فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد بسطه عبد الحكيم في حاشيته على الخيالي ولا حاجة بنا إلى إثبات كلامه هنا.
والاستثناء في قوله تعالى: {إلا الله} استثناء من أحد طرفي القضية لا من النسبة الحكمية، أي هو استثناء من المحكوم عليه لا من الحكم.
وذلك من مواقع الاستثناء لأن أصل الاستثناء هو الإخراج من المستثنى منه فالغالب أن يكون الإخراج من المستثنى باعتبار تسلط الحكم عليه قبلَ الاستثناء وذلك في المفرغ وفي المنصوب، وقد يكون باعتباره قبل تسلط الحكم عليه وذلك في غير المنصوب ولا المفرغ فيقال حينئذ إن إلا بمعنى غير والمستثنى يعرب بدلًا من المستثنى منه.
وفُرع على هذا الاستدلال إنشاء تنزيه الله تعالى عن المقالة التي أبطلها الدليل بقوله تعالى: {فسبحان الله ربّ العرش عما يصفون} أي عما يصفونه به من وجود الشريك.
وإظهار اسم الجلالة في مقام الإضمار لتربية المهابة.
ووصفه هنا برب العرش للتذكير بأنه انفرد بخلق السماوات وهو شيء لا ينازعون فيه بل هو خالق أعظم السماوات وحاويها وهو العرش تعريضًا بهم بإلزامهم لازم قولهم بانفراده بالخلق أن يلزم انتفاء الشركاء له فيما دون ذلك.
{لَا يُسْأَلُ عَمَا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)}.
الأظهر أن هذه الجملة حال مكملة لمدلول قوله تعالى: {لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون} [الأنبياء: 1920] كما تقدم عند قوله تعالى: {أم اتخذوا آلهة من الأرض} [الأنبياء: 21] إلخ.
فالمعنى أن مَنْ عنده وهم المقربون من المخلوقات هم مع قربهم يُسألون عما يفعلون ولا يسألونه عما يفعل، أي لم يبلغ بهم قربهم إلى حدّ الإدلال عليه وانتصابهم لتعقب أفعاله.
فلما كان الضمير المرفوع بالنيابة عن الفاعل مشعرًا بفاعل حُذف لقصد التعميم، أي لا يَسأل سائلٌ الله تعالى عما يفعل.
وكان ممن يشملهم الفاعل المحذوف هم مَن عنده من المقربين، صَحّ كون هذه الجملة حالًا من {مَن عنده} [الأنبياء: 19]، على أن جملة {لا يسأل عما يفعل} تمهيد لجملة {وهم يسألون}.
على أن تقديمه على جملة {وهم يسألون} اقتضته مناسبة الحديث عن تنزيهه تعالى عن الشركاء فكان انتقالًا بديعًا بالرجوع إلى بقية أحوال المقربين.
فالمقصود أن مَن عنده مع قربهم ورفعة شأنهم يحاسبهم الله على أعمالهم فهم يخافون التقصير فيما كلفوا به من الأعمال ولذلك كانوا لا يستحسرون ولا يفترون.
وبهذا تعلم أن ليس ضمير {وهم يسألون} براجع إلى ما رجع إليه ضمير {يَصفون} [الأنبياء: 22] لأن أولئك لا جَدوى للإخبار بأنهم يُسألون إذ لا يتردد في العلم بذلك أحدٌ، ولا براجع إلى {آلهة من الأرض} [الأنبياء: 21] لعدم صحة سؤالهم، وذلك هو ما دعانا إلى اعتبار جملة {لا يسأل عما يفعل} حالًا مِن {مَن عنده} [الأنبياء: 19].
والسؤال هنا بمعنى المحاسبة، وطلب بيان سبب الفعل، وإبداء المعذرة عن فعل بعض ما يُفعل، وتخلّص من ملام أو عتاب على ما يفعل.
وهو مثل السؤال في الحديث «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
فكونهم يسألون كناية عن العبودية لأن العبد بمظنة المؤاخذة على ما يَفعل وما لا يفعل وبمظنة التعرض للخطأ في بعض ما يفعل.
وليس المقصود هنا نفي سؤال الاستشارة أو تطلب العلم كما في قوله تعالى: {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30]، ولا سؤالَ الدعاء، ولا سؤال الاستفادة والاستنباط مثل أسئلة المتفقهين أو المتكلمين عن الحِكَم المبثوثة في الأحكام الشرعية أو في النظم الكونية لأن ذلك استنباط وتتبع وليس مباشرةً بسؤال الله تعالى، ولا لتطلب مخلص من ملام.
وفي هذا إبطال لإلهية المقربين التي زعمها المشركون الذين عبدوا الملائكة وزعموهم بنات الله تعالى، بطريقة انتفاء خاصية الإله الحق عنهم إذ هم يُسألون عما يفعلون وشأن الإله أن لا يُسأل.
وتُستخرج من جملة {لا يسأل عما يفعل} كنايةٌ عن جريان أفعال الله تعالى على مقتضى الحكمة بحيث إنها لا مجال فيها لانتقاد منتقد إذا أتقن الناظر التدبّر فيها أو كُشف له عما خفي منها.
{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً}.
جملة {أم اتخذوا من دونه آلهة} تأكيد لجملة {أم اتخذوا آلهة من الأرض} [الأنبياء: 21].
أُكد ذلك الإضراب الانتقالي بمثله استعظامًا لِفظاعته وليُبنَى عليه استدلالٌ آخر كما بُني على نظيره السابق؛ فإن الأول بني عليه دليلُ استحالةٍ من طريق العقل، وهذا بني عليه دليل بطلان بشهادة الشرائع سابِقِها ولاحقها، فلقن الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول: {هاتوا برهانكم} أي، هاتوا دليلًا على أنّ لله شركاء من شواهد الشرائع والرسل.
والبرهان: الحجة الواضحة.
وتقدم في قوله تعالى: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم} في سورة النساء (174).
والإشارة في قوله تعالى: {هذا ذكر من معي} إلى مقدّر في الذهن يفسره الخبر.
والمقصود من الإشارة تمييزه وإعلانه بحيث لا يستطيع المخاطب المغالطة فيه ولا في مضمونه، كقوله تعالى: {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه} في سورة لقمان (11)، أي أن كتب الذكر أي الكتب الدينية في متناول الناس فانظروا هل تجدون في أحد منها أن لله شركاء وأن الله أذن باتخاذهم آلهة.
وإضافة {ذِكر} إلى {مَن معي} من إضافة المصدر إلى مفعوله وهم المذكَّرون بفتح الكاف.
والمعية في قوله تعالى: {مَن معي} معيَّة المتابعة، أي مَن معي من المسلمين، فما صْدق مَن الموصولة الأمم، أي هذا ذكر الأمة التي هي معي، أي الذكر المنزل لأجلكم.
فالإضافة من إضافة المصدر إلى المفعول كقوله تعالى: {لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم} [الأنبياء: 10].
والمراد بقوله تعالى: {هذا ذكر من معي} القرآن، وأما قوله تعالى: {وذكر من قبلي} فمعناه ذكر الأمم الذين هم قبلي يشمل جميع الكتب السالفة المعروفة: التوراة والزبور والإنجيل وكتاب لقمان.
وهذا كقوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائمًا بالقسط في} [آل عمران: 18].
وأضرب عن الاستدلال بأنه استدلال مضيع فيهم بقوله تعالى: {بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون}، أي لا تَرجُ منهم اعترافًا ببطلان شركهم من دليل العقل المتقدم ولا من دليل شهادة الشرائع المذكور ثانيًا، فإن أكثرهم لا يعلمون الحق ولا يكتسبون عِلمه.
والمراد بكونهم لا يعلمون الحق أنهم لا يتطلبون علمه كما دلت عليه قرينة التفريع عليه بقوله تعالى: {فهم معرضون}، أي معرضون عن النظر في الأدلة التي تدعوهم أنت إلى معرفتها والنظر فيها.
وإنما أسند هذا الحكم إلى أكثرهم لا لجميعهم تسجيلًا عليهم بأن قليلًا منهم يعلمون الحق ويجحدونه، أو إيماء إلى أن قليلًا منهم تهيّأت نفوسهم لقبول الحقّ.
وتلك هي الحالة التي تعرض للنفس عند هبوب نسمات التوفيق عليها مثل ما عرض لعمر بن الخطاب حين وجد اللوح عند أخته مكتوبًا فيه سورة طه فأقبل على قراءته بشَرَاشِرِه فما أتمها حتى عزم على الإسلام. اهـ.

.قال الشعراوي:

{أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرض هُمْ يُنْشِرُونَ (21)} أي: فما لهم أعرضوا عن كل هذه الحقائق؟ ألهم آلهة غيري وأنا خالق السماء والأرض، وهي لي بمَنْ فيها من الإنس والجن والملائك'؟ فالجميع عَبْد لي يُسبِّح بحمدي، فما الذي أعجبهم في غيري فأعرضوا عني، وانصرفوا إليه؟ أهو أحسن مني، أو أقرب إليهم مني؟
كأن الحق- تبارك وتعالى- يستنكر انصرافهم عن الإله الحق الذي له كل هذا الملك، وله كل هذه الأيادي والنِّعَم.
وقوله تعالى: {هُمْ يُنشِرُونَ} [الأنبياء: 21] أي: لهم قدرة على إحياء الموتى وبَعثْهم. وشيء من هذا كله لم يحدث؛ لأنه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ}.
فمَع انصرافكم عن الإله الحق الذي له مًُلْك السماء والأرض، وله تُسبِّح جميع المخلوقات، لا يوجد إله آخر {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] أي: ما زال الكلام مرتبطًا بالسماء والأرض {لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] السماء والأرض، وهما ظرفان لكلِّ شيء من خَلْق الله.
ومعنى {إِلاَّ الله} [الأنبياء: 22] إلا: أداة استثناء تُخرِج ما بعدها عن حكم ما قبلها كما لو قلتَ: جاء القوم إلا محمد، فقد أخرجتَ محمدًا عن حكم القوم وهو المجيء، فلو أخذنا الآية على هذا المعنى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] يعني: لو كان هناك آلهة، الله خارج عنها لفسدت السماوات والأرض.
إذن: ما الحال لو قلنا: لو كان هناك آلهة والله معهم؟ معنى ذلك أنها لا تفسد. فإلا إنْ حققت وجود الله، فلم تمنع الشَّركة مع الله، وليس هذا مقصود الآية، فالآية تقرر أنه لا إله غيره.
إذن: إلا هنا ليست أداةَ استثناء. إنما هي اسم بمعنى غير كما جاء في قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} [هود: 36].
فالمعنى: لو كان فيهما آلهة موصوفة بأنها غير الله لَفسدتَا، فامتنع أن يكون هناك شريك.
وهناك آية أخرى: {قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلًا} [الإسراء: 42].
الحق سبحانه وتعالى يعطينا القسمة العقلية في القرآن: فلنفرض جدلًا أن هناك آلهة أخرى: {قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا} [الإسراء: 42] أي: لو حدث هذا {لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلًا} [الإسراء: 42].
السبيل: الطريق، أي طلبوا طريقًا إلى ذي العرش أي: إلى الله، لماذا؟ إما ليجادلوه ويصاولوه، كيف أنه أخذ الألوهية من خلف ظهورهم، وإمّا ليتقربوا إليه ويأخذوا ألوهية من باطنه، وقوة في ظل قوته، كما أعطى الله تعالى قوة فاعلة للنار مثلًا من باطن قوته تعالى، فالنار لا تعمل من نفسها، ولَكِن الفاعل الحقيقي هو الذي خلق النار، بدليل أنه لو أراد سبحانه لَسِلَبها هذه القدرة، كما جاء في قول الحق سبحانه وتعالى: {قُلْنَا يا نار كُونِي بَرْدًا وسلاما على إبراهيم} [الأنبياء: 69].
وقوله: {مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وما كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} [المؤمنون: 91] وهذه الآية الكريمة وأمثالها تثبت أنه سبحانه موجود وواحد.
أما على اعتبار أن إلا استثناء فهي تثبت أنه موجود، إنما معه شريك، وليس واحدًا. فهي- إذن- اسم بمعنى غير، ولما كانت مبنية بناء الحروف ظهر إعرابها على ما بعدها {لو كان فيهما آلهة إلا اللهُ} فيكون إعراب غيرُ إعراب إلا الذي ظهر على لفظ الجلالة الله. لَكِن، لماذا تفسد السماء والأرض إنْ كان فيهما آلهة غير الله؟ قالوا: لأنك في هذه المسألة أمام أمرين: إما أن تكون هذه الآلهة مستوية في صفات الكمال، أو واحد له صفات الكمال والآخر له صفة نقص. فإنْ كان لهم صفات الكمال، اتفقوا على خَلْق الأشياء أم اختلفوا؟
إنْ كانوا متفقين على خَلْق شيء، فهذا تكرار لا مُبرِّر له، فواحد سيخلق، والآخر لا عملَ له، ولا يجتمع مؤثران على أثر واحد.
فإن اختلفوا على الخَلْق: يقول أحدهم: هذه لي. ويقول الآخر: هذه لي، فقد علا بعضهم على بعض.
أما إنْ كان لأحدهم صفة الكمال، وللآخر صفة النقص، فصاحب النقص لا يصحّ أن يكونَ إلهًا. وهكذا الحق سبحانه وتعالى يُصرِّف لنا الأمثال ويُوضِّحها ليجلي هذه الحقيقة بالعقل وبالنقل: لا إله إلا الله، واتخاذ آلهة معه سبحانه أمر باطل.
كذلك يردُّ على الذين يدعون مع الله آلهة أخرى مثل مَنْ قالوا: العزيرُ ابن الله ومَنْ قالوا: المسيح ابن الله. ومَن اتخذوا الملائكة آلهة من دون الله: {أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57].
إن هؤلاء الذين تدعُونهم مع الله يطلبون إليه وسيلة، ويتقرّبون إليه سبحانه، وينظرون أيّهم أقرب إلى الله من الآخر، فكيف يكونون آلهة؟
ثم يقول تعالى: {فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش} [الأنبياء: 22] أي: تنزيهًا لله عَمَا قال هؤلاء: {عَمَا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22] أي: يُلحِدون ويكذبون ويفترون.
والعرش: هو السرير الذي يجلس عليه الملك، وهو علامة الملْك والسيطرة، كما في قوله تعالى عن ملكة سبأ على لسان الهدهد: {إِنِّي وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23] فحين يقول سبحانه {رَبِّ العرش} [الأنبياء: 22] ينصرف إلى عرشه تعالى، الذي لا يعلو عليه، ولا ينازعه عَرْش آخر. ثم يقول الحق سبحانه عن ذاته سبحانه: {لَا يُسْأَلُ عَمَا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} فالله تعالى لا يُسأل عما يفعل؛ لأن السائلَ له مراتب مع المسئول، والعادة أن يكون المسئول في مرتبة أَدْنى من السائل؛ لذلكلا احدَ يسأل الله تعالى عَمَا يفعل، أمّا هو سبحانه فيسأل الناس.
لذلك قال بعض الظرفاء: الدليل على أن الله لا شريك له، خَلْقه لفلان، لأنه له كان له شريك كان عارضه في هذه المسألة.
إذن: لا أحدَ أعلى من الله، حتى يسأله: لِمَ فعلتَ كذا وكذا؟
ثم يقول الحق سبحانه: {أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ}.
طالما اتخذوا من دون الله آلهة فهاتوا البرهان على صِدْقها، كما أن الله تعالى- وهو الإله الحق- أتى بالبراهين الدامغة على وجوده، وعلى قدرته، وعلى وحدانيته، وعلى أحديته، فهاتوا أنتم أيضًا ما لديكم، أم أنها آلهة لا أدلةَ لها ولا برهانَ عليها، فلم تنزل كتابًا، ولا أرسلتْ رسولًا، ولا جاءت بمنهج.
فأين هم إذن؟ إذا لم يكونوا على دراية بما يحدث، فهي آلهة غافلة لا يصح أنْ يحتلوا هذه المنزلة، وإنْ كانوا على دراية فلمَ لَمْ يُجابهوا الحقائق ويدافعوا عن أنفسهم؟ إذن: هم ضعفاء عن هذه المواجهة.
وقوله تعالى: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} [الأنبياء: 24] أي: هاتوا الدليل على وجود آلهة غير الله، والبرهان: التدليل بإيجاد الكون على هذا النظام البديع، فهل سمعتم أن إلهًا آخر قال: أنا الذي أوجدتُ؟ هل أرسل رسولًا بآية؟
إذن: هذا كلام كذب وافتراء واختلاق من عند أنفسكم؛ لأنكم لستم أهلَ علم في شيء، ولا يعني هذا عدمَ وجود العلم، إنما العلم موجود، ولَكِنكم مُعرِضون عن سماعه: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق فَهُمْ مُّعْرِضُونَ} [الأنبياء: 24].
كأن للحق سمات يعلم بها، فَمنْ أقبل على معرفة الحق وجده، أما مَنْ أعرض عن المعرفة، فمن أين له أنْ يعرف؟ إذن: فالحق موجود ولو التمسوه لوجدوه وعرفوه، وأمسكوا بالدليل عليه. اهـ.