فصل: مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب في الأفلاك وما يتعلق بها، وبحث في الشماتة، وما قيل في وزن الأعمال والإخبار بالغيب:

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ} لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} للضياء ونضج الأثمار ومنافع أخرى كثيرة ألمعنا إليها في الآية 15 من سورة يونس المارة {كُلٌّ} من هؤلاء {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 23 يجرون في الهواء بصورة بديعة لا يعتريها الزيغ، راجع الآية 40 من سورة يس والآية 15 من سورة الحجر المارة.
على أن العالم الألماني أنشتين اليهودي صاحب النظرية النسبية التي تقوم على معاكسة جميع الافتراضات القديمة في الفلك والحساب يقول: إن كل الحقائق التي أقرها العلم حتى الآن ما هي إلا بالنسبة لفرضيات افترضوها مما خيل لهم أنها حقائق وليست كذلك، وان الأرض يوشك أن لا تكون كروية ولا دائرة حول الشمس، خلافا لما أقره الأكثر على القول بكرويتها، وقال ابن كثير من علماء الإسلام وهو لا ينافي القرآن كما بينا في السورة المارة الذكر، أما القول بدورانها حول الشمس فهو بعيد عن رأي المحققين، وهو يخالف صراحة القرآن لفظا، واللّه أعلم بالواقع، وما ندري لعل الزمن يظهر مفكرين آخرين يؤيدون نظرية هذا اليهودي، واللّه تعالى يقول: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} الآية 76 من سورة يوسف المارة.
هذا، والفلك هو مدار النجوم الذي يضمها، وهو عرفا كل شيء مستدير، وجمعه أفلاك، والأفلاك أجرام صلبة لا ثقيلة ولا خفيفة ولا تقبل الخرق والالتئام ولا النموّ ولا الذبول، ولا يعرف كنه أفلاك اللّه إلا هو أعلمنا بوجودها كما لا يعلم مدى خرابها غيره، وكما أعلمنا بخرابها في قوله جلّ قوله: {إِذَا السماء انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ} وفي قوله: {إِذَا السماء انْشَقَّتْ} وقوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} وآيات أخرى كثيرة تدل على ذلك.
قال تعالى: {وما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} في الدنيا {أَفَإِنْ مِتَّ} يا سيد الرسل {فَهُمُ الْخالِدُونَ} 34 بعدك؟ كلا، فإنهم ميتون لا يبقى منهم أحد، نزلت هذه الآية حين قال المشركون إنا نتربص بمحمد ريب المنون، فنشمت بموته، فنغى اللّه تعالى الشماتة عنه في هذه الآية القاضية بعدم تخليد أحد في هذه الدنيا، قال ذو الإصبع العدواني:
إذا ما الدهر جرّ على أناس ** كلاكله أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا ** سيلقى الشّامتون كما لقينا

على أنه لا شماتة في الموت، لأنه محتوم على كل أحد، وتكون بغيره من المصائب، وإن كانت مقدرة لأنها على أناس دون آخرين، قال الشافعي رضي اللّه عنه:
تمنّى أناس أن أموت وإن أمت ** فتلك سبيل لست فيها بأوحد

فقل الذي يبغي خلاف الذي مضى ** تهيأ لأخرى مثلها وكأن قد

وإنما قالوا الموت لا شماتة فيه لأنه لا علاقة للعبد فيه، حتى ان المقتول يموت بأجله، وإنما الشماتة التي تقع على الغير بفعل الغير، ومن قال:
من عاش بعد عدوه ** يوما فقد بلغ المنى

بالنظر لظاهر الأمر، لأن فيه غياب عدوه عن نظره، فمن هذه الجهة يصدق قوله هذا، ومن قال إن هذه الآية تنفي حياة عيسى والخضر وإدريس والياس وغيرهم، وتثبت موتهم فقد أخطأ، لأن عيسى حي بنص القرآن والأحاديث الصحيحة، والخضر بالأحاديث والتواتر، وأنهما لابد أن يموتا، راجع الآية 61 من سورة الزخرف وما ترشدك إليه، والآية 57 من سورة مريم المارة تغىء عن رفع إدريس، ووردت أخبار وآثار بحق الياس، راجع الآية 132 المارة من سورة الصافات والآية 85 الآتية، على أنه لابد من موت الكل بقوله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} والذوق مقدمات الموت وآلامه لأنه به ينقطع ذلك، ويفيد سور الكلية العامة موت كل نفس، إلا أنه مخصوص بقوله تعالى: {تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ} الآية 116 من المائدة، لأن اللّه تعالى حي لا يموت ولا يجوز عليه الموت، فكما أنه تعالى لا يشبه شيئا من خلقه فكذلك نفسه الكريمة لا تشبه نفوس خلقه، وبعضهم جعل الخصوص أيضا في الجمادات، لأن لها نفوسا لا تموت، هذا والعام المخصوص حجة فيبقى معمولا به على ظاهره فيما عدا ما أخرج منه، وهذا يبطل قول الفلاسفة في الأرواح البشرية والعقول المفارقة والنفوس الفلكية أنها لا تموت، بل تموت أيضا وتدخل في عموم هذه الآية إذا كان لما قالوه من صحة {وَنَبْلُوكُمْ} نختبركم أيها الناس {بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} ابتلاء فهو مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه، أي لننظر كيف شكركم على ما تحبون وصبركم فيما تكرهون {وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ} 35 فنجازيكم بحسبها {وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يا سيد الرسل {إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} كأبي جهل وجماعته من رءوس الكفر، لأنهم كانوا إذا مرّوا به صلى الله عليه وسلم يضحكون ويقولون هذا نبي بني عبد مناف ويقول بعضهم لبعض {أَهذا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} أي يذمها، والذكر يطلق على المدح والذم {وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ} 36 أي كيف يستهزئون بك إذ تستهزء بأصنامهم وهم أحق أن يستهزىء بهم، لأنك تعبد الخالق وهم يعبدون ما يخلقون، ونزلت فيهم هذه الآية.
قال تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} العجلة طلب الشيء قبل أوانه، وهو من مقتضيات الشهوة، فلذلك صارت مذمومة حتى قيل العجلة من الشيطان، والقاعدة الشرعية: من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، قال القائل:
لا تعجلن لأمر أنت طالبه ** فقلما يدرك المطلوب ذو العجل

فذو التأني مصيب في مقاصده ** وذو التعجل لا يخلو من الزلل

فالإنسان لقلة صبره وفرط استعجاله جعل كأنه مخلوق من العجلة، لأنه يكثر منها، والعرب تقول لكثير الكرم خلق من الكرم {سَأُرِيكُمْ آياتِي} التي تطلبونها أيها الناس {فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} 37 نزولها وذلك أنهم كانوا يقولون لمحمد صلى الله عليه وسلم هات ما توعدنا به من العذاب أدع ربك فلينزله علينا، فأجابهم اللّه بأنه لابد من إنزاله بكم، ولَكِن لم يحن بعد أجله القدر له {وَيَقُولُونَ مَتى هذا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} 38 في قولكم يا محمد ويكررون هذه المقالة له على طريق السّخرية والاستهزاء بوعده، وهذا هو الاستعجال المذموم الذي أوعدهم اللّه سوء عاقبته، راجع الآية 48 من سورة يونس المارة.
قال تعالى: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ما هو ذلك العذاب هو {حِينَ} يحل بهم {لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} 39 إذا حل بهم فلا يقدرون على ردّ شيء منه ولا تأخيره، وجواب لو محذوف تقديره لما كانوا طلبوا ولا استهزأوا ولعلموا أن جهلهم هو الذي أوقعهم في ذلك العذاب وحدا بهم إلى تلك المهالك.
قال تعالى: {بَلْ تَأْتِيهِمْ} الساعة المقدر فيها نزوله أو الموت {بَغْتَةً} على حين غرة فجأة {فَتَبْهَتُهُمْ} ويهولهم أمرها وتراهم حين تأتيهم حائرين {فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها} عنهم ولا الصبر عليها {وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} 40 يمهلون ليتوبوا ويعتذروا كما أنهم لا ينصرون من قبل أحد.
قال تعالى مسليا لحبيبه: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} كما استهزأ بك قومك {فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} 41 من نزول العذاب فلم يحسوا إلا وقد نزل وأحاط بهم وكذلك قومك يا محمد إذا يقوا مصرين على تكذيبهم وسخريتهم يحيق بهم مثلهم، راجع نظيرة هذه الآية الآية 134 من سورة الأنعام المارة لمناسبة غير هذه المناسبة {قُلْ} يا سيد الرسل لقومك {مَنْ يَكْلَؤُكُمْ} يحرسكم إذا نمتم {بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ} إذا انصرفتم فيه لمعاشكم {مِنَ الرَّحْمنِ} إذا أراد إبقاع عذابه بكم فيهما، وفي التعريض لعذاب الرحمن دون غيره من الأسماء المقدسة والصفات الطاهرة تنبيه على أنه لا حفيظ لهم غيره بمقتضى رحمته وتلقين للجواب ليقولوا رحمتك تحرسنا، ونظير هذه قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} الآية 7 من سورة الانفطار الآتية ليقول كرمك يا رب فإذا وفقوا يقولون هنا وهناك ولَكِن أنى لهم التوفيق وقد فات وقته إذ يقول اللّه: {بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ} 42 فلا يخطر يبالهم لسابق شقائهم، فيا أكمل الرسل قل لمن يجادلك فيهم {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا} إذا أردنا بهم شرا؟ كلا، آلهتهم التي يزعمونها {لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} فهم عن نصر غيرها عجز {وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} 43 بالنصر والتأييد ليخلفوا وإذا كانوا كذلك فلا محيص لهم من العذاب قال تعالى: {بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ} الكفرة {وَآباءَهُمْ} متعناهم أيضا في الدنيا فاغتروا بها ولهوا بنعيمها {حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} وهم في صحة وأمن وسعة فقست قلوبهم وظنوا أنهم خالدون فيها لا يغلبون عليها لفرط جهلهم أخذوا على غفلة {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرض} التي هي تحت تصرف الكفار فنسلط عليها المؤمنين و{نَنْقُصُها مِنْ أطرافها} فنسلبها منهم ونضمها للمؤمنين وهذا من الإخبار بالغيب، لأنه تقدير لما سيجريه اللّه تعالى لرسوله من النصر والفتوح في غزواته ومن بعده لأصحابه إذ تدخل عساكرهم أراضي المشركين عنوة أو صلحا غالبة ظافرة فنضمها إلى المسلمين فتكون في حوزتهم فإذا فعل بهم هذا {أَفَهُمُ الْغالِبُونَ} 44 أم نحن؟
كلا بل هم المغلوبون، والغلبة للّه ولرسوله وللمؤمنين، راجع الآية 8 من سورة المنافقين، وهذا الاستفهام إنكاري جوابه النفي، وكيف لا يكونون غالبين وهم حزب اللّه الذي لا زال غالبا من قبل للرسل وأتباعهم، فلأن يكون الغلب لخاتم الرسل وأتباعه من باب أولى.
ولهذا البحث صلة في الآية 44 من سورة الرعد الآتية ج 3، وقد مرّ له بحث في الآية 8 من سورة المؤمن والآية 75 من الصافات فراجعها.
وفي هذه الآية إشارة إلى أن النقص الواقع بطرفي الأرض من جهة قطبيها الشمالي والجنوبي، وهو أيضا من الإخبار بالغيب، إذ لم يكن أحد في عهد نزول القرآن يعلم ذلك، صدق اللّه العظيم {ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ} الآية 38 من سورة الأنعام المارة، قيل كان ابن الجوزي يدرس في جامع دمشق في هذه الآية فقال له رجل هل في القرآن ما يدل على أن فأرة حملت عصا بذنبها وتريد أن تدخل جحرها معها؟
قال نعم في قوله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ} الآية 25 من سورة النحل المارة، رحمه اللّه ما أدق فكره، راجع الآية المذكورة في سورة الأنعام المارة، والآية 23 في سورة الشورى المارتين {قُلْ} لهم يا سيد الرسل {إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} المنزل عليّ من ربي لا بما تتفوّهون به من السحر والشعر والكهانة وغيرها من الأمور الثمانية المارة من الآية 5 من هذه السورة {وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدعاء إِذا ما يُنْذَرُونَ} 45 يخوفون ولَكِنهم بمعزل عن السماع ولأنهم لا يسمعون مطلقا، وإنما قال بالوحي ليعلمهم أن إنذاره مقتصر على الإخبار الإلهي لا باقتراح الآيات لأنه مزاحم للحكمة التكوينية والتشريعية، ولأن الإيمان برهاني لا عياني.
قال تعالى: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ} شيء قليل وطرف يسير كأدنى شيء {مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ} 46 لأقروا على أنفسهم بالظلم حالا فكيف إذا أصابهم معظم العذاب أو صب عليهم كله يا ويل من لم يرجع إلى اللّه قبل أن لا يقبل منه الرجوع قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ} فنزن بها أعمال الخلق فمن أحاطت حسناته بسيئاته فقد فاز ونجى ومن حاقت سيئاته بحسناته فقد خاب وخسر وإذ ذاك يظهر للكافرين قوله تعالى: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْنًا} الآية 107 من سورة الكهف المارة، إذ لا أعمال لهم صالحة، وقرىء القصط بالصاد لأنه قد يحل محل السين كما أن السين نحل محله في الصراط راجع تفسيره في سورة الفاتحة، واللام هنا في يوم القيامة بمعنى في، وعليه قول مسكين الدارمي:
أولئك قومي قد مضوا لسبيلهم ** كما قد مضى من قبل عاد وتبّع

{فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} بذلك الوزن لأن اللّه تعالى وصفها بالعدل على ما يعرفون أن منها ما يكون في الدنيا مستقيما ومنها ما لا يكون فبين اللّه تعالى لهم أن موازين الآخرة على العدل والاستقامة فلا يتصور فيها النقص والزيادة اللذان هما من دواعي الظلم {وَإِنْ} وصلية {كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} لا يظلمه وهذا مبالغة في القلة بحسب عرفنا لأنا لا نرى أقل منها وإلا فاللّه تعالى يجازي ويثيب على أقل منها مما لا يدركه الطرف ولا يوزن {أَتَيْنا بِها} إلى فاعلها ليعلم أنا واقفون على كل حركاته وسكناته، وإنا نحاسبه عليها مهما كانت {وَكَفى بِنا حاسِبِينَ} 47 عادين محصين ومتقنين أعمالكم عالمين بها حافظيها عليكم فنعفوا عمن نشاء ونعاقب من نشاء إذا شئنا على الفتيل والنقير والقطمير، قال الشبلي وقد رؤي بالمنام بعد مرته رحمه اللّه ما فعل اللّه بك فقال:
حاسبونا فدقفوا ** ثم منوا فأعتقوا

هكذا عادة الملو ** ك بالمماليك يرفقوا

وفي رواية يشفقوا، وتشير هذه الآية إلى أن الحساب بعد وضع الموازين، أخرج الترمذي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن اللّه سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق، فينشر له تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مد البصر، ثم يقول أتنكر من هذه شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول لا يا رب، فيقول ذالك عذر؟ فيقول لا يا رب، فيقول اللّه تعالى بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول احضر وزنك، فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت خفت تلك السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم اللّه شيء».
هذا لأنه قالها بإخلاص وعقيدة راسخة فخبأها اللّه له، وفي هذا الحديث دلالة على أن صحائف الأعمال نفسها توزن، لا أن الأعمال تنجسد ثم توزن، واللّه أعلم بحقيقة الحال لأن أفعال الآخرة فوق العقل لا يعرفها إلا من يشاهدها، لهذا يجب الاعتقاد والتسليم للمخبر بها.