فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

{وَعَنَتِ الوجوه}.
قال قتادة: ذلَّت الوجوه {لِلْحَىّ القيوم}؛ وقال القتبي: أصله من عنيته أي: حبسته، ومنه قيل للأسير عان؛ وقال الزجاج: رحمه الله: عنت أي: خضعت، يقال: عنا يعنو أي: خضع {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}، أي: خسر من حمل شركًا.
ثم قال: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات}، يعني: من يعمل من الطاعات ومن للصِّلة والزينة.
{وَهُوَ مُؤْمِنٌ} مع عمله، لأن العمل لا يقبل بغير إيمان، {فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا}؛ قال قتادة: أي: لا يزداد في سيئاته ولا ينقص من حسناته أي: لا يهضم.
قال السدي رحمه الله: الظلم أن يأخذ لما لم يعمل، والهضم النقصان من حقه.
قال القتبي: ومنه قيل هضيم الكشحين، أي: ضامر الجنبين، وهضمني الطعام أي أمرأني ويهضمني حقي.
قرأ ابن كثير {فَلاَ يَخَافُ} على معنى النهي، والباقون {فَلاَ يَخَافُ} على معنى الخبر.
ثم قال عز وجل: {وكذلك أنزلناه قُرْءانًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوعيد}، يعني: هكذا أنزلنا عليك جبريل، ليقرأ عليك القرآن على لغة العرب، وبينَّا في القرآن من أخبار الأمم الماضية وما أصابهم بذنوبهم {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} يعني: لكي يتقوا الشرك {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}، يعني: يحدث الوعيد بهذا القرآن، أو هذا القرآن لهم اعتبارًا، فيذكر به عذاب الله للأمم فيعتبروا؛ وهذا قول مقاتل، ويقال: {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} أي يحدث الوعيد بذكر العذاب فيزجرهم عن المعاصي، ويقال: {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}، أي شرفًا، والذكر الشرف.
ثم قال عز وجل: {فتعالى الله الملك الحق}، يعني: ارتفع وتعظم عن الشريك والولد {الملك الحق} أهل الربوبية؛ ويقال: {فتعالى الله الملك الحق}، يعني: ارتفع وتعظم من أن يزيد في سيئات أحد وينقص من حسنات أحد {الملك الحق} الذي يعدل بين الخلق ثم قال: {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرءان مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}، وذلك أن جبريل عليه السلام كان إذا قرأ القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يتعجل النبي صلى الله عليه وسلم بقراءته قبل أن يختم جبريل تلاوته مخافة أن لا يحفظ، فنزل: {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرءان مِن قَبْلِ} أن يفرغ جبريل عليه السلام من قراءته، فيكون في الآية تعليم حفظ الأدب، وهو الاستماع إلى من يتعلم منه؛ وهذا مثل قوله: {لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} روى جرير بن حازم عن الحسن أن رجلًا لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص قبل أن ينزل القرآن، فنزل {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرءان} الآية، أي لا تعجل بالقصاص من قبل أن يقضى عليك بالقرآن، ونزل قوله عز وجل: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء} قال: وكان الحسن يقرأ {مِن قَبْلُ إِنَّ يَقْضِى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} بالنصب، يعني: من قبل أن ينزل إليك جبريل بالوحي؛ وقراءة العامة {يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} بالرفع على فعل ما لم يسم فاعله، ومعنى القراءتين واحد.
ثم قال: {وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْمًا}، يعني: زدني علمًا بالقرآن، معناه زدني فهمًا في معناه.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى مِن رَّبِّهِ قَبْلُ}، يعني: أمرنا آدم عليه السلام بترك أكل الشجرة من قبل، يعني: من قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
{فَنَسِىَ}، يعني: فترك أمرنا، {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}؛ أي: حفظًا لما أمر به.
روى سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: {عَهِدْنَا إلى مِن رَّبِّهِ قَبْلُ فَنَسِىَ} يعني: فترك أمرنا {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}، يعني: حزمًا صريمًا؛ وقال قتادة: يعني: صبرًا؛ وقال السدي مثله، وقال عطية: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}، أي: حفظًا بما أمر به.
روى سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: عهد إلى آدم فنسي، فسمي الإنسان.
وقال القتبي: النسيان ضد الحفظ.
كقوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصخرة فَإِنِّى نَسِيتُ الحوت وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ واتخذ سَبِيلَهُ في البحر عَجَبًا} [الكهف: 63]، والنسيان الترك.
كقوله: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى مِن رَّبِّهِ قَبْلُ فَنَسِىَ} وكقوله: {فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا} وكقوله: {وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ}.
{وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى}، أي: تعظم عن السجود، {فَقُلْنَا يائادم أَن لاَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ}؛ يعني: إبليس عدو لك ولزوجك حواء فاحذرا منه، {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى}؛ يعني: فتتعب ويتعبا بعمل كفيك ولا تأكل إلا كدًا بعد النعمة.
وقال سعيد بن جبير: لما هبط آدم من الجنة وكلّف العمل، فكان يمسح العرق عن جبينه، فذلك قوله: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى}، وهو العرق الذي مسحه من الجبين.
ثم قال عز وجل: {إِنَّ لَكَ أَن لا تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى}، يعني: أن حالك ما دمت في الجنة لا تجوع ولا تعرى من الثياب.
{وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا}، يعني: لا تعطش في الجنة، {وَلاَ تضحى}؛ يعني: لا يصيبك الضحى؛ وهو حر الشمس.
قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر: {وَأَنَّكَ} بالكسر على معنى الابتداء، وقرأ الباقون {وَأَنَّكَ} بالنصب على معنى البناء.
قوله عز وجل: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان قَالَ يئَادَمُ ءادَمَ هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد} من أكل منها خلد ولم يمت {وَمُلْكٍ لاَّ يبلى}؟ يعني: هل أدلك على ملك لا يفنى؟ فهو أكل الشجرة.
{فَأَكَلاَ مِنْهَا}، يعني: من الشجرة وقد ذكرنا تفسير الشجرة في سورة البقرة.
{فَبَدَتْ لَهُمَا}، أي: ظهرت لهما عوراتهما، {سَوْءتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ}؛ أي: عمدا يلزقان {عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة وعصى ءادَمَ رَبَّهُ}، أي: ترك أمره بأكله من الشجرة، {فغوى}؛ أي: أخطأ ولم يصب بأكله ما أراد وما وعد له من الخلود.
{ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ}، أي: اختاره واصطفاه بالنبوة {فَتَابَ عَلَيْهِ}، يعني: تجاوز عنه وقبل توبته، {وهدى}؛ يعني: هداه الله تعالى للتوبة بكلمات تلقاها.
{قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا}؛ يعني: من الجنة آدم وحواء وإبليس والحية {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى}؛ يعني: يا ذرية آدم سيأتيكم مني الكتب والرسل، خاطبه به وعنى ذريته.
{فَمَنِ اتبع هُدَاىَ}؛ يعني: أطاع كتبي ورسلي {فَلاَ يَضِلُّ} باتباعه إياها في الدنيا، {وَلاَ يشقى} في الآخرة.
وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: من قرأ القرآن واتَّبع ما فيه، هداه الله من الضلالة ووقاه يوم القيامة سوء الحساب، فذلك قوله: {فَمَنِ اتبع هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يشقى}.
ثم قال عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى}، يعني: عن القرآن والرسل ولم يؤمن؛ وقال مقاتل: من أعرض عن الإيمان، {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}؛ يعني: معيشة ضيقة.
روي عن ابن مسعود، وأبي سعيد الخدري أنهما قالا: {مَعِيشَةً ضَنكًا}؛ يقول عذاب القبر.
وروى أبو سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {مَعِيشَةً ضَنكًا}، قال: «عَذَاب القَبْرِ».
{وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى}، أي: أعمى عن الحجة.
وقال ابن عباس: وذلك حين يخرج من القبر، يخرج بصيرًا؛ فإذا سيق إلى المحشر عمي.
قال عكرمة رحمه الله في قوله: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى}، قال: عمي قلبه عن كل شيء إلا جهنم؛ وقال الضحاك في قوله: {مَعِيشَةً ضَنكًا}.
قال: الكسب الخبيث وقيل: معيشة سوء، لأنه في معاصي الله؛ وقال السدي: {مَعِيشَةً ضَنكًا}، أي: عذاب القبر حين يأتيه الملكان؛ وقال قتادة: الضنك الضيق، يقول: ضنكًا في النار.
قوله عز وجل: {قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أعمى}، قال مجاهد: {لِمَ حَشَرْتَنِى أعمى} لا حجة لي؟ {وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا} بالحجة في الدنيا، ويقال: {لِمَ حَشَرْتَنِى أعمى} أي: أعمى العينين {وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا} في الدنيا؟ {قَالَ كذلك أَتَتْكَ اياتنا فَنَسِيتَهَا} يعني: الرسل والقرآن فنسيتها وتركت العمل بها ولم تؤمن بها.
{وكذلك اليوم تنسى}، أي: تترك في النار.
ويقال: {كذلك أَتَتْكَ اياتنا فَنَسِيتَهَا}، أي: تعلمت القرآن فنسيته وتركته.
وقال السدي: {وكذلك اليوم تنسى} أي: تترك في النار وتترك عن الخير.
ثم قال عز وجل: {وكذلك نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ} يعني: هكذا نعاقب من أشرك بالله، {وَلَمْ يُؤْمِن بئايات رَبّهِ}؛ بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن.
{وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَدُّ وأبقى}، يعني: وأدوم.
قوله عز وجل: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ}، يعني: أفلم يتبين لقومك؟ {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون يَمْشُونَ في مساكنهم}، يعني: يمرون على منازلهم.
{إِنَّ في ذَلِكَ لاَيَاتٍ}، يعني: في هلاكهم لعبرات {لاِوْلِى النهى}، يعني: لعبرات لذوي العقول من الناس.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى}؛ وهذا مقدم ومؤخر، يقول: ولولا كلمة سبقت بتأخير العذاب عن هذه الأمة إلى أجل مسمى، أي: إلى يوم القيامة، أي: لكان لزامًا، أي: لأخذتهم بالعذاب كما أخذت من كان قبلهم من الأمم عند التكذيب، ولكن نؤجلهم إلى يوم القيامة {وَهُوَ أَجَلٍ مُّسَمًّى}.
وقال القتبي: معناه ولولا أن الله عز وجل جعل الجزاء يوم القيامة وسبقت بذلك كلماته، لكان العذاب ملازمًا لا يفارقهم.
وقال: في الآية تقديم، أي: ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى، لكان العذاب لازمًا.
{فاصبر على مَا يَقُولُونَ}، يعني: على ما يقول أهل مكة من تكذيبهم إياك.
{وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ}، يعني: صل لربك واعمل بحمد ربك وبأمره {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس} يعني: صلاة الفجر وقبل غروبها، يعني: صلاة العصر؛ ويقال: صلاة الظهر والعصر.
وروى جرير، عن عبد الله البجلي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ» يعني: لا تزدحمون، مأخوذ من الضم أي: لا ينضم بعضكم إلى بعض في رؤيته بظهوره كما في رواية الهلال.
ويروى لا تضامون بالتخفيف وهو الضم أي: الظلم، أي: لا يظلم بعضكم في رؤيته بأن يراه البعض دون البعض «فَإنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا عَنِ الصَّلاةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا».
ثم قرأ هذه الآية {فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ}.
{قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}، على معنى التأكيد للتكرار {وَمِنْ ءانَاء الليل}، يعني: ساعات الليل.
{فَسَبّحْ}، يعني: صلاة المغرب والعشاء، {وَأَطْرَافَ النهار}؛ يعني: غدوة وعشية.
{لَعَلَّكَ ترضى}؛ يعني: لعلك تعطى من الشفاعة حتى ترضى.
قرأ الكسائي وعاصم في رواية أبي بكر {ترضى} بضم التاء على فعل ما لم يسم فاعله، والباقون بالنصب يعني: ترضى أنت؛ وقال أبو عبيدة: وبالقراءة الأولى نقرأ بالضم، لأن فيها معنيين أحدهما ترضى أي: تعطى الرضا، والأخرى ترضى أي يرضاك الله.
وتصديقه قوله تعالى: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بالصلاة والزكواة وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55]؛ وليس في الأخرى وهي القراءة بالنصب، إلا وجه واحد.
ثم قال عز وجل: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزواجا مّنْهُمْ}، يعني: لا تنظر بالرغبة إلى ما أعطينا رجالًا منهم من الأموال والأولاد.
{زَهْرَةَ الحياة الدنيا}، يعني: فإن زينة الدنيا.
{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}، يعني: لنبتليهم بالمال وقلة الشكر.
{وَرِزْقُ رَبّكَ}، أي: جنة ربك {خَيْرٌ} من هذه الزينة التي في الدنيا، {وأبقى}؛ أي: وأدوم.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: حدّثنا محمد بن الفضل.
قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفر.
قال: حدّثنا إبراهيم بن يوسف.
قال: حدّثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن يزيد بن عبد الله، عن أبي رافع قال: نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم ضيف فبعثني إلى يهودي أن يبيعنا أو يسلفنا إلى أجل، فقال اليهودي: لا والله إلاَّ بِرَهْنٍ فرجعت إليه فأخبرته فقال: «لَوْ بَاعَنِي أوْ أْسْلَفَنِي لَقَضَيْتُهُ؛ وإنِّي لأَمِينٌ فِي السَّمَاءِ وَأمِينٌ فِي الأَرْضِ، اذْهَبْ بِدِرْعِي الحَدِيدِيِّ» فذهبت بها فنزل من بعدي هذه الآية تعزية عن الدنيا {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزواجا مّنْهُمْ} إلى آخر الآية.
ثم قال عز وجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة}، يعني: قومك وأهلك وأهل بيتك بالصلاة.
{واصطبر عَلَيْهَا}، يعني: اصبر على ما أصابك فيها من الشدة.
روى عبد الرزاق، عن معمر، عن رجل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل عليه نقص في الرزق، أي: ضيق، أمر أهله بالصلاة.
ثم قرأ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا}.
{لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا} لخلقنا ولا أن ترزق نفسك؛ إنما نسألك العبادة.
{نَّحْنُ نَرْزُقُكَ} في الدنيا ما دمت حيًا.
{والعاقبة للتقوى}، يعني: الجنة للمتقين.
{وَقَالُواْ}، يعني الكفار: {لَوْلاَ يَأْتِينَا بِئَايَةٍ مّن رَّبّهِ}، يعني: هلا يأتينا محمد بعلامة لنبوته؟ قال الله تعالى: {أَوَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ}، يعني: بيان {مَا في الصحف الاولى}، يعني: ما في التوراة والإنجيل حتى يجدوا نعته فيه؛ وهذا كقوله عز وجل: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الحق مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} [يونس: 94].
ثم قال عز وجل: {وَلَوْ أَنَّا أهلكناهم بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ}، يقول: لو أن أهل مكة أهلكناهم قبل محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، {لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ءاياتك مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى}، يعني: من قبل أن نعذب.
ثم قال عز وجل: {قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبّصٌ}، يعني: منتظر لهلاك صاحبه أنا وأنتم وقال مقاتل: كان كفار مكة يقولون نتربص بمحمد {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} [الطور: 30]، يعني: الموت ووعدهم النبي صلى الله عليه وسلم العذاب، فأنزل الله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبّصٌ}، يعني: أنتم متربصون بمحمد صلى الله عليه وسلم الموت، ومحمد متربص بكم العذاب، فأنزل الله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبّصٌ} {فَتَرَبَّصُواْ}، أي: انتظروا، {فَسَتَعْلَمُونَ} إذا نزل بكم العذاب، {مَنْ أصحاب الصراط السوي}، أي: العدل {وَمَنِ اهتدى} منا ومنكم.
قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم: {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ} بالتاء، لأن لفظ البينة مؤنث، والباقون {أَوَلَمْ يَأْتِهِمْ} بالياء، لأن معناه البيان.
والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. اهـ.