} لا يهتدي إلى شيء.
وقال إبراهيم بن عرفة: كل ما ذكره الله عز وجل في كتابه فذمه فإنما يريد عَمَى القلب قال تعالى فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
وقال مجاهد: معنى {لم حشرتني أعمى} أي لا حجة لي وقد كنت عالمًا بحجتي بصيرًا بها أحاجّ عن نفسي في الدنيا انتهى.
سأل العبد ربه عن السبب الذي استحق به أن يحشر أعمى لأنه جهله، وظن أنه لا ذنب له فقال له جل ذكره {كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} أي مثل ذلك أنت، ثم فسر بأن آياتنا أتتك واضحة مستنيرة فلم تنظر إليها بعين المعتبر، ولم تتبصر وتركتها وعميت عنها فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك قاله الزمخشري.
والنسيان هنا بمعنى الترك لا بمعنى الذهول، ومعنى {تُنْسَى} تترك في العذاب {وكذلك نجزي} أي مثل ذلك الجزاء {نجزي من أسرف} أي من جاوز الحد في المعصية ثم أخبر تعالى أن عذاب الآخرة أشد أي من عذاب الدنيا لأنه أعظم منه {وأبقى} أي منه لأنه دائم مستمر وعذاب الدنيا منقطع.
وقال الزمخشري: والحشر على العمى الذي لا يزوال أبدًا أشد من ضيق العيش المنقضي، أو أراد ولتركنا إياه في العمى {أشد وأبقى} من تركه لآياتنا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالَ} استئنافٌ مبنيّ على سؤال نشأ من الإخبار بأنه تعالى قبِل توبته وهداه، كأنه قيل: فماذا أمره تعالى بعد ذلك؟ فقيل: قال له ولزوجته: {اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا} أي انزِلا من الجنة إلى الأرض وقوله تعالى: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} حالٌ من ضمير المخاطب في اهبِطا والجمعُ لما أنهما أصلُ الذرية ومنشأُ الأولاد، أي مُتعادِين في أمر المعاشِ كما عليه الناسُ من التجاذُب والتحارُب {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى} من كتاب ورسول {فَمَنِ اتبع هُدَاىَ} وُضع الظاهرُ موضعَ المضمرِ مع الإضافة إلى ضميره تعالى لتشريفه والمبالغة في إيجاب اتباعِه {فَلاَ يَضِلُّ} في الدنيا {وَلاَ يشقى} في الآخرة.
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى} أي عن الهدى الذاكرِ لي والداعي إليّ {فَإِنَّ لَهُ} في الدنيا {مَعِيشَةً ضَنكًا} ضيقًا، مصدرٌ وصف به ولذلك يستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ، وقرئ ضنكى كسَكْرى وذلك لأن مجامعَ همتِه ومطامحَ نظرِه مقصورةٌ على أعراض الدنيا وهو متهالكٌ على ازديادها وخائفٌ على انتقاصها بخلاف المؤمنِ الطالبِ للآخرة، مع أنه قد يضيق الله تعالى بشؤم الكفر ويوسع ببركة الإيمان كما قال تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة} وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى ءامَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بركات مّنَ السماء والأرض} وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الكتاب ءامَنُواْ} إلى قوله تعالى: {لاَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} وقيل: هو الضَّريعُ والزقومُ في النار، وقيل: عذاب القبر {وَنَحْشُرُهُ} وقرئ بسكون الهاء على لفظ الوقفِ وبالجزم عطفًا على محل {فإن له معيشةً ضنكًا} لأنه جواب الشرط {يَوْمَ القيامة أعمى} فاقدَ البصر كما في قوله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا} لا أعمى عن الحجة كما قيل {قَالَ} استئنافٌ كما مر {رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا} أي في الدنيا، وقرئ أعمى بالإمالة في الموضعين وفي الأول فقط لكونه جديرًا بالتغيير لكونه رأسَ الآية ومحلَّ الوقف.
{قَالَ كذلك} أي مثلَ ذلك فعلتَ أنت ثم فسره بقوله تعالى: {أَتَتْكَ اياتنا} واضحةً نيِّرةً بحيث لا تخفى على أحد {فَنَسِيتَهَا} أي عَمِيتَ عنها وتركتها ترْكَ المنسيِّ الذي لا يُذكر أصلًا {وكذلك} ومثلَ ذلك النسيانِ الذي كنت فعلته في الدنيا {اليوم تنسى} تترك في العمى جزاءً وفاقًا لكن لا أبدًا كما قيل بل إلى ما شاء الله، ثم يزيله عنه فيرى أهوالَ القيامة ويشاهد مقعدَه في النار ويكون ذلك له عذابًا فوق العذاب، وكذا البَكَم والصمَمُ يزيلهما الله تعالى عنه {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} {وكذلك} أي مثلَ ذلك الجزاءِ الموافقِ للجناية {نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ} بالانهماك في الشهوات {وَلَمْ يُؤْمِن بئايات رَبّهِ} بل كذبها وأعرض عنها {وَلَعَذَابُ الأخرة} على الإطلاق أو عذابُ النار {أَشَدُّ وأبقى} أي من ضنْك العيشِ أو منه ومن الحشر على العمى. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ} استئناف مبني على سؤال نشأ من الأخبار بأنه تعالى عامله بما عامله كأنه قيل: فماذا أمره بعد ذلك؟ فقيل: قال له ولزوجته {اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا} أي انزلا من الجنة إلى الأرض مجتمعين، وقيل: الخطاب له عليه السلام ولابليس عليه اللعنة فإنه دخل الجنة بعد ما قيل له: {أَخْرَجَ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} [ص: 77] للوسوسة، وخطابهما على الأول بقوله تعالى: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} لما أنهما أصل الذرية ومنشأ الأولاد فالتعادي في الحقيقة بين أولادهما.
وهذا على عكس مخاطبة اليهود ونسبة ما فعل ءاباؤهم اليهم.
والجملة في موضع الحال أي متعادين في أمر المعاش وشهوات الأنفس.
وعلى الثاني ظاهر لظهور العداوة بين آدم عليه السلام وابليس عليه اللعنة وكذا بين ذرية آدم عليه السلام وذرية اللعين ومن هنا قيل: الضمير لآدم وذريته وإبليس وذريته.
وعزم بعضهم أنه لآدم وإبليس والحية والمغول عليه الأول ويؤيد ذلك قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى}.. إلخ. أي بنبي أرسله اليكم وكتاب أنزله عليكم {فَمَنِ اتبع هُدَاىَ} وضع الظاهر موضع المضمر مع الإضافة إلى ضميره تعالى لتشريفه والمبالغة في إيجاب اتباعه.
وأخرج الطبراني وغيره عن أبي الطفيل أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {فَمَنِ اتبع هُدًى} {فَلاَ يَضِلُّ} في الدنيا {وَلاَ يشقى} في الآخرة، وفسر بعضهم الهدى بالقرآن لما أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أجار الله تعالى تابع القرآن من أن يضل في الدنيا أو يشقى في الآخرة ثم قرأ الآية، وأخرج جماعة عنه مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ: «من اتبع كتاب الله هداه الله تعالى من الضلالة في الدنيا ووقاه سوء الحساب يوم القيامة»، ورجح على العموم بقيام القرينة عليه وهو قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى}.
بناء على تفسير الذكر بالقرآن، وكذا قوله تعالى بعد و{كذلك أَتَتْكَ ءاياتنا فَنَسِيتَهَا} [طه: 126] ولمختار العموم أن يقول: الذكر يقع على القرآن وعلى سائر الكتب الإلهية، وكذا الآيات تكون بمعنى الأدلة مطلقًا، وقد فسر الذكر أيضًا هنا بالهدى لأنه سبب ذكره تعالى وعبادته سبحانه، فأطلق المسبب وأريد سببه لوقوعه في المقابلة، وما في الخبر من باب التنصيص على حكم أشرف الإفراد المدلول عليه بالعموم اعتناء بشأنه.
ثم إن تقييد {لاَّ يَضِلُّ} بقولنا في الدنيا {وَلاَ يشقى} [طه: 123] بقولنا في الآخرة هو الذي يقتضيه الخبر.
وجوز بعضهم العكس أي فلا يضل طريق الجنة في الآخرة ولا يتعب في أمر المعيشة في الدنيا، وجعل الأول في مقابلة {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى} والثاني في مقابلة {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} ثم قال: وتقديم حال الآخرة على حال الدنيا في المهتدين لأن مطمح نظرهم أمر ءاخرتهم بخلاف خلافهم فإن نظرهم مقصور على دنياهم، ولا يخفى أن الذي نطقت به الآثار هو الأول، وذكر بعضهم أنه المتبادر، نعم ما ذكر لا يخلو عن حسن وإن قيل: فيه تكلف، وجوز الإمام كون الأمرين في الآخرة وكونهما فبي الدنيا، وذكر أن المراد على الأخير لا يضل في الدين ولا يشقى بسبب الدين لا مطلقًا فإن لحق المنعم بالهدى شقاء في الدنيا فبسبب آخر وذلك لا يضر اه، والمعول عليه ما سمعت، والمراد من الاعراض عن الذكر عدم الاتباع فكأنه قيل: ومن لم يتبع {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} أي ضيقة شديدة وهو مصدر ضنك وكذا ضناكة؛ ولذا يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع، وقد وصف به هنا المؤنث باعتبار الأصل.
وقرأ الحسن {ضنكي} بألف التأنيث كسكرى وبالإمالة وهذا التأنيث باعتبار تأويله بالوصف.
وعن ابن عباس تفسيره بالشديد من كل وجه، وأنشد قول الشاعر:
والخيل قد لحقت بنا في مأزق ** ضنك نواحيه شديد المقدم

والمتبادر أن تلك المعيشة له في الدنيا وروي ذلك عن عطاء وابن جبير، ووجه ضيق معيشة الكافر المعرض في الدنيا أنه شديد الحرص على الدنيا متهالك على ازديادها خائف من انتقاصخا غالب عليه الشح بها حيث لا غرض له سواها بخلاف المؤمن الطالب للآخرة، وقيل: الضنك مجاز عما لا خير فيه، ووصف معيشة الكافر بذلك لأنها وبال عليه وزيادة في عذابه يوم القيامة كما دلت عليه الآيات، وهو مأخوذ مما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في الآية: يقول كل مال أعطيته عبدا من عبادي قل أو كثر لا يتقيني فيه فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة، وقيل: المراد من كونها ضنكا إنها سبب للضنك يوم القيامة فيكون وصفها بالضنك للمبالغة كأنها نفس الضنك كما يقال في السلطان: الموت بين شفتيه يريدون بالموت ما يكون سببًا للموت كالأمر بالقتل ونحوه، وعن عكرمة ومالك بن دينار ما يشعر بذلك، وقال بعضهم: إن تلك المعيشة له في القبر بأن يعذب فيه.