فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

1- المجاز المرسل في قوله: {قرية} إذ المراد أهلها وقد تقدم مثال ذلك كثيرا.
2- التهكم بقوله: {وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ} وقد ألمعنا إلى المراد من هذا التهكم ونزيد عليه هنا احتمالين هامين مترتبين على هذا التهكم:
أ- انهم كانوا أسخياء حقيقة يجودون بالنوال ويبسطون أيديهم بالعطايا ولَكِنهم كانوا يفعلون ذلك رئاء الناس واكتسابا للشهرة والثناء وفي ذلك من الإيلام والايجاع ما فيه، إذ يرون أن ما أنفقوه وما بذلوه لم يكن إلا زيادة في برحائهم وإمعانا في عذابهم:
ب- انهم كانوا بخلاء يكرهون البذل ويصدون عمن جاء يستندي سحاب أكفهم ويمتري اخلاف جدواهم فقيل لهم ذلك ليزيدهم إيلاما على إيلام وإيجاعا على إيجاع.

.الفوائد:

1- قوله: {كِتابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} أي فيه ما يوجب الثناء عليكم لكونه نازلا بلسانكم وبين ظهرانيكم وعلى رسول منكم وقيل فيه ما تنشدونه من حسن الذكر وبعد الصيت وطيب الأحدوثة وقيل فيه الموعظة لكم والإرشاد لما ينفعكم في دينكم ودنياكم وجميع ذلك محتمل.
2- بحث لما:
تقع لما في العربية على ثلاثة أوجه:
الأول:
أن تختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضيا كـ: لم إلا أنها تفارقها في خمسة أمور:
1- انها لا تقترن بأداة شرط فلا يقال: إن لما تقم ويقال: إن لم تقم.
2- ان منفيها مستمر النفي إلى الحال أما منفي لم فيحتمل الاتصال والانقطاع مثل: {لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} ولهذا جاز أن تقول: لم يكن ثم كان، ولَكِن لا يجوز أن تقول: لما يكن ثم كان.
3- ان الغالب في منفي لما ان يكون قريبا من الحال بخلاف منفي لم.
4- ان منفي لما متوقع ثبوته بخلاف منفي لم.
5- ان منفي لما جائز الحذف لدليل كقوله:
فجئت قبورهم بدءا ولما

أي ولما أكن بدءا قبل ذلك أي سيدا ولا يجوز:
وصلت إلى حمص ولم تريد ولم أدخلها.
الثاني:
أن تختص بالماضي فتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما نحو: لما جاءني أكرمته ويقال فيها حرف وجود لوجود وبعضهم يقول وجوب لوجوب وقيل هي ظرف لفعل وقع لوقوع غيره وقال جماعة: انها ظرف بمعنى حين.
الثالث:
أن تكون حرف استثناء بمعنى إلا فتدخل على الجملة الاسمية نحو: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْها حافِظٌ} فيمن شدد الميم وعلى الماضي لفظا لا معنى نحو أنشدك اللّه لما فعلت أي ما أسألك إلا فعلك.

.[سورة الأنبياء: الآيات 14- 23]:

{قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (14) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدًا خامِدِينَ (15) وما خَلَقْنَا السماء وَالأرض وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأرض وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرض هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَا يَصِفُونَ (22) لا يُسْئَلُ عَمَا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23)}.

.اللغة:

{حَصِيدًا}: فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه الواحد وغيره وستأتي قاعدته في باب الفوائد وهو الزرع المحصود.
{خامِدِينَ}: يقال خمدت النار وهمدت كل منهما من باب دخل لَكِن الأول عبارة عن سكون لهبها مع بقاء الجمر والثاني عبارة عن ذهابها بالكلية.
{لَهْوًا}: في المصباح: اللهو معروف، تقول أهل نجد: لهوت عنه ألهو لهيّا والأصل على فعول من باب قعد، وأهل العالية لهيت عنه ألهى من باب تعب ومعناه السلوان والترك ولهوت به لهوا من باب قتل أولعت به أيضا، قال الطرطوشي: وأصل اللهو الترويح عن النفس بما لا تقضيه الحكمة وألهاني الشيء بالألف شغلني اهـ.
وفي القاموس والتاج: لهى لهوا لعب كالتهى وألهاه ذلك والملاهي آلاته وتلاهى بذاك والألهوة والألهية والتلهية ما يتلاهى به ولهت المرأة إلى حديثه لهوا ولهوّا: أنست به وأعجبها واللّهوة المرأة الملهو بها كاللهو وبالضم والفتح ما ألقيته في فم الرحى والعطية أو أفضل العطايا وأجزلها كاللهية والحفنة من المال أو الألف من الدنانير والدراهم لا غير ولهي به كرضي أحبه وعنه سلا وغفل وترك ذكره كلها كدعا لهيا ولهيانا، وقال شارح القاموس قوله: لها لهوا لعب قضية اتحادهما وقد فرق بينهما جماعة فقيل يشتركان في أنهما اشتغال بما لا يعني حراما أو لا قيل واللهو أعم مطلقا فاستماع الملاهي لهو لا لعب وقال الجوهري: قد يكنى باللهو عن الجماع ويدل على ما قاله امرؤ القيس:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ** كبرت وان لا يحسن اللهو أمثالي

{فَيَدْمَغُهُ}: فيذهبه وبابه قطع وفي القاموس: دمغة قهره ودمغ الحق بالباطل: أبطله ومحقه وسيأتي تفصيل ذلك في باب البلاغة.
{يَسْتَحْسِرُونَ} يكلون ويتعبون يقال: استحسر البعير أي كلّ وتعب ويقال حسر البعير وحسرته أنا فيكون لازما ومتعديا وأحسرته أيضا فيكون فعل وأفعل بمعنى واحد وسيأتي مزيد بيان عن الاستحسار في باب البلاغة.

.الإعراب:

{قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ} يا أداة نداء وويلنا منادى مضاف يدعون الويل والثبور لأن هذا وقته ويجوز أن تكون {يا} للتنبيه و{ويلنا} مصدر لفعل محذوف والجملة مقول قولهم وإن واسمها وجملة {كنا ظالمين} خبرها وكان واسمها و{ظالمين} خبرها. {فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدًا خامِدِينَ} الفاء عاطفة وما زالت فعل ماض ناقص والتاء علامة التأنيث وتلك اسم إشارة اسمها في محل رفع و{دعواهم} خبرها منصوب بفتحة مقدرة على الألف والهاء مضاف إليه والميم حرف دال على جمع الذكور والمراد بالدعوى تلك الكلمات وهي {يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ} و{حتى} حرف غاية وجر و{جعلناهم} فعل وفاعل ومفعول به أول و{حصيدا خامدين} مفعول به ثان لأن حكمهما حكم الواحد. إذ إن معنى جعلناهم حصيدا خامدين: جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد والخمود ومثال ذلك قولك جعلته حلوا حامضا أي جامعا للطعين أي مزا، ولك أن تجعل {خامدين} صفة لحصيدا. {وما خَلَقْنَا السماء وَالأرض وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ} الواو حرف عطف أو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لعرض البدائع والعجائب التي انطوى عليها خلق السموات والأرض وما فيهما للعظة ولتكون مطارح اعتبار وحافزا للتفكير والاستدلال و{ما} نافية و{خلقنا} فعل وفاعل و{السماء} مفعول به و{الأرض} عطف على {السماء} {وما} عطف على السماء والأرض وبينهما ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول و{لاعبين} حال من فاعل {خلقنا} {لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ} {لو} شرطية امتناعية و{أردنا} فعل وفاعل و{أن} وما بعدها في تأويل مصدر مفعول {أردنا} وفاعل نتخذ ضمير مستتر تقديره نحن و{لهوا} مفعول به و{لاتخذناه} اللام واقعة في جواب {لو} و{اتخذناه} فعل وفاعل ومفعول به {من لدنا} متعلقان بمحذوف مفعول به ثان لاتخذ وإن يجوز أن تكون نافية بمعنى ما و{كنا فاعلين} كان واسمها وخبرها والجملة حالية من فاعل اتخذناه أي حال كوننا غير فاعلين ويجوز أن تكون إن شرطية وجوابها محذوف يدل عليه جواب لو ولعل هذا أولى وأشبه الوجهين بمذهب العربية. {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَا تَصِفُونَ} {بل} إضراب عن اتخاذ اللهو واللعب وتنزيه منه تعالى لذاته و{نقذف} فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره نحن و{بالحق} جار ومجرور متعلقان بنقذف وعلى الباطل متعلقان بمحذوف حال أي مستعليا على الباطل، {فيدمغه} عطف على نقذف {فإذا} الفاء عاطفة وإذا فجائية وقد تقدم ذكرها و{هو} مبتدأ و{زاهق} خبرها {ولكم} الواو استئنافية و{لكم} خبر مقدم و{الويل} مبتدأ مؤخر و{مما} متعلقان بالاستقرار الذي تعلق به الخبر وهو مما، أي استقر لكم الويل من كل ما تصفون و{مما} يجوز أن تكون موصولة وأن تكون مصدرية وعلى كل جملة {تصفون} لا محل لها. {وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأرض} الواو عاطفة و{له} خبر مقدم و{من} مبتدأ مؤخر و{في السموات والأرض} صلة. {وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} الواو عاطفة و{من} معطوفة على {من} الأولى و{عنده} ظرف متعلق بمحذوف صلة وجملة {لا يستكبرون} حالية من {من} الأولى و{عن عبادته} متعلقان بيستكبرون وجملة {لا يستحسرون} عطف على جملة {لا يستكبرون} ويجوز أن تكون الواو للاستئناف و{من عنده} أي الملائكة مبتدأ خبره جملة {لا يستكبرون} والجملة مستأنفة. {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ} جملة مستأنفة مسوقة لتقرير ما يصنعه من عند اللّه في عبادتهم و{يسبحون} فعل مضارع وفاعل ويجوز أن تكون الجملة حالية و{الليل والنهار} ظرفان متعلقان بيسبحون وجملة {لا يفترون} حال من فاعل {يسبحون} {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرض هُمْ يُنْشِرُونَ} {أم} المنقطعة عاطفة وتفيد الإنكار و{اتخذوا} فعل وفاعل و{آلهة} مفعول به و{من الأرض} صفة و{هم} مبتدأ وجملة {خبر} وجملة {هم ينشرون} صفة لآلهة ومفعول {ينشرون} محذوف أي يحيون الموتى ويجوز جعلها جملة مستأنفة لم يدعوا لآلهتهم انها تنشر الموتى ولَكِنهم بمجرد دعواهم ألوهيتها يترتب عليهم أن يدعوا ضمنا انها تنشر الموتى وسيأتي مزيد بحث حول الضمير الذي هو {هم} في باب البلاغة. {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَا يَصِفُونَ} {لو} شرطية امتناعية و{كان} فعل ماض ناقص و{فيهما} خبر كان المقدم و{آلهة} اسمها المؤخر و{إلا} بمعنى غير صفة لآلهة ظهر إعرابها على ما بعدها ولا يصح أن تكون استثنائية لأن مفهوم الاستثناء فاسد هنا إذ حاصله انه لو كان فيهما آلهة لم يستثن اللّه منهم لم تفسدا وليس كذلك فإن مجرد تعدد الآلهة يوجب لزوم الفساد مطلقا وسيأتي مزيد بسط لهذا المبحث الهام، و{لفسدتا} اللام واقعة في جواب {لو} وجملة {فسدتا} لا محل لها من الإعراب {فسبحان اللّه} الفاء عاطفة لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ثبوت الوحدانية بالبرهان وسبحان مفعول مطلق لفعل محذوف ولفظ الجلالة مضاف إليه و{رب العرش} بدل أو صفة للفظ الجلالة و{عما} متعلقان بسبحان وجملة {يصفون} لا محل لها لأنها صلة ما ويجوز أن تكون ما مصدرية. {لا يُسْئَلُ عَمَا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} الجملة مستأنفة مسوقة لبيان تفرده سبحانه بالسلطان، بحيث لا يسأله أحد عما يفعله و{لا} نافية و{يسأل} فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر تقديره هو و{عما} متعلقان بيسأل {وهم} الواو عاطفة أو حالية و{هم} مبتدأ وجملة {يسألون} خبر.

.البلاغة:

في هذه الآيات فنون عديدة أولها:
1- الاستعارة في قولهم {يا ويلنا} فقد خاطبوا الويل وهو الهلاك كأنه شخص حي يدعونه لينقذهم مما هم فيه.
2- التشبيه البليغ في قوله: {جَعَلْناهُمْ حَصِيدًا خامِدِينَ}.
فقد شبههم بعد حلول العذاب بهم بالحصيد أولا وهو الزرع المحصود ووجه الشبه بين المشبه والمشبه به هو الاستئصال من المنابت ثم شبههم ثانيا بالنار المنطفئة ولم يبق منها إلا جمر منطفىء لا نفع فيه ولا قابلية لشيء من النفع منه فلا ترى إلا أشلاء متناثرة وأجزاء متفرقة قد تمددت وقدران عليها البلى.
3- الاستعارة المكنية في قوله: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق} فقد شبه الحق والباطل وهما معنويان بشيئين ماديين محسوسين يقذفان ويدفعان ثم حذف هذين الشيئين واستعار ما هو من لوازمهما وهما القذف والدمغ لتجسيد الاطاحة بالباطل واعتلاء الحق عليه وتصوير إبطاله وإهداره ومحقه كأنه جرم صلب كصخرة أو ما يماثلها في القوة والصلابة قذف به على جرم رخو أجوف فدمغه وهي من استعارة المحسوس للمعقول وقد تقدم بحث ذلك مفصلا مع استيفاء أقسام الاستعارة بالنسبة لطرفي التشبيه.
4- قوة اللفظ لقوة المعنى: وقد تقدم الكلام عن هذا الفن ونعني به نقل اللفظ من وزن إلى وزن آخر أكثر منه ليتضمن من المعنى الدال عليه أكثر مما تضمنه أولا لأن الألفاظ أدلة على المعاني وأمثلة للابانة عنها فاذا زيد في الألفاظ أوجبت القسمة زيادة المعاني وهذا الضرب من الزيادة لا يستعمل إلا في مقام المبالغة وهو هنا في قوله تعالى: {وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} فقد عدل عن الثلاثي وهو حسر إلى السداسي وهو استحسر وقد كان ظاهر الكلام أن يقال يحسرون أي يكلون ويتعبون، لأن أقل ملل منهم أو كلال إزاء الملائكة وإزاء عبادتهم للّه سبحانه لا يتصور منهم ولَكِنه عدل عن ذلك لسرّ يخفى على النظرة السطحية الأولى وهو أن ما هم فيه من انهماك بالعبادة وانصراف بالكلية لها يوجب غاية الحسور وأقصاه.
5- التصريح بالضمير: وذلك في قوله: {هم ينشرون} وقد كان يكفي أن يقول ينشرون ولَكِنه عدل عن ذلك إلى التصريح بالضمير لإفادة معنى الخصوصية أولا كأنهم قالوا ليس هنا من يقدر على الإنشار غيرهم وثانيا لتسجيل إلزامهم ادعاء صفات الألوهية لآلهتهم وهذا الادعاء قد أبطله اللّه في الآية التالية لهذه الآية بدليل التمانع المغترف من بحر هذه الآية وهي {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا} كما سيوضح في الإعراب، وهذا من جوهر الكلام وخالصه.
6- المذهب الكلامي: وذلك في قوله: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا} وذكر ابن المعتز أن الذي سماه هذه التسمية هو الجاحظ والكتاب الكريم مشحون به وتعريفه هو انه احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجة تقطع المعاند له على طريقة أرباب الكلام وله طرق متعددة وقد أوصلها الرماني في تفسيره المسمى بالنكت في إعجاز القرآن إلى خمسة ضروب ومنها إخراج الكلام مخرج الشك للمبالغة في العدل فملزوم قوله: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا} انهما ما فسدتا فليس فيهما آلهة إلا اللّه، وإيضاح ذلك إن دليل التمانع هو انه لو وجد مع اللّه إله آخر ربما قالوا لو فرضنا وجود إلهين فإما أن يكونا جميعا موصوفين بصفات الكمال اللاتي يندرج فيها القدرة على احياء الموتى وانشارهم وغير ذلك من الممكنات أو لا يتصف بها واحد منهما أو أحدهما دون الآخر وعندئذ تفسد الرعية بتدبير الملكين لما يحدث بينهما من التغالب والتناكر والاختلاف وعن عبد الملك بن مروان حين قتل عمرو بن سعيد الأشدق: كان واللّه أعز على من دم ناظري ولَكِن لا يجتمع فحلان في شول وللمتكلمين في طريقة التمانع جولات واسعة تؤخذ في مظانها، وسيرد إيضاحها في باب الفوائد.