فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: المراد بالأطراف الساعات لأن الطرف آخر الشيء. وقرأ الجمهور: {وأطراف} بنصب الفاء وهو معطوف على {ومن آناء الليل}. وقيل: معطوف على {قبل طلوع الشمس} وقرأ الحسن وعيسى بن عمر {وأطراف} بخفض الفاء عطفًا على {آناء}. {لعلك ترضى} أي تثاب على هذه الأعمال بالثواب الذي تراه وأبرز ذلك في صورة الرجاء والطمع لا على القطع.
وقيل: لعل من الله واجبة. وقرأ أبو حيوة وطلحة والكسائي وأبو بكر وأبان وعصمة وأبو عمارة عن حفص وأبو زيد عن المفضل وأبو عبيد ومحمد بن عيسى الأصبهاني تُرْضَى بضم التاء أي يرضيك ربك.
ولما أمره تعالى بالصبر وبالتسبيح جاء النهي عن مد البصر إلى ما متع به الكفرة يقال: مد البصر إلى ما متع به الكفار، يقال: مد نظره إليه إذا أدام النظر إليه، والفكرة في جملته وتفصيله.
قيل: والمعنى على هذا ولا تعجب يا محمد مما متعناهم به من مال وبنين ومنازل ومراكب وملابس ومطاعم، فإنما ذلك كله كالزهرة التي لا بقاء لها ولا دوام، وإنها عما قليل تفنى وتزول.
والخطاب وإن كان في الظاهر للرسول صلى الله عليه وسلم فالمراد أمته وهو كان صلى الله عليه وسلم أبعد شيء عن النظر في زينة الدنيا وأعلق بما عند الله من كل أحد، وهو القائل في الدنيا: «ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أريد به وجه الله» وكان شديد النهي عن الاغترار بالدنيا والنظر إلى زخرفها {ولا تمدن} أبلغ من لا تنظر لأن مد البصر يقتضي الإدامة والاستحسان بخلاف النظر، فإنه قد لا يكون ذلك معه والعين لا تمدّ فهو على حذف مضاف أي {لا تمدن} نظر {عينيك} والنظر غير الممدد معفو عنه.
وذلك مثل من فاجأ الشيء ثم غض بصره. والنظر إلى الزخارف مركوز في الطبائع فمن رأى منها شيئًا أحب إدمان النظر إليه، وقد شدّد المتقون في غض البصر عن أبنية الظلمة وعدد الفسقة مركوبًا وملبوسًا وغيرهما لأنهم إنما اتخذوها لعيون النظارة حتى يفتخروا بها، فالناظر إليها محصل لغرضهم وكالمغرى لهم على اتخاذها.
وانتصب {أزواجًا} على أنه مفعول به، والمعنى أصنافًا من الكفرة و{منهم} في موضع الصفة لأزواجًا أي أصنافًا وأقوامًا من الكفرة. كما قال: {وآخر من شكله أزواج} وأجاز الزمخشري أن ينتصب {أزواجًا} عن الحال من ضمير {به} و{متعنا} مفعوله منهم كأنه قيل إلى الذي متعنا به وهو أصناف بعضهم، وناسًا منهم.
ومنصوب على الذم أو مفعول ثان لمتعنا على تضمينه معنى أعطينا أو بدل من محل الجار والمجرور، أو بدل من {أزواجًا} على تقدير ذوي زهرة، أو جعلهم. على المبالغة أو منصوب بفعل محذوف يدل عليه {متعنا} أي جعلنا لهم. أو حال من الهاء، أو ما على تقدير حذف التنوين من. لالتقاء الساكنين وخبر {الحياة} على البدل من {ما} وكل هذه الأعاريب منقول والأخير اختاره مكي، وردّ كونه بدلًا من محل {ما} لأن فيه الفصل بالبدل بين الصلاة وهي {متعنا} ومعمولها وهو {لنفتنهم} فالبدل وهو..
وقرأ الجمهور: {زَهْرَة} بسكون الهاء. وقرأ الحسن وأبو البر هيثم وأبو حيوة وطلحة وحميد وسلام ويعقوب وسهل وعيسى والزهري بفتحها. وقرأ الأصمعي عن نافع لِنُفْتِنَهم بضم النون من أفتنه إذا جعل الفتنة واقعة فيه، والزهرة والزهرة بمعنى واحد كالجهرة والجهرة.
وأجاز الزمخشري في المفتوح الهاء أن يكون جمع زاهر نحو كافر وكفرة، وصفهم بأنهم زاهر وهذه الدنيا الصفاء ألوانهم مما يلهون ويتنعمون وتهلل وجوههم وبهاء زيهم وشارتهم بخلاف ما عليه المؤمنون والصلحاء من شحوب الألوان والتقشف في الثياب، ومعنى {لنفتنهم فيه} أي لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب لوجود الكفران منهم أو لنعذبهم في الآخرة بسببه.
{ورزق ربك خير وأبقى} أي ما ذخر لهم من المواهب في الآخرة {خير} مما متع به هؤلاء في الدنيا {وأبقى} أي أدوم. وقيل: ما رزقهم وإن كان قليلًا خير مما رزقوا وإن كان كثير الحلية ذلك وحرمية هذا. وقيل: ما رزقت من النبوة والإسلام. وقيل: ما يفتح الله على المؤمنين من البلاد والغنائم. وقيل: القناعة. وقيل: ثواب الله على الصبر وقلة المبالاة بالدنيا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون}.
كلامٌ مستأنفٌ مَسوقٌ لتقرير ما قبله من قوله تعالى: {وكذلك} الآية، والهمزةُ للإنكارالتوبيخي والفاءُ للعطف على مقدر يقتضيه المقام، واستعمالُ الهداية باللام إما لتنزيلها منزلةَ اللام فلا حاجةَ إلى المفعول أو لأنها بمعنى التبيين والمفعولُ محذوفٌ، وأيًا ما كان فالفاعلُ هو الجملة بمضمونها ومعناها وضمير لهم للمشركين المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى أغَفلوا فلم يَفعل الهدايةَ لهم أو فلم يبين لهم مآلَ أمرِهم كثرةُ إهلاكنا للقرون الأولى وقد مر في قوله عز وجل: {أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض مِن بَعْدِ أَهْلِهَا} الآية، وقيل: الفاعلُ الضميرُ العائد إلى الله عز وجل ويؤيده القراءةُ بنون العظمة وقوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا}.. إلخ، إما معلِّقٌ للفعل سادٌّ مسدَّ مفعولِه أو مفسّرٌ لمفعوله المحذوف هكذا قيل، والأوجهُ أن لا يُلاحَظَ مفعولٌ كأنه قيل: أفلم يفعلِ الله تعالى لهم الهدايةَ؟ ثم قيل بطريق الالتفاتِ: كم أهلكنا.. إلخ. بيانًا لتلك الهدايةِ، ومن القرى في محل النصبِ على أنه وصفٌ لممُيِّزِكَم أي كم قرنًا كائنًا من القرون وقوله تعالى: {يَمْشُونَ في مساكنهم} حالٌ من القرون أو من مفعول أهلكْنا، أي أهلكناهم وهم في حال أمنٍ وتقلّبٍ في ديارهم أو من الضمير في لهم مؤكدٌ للإنكار والعاملُ يهد، والمعنى أفلم يهد لهم إهلاكُنا للقرون السالفة من أصحاب الحِجْر وثمودَ وقُريّات قوم لوطٍ حالَ كونهم ماشين في مساكنهم إذا سافروا إلى الشام مشاهدين لآثار هلاكِهم، مع أن ذلك مما يوجب أن يهتدوا إلى الحق فيعتبروا لئلا يحِلَّ بهم مثلُ ما حل بأولئك، وقرئ يُمْشَوْن على البناء للمفعول أي يمكثون على المشي {إِنَّ في ذَلِكَ} تعليلٌ للإنكار وتقريرٌ للهداية مع عدم اهتدائِهم، وذلك إشارةٌ إلى مضمون قوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا}.. إلخ، وما فيه من معنى البُعد للإشعار ببُعْد منزلتِه وعلوِّ شأنه في بابه {لاَيَاتٍ} كثيرةً عظيمةً واضحاتِ الهداية ظاهراتِ الدِلالة على الحق، فإذن هو هادٍ وأيُّما هادٍ ويجوز أن تكون كلمةُ في تجريدية فافهم {لأُوْلِى النهى} لذوي العقولِ الناهيةِ عن القبائح التي من أقبحها ما يتعاطاه كفارُ مكّة من الكفر بآيات الله تعالى والتعامي عنها وغيرِ ذلك من فنون المعاصي، وفيه دلالةٌ على أن مضمونَ الجملة هو الفاعلُ لا المفعول.
وقوله تعالى: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ}.
كلامٌ مستأنفٌ سيق لبيان حِكمة عدمِ وقوعِ ما يُشعر به قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} الآية، من أن يصيبَهم مثلُ ما أصاب القرونَ المهلَكة، أي ولولا الكلمةُ السابقةُ وهي العِدَةُ بتأخير عذابِ هذه الأمة إلى الآخرة لحكمة تقتضيه ومصلحةٍ تستدعيه {لَكَانَ} عقابُ جناياتِهم {لِزَامًا} أي لازمًا لهؤلاء الكفرةِ بحيث لا يتأخر عن جناياتهم ساعةً لزومُ ما نزل بأولئك الغابرين، وفي التعرض لعنوان الربوبيةِ مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام تلويحٌ بأن هذا التأخيرَ لتشريفه عليه السلام كما ينبىء عنه قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} واللِّزامُ إما مصدرٌ لازمٌ وُصِف به مبالغةً وإما فِعالٌ بمعنى مِفْعل، جُعل آلةَ اللزوم لفَرْط لزومه كما يقال: لِزازُ خصم {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} عطف على {كلمةٌ} أي ولولا أجلٌ مسمًّى لأعمارهم أو لعذابهم وهو يومُ القيامة ويومُ بدر لما تأخر عذابُهم أصلًا، وفصلُه عما عطف عليه للمسارعة إلى بيان جوابِ لولا وللإشعار باستقلال كلَ منهما بنفي لزومِ العذابِ ومراعاةِ فواصلِ الآيةِ الكريمةِ، وقد جوّز عطفُه على المستكن في كان العائدِ إلى الأخذ العاجلِ المفهومِ من السياق تنزيلًا للفصل بالخبر منزلةَ التأكيد، أي لكان الأخذُ العاجلُ وأجلٌ مسمى لازمَين لهم كدأب عادٍ وثمودَ وأضرابِهم ولم ينفرد الأجلُ المسمى دون الأخذِ العاجل.
{فاصبر على مَا يَقُولُونَ} أي إذا كان الأمرُ على ما ذكر من أن تأخيرَ عذابِهم ليس بإهمال بل إمهالٍ وأنه لازمٌ لهم ألبتةَ، فاصبِرْ على ما يقولون من كلمات الكفرِ فإن علمه عليه السلام بأنهم معذبون لا محالة مما يسلّيه ويحمِلُه على الصبر {وَسَبّحْ} ملتبسًا {بِحَمْدِ رَبّكَ} أي صلِّ وأنت حامدٌ لربك الذي يبلّغك إلى كمالك على هدايته وتوفيقِه، أو نزِّهه تعالى عما ينسُبونه إليه مما لا يليق بشأنه الرفيعِ حامدًا له على ما ميّزك بالهدى معترفًا بأنه مولى النّعم كلِّها، والأولُ هو الأظهرُ المناسبُ لقوله تعالى: {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس}.. إلخ، فإن توقيت التنزيه غيرُ معهودٍ فالمرادُ صلاة الفجر {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} يعني صلاتي الظهرِ والعصر لأنهما قبل غروبِها بعد زوالها، وجمعُهما لمناسبة قوله تعالى: {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ صلاة العَصْرِ} {وَمِنْ ءانَاء الليل} أي من ساعاته جمع إِنًى بالكسر والقصر، وآناء بالفتح والمد {فَسَبّحْ} أي فصلِّ والمرادُ به المغربُ والعشاءُ إيذانًا باختصاصهما بمزيد الفضلِ فإن القلبَ فيهما أجمعُ والنفسَ إلى الاستراحة أميلُ فتكون العبادةُ فيهما أشقَّ، ولذلك قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ الليل هِىَ أَشَدُّ وَطًْا وَأَقْوَمُ قِيلًا} {وَأَطْرَافَ النهار} تكريرٌ لصلاته الفجر والمغرِب إيذانًا باختصاصهما بمزيد مزيةٍ، ومجيئُه بلفظ الجمعِ لأمن الإلباس كقول من قال: ظَهراهما مثلُ ظهورِ التُّرسين، أو أمرٌ بصلاة الظهر فإنه نهايةُ النصفِ الأول من النهار وبدايةُ النصف الأخيرِ، وجمعُه باعتبار النصفين أو لأن النهارَ جنسٌ أو أمرٌ بالتطوع في أجزاء النهار {لَعَلَّكَ ترضى} متعلقٌ بسبح أي في هذه الأوقات رجاءَ أن تنال عنده تعالى ما ترضَى به نفسُك، وقرئ تُرضَى على صيغة البناء للمفعول من أرضى أي يُرضيك ربك.
{وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} أي لا تُطِلْ نظرَهما بطريق الرغبة والميل {إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ} من زخارف الدنيا، وقوله تعالى: {أزواجا مّنْهُمْ} أي أصنافًا من الكَفَرة مفعول متّعنا قُدّم عليه الجارُّ والمجرور للاعتناء به، أو هو حالٌ من الضمير والمفعولُ منهم أي إلى الذي متعنا به وهو أصنافُ وأنواعُ بعضِهم على أنه معنى مِنْ التبعيضية، أو بعضًا منهم على حذف الموصوفِ كما مر مرارًا {زَهْرَةَ الحياة الدنيا} منصوبٌ بمحذوف يدل عليه متعنا أي أعطينا أو به على تضمين معناه، أو بالبدلية من محل به أو من أزواجًا بتقدير مضافٍ أو بدونه، أو بالذم وهي الزينةُ والبهجةُ، وقرئ زهَرةَ بفتح الهاء وهي لغة كالجهَرة في الجهْرة أو جمعُ زاهر، وصفٌ لهم بأنهم زاهِرو الدنيا لتنعُّمهم وبهاءِ زِيِّهم بخلاف ما عليه المؤمنون الزهّاد {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} متعلقٌ بمتعنا جيء به للتنفير عنه ببيان سوءِ عاقبتِه مآلًا إثرَ إظهارِ بهجتِه حالًا، أي لنعاملهم معاملةَ من يبتليهم ويختبرُهم فيه أو لنعذّبهم في الآخرة بسببه {وَرِزْقُ رَبّكَ} أي ما ادخّر لك في الآخرة أو ما رزقك في الدنيا من النبوة والهدى {خَيْرٌ} مما منحهم في الدنيا لأنه مع كونه في نفسه أجلَّ ما يتنافس فيه المتنافسون مأمونُ الغائلةِ بخلاف ما منحوه {وأبقى} فإنه لا يكاد ينقطع نفْسُه أو أثرُه أبدًا كما عليه زهرة الدنيا. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ}.
كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله من قوله تعالى: {وكذلك نَجْزِى} [طه: 127] الآية والهمزة للإنكار التوبيخي والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام.
واستعمال الهداية باللام إما لتنزيلها منزلة اللازم فلا حاجة إلى المفعول أو لأنها بمعنى التبيين والمفعول الثاني محذوف.
وأيًا ما كان فالفاعل ضميره تعالى وضمير {لَهُمْ} للمشركين المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمعنى أغفلوا فلم يفعل الله تعالى لهم الهداية أو فلم يبين عز وجل لهم العبر.
وقوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون} إما بيان بطريق الالتفات لتلك الهداية أو كالتفسير للمعفول المحذوف، وقيل: فاعل {يَهْدِ} ضميره صلى الله عليه وسلم، وقيل: ضمير الاهلاك المفهوم من قوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا} والجملة مفسره له، وقيل: الفاعل محذوف أي النظر والاعتبار ونسب ذلك إلى المبرد، وففيه حذف الفاعل وهو لا يجوز عند البصريين، وقال الزمخشري: الفاعل جملة {كَمْ أَهْلَكْنَا}.. إلخ. ووقوع الجلمة فاعلًا مذهب كوفي، والجمهور على خلافه لكن رجح ذلك هنا بأن التعليل فيما بعد يقتضيه.
ورجح كون الفاعل ضميره تعالى شأنه بأنه قد قرأ فرقة منهم ابن عباس والسلمي {أَفَلَمْ} بالنون.
واختار بعضهم عليه كون الفعل منزلًا منزلة اللازم وجملة {لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا} بيانًا لتلك الهداية، وبعض آخر كونه متعديًا والمفعول مضمون الجملة أي أفلم يبين الله تعالى لهم مضمون هذا الكلام، وقيل: الجملة سادة مسد المفعول والفعل معلق عنها، وتعقب بأن {كَمْ} هنا خبرية وهي لا تعلق عن العمل وإنما التي تعلق عنه كم الاستفهامية على ما نص عليه أبو حيان في البحر لكن أنت تعلم أنه إذا كان مدار التعليق الصدارة كما هو الظاهر فقد صرح ابن هشام بأن لكل من كم الاستفهامية وكم الخبرية ما ذكر ورد في المغنى قول ابن عصفور: {إن كَمْ} في الآية فاعل يهد بأن لها الصدر ثم قال: وقوله إن ذلك جاء على لغة رديئة حكاها الأخفش عن بعضهم أنه يقول ملكت كم عبيد فيخرجها عن الصدرية خطأ عظيم إذ خرج كلام الله تعالى شأنه على هذه اللغة انتهى. وهو ظاهر في أنه قائل بأن كم هنا خبرية ولها الصدر.
نعم نقل الحوفي عن بعضهم أنه رد القائل بالفاعلية بأنها استفهامية لا يعمل ما قبلها فيها والظاهر خبريتها وهي مفعول مقدم لأهلكنا و{مّنَ القرون} متعلق بمحذوف وقع صفة لمميزها أي كن قرن كائن من القرون {يَمْشُونَ في مساكنهم} حال من {القرون} أو من مفعول {أَهْلَكْنَا} أي أهلكناهم وهم في حال أمن وتقلب في ديارهم.
واختار في البحر كونه حالًا من الضمير في {لَهُمْ} مؤكدًا للإنكار والعامل في {يهد} أي أفلم يهد للمشركين حال كونهم ماشين في مساكن من أهلكنا من القرون السالفة من أصحاب الحجر وثمود وقوم لوط مشاهدين لآثار هلاكهم إذا سافروا إلى الشام وغيره، وتوهم بعضهم أن الجملة في موضع الصفة للقرون وليس كذلك، وقرأ ابن السميقع {يمشون} بالتشديد والبناء للمفعول أي يمكنون في المشي {إِنَّ في ذَلِكَ} تعليل للإنكار وتقرير للهداية مع عدم اهتدائهم.
{وَذَلِكَ} اشارة إلى مضمون قوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا}.. إلخ، وما فيه من معنى البعد للاشعار ببعد منزلته وعلو شأنه في بابه.
{لاَيَاتٍ} كثيرة عظيمة ظاهرات الدالالة على الحق، وجوز أن تكون كلمة في تجريدية كما فيل في قوله عز وجل: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} {لأوْلِى النهى} أي لذوي العقول الناهية عن القبائح التي من أقبحها ما يتعاطاه هؤلاء المنكر عليهم من الكفر بآيات الله تعالى والتعامي عنها وغير ذلك من فنون المعاصي.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ}.
كلام مستأنف سيق لبيان حكمة عدم وقوع ما يشعر به قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} [طه: 128] الآية من أن يصيبهم مثل ما أصاب القرون المهلكة والكلمة السابقة هي العدة بتأخير عذاب الاستئصال عن هذه الامة إما إكرامًا للنبي صلى الله عليه وسلم كما يشعر به التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] أو لأن من نسلهم من يؤمن أو لحكمة أخرى الله تعالى أعلم بها أي لولا الكلمة السابقة والعدة بتأخير العذاب {لَكَانَ} أي عقاب جناياتهم {لِزَامًا} أي لازمًا لهؤلاء الكفرة بحيث لا يتأخر عن جناياتهم ساعة لزوم ما نزل باضرابهم من القرون السالفة، واللزام إما مصدر لازم كالخصام وصف به للمبالغة أو اسم آلة كحزام وركاب والوصف به للمبالغة أيضًا كلزاز خصم بمعنى ملح على خصمه.
وجوز أبو البقاء كونه جمع لازم كقيام جمع قائم وهو خلاف الظاهر {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} عطف على {كَلِمَةَ} كما أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة والسدى أي لولا العدة بتأخير عذابهم والأجل المسمى لأعمارهم لما تأخر عذابهم أصلًا، وفصله عما عطف عليه للمسارعة إلى بيان جواب لولا، والاشعار باستقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب ومراعاة فواصل الآي الكريم، وقيل: أي ولولا أجل مسمى لعذابهم وهو يوم القيامة.