فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

إلا بمعنى غير:
الأصل في إلا أن تكون للاستثناء وفي غير أن تكون وصفا ثم قد تحمل إحداهما على الأخرى فيوصف بإلا ويستثنى بغير فإن كانت إلا بمعنى غير وقعت هي وما بعدها صفة لما قبلها وذلك حيث لا يراد بها الاستثناء وانما يراد بها وصف ما قبلها بما يغاير ما بعدها كقوله تعالى: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا} فإلا وما بعدها صفة لآلهة لأن المراد نفي الآلهة المتعددة واثبات الإله الواحد الفرد ولا يصح الاستثناء بالنصب لأن المعنى يكون حينئذ: لو كان فيهما آلهة ليس فيهم اللّه لفسدتا وذلك يقتضي أنه لو كان فيهما آلهة فيهم اللّه لم تفسدا وهذا ظاهر الفساد، وسامح اللّه ابن يعيش شارح مفصل الزمخشري حيث أجاز النصب على الاستثناء في الآية الكريمة غير مقدر ما يترتب على النصب من فساد وعبارة ابن يعيش قال اللّه تعالى: لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتا والمراد غير اللّه فهذا لا يكون إلا وصفا ولا يجوز أن يكون بدلا يراد به الاستثناء لأنه يصير في تقدير لو كان فيهما إلا اللّه لفسدتا وذلك فاسد لأن لو شرط فيما مضى فهي بمنزلة إن في المستقبل وأنت لو قلت إن أتاني إلا زيد لم يصح لأن الشرط في حكم الموجب فكما لا يصح أتاني إلا زيد كذلك لا يصح إن أتاني إلا زيد فلو نصب على الاستثناء فقلت لو كان فيهما إلا اللّه لجاز. ثم لا يصح أيضا أن يعرب لفظ الجلالة بدلا من آلهة لأنه حيث لا يصح الاستثناء لا تصح البدلية ثم إن الكلام موجب فلا تجوز البدلية ولو صح الاستثناء لأن النصب واجب في الكلام الموجب التام وأيضا لو جعلته بدلا لكان التقدير: لو كان فيهما إلا اللّه لفسدتا لأن البدل على نية طرح المبدل منه كما هو معلوم ولعدم صحة الاستثناء هنا وعدم جواز البدلية تعين أن تكون إلا بمعنى غير.
ولتتمة هذا المبحث الدقيق ننقل الفصل الممتع الذي أورده العلامة ابن هشام في مغني اللبيب ورده على المبرد مع تعليقات مناسبة ليستوفي الموضوع حقه قال ابن هشام بعد أن ذكر أن لإلا أربعة أوجه:
والثاني أن تكون صفة بمنزلة غير فيوصف بها وبتاليها جمع منكر أو شبهه فمثال الجمع المنكر: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا} فلا يجوز في إلا هذه أن تكون للاستثناء من جهة المعنى إذ التقدير حينئذ لو كان فيهما آلهة ليس فيهم اللّه لفسدتا وذلك يقتضي بمفهومه أنه لو كان فيهما آلهة فيهم اللّه لم تفسدا وليس ذلك المراد، ولا من جهة اللفظ لأن آلهة جمع منكر في الإثبات فلا عموم له فلا يصح الاستثناء منه فلو قلت قام رجال إلا زيدا لم يصح اتفاقا، وزعم المبرد أن إلا في الآية للاستثناء وان ما بعدها بدل محتجا بأن لو تدل على الامتناع وامتناع الشيء انتفاؤه وزعم أن التفريغ بعدها جائز وان نحو لو كان معنا إلا زيد أجود كلام ويرده انهم لا يقولون لو جاءني ديّار أكرمته ولا لو جاءني من أحد أكرمته ولو كانت بمنزلة النافي لجاز ذلك كما يجوز ما فيها ديار وما جاءني من أحد ولما لم يجز ذلك دل على أن الصواب قول سيبويه إن إلا وما بعدها صفة. إلى أن يقول: وشرط ابن الحاجب في وقوع إلا صفة تعذر الاستثناء وجعل من الشاذ قول حضرمي بن عامر الصحابي وقيل عمرو بن معدى كرب:
وكل أخ مفارقه أخوه ** لعمر أبيك إلا الفرقدان

ومعنى الشذوذ فيه انه ليس استثناء إذ لم ينصب بعد الكلام التام الموجب فتعين أنه صفة ولم يتعذر الاستثناء فهو شاذ إذ كان يمكنه أن يقول إلا الفرقدين، ونحسب أن البحث طال فحسبنا ما تقدم.

.[سورة الأنبياء: الآيات 24- 29]:

{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَدًا سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)}.

.الإعراب:

{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} {أم} حرف عطف للاضراب والانتقال إلى إظهار بطلان ما اتخذوه آلهة مع خلوها من خصائص الألوهية، و{اتخذوا} فعل ماض وفاعل و{من دونه} في محل نصب مفعول به ثان لاتخذوا و{آلهة} هو المفعول الأول. {قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ} {هاتوا} فعل أمر مبني على الكسر دائما إلا مع واو الجماعة فيضم وواو الجماعة فاعل وبرهانكم مفعول به. {هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} {هذا} مبتدأ والإشارة للقرآن وجميع الكتب السماوية و{ذكر} خبر و{من} مضاف إليه و{معي} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول و{ذكر} عطف على {ذكر} الأولى و{من} مضاف إليه والظرف صلة والجملة مستأنفة.
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} {بل} حرف إضراب و{أكثرهم} مبتدأ وجملة {لا يعلمون} خبر والواو فاعل و{الحق} مفعول به، فهم الفاء للتعليل وهم مبتدأ و{معرضون} خبر. {وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} الواو استئنافية و{ما} نافية و{أرسلنا} فعل وفاعل و{من قبلك} حال و{من} حرف جر زائد و{رسول} مجرور لفظا منصوب محلا على انه مفعول به و{إلا} أداة حصر و{نوحي} فعل وفاعل و{اليه} متعلقان بنوحي و{لا إله إلا أنا} تقدم إعرابها كثيرا والفاء الفصيحة واعبدوني فعل أمر والواو فاعل والياء المحذوفة تبعا لرسم المصحف مفعول به والجملة مستأنفة مقررة لما سبق إجماله من توحيد اللّه كما نطقت بذلك الكتب السماوية استدلالا بمقتضيات العقل والمنطق. {وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَدًا سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ} استئناف آخر مسوق لحكاية أقوال بعض القبائل العربية الذين قالوا:
الملائكة بنات اللّه ويقال انهم بنو خزاعة وبنو جهينة وبنو سلمة وبنو مليح وجملة اتخذ {الرحمن ولدا مقول} القول و{سبحانه} مصدر لفعل محذوف وقد مر والجملة معترضة و{بل} حرف إضراب و{عباد} خبر لمبتدأ محذوف و{مكرمون} صفة وقد وصف الملائكة بسبع صفات تقدمت الأولى. {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} وهاتان صفتان ثانيتان الأولى جملة {لا يسبقونه} بالقول والثانية جملة {هم بأمره يعملون} وبأمره متعلقان بيعملون وجملة {يعملون} خبرهم.
{يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ} وهذه هي الصفة الرابعة و{ما} موصول مفعول به و{بين} ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول و{أيديهم} مضاف إليه {وما خلفهم} عطف على {ما بين أيديهم}. {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} وهاتان صفتان أخريان و{يشفعون} فعل مضارع وفاعل و{إلا} أداة حصر و{لمن} متعلقان بيشفعون و{ارتضى} صلة الموصول و{هم} مبتدأ و{من خشيته} جار ومجرور متعلقان بمشفقون و{مشفقون} خبرهم. {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} وهذه هي الصفة السابعة والأخيرة و{من} شرطية مبتدأ و{يقل} فعل الشرط مجزوم و{منهم} حال وان واسمها و{إله} خبرها والفاء رابطة لجواب الشرط لأنه وقع جملة اسمية وذلك اسم إشارة مبتدأ وجملة {نجزيه} خبر والهاء مفعول نجزي و{جهنم} مفعول نجزي الثاني والجملة جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر ذلك و{كذلك نجزي الظالمين} الكاف نعت لمصدر محذوف أي نجزي الظالمين جزاء مثل ذلك.

.[سورة الأنبياء: الآيات 30- 33]:

{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالأرض كانَتا رَتْقًا فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الماء كُلَّ شيء حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنا فِي الأرض رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)}.

.اللغة:

رَتْقًا: في المختار: الرتق: ضد الفتق وقد رتقت الفتق من باب نصر سددته فارتتق أي التأم ومنه قوله تعالى: كانتا رتقا ففتقناهما، والرتق بفتحتين مصدر قولك امرأة رتقاء أي لا يستطاع جماعها لارتتاق ذلك الموضع منها وفي الأساس: رتق الفتق حتى ارتتق وقرئ كانتا رتقا ورتقا وعن ابن الكلبي كانتا رتقاوين ففتق اللّه السماء بالماء وفتق الأرض بالنبات وامرأة رتقاء بينة الرّتق إذا لم يكن لها خرق إلا المبال.
{رَواسِيَ}: جمع راسية من رسا الشيء إذا ثبت ورسخ وفي المختار: والرواسي من الجبال الرواسخ واحدتها راسية وفي المصباح: رسا الشيء يرسو رسوا ورسوّا ثبت فهو راس وجبال راسية وراسيات ورواس.
تَمِيدَ: في المصباح: ماد يميد ميدا من باب باع وميدانا بفتح الياء تحرك وفي الأساس: غصن مائد مائل وماد يميد ميدانا ومن المجاز مادت المرأة وماست وتميّدت وتميّست ومادت به الأرض دارت، ورجل مائد: يدار به والمطعون يميد في الرمح.
فِجاجًا: في المختار: الفج بالفتح: الطريق الواسع بين الجبلين والجمع فجاج بالكسر مثل سهم وسهام والفج بالكسر البطيخ الشامي وكل شيء من البطيخ والفواكه لم ينضج فهو فج بالكسر وفي القاموس: الفج وجمعه فجاج، والفجاج: الطريق الواسع بين جبلين.

.الإعراب:

{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالأرض كانَتا رَتْقًا فَفَتَقْناهُما} الهمزة للاستفهام الإنكاري والواو حرف عطف على مقدر ولم حرف نفي وقلب وجزم و{الذين} فاعل وجملة {كفروا} صلة وان وما بعدها سدت مسد مفعولي رأى لأن الرؤية قلبية وان واسمها وجملة {كانتا} خبرها والالف اسم كان و{رتقا} خبرها وفي الاخبار به ما تقدم في زيد عدل أي كانت الشمس والأرض نفس الرتق، {ففتقناهما} الفاء عاطفة وفتقناهما فعل وفاعل ومفعول به والجملة معطوفة على {كانتا} والميم والالف حرفان دالان على التثنية، قال الأخفش: إنما قال كانتا لأنهما صنفان أي جماعتا السموات والأرضين كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالأرض أَنْ تَزُولا} وقال الزجاج: إنما قال: {كانتا} لأنه يعبر عن السموات بلفظ الواحد لأن السموات كانت سماء واحدة وكذلك الأرضون. {وَجَعَلْنا مِنَ الماء كُلَّ شيء حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} {وجعلنا} عطف على ما تقدم و{جعلنا} فعل وفاعل بمعنى خلق و{من الماء} متعلقان بجعلنا لأنها بمعنى خلقنا أو بمحذوف حال من كل شيء لأنه كان في الأصل وصفا له فلما قدم عليه نصب على الحال ولك أن تجعل {وجعلنا} بمعنى صير متعديا لاثنين فيكون {من الماء} في محل نصب على أنه مفعول ثان و{كل شيء} مفعول أول، {أفلا} الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء عاطفة على محذوف ولا نافية و{يؤمنون} فعل مضارع مرفوع والواو فاعل.
{وَجَعَلْنا فِي الأرض رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} {وجعلنا} عطف على {جعلنا} و{في الأرض} إما مفعول ثان و{رواسي} هو المفعول الأول وإما متعلقان بجعلنا أو بمحذوف حال و{رواسي} مفعول به وان وما في حيزها في محل نصب مفعول لأجله أي كراهة أن تميد أو لئلا تميد و{بهم} متعلقان بتميد.
{وَجَعَلْنا فِيها فِجاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} {وجعلنا} عطف على ما تقدم و{فيها} هو المفعول الثاني أو متعلق بـ: {جعلنا} و{فجاجا} حال لأنه كان صفة لسبلا وتقدم عليه و{سبلا} مفعول به ولعل واسمها وجملة {يهتدون} خبرها.
{وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ} {وجعلنا السماء} فعل وفاعل ومفعول به أول و{سقفا} مفعول به ثان {وهم} مبتدأ و{عن آياتها} متعلقان بمعرضون و{معرضون} خبرهم والجملة حالية أو استئنافية.
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} الواو عاطفة و{هو} مبتدأ و{الذي} خبر وجملة {خلق} صلة وفاعل {خلق} ضمير مستتر تقديره هو و{الليل} مفعول به وما بعده عطف عليه و{كل} مبتدأ وساغ الابتداء لما فيه من معنى العموم و{في فلك} متعلقان بيسبحون وجملة {يسبحون} خبر {كل} وجملة {كل في فلك يسبحون} محلها النصب على الحال من الشمس والقمر، وانما جعل الضمير واو العقلاء للوصف بفعل هو من خصائص العقلاء هو السباحة وتقدم نظيره في قوله: {رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ}.

.الفوائد:

1- بحث شيق في المفعول لأجله:
هذا بحث طريف أفرد له سيبويه فصلا خاصا في كتابه وهو بتعلق بالمفعول لأجله المؤول وهو هنا في قوله: {وَجَعَلْنا فِي الأرض رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} قال ما خلاصته: هو من وادي قولهم: أعددت هذه الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه قال ومعناه ان ادعم الحائط إذا مال وانما قدم ذكر الميل اهتماما بشأنه ولأنه أيضا هو السبب في الإدغام، وادعام سبب في إعداد الخشبة فعامل سبب السبب معاملة السبب وعليه حمل قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى} كذلك ما نحن بصدده يكون الأصل وجعلنا في الأرض رواسي لأجل أن تثبتها إذا مادت بهم فجعل الميد هو السبب كما جعل الميل في المثل المذكور سببا وصار الكلام وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد فتثبتها ثم حذف فتثبتها لأمن الإلباس إيجازا واختصارا. وهذا لعمري أولى مما درجنا عليه في الإعراب لأن مقتضى ما ذكرناه وذكره أكثر المعربين والمفسرين يقتضي أن لا تميد الأرض بأهلها لأن اللّه كره ذلك ومكروه اللّه تعالى محال أن يقع كما أن مراده واجب أن يقع والمشاهد خلاف ذلك فكم من زلزلة مادت لها الأرض وكادت تقلب عاليها سافلها واما على تقرير سيبويه فالمراد أن اللّه تعالى يثبت الأرض بالجبال إذا مادت وهذا لا يأبى وقوع الميد، وهذا بحث جليل قلّ من ينتبه له إلا بعد هذا التفصيل فتأمله تر السحر الحلال وان من البيان لسحرا.
2- ذهب سيبويه والجمهور إلى القول بأن لفظي كل وبعض معرفتان بنية الإضافة ولذلك يأتي الحال منهما كقولهم مررت بكل قائما وببعض جالسا، وأصل صاحب الحال التعريف وذهب الفارسي إلى أنهما نكرتان وألزم من قال بتعريفهما أن يقول إن نصفا وسدسا وثلثا وربعا ونحوها معارف لأنها في المعنى مضافات وهي نكرات بإجماع، ورد بأن العرب تحذف المضاف وتريده وقد لا تريده ودلّ مجيء الحال بعد كل وبعض على إرادته، بقي هنا سؤال واحد وهو لم أتى بصيغة الجمع وهما اثنان؟ والجواب ان الضمير عائد عليهما مع الليل والنهار وذلك لأن الليل والنهار يسبحان أيضا لأن الليل ظل الأرض وهو يدور على محيط كرة الأرض على حسب دوران الأرض وكذلك النهار يدور أيضا لأنه يخلف الليل في المحيط.