فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُواْ ءَالِهَةً مِّنَ الأرض} أي مما خلق في الأرض.
{هُمُ يُنشِرُونَ} فيه قولان:
أحدهما: يخلقون، قاله قطرب.
الثاني: قاله مجاهد، يحيون، يعني الموتى، يقال: أنشر الله الموتى فنشروا أي أحياهم فحيوا، مأخوذ من النشر بعد الطي، قال الشاعر:
حتى يقول الناس مما رأوا ** يا عجبًا للميت الناشِر

قوله تبارك وتعالى: {لَوْ كَانَ فيهما} يعني في السماء والأرض.
{ءَالهِةٌ إِلاَّ اللَّهُ} فيه وجهان:
أحدهما: معناه سوى الله، قاله الفراء.
الثاني: أن إلا الواو، وتقديره: لو كان فيهما آلهة والله لفسدتا، أي لهلكتا بالفساد فعلى الوجه الأول يكون المقصود به إبطال عباد غيره لعجزه عن أن يكون إلهًا لعجزه عن قدرة الله، وعلى الوجه الآخر يكون المقصود به إثبات وحدانية الله عن أن يكون له شريك يعارضه في ملكه.
قوله عز وجل: {لاَ يُسْأَلُ عَمَا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يسأل الخلق الخالق عن قضائه في خلقه، وهو يسأل الخلق عن عملهم، قاله ابن جريج.
الثاني: لا يسأل عن فعله، لأن كل فعله صواب وهولا يريد عليه الثواب، وهم يسألون عن أفعالهم، لأنه قد يجوز أن تكون في غير صواب، وقد لا يريدون بها الثواب إن كانت صوابًا فلا تكون عبادة، كما قال تعالى: {ليسأل الصادقين عن صدقهم} [الأحزاب: 8].
الثالث: لا يُحْاسَب على أفعاله وهم يُحْسَبُونَ على أفعالهم، قاله ابن بحر.
ويحتمل رابعًا: لا يؤاخذعلى أفعاله وهم يؤاخذون على أفعالهم.
قوله تعالى: {هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي} فيه وجهان:
أحدهما: هذا ذكر من معي بما يلزمهم من الحلال والحرام، وذكر من قبلي ممن يخاطب من الأمم بالإِيمان، وهلك بالشرك، قاله قتادة.
الثاني: ذكر من معي بإخلاص التوحيد في القرآن، وذكر من قبلي في التوراة والإِنجيل، حكاه ابن عيسى. اهـ.

.قال ابن عطية:

{أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرض هُمْ يُنْشِرُونَ (21)}.
هذه {أم} التي هي بمنزلة ألف الاستفهام، وهي هاهنا تقرير وتوقيف، ومذهب سيبويه أنها بمنزلة بل مع ألف الاستفهام، كأن في القول إضرابًا عن الأول ووقفهم الله تعالى هل {اتخذوا آلهة} يحيون ويخترعون، أي ليست آلهتكم كذلك فهي آلهة لأن من صفة الإله القدرة على الإحياء والإماتة. وقرأت فرقة {يُنشرون} بضم الياء بمعنى يحيون غيرهم، وقرأت فرقة {يَنشرون} بمعنى يحيونهم وتدوم حياتهم يقال نشر الميت وأنشره الله تعالى، ثم بين تعالى أمر التمانع بقوله: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدنا} وذلك بأنه كان يبغي بعضهم على بعض ويذهب بما خلق، واقتضاب القول في هذا أن الإلهين لو فرضنا فوقع بينهما الاختلاف في تحريك جرم وتسكينه فمحال أن تتم الإرادتان ومحال أن لا تتم جميعًا، وإذا تمت الواحدة كان صاحب الأخرى عاجزًا، وهذا ليس بإله، وجواز الاختلاف عليهما بمنزلة وقوعه منهما ونظر آخر وذلك أن كل جزء يخرج من العدم إلى الوجود فمحال أن يتعلق به قدرتان، فإذا كانت قدرة أحدهما موجدة بقي الآخر فضلًا لا معنى له في ذلك الجزء، ثم يتمادى النظر هكذا جزءًا جزءًا ثم نزه تعالى نفسه عما وصفه أهل الجهالة والكفر، ثم وصف نفسه تعالى بأنه {لا يسأل عما يفعل} وهذا وصف يحتمل معنيين: إما أن يريد أنه بحق ملكه وسلطانه لا يعارض ولا يسأل عن شيء يفعله إذ له أن يفعل في ملكه ما يشاء، وإما أن يريد أنه محكم الأفعال واضع كل شيء موضعه فليس في أفعاله موضع سؤال ولا اعتراض، وهؤلاء من البشر يسألون لهاتين العلتين لأنهم ليسوا مالكين ولأنهم في أفعالهم خلل كثير، ثم قررهم تعالى ثانية على اتخاذ الآلهة، وفي تكرار هذا التقرير مبالغة في نكره وبيان فساده، وفي هذا التقرير زيادة على الأول وهي قوله تعالى: {من دونه} فكأنهم قررهم هنا على قصد الكفر بالله عز وجل، ثم دعاهم إلى الحجة والإيتان بالبرهان. وقوله تعالى: {هذا ذكر من معي وذكر من قبلي} يحتمل ان يريد به هذا جميع الكتب المنزلة قديمها وحديثها، أي ليس فيها برهان على اتخاذ آلهة من دون الله، بل فيها ضد ذلك، ويحتمل أن يريد هذا القرآن والمعنى فيه ذكر الأولين والآخرين، فذكر الآخرين بالدعوة وبيان الشرع لهم وردهم على طريق النجاة، وذكر الأولين بقص أخبارهم وذكر الغيوب في أمورهم، ومعنى الكلام على هذا التأويل عرض القرآن في معرض البرهان أي {هاتوا برهانكم} فهذا برهاني أنا ظاهر في {ذكر من معي وذكر من قبلي} وقرأت فرقة {هذا ذكرُ من} {وذكرُ من} بالإضافة فيهما، وقرأت فرقة {هذا ذكرُ من} بالإضافة {وذكرٌ مِن قبلي} بتنوين {ذكر} الثاني وكسر الميم من قوله تعالى: {مِن قبلي} وقرأ يحيى بن سعيد وابن مصرف بالتنوين في {ذكرٌ مِن} في الموضعين وكسر الميم من قوله من في الموضعين، وضعف أبو حاتم هذه القراءة كسر الميم في الأولى ولم يرلها وجهًا، ثم حكم عليهم تعالى بأن {أكثرهم لا يعلمون الحق} لإعراضهم عنه وليس المعنى {فهم معرضون} لأنهم لا يعلمون بل المعنى {فهم معرضون} ولذلك {لا يعلمون الحق} وقرأ الحسن وابن محيصن {الحقُ} بالرفع على معنى هذا القول هو الحق والوقف على هذه القراءة على {لا يعلمون}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

ثم إِن الله تعالى عاد إِلى توبيخ المشركين فقال: {أم اتَّخَذوا آلهة من الأرض} لأن أصنامهم من الأرض هي، سواء كانت من ذهب أو فضة أو خشب أو حجارة {هُمْ} يعني: الآلهة {يُنْشِرون} أي: يُحْيُون الموتى.
وقرأ الحسن: {يَنشُرون} بفتح الياء وضم الشين، وهذا استفهام بمعنى الجحد، والمعنى: ما اتخذوا آلهة تَنْشُر ميتًا.
{لو كان فيهما} يعني: السماء والأرض {آلهةٌ} يعني: معبودين {إِلا الله} قال الفراء: سوى الله.
وقال الزجاج: غير الله.
قوله تعالى: {لفَسَدَتَا} أي: لخربتا وبطلتا وهلكَ من فيهما، لوجود التمانع بين الآلهة، فلا يجري أمر العالَم على النظام، لأن كل أمر صدر عن اثنين فصاعدًا لم يَسْلَم من الخلاف.
قوله تعالى: {لا يُسأَل عمَا يَفْعَل} أي: عمَا يَحْكُم في عباده من هدي وإِضلال، وإِعزاز وإِذلال، لأنه المالك للخلق، والخلق يُسأَلون عن أعمالهم؛ لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم، ولمَا أبطل عز وجل أن يكون إِله سواه من حيث العقل بقوله: {لفسدتا}، أبطل ذلك من حيث الأمر فقال: {أم اتَّخَذوا من دونه آلهة} وهذا استفهام إِنكار وتوبيخ {قل هاتوا برهانكم} على ما تقولون، {هذا ذِكْر مَنْ معي} يعني: القرآن خبر مَن معي على ديني ممن يتبعني إِلى يوم القيامة بمالهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية {وذِكْر مَنْ قبلي} يعني: الكتب المنزلة، والمعنى: هذا القرآن، وهذه الكتب التي أُنزلت قبله، فانظروا هل في واحد منها أن الله أمر باتخاذ إِله سواه؟ فبطل بهذا البيان جواز اتخاذ معبود غيره من حيث الأمر به.
قال الزجاج: قيل لهم: هاتوا برهانكم بأن رسولًا من الرسل أخبر أُمَّته بأن لهم إلهًا غير الله!.
قوله تعالى: {بل أكثرهم} يعني: كفار مكة {لا يعلمون الحقَّ} وفيه قولان:
أحدهما: أنه القرآن، قاله ابن عباس.
والثاني: التوحيد، قاله مقاتل.
{فهم مُعْرِضُون} عن التفكُّر والتأمُّل وما يجب عليهم من الإِيمان. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَمِ اتخذوا آلِهَةً مِّنَ الأرض هُمْ يُنشِرُونَ}.
قال المفضل: مقصود هذا الاستفهام الجحد، أي لم يتخذوا آلهة تقدر على الإحياء.
وقيل: أم بمعنى هل أي هل اتخذ هؤلاء المشركون آلهة من الأرض يحيون الموتى.
ولا تكون أم هنا بمعنى بل؛ لأن ذلك يوجب لهم إنشاء الموتى إلا أن تقدر أم مع الاستفهام فتكون أم المنقطعة فيصح المعنى؛ قاله المبرد.
وقيل: أم عطف على المعنى أي أفخلقنا السماء والأرض لعبًا، أم هذا الذي أضافوه إلينا من عندنا فيكون لهم موضع شبهة؟ أو هل ما اتخذوه من الآلهة في الأرض يحيي الموتى فيكون موضع شبهة؟.
وقيل: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10] ثم عطف عليه بالمعاتبة، وعلى هذين التأويلين تكون أم متصلة.
وقرأ الجمهور: {يُنْشِرُونَ} بضم الياء وكسر الشين من أنشر الله الميت فنُشِر أي أحياه فحيي.
وقرأ الحسن بفتح الياء؛ أي يحيون ولا يموتون.
قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} أي لو كان في السموات والأرضين آلهة غير الله معبودون لفسدتا.
قال الكسائي وسيبويه: إلا بمعنى غير فلما جعلت إلا في موضع غير أعرب اسم الذي بعدها بإعراب غير، كما قال:
وكلُّ أخٍ مفارقُه أخوهُ ** لَعَمْرُ أبيكَ إلاّ الْفَرْقَدَان

وحكى سيبويه: لو كان معنا رجل إلا زيد لهلَكِنا.
وقال الفراء: إلا هنا في موضع سوى، والمعنى: لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلها.
وقال غيره: أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير؛ لأن أحدهما إن أراد شيئًا والآخر ضده كان أحدهما عاجزًا.
وقيل: معنى {لَفَسَدَتَا} أي خربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بالاختلاف الواقع بين الشركاء.
{فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش عَمَا يَصِفُونَ} نَزّه نفسه وأمر العباد أن ينزهوه عن أن يكون له شريك أو ولد.
قوله تعالى: {لاَ يُسْأَلُ عَمَا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.
قاصمة للقدرية وغيرهم.
قال ابن جريج: المعنى لا يسأله الخلق عن قضائه في خلقه وهو يسأل الخلق عن عملهم؛ لأنهم عبيد.
بيّن بهذا أن من يسأل غدًا عن أعماله كالمسيح والملائكة لا يصلح للإلهية.
وقيل: لا يؤاخذ على أفعاله وهم يؤاخذون.
وروي عن علي رضي الله عنه أن رجلًا قال له: يا أمير المؤمنين: أيحب ربنا أن يعصى؟ قال: أفيعصى ربنا قهرًا؟ قال: أرأيت إن منعني الهدى ومنحني الردى أأحسن إلى أم أساء؟ قال: إن منعك حقك فقد أساء، وإن منعك فضله فهو فضله يؤتيه من يشاء.
ثم تلا الآية {لاَ يُسْأَلُ عَمَا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.
وعن ابن عباس قال: لما بعث الله عز وجل موسى وكلمه، وأنزل عليه التوراة، قال: اللهم إنك رب عظيم، لو شئت أن تطاع لأُطِعت، ولو شئت ألا تُعصى ما عُصيت، وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تُعصى فكيف هذا يا رب؟ فأوحى الله إليه: إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون.
قوله تعالى: {أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً} أعاد التعجب في اتخاذ الآلهة من دون الله مبالغة في التوبيخ؛ أي صفتهم كما تقدم في الإنشاء والإحياء، فتكون أم بمعنى هل على ما تقدم، فليأتوا بالبرهان على ذلك.
وقيل: الأول احتجاج من حيث المعقول؛ لأنه قال: {هُمْ يُنْشِرُونَ} ويحيون الموتى؛ هيهات! والثاني احتجاج بالمنقول، أي هاتوا برهانكم من هذه الجهة، ففي أي كتاب نزل هذا؟! في القرآن، أم في الكتب المنزلة على سائر الأنبياء؟! {هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ} بإخلاص التوحيد في القرآن {وَذِكْرُ مَن قَبْلِي} في التوراة والإنجيل، وما أنزل الله من الكتب؛ فانظروا هل في كتاب من هذه الكتب أن الله أمر باتخاذ آلهة سواه؟ فالشرائع لم تختلف فيما يتعلق بالتوحيد، وإنما اختلفت في الأوامر والنواهي.
وقال قتادة: الإشارة إلى القرآن؛ المعنى: {هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ} بما يلزمهم من الحلال والحرام {وَذِكْرُ مَن قَبْلِي} من الأمم ممن نجا بالإيمان وهلك بالشرك.
وقيل: {ذِكْرُ مَن مَّعِيَ} بما لهم من الثواب على الإيمان والعقاب على الكفر {وَذِكْرُ مَن قَبْلِي} من الأمم السالفة فيما يفعل بهم في الدنيا، وما يفعل بهم في الآخرة.
وقيل: معنى الكلام الوعيد والتهديد، أي افعلوا ما شئتم فعن قريب ينكشف الغطاء.
وحكى أبو حاتم: أن يحيى بن يعمر وطلحة بن مُصرِّف قرأا {هذا ذِكْرٌ مِنْ معِي وذِكْرٌ مِنْ قَبْلِي} بالتنوين وكسر الميم، وزعم أنه لا وجه لهذا.
وقال أبو إسحاق الزجاج في هذه القراءة: المعنى؛ هذا ذكرٌ مما أنزل إلى ومما هو معي وذكرٌ مِن قبلي.
وقيل: ذكرٌ كائن مِن قبلي، أي جئت بما جاءت به الأنبياء من قبلي.
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق} وقرأ ابن مُحيصن والحسن {الْحَقُّ} بالرفع بمعنى هو الحقُّ وهذا هو الحقُّ.
وعلى هذا يوقف على {لا يعلمون} ولا يوقف عليه على قراءة النصب {فَهُمْ مُّعْرِضُونَ} أي عن الحق وهو القرآن، فلا يتأملون حجة التوحيد. اهـ.