فصل: قال في ملاك التأويل عن الفاتحة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



69- الإِخبار عن تسبيح الموجودات: {سَبَّحَ للهِ} {يُسَبِّح للهِ}.
70- سجدة السّاجدين: {وَللَّهِ يَسْجُدُ} {وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ}.
71- تفاوُت حال الخلائق: {هُمْ دَرَجَات عِندَ اللَّهِ}.
72- الهداية إِلى نور الله: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ}.
73- تنوير العالم: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ}.
74- الشفاعة بأَمره: {قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ}.
75- الصّلاة على الرّسول: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}.
76- وعد القبول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ}.
77- رؤية الأَعمال: {فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ}.
78- قبض الأَرواح: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا}.
79- جَمْع الرّسل في القيامة: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ}.
80- إِضافة الحُكْم إِليه: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ}.
81- الأَمر يرجع إِليه: {وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}.
82- ذكر التثبيت: {يُثَبِّتُ اللَّهُ}.
83- ذكر البركة: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ}.
84- سرعة الحساب: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
85- شديد العقاب: {إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
86- صعوبة العذاب: {وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.
87- وعد الأَجر والثواب: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ}.
88- جزاءُ أَهل الصّدق: {لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ}.
89- الثناء عليهم: {قَالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ}.
90- علم القيامة: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}.
91- مَحْق الربا: {يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا}.
92- صنع اللطيف: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}.
93- علامة الإِيمان: {صِبْغَةَ اللَّهِ}.
94- الفطرة الأُولى: {فِطْرَتَ اللَّهِ}.
95- عطاءَ المُلْك: {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ}.
96- اختصاص النبوّة: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ}.
97- تخليق الليل والنّهار: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}.
98- وعد اليسر والسّهولة: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}.
99- بيان حكم الشريعة: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ}.
100- إرادة التخفيف: {يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}.
101- نفى الحَرَج في العبوديّة: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ}.
102- عَقْد عَلَم الولاية لنا: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ}.
103- فَلْق الحبّ: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}.
104- شرى المؤمنين عناية بهم: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ}.
105- دفع العذاب حماية لهم: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُواْ}.
{وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ}.
106- رفع الدّرجة والمنزلة: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ}.
107- إِنفاذ القضاءِ والمشيئة: {لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا}.
108- الوعد السّالم من الخُلْف: {وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ}.
109- الدّعوة إِلى الله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ}.
110- ثواب الجنَّة: {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ}.
111- طلب العَوْن والنُصْرة: {مَنْ أَنَّصَارِي إِلَى اللَّهِ}.
112- وعد الرضا في العاقبة: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ}.
113- توفيق الطَّاعة: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ}.
114- ضمان الأَجر على الشهادة: {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ اللَّهِ}.
115- قبول التوبة من الزَّلَّة: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ}.
116- حوالة الحكم إِلى الحضرة: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ}.
117- المرجع بعد الموت إِليه: {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ}.
118- طلب العدل والحقّ من كتاب الله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ}.
119- حوالة النِّعمة، والرّأفة، والرّحمة: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}.
120- حصر الخالِقِيّة: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}.
121- الكلّ منه، وبه، وإِليه، أَوّلًا وآخِرًا، دنيا وعُقْبى: {قُلْ كُلّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ}.
122- ابتداء القرآن: {بِسْمِ الله}.
123- ختمه: {قُلْ هُوَ الله}.
هذه مائة وعشرون ونيف خَصْلة، بعضها في صفات الربوبيّة، وبعضها في خصال العبوديّة، وبعضها قهر أَهل الضلال، وبعضها ملاطفة أَهل الكمال، وبعضها تفصيل الأَحوال المنسوبة إِلى حضرة الجلال، ولله الآخرة والأُولى، يشهد على ذلك بلسان الحال والقال. اهـ.

.قال في ملاك التأويل عن الفاتحة:

هي أم القرآن ومطلع الكتاب العزيز وأول سورة في الترتيب الثابت ومشروعية حمده سبحانه في ابتداء الأمور وختامها متقرر معلوم وقد تكرر في الكتاب العزيز افتتاحا واختتاما، وأمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وقل الحمد لله} والمتردد من صفة حمدة حمده سبحانه في معظم الوارد منه في الكتاب العزيز ما افتتحت به أم القرآن من قوله تعالى: {الحمد لله} وما ورد في سورة الجاثية من قوله: {فلله الحمد} [آية 36] ثم وقع إتباع المفتتح من السور بحمده جل وتعالى بأوصاف مختلفات مما انفرد به سبحانه فالسائل أن يسأل في ذلك أربعة سؤالات:
السؤال الأول: ما الفرق بين الوارد في أم القرآن وما جرى مجراها مما افتتح بقوله: {الحمد لله} وبين الواقع في سورة الجاثية من قوله: {فلله الحمد}؟
السؤال الثاني: ما وجه افتتاح السور الخمس وهى: سورة أم القرآن والأنعام والكهف وسبأ وفاطر بقوله: {الحمد لله} واختصاصها بذلك مع تساوي السور كلها في استقلالها بأنفسها وامتياز بعضها من بعض؟
السؤال الثالث: ما وجه تخصيص كل آية منها بما ورد من أوصافه تعالى المتبع بها حمده؟ ففى أم القرآن: {الحمد لله رب العالمين} وفي الأنعام: {الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور} وفي الكهف: {الذي أنزل على عبده الكتاب} وفي سبأ: {الذي له ما في السماوات وما في الأرض} وفي فاطر: {فاطر السماوات والأرض}. فهل هذا التخصيص لمناسبة تقتضيه حتى لا يلائم سورة منها من ذلك في غيرها؟
السؤال الرابع: ما وجه كون الوارد من حمده في الخواتم والانتهاءات لم يطرد فيه ما أطرد في افتتاح هذه السور من اختلاف التوابع بل جرى على أسلوب واحد فقال سبحانه: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} وقال تعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} وقال تعالى: {وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} وقال تعالى: {وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين} فورد هذا مكتفي فيه بوصفه سبحانه بأنه رب العالمين والجواب عن السؤال الأول: بعد تمهيده وهو أن نقول أن قوله تعالى: {الحمد لله} مبتدأ وخبر وكذلك قوله: {فلله الحمد} وتأخر في هذه الثانية المبتدأ، والحاصل في الموضعين معنى واحد وهو حمده سبحانه بما هو أصله. ومعلوم أن التقديم والتأخير فيما بين المبتدأ والخبر إذا لم يقع عارض مما يعرض في التركيب، ككون المبتدأ مما يلزم صدر الكلام، أو كون الخبر كذلك، فيلزم تقديم ما له الصدرية إلى غير ذلك من العوارض وهى كثيرة، فما لم يعرض عارض يوجب لأحدهما التقديم أو التأخير فتقديم أيهما كان وتأخير الآخر عربي فصيح، إلا أن مرتبة المبتدأ التقديم ليبنى عليه الخبر، فتقديمه عند عدم العوارض اللفظية أولى كما في القرآن.
وإذا وضح هذا فللسائل أن يقول: ما الموجب لتقديم الخبر على المبتدإ في سورة الجاثية؟ وهل كان يسوغ عكس الواقع؟
والجواب: أن العوارض الموجبة لتقديم ما مرتبته التأخير وتأخير ما مرتبته التقديم ليست منحصرة في جهة التركيب اللفظي، بل قد يعرض من جهة المعنى. وتقدير الكلام ما يقتضى ذلك ويوجبه.
وإذا تقرر هذا فنقول: إن قوله تعالى: {فلله الحمد} ورد على تقدير الجواب بعد إرغام المكذب وقهره ووقوع الأمر مطابقًا لأخبار الرسل عليه السلام، وظهور ما كذب الجاحد به، فعند وضوح الأمر كأن قد قيل لمن الحمد ومن أهله؟ فكان الجواب على ذلك فقيل: {فلله الحمد}. نظير هذا قوله تعالى: {لمن الملك}؟ ثم قال: {لله الواحد القهار} ألا ترى تلاقى الآيتين فيما تقدمهما فالمتقدم في سورة غافر قوله تعالى: {لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء}. فعند ظهور الأمر للعيان ومشاهدة ما قد كان خبرًا قيل لهم: {لمن الملك اليوم}. وتقد في سورة الجاثية قوله تعالى: {وبدا لهم سيئات ما عملوا} الآيات. وإنما ذلك يوم التلاقي والعرض عليه سبحانه فعند المعاينة وزوال الارتياب والشكوك كأن قد قيل لهم: لمن الحمد ومن أهله؟ فورد الجواب بقوله: {فلله الحمد}. فالآية كالآية، والمقدر المدلول عليه كالمنطوق، والإيجاز مستدع لذلك. ولما تقدم ذكر الملك في آية غافر منطوقًا به لم يحتج إلى إعادة ذكره، فقيل: {لله الواحد القهار} ولم يقل: فلله الملك لتقدم ذكره. ولما كان الحمد في سورة الجاثية لم يتقدم ذكره، وإنما هو مقدر يدل عليه السابق لم يكن بد من الافصاح به في الجواب فقيل: فلله الحمد ولأجل ما قصد من تقريع المكذبين وتوبيخهم عند انقطاع الدعاوى ووضوح الأمر أتبع حمده تعالى بقوله: {رب السماوات ورب الأرض رب العالمين}. فذكر ربوبته تعالى لما أبداه وأوجده من أعظم مخلوقاته وأبدع مصنوعاته، قال تعالى: {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} وأعاد ذكر ربوبيته مع كل من هذه المخلوقات العظام، المنصوبة للاستدلال بها والاعتبار بعظيم خلقها وما فيها، فقال: {رب السماوات ورب الأرض} ثم أتبع بما يعم ربوبيته لذلك كله فقال: {رب العالمين}. والعالم ما سواه سبحانه من جميع مخلوقاته ثم قال: {وله الكبرياء في السماوات والأرض} أى الانفراد بالعظمة والجلال والخلق والأمر، وهو العزيز الذي ذل كل مخلوق لعزته وقهره، الحكيم في أفعاله الذي جلت حكمته عن أن تدرك الأفهام غاياتها أو يحيط ذوو التفكر بنهاياتها فناسب ما ورد هنا من الإطالة بتكرر- ما ذكر- مقصود الآية، وذلك هو الجارى متى قصد تعنيف المشركين ومن عبد مع الله غيره وهو وارد في غير ما موضع من كتاب الله تعالى وتكرير لفظ {رب} في قوله: {ورب الأرض}. مما يشهد لهذا الغرض من قصد تقريع الجاحدين. ولما كان الوارد في أم القرآن خطابًا للمؤونين وتعليما للمستجيبين مجردا عما قصد في آية الجاثية من توبيخ المكذبين ورد على ما قدم من الاكتفاء. وكل على ما يجب ويناسب.
والجواب عن السؤال الثاني: إن وجه تخصيص السور الخمس بما افتتحت به من حمده تعالى ما ذكر آنفا. أما أم القرآن فهى أول السور ومطلع القرآن العظيم بالترتيب الثابت فافتتاحها بحمده تعالى بين.
أما سورة الأنعام فمشيرة إلى إبطال مذهب الثنويه ومن قال بمثل قولهم ممن جعل الأفعال بين فاعلين إلى ما يرجع إلى هذا وقد بسطت هذا في كتاب البرهان.
وإذا كانت هذه السورة مشيرة إلى ما ذكر وانفردت بذلك فافتتاحها بحمده تعالى بين.
وفي الجواب عن السؤال الثاني لهذا زيادة بيان.
وأما سورة الكهف فكذلك لبنائها على قصة أصحاب الكهف وذكر ذى القرنين حسبما ألفت يهود لسائلهم من كفار قريش وذلك مما لم يتكرر في القرآن فافتتحت بحمده تعالى وذلك بين.
وأما سورة سبأ فإن قصة سبأ لم يرد فيها أيضًا في غير هذه السورة إلا الإيماء الوارد في قوله في سورة النمل {وجئتك من سبإ بنبإ يقين} فلما تضمنت سورة سبأ من هذا ما تضمنت ومن قصص داود وسليمان عليهما السلام وما منحهما الله سبحانه وتعالى من تسخير الجبال والطير والجن وإلانة الحديد ولم يجتمع مثل هذا التعريف في سواها افتتحها سبحانه بحمده وانفراده بملك السماوات والأرض وما فيهما وأنه أهل الحمد في الدنيا والآخرة.
وأما سورة فاطر ففيهما التعريف بخلق الملائكة عليهم السلام وجعلهم رسلا أولى أجنحة إلى خلق السماوات والأرض وامساكهما أن تزولا وانفراده بذلك ولم يقع هذا التعريف في غيرها من سور القرآن فناسب هذه المقاصد المفردة التي لم ترد في غير هذه السور ما افتتحت به ولا يلزم على هذا اطراد ذلك في كل سورة انفردت بحكم أو تعريف ليس في غيرها بل جواز ذلك منسحب على الجميع واختصاص هذه السور بذلك واضح لانفرادها بما ذكرناه.
والجواب عن السؤال الثالث: أن أم القرآن لما كانت أول سورة ومطلع آياته وهو المبين لكل شيء والمعرف بوحدانيته سبحانه وانفراده بالخلق والاختراع وملك الدارين فناسب ذلك من أوصافه العلية ما يشير إلى ذلك كله من أنه رب العالمين وأنه الرحمن الرحيم وأنه ملك يوم الدين حتى تنقطع الدعاوى وتظهر الحقائق ويبرز ما كان خبرا إلى العيان وهذا واضح.
وأما مناسبة الوصف الوارد في سورة الأنعام فمن حيث ما وقع فيها من الإشارة إلى من عبد الأنوار وجعل الخير والشر من الظلمة فافتتحها تعالى بوصفه بأنه خالق السماوات والأرض وهى الأجرام التي عنها الظلمات وفيها الأجرام النيرات وذكر تعالى أنه خالق الأنوار وأعاد سبحانه ذكر ما فيه الدلالة البينة على بطلان مذهب من عبد النيرات أو شيئا منها في قوله تعالى: {وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض} الآيات فقال: {فلما جن عليه الليل رأى كوكبا} ثم قال عليه السلام على جهة الفرض لإقامة الحجة على قومه: {هذا ربى فلما أفل قال لا أحب الآفلين} ثم قال ذلك في الشمس والقمر مستدلا بتغيرها وتقلبها في الطلوع والغروب على أنها حادثة مربوبة مسخرة طائعة لموجدها المنزه عن سمات التغير والحدوث فقال عليه السلام عند ذلك لقومه: {إنى برئ مما تشركون} فأخبر عن حاله قبل هذا الاعتبار وبعده. قال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 67] وفى طي قوله: {وما كان من المشركين} تنزيه عن عبادة النيرات وغيرها مما سواه تعالى وبان من هذا كله ما افتتحت به السورة من انفراده تعالى بخلق السماوات والأرض والظلمات والنور فوضح التناسب والتلازم.
وأما سورة الكهف فإنها لما انطوت على التعريف بقصة أصحاب الكهف ولقاء موسى عليه السلام الخضر وما كان من أمرهما وذكر الرجل الطواف وبلوغه مطلع الشمس ومغربها وبنائه سد يأجوج ومأجوج وكل هذا إخبار بما لا مجال للعقل في إدراكه ولا تعرف حقبقته إلا بالوحي والإنباء الصدق الذي لا عوج فيه ولا أمت ولا زيغ ناسب ذلك ذكر افتتاح السورة المعرفة بذلك الوحي المقكوع به قوله: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا} والتناسب في هذا أوضح من أن يتوقف فيه.
وأما سورة سبأ فلما تضمنت ما منح سبحانه داود وسليمان من تسخير الجبال والطير وإلانة الحديد ناسب ذلك ما به افتتحت السورة من أن الكل ملكه وخلقه فهو المسخر لها والمتصرف في الكل بما يشاء فقال تعالى: {الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} وهذا واضح التناسب.
وأما سورة فاطر فمناسبة صفه تعالى باختراع السماوات والأرض لما ذكره من خلق عامري السماوات من الملائكة وجعلهم رسلًا أولى أجنحة وإمساكه السماوات والأرض أن تزولا أبين شيء وأوضحه وليس شيء من هذه الأوصاف العلية بمناسب لغير موضعه كمناسبة موضعه الوارد فيه. فقد بان مجئ كل واحد منهما في موضعه ملائمًا لما اتصل به، والله أعلم.
والجواب عن السؤال الرابع: أن الخواتم والانتهاءات في السور والآيات لما كان كان غير مقصود بها ما قصد في المواضع المتقدمة وانما هي مشروعية للمؤمنين عند خواتم أعمالهم وانقضاء أمورهم وقع الاكتفاء فيها بقوله: {الحمد لله رب العالمين} إذ في طي ذلك اعتراف للمؤمن وعلمه بانفراد موجده جل وتعالى بالخلق والأمر وملك الدارين، وأهليته سبحانه وتعالى لكل ما تضمنت الأوصاف كلها في السور المذكورة، وليس موضع توبيخ ولا تقريع فناسب الاكتفاء بما ذكر، والله أعلم. اهـ.