فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}.
أوقع العداوة بين آدم وإبليس والحية، وقد توالت المحنُ على آدم وحواء بعد خروجهما من الجنة بسمة العصيان، ومفارقة الجنة، ودخول الدنيا، وعداوة الشيطان والابتلاء بالشهوات. ثم قال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ} وترَكَ هواه، ولم يعمل بوسوسة العدوِّ فله كُلُّ خير، ولا يلحقه ضَيْر.
قوله جلّ ذكره: {وََمنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}.
الكافر إذا أعرض عن ذكره بالكلية فله المعيشة الضنك في الدنيا، وفي القبر، وفي النار، وبالقلب من حيث وحشة الكفر، وبالوقتِ من حيث انغلاق الأمور.
ويقال مَنْ أعرض عن الانخراط في قضايا الوفاق انثالت عليه فنون الخذلان، ومن أعرض عن استدامة ذكره- سبحانه- بالقلب توالت عليه من تفرقة القلب ما يسلب عنه كلَّ رَوْحٍ.
ومَنْ أعرض عن الاستئناس بذكره انفتحت عليه وساوسُ الشيطان وهواجسُ النَّفس بما يوجِب له وحشةَ الضمير، وانسداد أبواب الراحة والبسط.
ويقال مَنْ أعرض عن ذِكْرِ الله في الخلوةِ قَيَّضَ اللَّهُ له في الظاهر من القرينِ السوءِ ما توجِبُ رؤيتُه له قَبْضَ القلوبِ واستيلاَءَ الوحشة.
قوله جلّ ذكره: {وَنَحْشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى}.
في الخبر: «مَنْ كان بحالةٍ لَقِيَ اللَّهِ بها» فَمَنْ كان في الدنيا أعمى القلب يُحْشَرُ على حالته، ومَنْ يَعِشْ على جهلٍ يحشر على جهلٍ، ولذا يقولون: {مَنْ بَعَثَنَا مِن مَرْقَدِنَا}؟ [يس: 52] إلى أَنْ تصيرَ معارفُهم ضروريةً.
وكما يَتْرُِكُون- اليومَ- التَدبُّرَ في آياتِه يُتْرَكُون غدًا في العقوبة من غير رحمةٍ على ضعفِ حالاتهم.
{وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)}.
جَرَتْ سُنَّتُه بأَنْ يُجازِيَ كُلًا بما يليق بحاله، فما أسلفه لنفسِه سيلقى غِبَّه؛ على الخبر خيرًا، وعلى الشرِّ شَرًَّا. اهـ.

.قال ابن القيم:

{ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}.
لما أخبر سبحانه عن حال من اتبع هداه في معاشه ومعاده أخبر عن حال من أعرض عنه ولم يتبعه فقال: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا أي عن الذكر الذي أنزلته فالذكر هنا مصدر مضاف إلى الفاعل كقيامي وقراءتي لا إلى المفعول وليس المعنى ومن أعرض عن أن يذكرني بل هذا لازم المعنى ومقتضاه من وجه آخر سنذكره وأحسن من هذا الوجه أن يقال الذكر هنا مضاف إضافة الأسماء لا إضافة المصادر إلى معمولاتها والمعنى ومن أعرض عن كتابي ولم يتبعه فإن القرآن يسمى ذكرا قال تعالى: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه} وقال تعالى: {ذلك نتلوه عليك من الايات والذكر الحكيم} وقال تعالى: {وما هو إلا ذكر للعالمين} وقال تعالى: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز} وقال تعالى: {إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن} وعلى هذا فاضافته كإضافة الأسماء الجوامد التي لا يقصد بها اضافة العامل إلى معموله ونظيره في إضافة اسم الفاعل غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب فإن هذه الإضافات لم يقصد بها قصد الفعل المتجدد وإنما قصد بها قصد الوصف الثابت اللازم وكذلك جرت أوصافا على أعرف المعارف وهو اسم الله تعالى في قوله تعالى: {تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير}.
فصل: وقوله تعالى: {فإن له معيشة ضنكا} فسرها غير واحد من السلف بعذاب القبر وجعلوا هذه الأية أحد الأدلة الدالة على عذاب القبر ولهذا قال: {ونحشره يوم القيامة اعمى} قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى أي تترك في العذاب كماتركت العمل بآياتنا فذكر عذاب البرزخ وعذاب دار البوار ونظيره قوله تعالى في حق آل فرعون: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} فهذا في البرزخ {ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} فهذا في القيامة الكبرى ونظيره قوله تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} فقول الملائكة اليوم تجزون عذاب الهون المراد به عذاب البرزخ الذي أوله يوم القبض والموت ونظيره قوله تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق} فهذه الاذاقة هي في البرزخ وأولها حين الوفاة فإنه معطوف على قوله: {يضربون وجوههم وأدبارهم} وهو من القول المحذوف مقوله لدلالة الكلام عليه كنظائره وكلاهما واقع وقت الوفاة وفي الصحيح عن البراء بن عازب رضي الله عنه في قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} قال نزلت في عذاب القبر والاحاديث في عذاب القبر تكاد تبلغ حد التواتر والمقصود أن الله سبحانه أخبر أن من أعرض عن ذكره وهو الهدى الذي من اتبعه لا يضل ولا يشقى فإن له معيشة ضنكا وتكفل لمن حفظ عهده أن يحييه حياة طيبة ويجزيه أجره في الآخرة فقال تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} فأخبر سبحانه عن فلاح ما تمسك بعهده علما وعملا في العاجلة بالحياة الطيبة وفي الآخرة بأحسن الجزاء وهذا بعكس من له المعيشة الضنك في الدنيا والبرزخ ونسيانه في العذاب بالآخرة وقال سبحانه: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} فأخبر سبحانه أن من ابتلاه بقرينه من الشياطين وضلاله به إنما كان بسبب اعراضه وعشوه عن ذكره الذي أنزله على رسوله فكان عقوبة هذا الاعراض أن قيض له شيطانا يقارنه فيصده عن سبيل ربه وطريق فلاحه وهو يحسب أنه مهتد حتى إذا وافى ربه يوم القيامة مع قرينه وعاين هلاكه وإفلاسه قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين وكل من أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلابد أن يقول هذا يوم القيامة فإن قيل فهل لهذا عذر في ضلالة إذا كان يحسب أنه على هدى كما قال تعالى: {ويحسبون أنهم مهتدون} قيل لا عذر لهذا وأمثاله من الضلال الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو ظن أنه مهتد فإنه مفرط بإعراضه عن اتباع داعي الهدى فإذا ضل فإنما أتى من تفريطه واعراضه وهذا بخلاف من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول اليها فذاك له حكم آخر والوعيد في القرآن إنما يتناول الاول واما الثاني فإن الله لا يعذب أحدا إلا بعد إقامة الحجة عليه كما قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وقال تعالى: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وقال تعالى في اهل النار: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} وقال تعالى: {أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين} وهذا كثير في القرآن فصل وقوله تعالى: {ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا} اختلف فيه هل هو من عمى البصيرة أو من عمى البصر والذين قالوا هو من عمى البصيرة إنما حملهم على ذلك قوله اسمع بهم وابصر يوم ياتوننا وقوله لقدكنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد وقوله يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين وقوله لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ونظائر هذا مما يثبت لهم الرؤية في الآخرة كقوله تعالى: {وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي} وقوله: {يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون} وقوله: {رأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها} والذين رجحوا أنه منعمى البصر قالوا السياق لا يدل إلا عليه لقوله: {قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا} وهو لم يكن بصيرا في كفره قط بل قد تبين له حينئذ أنه كان في الدنيا في عمى عن الحق فكيف يقول وقد كنت بصيرا وكيف يجاب بقوله: {كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} بل هذا الجواب فيه تنبيه على أنه من عمى البصر وأنه جوزي من جنس عمله فإنه لما أعرض عن الذكر الذي بعث الله به رسوله وعميت عنه بصيرته أعمى الله بصره يوم القيامة وتركه في العذاب كما ترك الذكر في الدنيا فجازاه على عمى بصيرته عمى في الآخرة وعلى تركه ذكره تركه في العذاب وقال تعالى: {ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما} وقد قيل في هذه الآية أيضا أنهم عمي وبكم وصم عن الهدى كما قيل في قوله: {ونحشره يوم القيامة أعمى} قالوا لأنهم يتكلمون يومئذ ويسمعون ويبصرون ومن نصرانه العمى والبكم والصمم المضاد للبصر والسمع والنطق قال بعضهم هو عمى وصمم وبكم مقيد لا مطلق فهم عمى عن رؤية ما يسرهم وسماعه ولهذا قد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لا يرون شيئا يسرهم وقال آخرون هذا الحشر حين تتوفاهم الملائكة يخرجون من الدنيا كذلك فإذا قاموا من قبورهم إلى الموقف قاموا كذلك ثم إنهم يسمعون ويبصرون فيما بعد وهذا مروى عن الحسن وقال آخرون هذا إنما يكون إذا دخلوا النار واستقروا فيها سلبو الاسماع والابصار والنطق حين يقول لهم الرب تبارك وتعالى اخسئوا فيها ولاتكلمون فحينئذ ينقطع الرجاء وتبكم عقولهم فيصيرون بأجمعهم عميا بكما صما لا يبصرون ولا يسمعون ولا ينطقون ولا يسمع منهم إلا الزفير والشهيق وهذا منقول عن مقاتل والذين قالوا المراد به العمى عن الحجة إنما مرادهم أنهم لا حجة لهم ولم يريدوا أن لهم حجة هم عمى عنها بل هم عمى عن الهدى كما كانوا في الدنيا فان العبد يموت على ما عاش عليه ويبعث على ما مات عليه وبهذا يظهر أن الصواب هو القول الآخر وأنه عمى البصر فإن الكافر يعلم الحق يوم القيامة عيانا ويقر بما كان يجحده في الدنيا فليس هو أعمى عن الحق يومئذ وفصل الخطاب أن الحشر هو الضم والجمع ويراد به تارة الحشر الى موقف القيامة كقوله النبي صلى الله عليه وسلم: «إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا» وكقوله تعالى: {وإذا الوحوش حشرت} وكقوله تعالى: {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا} ويراد به الضم والجمع إلى دار المستقر فحشر المتقين جمعهم وضمهم إلى الجنة وحشر الكافرين جمعهم وضمهم إلى النار قال تعالى: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا} وقال تعالى: {احشروا الذين ظلموا أزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم} فهذا الحشر هو بعدحشرهم إلى الموقف وهو حشرهم وضمهم إلى النار لأنه قد أخبر عنهم أنهم قالوا يا ويلنا هذا يوم الدين هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون ثم قال تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} وهذا الحشر الثاني وعلى هذا فهم ما بين الحشر الأول من القبور إلى الموقف والحشر الثاني من الموقف إلى النار فعند الحشر الاول يسمعون ويبصرون ويجادلون ويتكلمون وعند الحشر الثاني يحشرون على وجوههم عميا وبكما وصما فلكل موقف حال يليق به ويقتضيه عدل الرب تعالى وحكمته فالقرآن يصدق بعضه بعضا ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. اهـ.